أركان الحمد والشكر
أركان الحمد والشكر عند المتكلمين ثلاثة:
*حمد باللسان
أن يثني على الواحد الأحد.
* حمد بالأركان
أن تسخر طاقتك وأعضاءك في عبادة الله الواحد الأحد.
* حمد بالجنان
وهو أن تعلم أن من أنعم عليك هو الله، وأن من يسلب هو الله، ومن يمنع هو الله، ومن يهب
هو الله، وأن من يحيي ويميت هو الله. وهذا استقرار عظمة الألوهية في القلب، قال داود
عليه السلام في بعض الكتب: يا رب: كيف أشكرك؟
قال: يا داود ، أتعلم أن النعم مني؟
قال: علمت يا رب، قال: فقد شكرتني.
فجمع داود آل داود، وكانوا ثلاثين ألفاً، وقال: آتاكم الله النبوة، والملك، والعلم، فاشكروا الله،
قالوا: ماذا نفعل؟
قال: تجزؤوا الليل ساعات، وتناوبوا كل ساعة يصلي فيها نفر، فقال الله:
((اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)).
ومهما فعل العبد، فإنه لا يصل، ولا يفي بهذه المقامات الثلاث.
جاء في الأثر: (نعم عبدي المؤمن ابتليته في جسده، ويقول: الحمد لله) .
عمران بن حصين -وهو أحد الصحابة- أصيب بمرض، فمكث ثلاثين سنة لا يرتفع عن
فراشه، وكان يقول: [الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب العالمين، الحمد لله رب العالمين]
تموت النفوس بأوصابها ولم يدر عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي أذاها إلى غير أحبابها
وقال المتنبي :
إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
فيحمد الله في مواطن القضاء والقدر، وهذه منزلة الصديقين عند الله عز وجل،
فإنه محمود لذاته، سبحانه وتعالى، فليس في صفاته صفات عيب، بل صفاته كمال،
فهو محمود لذاته.
قال العلماء: الفرق بين الحمد والشكر، أن الشكر يكون على صنيع، أما الحمد فيكون بغير
صنيع، فالحمد أعم سواء قدم لك المحمود خيراً أو يداً أو عطية، أو لم يقدم، فهو محمود.
ولذلك تحمد الواحد الأحد، أما الشكر فإنه يكون على صنيع، فلا تقول للإنسان: شكراً
إلا إذا أعطاك شيئاً، أو قدم لك خدمة.
أما الله فهو محمود سبحانه وتعالى لصفاته، ومحمود في أفعاله، فأفعاله سبحانه وتعالى كلها خير.
ولذلك لا ينسب الشر إليه؛ ولذلك قالت الجن: ((وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ))،
بنته للمجهول، وأتت بنائب الفاعل.
ويقول أحد المفسرين: عجيب، حتى الجن يتذوقون اللغة! ولذلك يقول سبحانه وتعالى:
((قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا)).
وقال إبراهيم الخليل، عليه السلام: ((الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ))، حتى إذا بلغ المرض،
نسب المرض إلى نفسه فقال: ((وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ))، وهو تأدب مع الواحد الأحد،
وأقل القليل من الخليقة من يحمد الواحد الأحد، قال تعالى:
((وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)).
قال بعض السلف: أهل الإسلام أقل أهل الأرض، وأهل السنة، أقل أهل الإسلام.
وأقول: والمخلصون: أقل أهل السنة.
كان عمر نازلاً السوق، فسمع رجلاً من الأعراب يقول: اللهم اجعلني من عبادك القليل.
قال عمر : [مه، يعني ما هذا الدعاء] ؟
قال: يا أمير المؤمنين! يقول الله تعالى: ((وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ))،
فسألته أن يجعلني من القليل.
قال عمر : [كل الناس أفقه منك يا عمر]
بل أنت الفقيه، وأنت العالم، وأنت الشيخ العظيم.
الشيخ الدكتور عائض القرني.