الجوع جند من جنود الله
فإن جنود الله لا عد لها ولا حصر: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا)
ومن تلك الجنود (الجوع) يسلطه الله - تعالى - على من يشاء من عباده إما:
1/ عذابا كما في قوله - تعالى -: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النحل 112)].
2/ وإما ابتلاء وامتحانا:
• قال - تعالى -: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف130)].
• وللجوع مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه سير وعبر فعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟
قال: (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلاَؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلاَءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) [رواه أحمد (1481) والترمذي (2398) وابن ماجه (4023) قال الترمذي (حديث حسن صحيح) وصححه ابن حبان(2900)].
• عن النعمان بن بشير قال: سمعت عمر بن الخطاب يخطب فذكر ما فتح على الناس فقال: ((لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَلْتَوِي يَوْمَهُ مِنَ الْجُوعِ مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ)) [رواه مسلم (2978) والطيالسي (57) واللفظ له].
• ومن ذلك ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم - أو ليلة - فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ((مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا هَذِهِ السَّاعَةَ؟) قالا: أخرجنا الجوع من بيوتنا والذي بعثك بالحق قال: ((وَأَنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، قُومُوا)) فقاموا معه، فأتى رجلا من الأنصار فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة، قالت: مرحبا وأهلا، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَينَ فُلان؟)) قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء، إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، قال: فانطلق، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المدية (السكينة)، فقال له رسول الله –
صلى الله عليه وسلم -: (إِيَّاكَ، وَالْحَلُوبَ) فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا، فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر، وعمر: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هَذَا النَّعِيمُ))[رواه مسلم (2038)].
• ولقد وقعت مجاعات عظمية في العالم الإسلامي أهلكت الحرث والنسل ذكر ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -في أحداث سنة 449هـ قائلا: وقع وباء بالأهواز وأعمالها وبواسط، وبالنيل، ومطير آباذ، والكوفة، وطبق الأرض حتى كان يخد (يحفر) للعشرين والثلاثين زبية فيلقون فيها، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، وكان الفقراء يشوون الكلاب، وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونهم، وكان لرجل جريبان أرضًا دفع إليه في ثمنها عشرة دنانير فلم يبعها، فباعها حينئذ بخمسة أرطال خبز، وأكلها ومات من وقته.
وطويت التجارات، وأمور الدنيا، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهيز والدفن، وكان الإنسان قاعدًا فينشق قلبه عن دم المهجة فيخرج إلى الفم منه قطرة فيموت الإنسان. ا. هـ [المنتظم(16/17)].
• وقال - رحمه الله - في أحداث سنة 462هـ: وفي ذي القعدة: ورد من عدد من البلاد كثير من رجال ونساء هاربين من الجرف والغلاء، وأخبروا أن مصر لم يبق بها كبير أحد من الجوع والموت، وأن الناس أكل بعضهم بعضًا، وظهر علي رجل قد ذبح عدة من الصبيان والنساء وطبخ لحومهم وباعها، وحفر حفيرة دفن فيها رءوسهم وأطرافهم، فقتل، وأكلت البهائم فلم يبق إلا ثلاثة أفراس لصاحب مصر بعد ألوف من الكراع، وماتت الفيلة، وبيع الكلب بخمسة دنانير،
وأوقية زيت بقيراط، واللوز والسكر بوزن الدراهم، والبيضة بعشرة قراريط، وراوية الماء بدينار لغسل الثياب.
عدل سابقا من قبل حبيبه في الثلاثاء 20 سبتمبر 2011, 10:47 am عدل 1 مرات