السّلامُ عَلَيْكمْ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكآتُهُ «
هل التصفح أو الإشراف على المنتدى أفضل أم قراءة القرآن وفعل الطاعات ؟
سؤال سألته اخت في أحد المنتديات عن الوقت الذي تقضيه على النت و هل هو مضيعة للوقت فأحببت أن تشاركوني الفائدة :
سؤال:
نحن مشرفات بمنتدى نسائي ولكن يدخله الرجال بحدود ولأقسام معينة
ونجلس بحكم هذا العمل الإشرافي الساعات الطوال نحذف ونعدل ونرتب المواضيع
والمنتدى توجهه ولله الحمد إسلامي وهدفه سليم ،
ولكن هل هذا الوقت الذي نقضيه من الدعوة إلى الله ؟
وهل الجلوس لقراءة القرآن أو فعل الطاعات أفضل من هذا الإشراف ؟
الجواب:
الحمد لله
الدعوة إلى الله تعالى من أجل الأعمال الصالحة ، والقربات النافعة ، والطاعات المتعدّية لنفع الآخرين ، ولهذا كان القائم عليها والمنشغل بها
سائرا على سبيل الأنبياء والمرسلين ،
كما قال تعالى :
( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ
أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) يوسف ،
وقال سبحانه :
( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/
وقد جاء في الترغيب في القيام بأمر الدعوة نصوص من الكتاب والسنة ،
منها قوله صلى الله عليه وسلم :
( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ ،
لا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ) رواه مسلم
والدعوة إلى الله لها وسائلها المتنوعة ، وطرقها الكثيرة ، كالكلام المباشر ،
في الخطب والمواعظ والمحاضرات ، وعبر الأشرطة ، والكتابة عبر الرسائل ،
والنشرات ، وفي المنتديات .
ومن ذلك : إنشاء المنتديات النافعة ، والإشراف عليها ،
وتوجيه أهلها ، والتعليق على ما مقالاتهم ومشاركاتهم ،
فكل ذلك من وسائل الدعوة إلى الله تعالى ،
وتعليم الناس الخير .
بل هذه المنتديات أصبحت وسيلة رائدة في التوجيه ،
والإصلاح ، والدعوة والاحتساب ،
وللقائمين عليها أجر عظيم على قدر نياتهم وأعمالهم ،
وبذلهم وعطائهم .
وعليه ؛ فينبغي أن تحتسبي الوقت الذي تقضينه في متابعة هذه المشاركات
والتعليق عليها وتوجيه أصحابها ،
لكن مع الحذر من أن يشغلك هذا عما هو أهم وأنفع ، كالقيام بمسئولية الزوج والأولاد ، وتحصيل العلم الشرعي ، والمحافظة على قراءة القرآن والأوراد ،
فإن بعض الناس ينشغل بمتابعة المنتديات عن أعمال أهم ،
وقربات أعظم ، والفقه هو معرفة الأولويات ،وتقديم الأهم على المهم .
وما أجمل أن يضرب الإنسان في كل غنيمة بسهم ، فيكون له حظ من هذا ومن هذا ،
يهتم بما ينفع نفسه وما ينفع غيره ، يسعى في الارتقاء بنفسه علما وعملا ،
ويبذل من وقته في نفع الآخرين ودعوتهم وإصلاحهم ،
فلا يشغله حق عن حق ، ولا يصرفه خير عن خير ،
وبهذا يجعل الله لكلامه تأثيرا ، ولنصحه فائدة ، لأنه قرن القول بالعمل ،
والنفس تحتاج إلى فقه في التعامل معها ، فيغتنم الإنسان فترة إقبالها وحضورها ،
فتارة يكون ذلك بقراءة القرآن ، والإكثار من النوافل ،
وتارة بحضور مجالس العلم ومطالعة كتبه ، وتارة بدخول المنتدى والإشراف عليه ،
فأفضل العبادة ما صادف حضور النفس وإقبالها وانشراحها ،
و وافق وقت الحاجة إليها .
ولابن القيم رحمه الله كلام نافع جدا في المفاضلة بين العبادات ، نورد شيئا منه ،
فمن ذلك قوله رحمه الله :
" وكذلك حال القلب ، فكل حال كان أقرب إلى المقصود الذي خلق له فهو أشرف مما دونه ،وكذلك الأعمال ، فكل عمل كان أقرب إلى تحصيل هذا المقصود كان أفضل من غيره ،
وإذا اشتركت عدة أعمال في هذا الإفضاء فأفضلها أقربها إلى هذا المفضى ،وهو أنه قد يكون العمل المعين أفضل منه في حق غيره .
فالغنى الذي بلغ له مال كثير ونفسه لا تسمح ببذل شيء منه
فصدقته وإيثاره أفضل له من قيام الليل وصيام النهار نافلة .
والشجاع الشديد الذى يهاب العدو سطوته ،وقوفه في الصف ساعة وجهاده أعداء الله أفضل من الحج والصوم والصدقة والتطوع .
والعالم الذى قد عرف السنة والحلال والحراموطرق الخير والشر ،
مخالطته للناس وتعليمهم ونصحهم في دينهم
أفضل من اعتزاله وتفريغ وقته للصلاة
وقراءة القرآن والتسبيح .
وقال أيضا :
والأفضل في أوقات السحر :
الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار .
والأفضل في وقت استرشاد الطالب وتعليم الجاهل :
الإقبال على تعليمه والاشتغال به .
والأفضل في أوقات الأذان :
ترك ما هو فيه من ورده والاشتغال بإجابة المؤذن .
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس :
الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه والمبادرة إليها في أول الوقت ، والخروج إلى الجامع وإن بعُد كان أفضل .
والأفضل في وقت الوقوف بعرفة :
الاجتهاد في التضرع والدعاء والذكر دون الصومالمضعف عن ذلك .
والأفضل في أيام عشر ذي الحجة :
الإكثار من التعبد ، لا سيما التكبير والتهليل والتحميدفهو أفضل من الجهاد غير المتعين .
والأفضل في العشر الأخير من رمضان :
لزوم المسجد فيه والخلوة والاعتكافدون التصدي لمخالطة الناس والاشتغال بهم
حتى إنه أفضل من الإقبال على تعليمهم العلم وإقرائهم القرآن عند كثير من العلماء …
وصاحب التعبد ليس له غرض في تعبد بعينه بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت .
فمدار تعبده عليها ، فهو لا يزال متنقلا في منازل العبودية
فهذا دأبه في السير حتى ينتهي سيره ،
فإن رأيت العلماء رأيته معهم ،
وإن رأيت العباد رأيته معهم ،
وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم ،
وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم ،
وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم ،
وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم ،
فهذا هو العبد المطلق الذي لم تملكه الرسوم ،
ولم تقيده القيود ، ولم يكن عمله على مراد نفسه
وما فيه لذتها وراحتها من العبادات ،
بل هو على مراد ربه ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه ،
فهذا هو المتحقق ب (إياك نعبد وإياك نستعين) حقا ،
القائم بهما صدقا " انتهى من "مدارج السالكين" (1/88).
وخلاصة الجواب :
أن الإشراف على هذا المنتدى هو من الدعوة إلى الله تعالى ،
فلا ينبغي تركه ، ولكن ينبغي أن ينظّم المسلم وقته ،
فللدعوة إلى الله وقت ، ولقراءة القرآن وقت ،
وللصلاة وقت ، وللأهل والأسرة وقت ، وهكذا ،
فيعطي كل ذي حق حقه ,
نسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .
....
منقول
الإسلام سؤال وجواب