مُوازَنَـــة
" بئس بيت مطبخه أكبر من مكتبته "
نور الجندلي
أرفعُ هذه العبارة شعاراً عالياً ، أتجرّأ بها على كلّ ثقافةٍ حديثة ، وأجابهُ بها خضار الصّين ، وبهارات الهند ، وحلويات الشّام بكلّ عناد ؛ تلك الألوان الساحرة من الطعام ، والتي احتلّت المكانة الكبرى في القلوب ، في كل بيت على السّواء ، بغضّ النظر عن ثقافة أهله ، أو مستواهم العلمي . وهي تتصدّر بقوّة أحاديث المجالس ، فترجح كفّتها في ميزان اهتمامات الناس ، لتطغى على أخبار وقضايا الأمة الإسلاميّة بأسرها ، وتغدو القضيّة الأسمى التي يطمحون لها ، والحديث الأمتع الذي يصغون إليه باهتمام ..
أصبحت العلاقات الزوجيّة تعاني التخمة ، مذ سمعت النساء بالحكمة العظيمة " الطريق إلى قلب الرّجل معدته " ولما أصبحت ميزة الزوجة المثالية أن تكون ذات نفس متميز في الطهي .. دون التفات إلى عقلها وحكمتها ، والطريقة التي تتبعها في تربية أطفالها .
التّرف يزداد ، والأطفالُ يزدادون سمنة ، وأمراض السّكر تنتشرُ مثل النار في الهشيم . ولا بأس في كلّ هذا فثقافتنا أساسها علوم المطبخ لتطغى على كلّ علوم .
في زمان مضى .. كانوا يحمّلون المرأة إلى بيت زوجها وصايا كثيرة ، منها الطاعة والحب والاحترام ، وكانت تحمل في قلبها أولاً كتاب الله ، إما حافظة ، أو طالبة تتعلمه ، وتتفقه أسراره بين يدي زوجها ، فترتقي الأسرة ، ويتكامل البناء بأفراد ينطلقون إلى الحياة علماء أو دعاة مصلحين ..
وفي زماننا ، تتصدر كتب الطبخ المكان الرئيس في كل مكتبة ، ويكفي أن ترمق تلك الكتب من بعيد لتدرك مدى اهتمام تلك المرأة وخبرتها ووعيها ، وحرصها على بيتها .
ولك أن تناقش أطفالها ويناقشوك في ثقافة ( الديجيتال ) المعلّبة أو ( البلاي ستيشن ) ، ولكن .. احذر من الاقتراب إلى ثقافتك ، ثقافة أمتك الإسلامية ، فهي بعيدة كل البعد عن مسار التفكير أو الاهتمام.
ثورة الطعام والمطبخ قد احتّلت جزءً لا يستهانُ به من حياتنا ..
أصبحت المطابخ أكثر اتساعاً في رقعتها عن ذي قبل ، واتصلت بها ملحقات أخرى ، تدفع عليها المبالغ الباهظة ، لتكوّن الأسرة الراقية !
وأصبح مد العلم والكتب ينحسر ..
الرائي والحاسوب تصدرا في وجودهما حياتنا ، فمحيت كل معالم قديمة للعلم الأصيل ، وأصبحت الكتب فن قديم لا يتداوله إلا أناس مازالوا يحملون أفكاراً من عصورٍ بالية !
كلّ شيء حولنا أصبح جميلاً معداً لراحتنا ، سهل المنال ..
لكن قلوبنا تزداد فقراً ، وعقولنا تزداد جهلاً ..!
يُرعبني التفكيرُ بالمستقبل ، وما سيؤول إليه الحال بعد أعوام !
هل سنودُ إلى زمن الجاهلية بثوبٍ حديث ؟ نرطنُ بكلمات أعجميّة لنتظاهر بالثقافة ، ونتفاخرُ بموسوعات الرشاقة والطبخ التي تحشو عقولنا بترهات .
ونتناسى تاريخنا ، وإرثاُ عظيماً ينتظرنا في طيات الكتب المنسية .
سنفتخرُ حقاً بوضع أطفالنا ، ومستواهم في المدارس الأجنبيّة ، وسنسعدُ كلما تملصنا من حضارتنا السوية ..
لن نشعر لحظتها بقسوة قلوبنا ، ولن نبكِ موت الضمير في شعوبنا ، ولن نلتفت أبداً إلى ماضينا .. لأنّ سكان الحفر المظلمة لن يلحظوا يوماً جمال التحليق فوق القمم .
أخيراً هي ليست ثورة على الطعام ، ولا تصفية لحساب قديم بيننا ، إنما هي دعوة لتدارك التقصير ، وإصلاح الخلل في سائر الحياة ككل ، ولطرق أبواب العلم النافع من جديد ، وهي دعوة للتشبث بالجذور ، والتنبه من الغفلة ..
فليكن همنا ملء وعاء العقل بما يثري وينفع ، فـ " ما ملأ امرئ وعاء شراً من بطنه " .
" بئس بيت مطبخه أكبر من مكتبته "
نور الجندلي
أرفعُ هذه العبارة شعاراً عالياً ، أتجرّأ بها على كلّ ثقافةٍ حديثة ، وأجابهُ بها خضار الصّين ، وبهارات الهند ، وحلويات الشّام بكلّ عناد ؛ تلك الألوان الساحرة من الطعام ، والتي احتلّت المكانة الكبرى في القلوب ، في كل بيت على السّواء ، بغضّ النظر عن ثقافة أهله ، أو مستواهم العلمي . وهي تتصدّر بقوّة أحاديث المجالس ، فترجح كفّتها في ميزان اهتمامات الناس ، لتطغى على أخبار وقضايا الأمة الإسلاميّة بأسرها ، وتغدو القضيّة الأسمى التي يطمحون لها ، والحديث الأمتع الذي يصغون إليه باهتمام ..
أصبحت العلاقات الزوجيّة تعاني التخمة ، مذ سمعت النساء بالحكمة العظيمة " الطريق إلى قلب الرّجل معدته " ولما أصبحت ميزة الزوجة المثالية أن تكون ذات نفس متميز في الطهي .. دون التفات إلى عقلها وحكمتها ، والطريقة التي تتبعها في تربية أطفالها .
التّرف يزداد ، والأطفالُ يزدادون سمنة ، وأمراض السّكر تنتشرُ مثل النار في الهشيم . ولا بأس في كلّ هذا فثقافتنا أساسها علوم المطبخ لتطغى على كلّ علوم .
في زمان مضى .. كانوا يحمّلون المرأة إلى بيت زوجها وصايا كثيرة ، منها الطاعة والحب والاحترام ، وكانت تحمل في قلبها أولاً كتاب الله ، إما حافظة ، أو طالبة تتعلمه ، وتتفقه أسراره بين يدي زوجها ، فترتقي الأسرة ، ويتكامل البناء بأفراد ينطلقون إلى الحياة علماء أو دعاة مصلحين ..
وفي زماننا ، تتصدر كتب الطبخ المكان الرئيس في كل مكتبة ، ويكفي أن ترمق تلك الكتب من بعيد لتدرك مدى اهتمام تلك المرأة وخبرتها ووعيها ، وحرصها على بيتها .
ولك أن تناقش أطفالها ويناقشوك في ثقافة ( الديجيتال ) المعلّبة أو ( البلاي ستيشن ) ، ولكن .. احذر من الاقتراب إلى ثقافتك ، ثقافة أمتك الإسلامية ، فهي بعيدة كل البعد عن مسار التفكير أو الاهتمام.
ثورة الطعام والمطبخ قد احتّلت جزءً لا يستهانُ به من حياتنا ..
أصبحت المطابخ أكثر اتساعاً في رقعتها عن ذي قبل ، واتصلت بها ملحقات أخرى ، تدفع عليها المبالغ الباهظة ، لتكوّن الأسرة الراقية !
وأصبح مد العلم والكتب ينحسر ..
الرائي والحاسوب تصدرا في وجودهما حياتنا ، فمحيت كل معالم قديمة للعلم الأصيل ، وأصبحت الكتب فن قديم لا يتداوله إلا أناس مازالوا يحملون أفكاراً من عصورٍ بالية !
كلّ شيء حولنا أصبح جميلاً معداً لراحتنا ، سهل المنال ..
لكن قلوبنا تزداد فقراً ، وعقولنا تزداد جهلاً ..!
يُرعبني التفكيرُ بالمستقبل ، وما سيؤول إليه الحال بعد أعوام !
هل سنودُ إلى زمن الجاهلية بثوبٍ حديث ؟ نرطنُ بكلمات أعجميّة لنتظاهر بالثقافة ، ونتفاخرُ بموسوعات الرشاقة والطبخ التي تحشو عقولنا بترهات .
ونتناسى تاريخنا ، وإرثاُ عظيماً ينتظرنا في طيات الكتب المنسية .
سنفتخرُ حقاً بوضع أطفالنا ، ومستواهم في المدارس الأجنبيّة ، وسنسعدُ كلما تملصنا من حضارتنا السوية ..
لن نشعر لحظتها بقسوة قلوبنا ، ولن نبكِ موت الضمير في شعوبنا ، ولن نلتفت أبداً إلى ماضينا .. لأنّ سكان الحفر المظلمة لن يلحظوا يوماً جمال التحليق فوق القمم .
أخيراً هي ليست ثورة على الطعام ، ولا تصفية لحساب قديم بيننا ، إنما هي دعوة لتدارك التقصير ، وإصلاح الخلل في سائر الحياة ككل ، ولطرق أبواب العلم النافع من جديد ، وهي دعوة للتشبث بالجذور ، والتنبه من الغفلة ..
فليكن همنا ملء وعاء العقل بما يثري وينفع ، فـ " ما ملأ امرئ وعاء شراً من بطنه " .