الظلم ظلمات يوم القيامة
الحمد لله قاصم الجبابرة قهراً،وكاسر الأكاسرة كسراً،وواعد المؤمنين من لدنه نصراً.
أحمده سبحانه وأشكره،وأتوب إليه وأستغفره،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجوها عنده ذخراً،
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله أعز به بعد الذلة ، وأغنى به بعد العَيْلَة، وجمع به بعد الفرقة فعلت به أمته ذكراً، وشرفت به قدراً صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن سلك سبيلاً يبتغي به للدين نصراً .
عليكم عباد الله بتقوى الله فإن فيها المخرج من كل ضيق والنجاة من كل كرب.
أمة الإسلام الظلم من طبيعة النفس البشرية في بني آدم قال الله تعالى مبيناً ذلك {.. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}([1]) .
وظلوم أي كثير الظلم لنفسه ولغيره ، وقال جل في علاه { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(2).
فالإنسان بطبعه ظلوم جهول بالعواقب ولا يرتدع عن الظلم إلا بسبب علة كوازع من دين أو قانون صارم ؛
الظلم محرم في دين الله وقد توعد الجبار عليه بقوله {يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}(3).
والظلم أيها الأحبة في الله أنواع منها ظلم العبد لنفسه وظلم العبد لغيره واليوم أود التركيز على ظلم العبد لغيره ،
هذا النوع من الظلم أشد وأخطر أنواع الظلم وقد منعه الله في حق الحيوان ورتب عليه العقوبة الكبيرة فقد أخبر الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه عن ذلك بقوله ((دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ))(5).
فتأملوا معاشر المؤمنين واعتبروا هذا في حال ظلم هرة فما بالكم بمن يظلم مؤمناً موحداً يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟
ما بالكم بمن كثر ظلمه فظلم خلقاً كثيراً وأراق دماء زكية وروع أعداداً ضخمة من البشر ، والظالم أيها الأحبة يدعوه في الغالب إلى الظلم ما آتاه الله من القوة والسلطان والقدرة على البطش وضعف الطرف المظلوم
فهذا فرعون يوم أن ملكه الله على بني إسرائيل دفعه ذلك إلى ظلمهم وسفك دمائهم حتى قال كما أخبر الله عنه
{…قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}(6).
فأوغل في سفك الدماء قتل الأطفال الصغار الأبرياء الذين لا ذنب لهم ، فهل تركه الله ؟ لا.
إن الله جل وعلا الملك الحق العدل سبحانه لا يرضى الظلم ولا الظالمين وقد توعدهم سبحانه بقوله {… إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ}(7).
فقصمه قاصم الجبابرة الظلمة الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وجعله آية وعبرة للظالمين على مر الزمن
فقال جل جلاله {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (
نعم الله القوي القادر الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء تكفل بنصرة المظلوم الضعيف ولو بعد حين أخبرنا بذلك من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى يوم أن قال
(( ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ))(9).
قصة
عن وهب بن منبه قال بنى جبار من الجبابرة قصراً وشيده فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه فركب الجبار يوماً وطاف حول القصر،فرأى الكوخ
فقال:لمن هذا ؟فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه.فأمر به فهدم،
فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت من هدمه؟فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء وقالت:يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت؟ قال:فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من فيه فقلبه.
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً…فالظلم يرجع عقباه إلى الندم…
تنام عيناك والمظلوم منتبه…يدعو عليك وعين الله لم تنم،
وقيل لم سجن خالد بن برمك وولده قال ولده له:يا أبت بعد العز صرنا في القيد والحبس،فقال يا بني دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها ولم يغفل الله عنها،وكان يزيد بن حكيم يقول:ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته،وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله يقول لي:حسبي الله،الله بيني وبينك؛ ستعلم يا ظلوم إذا التقينا…غداً عند المليك من الملوم.
قصة
ومما حكي قال بعضهم :رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف وهو ينادي من رآني فلا يظلمن أحداً فتقدمت إليه،فقلت له:يا أخي ما قصتك؟ قال يا أخي قصتي عجيبة،وذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوماً صياداً وقد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني،فجئت إليه فقلت:أعطني هذه السمكة،فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي،فضربته وأخذتها منه قهراً ومضيت بها.
قال:فبينما أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي وألقيتها من يدي ضربت على إبهامي وآلمتني ألماً شديداً حتى لم أنم من شدة الوجع والألم وورمت يدي،
فلما أصبحت أتيت الطبيب وشكوت إليه الألم،فقال هذه بدء الآكلة أقطعها وإلا تقطع يدك،فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم،
فقيل لي:اقطع كفك فقطعته ،وانتشر الألم في الساعد وآلمني ألماً شديداً ولم أطق القرار،وجعلت أستغيث من شدة الألم فقيل اقطعها إلى المرفق فقطعتها،
فانتشر الألم إلى العضد فقيل اقطع يدك من كتفك وإلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها.فقال لي بعض الناس:ما سبب ألمك؟
فذكرت قصة السمكة ، فقال لي:لو رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة واستحللت منه وأرضيته لما قطعت من أعضائك عضواً،
فاذهب إليه الآن واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك.
[/b]قال:فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته،فوقعت على رجليه أقبلها وأبكي وقلت له:يا سيدي سألتك الله إلا عفوت عني.
فقال لي:ومن أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً ،وذكرت له ما جرى وأريته يدي فبكى حين رآها ثم قال:يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء،
فقلت:يا سيدي بالله هل كنت دعوت علي لما أخذتها؟ قال:نعم قلت:اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه.
هذه القصص ونحوها تبين أن الله ليس بغافل عن ظلم الظالمين؛
{وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ}(10).
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الظالم مهما علا شأنه ومهما راج على ضعاف الإيمان بطشه فإنه هالك لا محالة وأنه كلما زاد في عتوه وظلمه كلما قربت ساعته ونهايته
فهذا فرعون يوم أن بلغ في ظلمه أنه أراد قتل نبي الله وقتل العباد المؤمنين معه بجيش جرار حشده لذلك أخذه الله أخذ عزيز مقتدر
{وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ}(11).
{ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}(12).
وغيره الكثير ممن أهلكهم الله بظلمهم ، وقد قال لنا لحبيب المصطفى
(( إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ))(13).
فإلى كل مظلوم من المسلمين نقول له ابشرفإن قدرك عند الله عال وإن الله لمنتقم لك من الظالمين.
وإلى كل أرملة قتل زوجها ظلماً ،
إلى كل ثكلى فقدت أولادها بغياً،
إلى كل يتيم قتل أباه غدراً،
إلى كل فقير هدمت داره أشراً وبطراً،
أقول لهم إن الله مطلع عليم يرى ويسمع ما يحدث سبحانه وقد وعدكم وربكم لا يخلف الميعاد بقوله
{… إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (7).