كيف تجعلين طفلك يحب القراءة؟
كيف تجعلين طفلك يحب القراءة؟ |
تحقيق- هدى سيد قال المتنبي قديمًا "وخير جليس في الزمان كتاب"، و(الأمة التي لا تقرأ قطيع هائم)، وقال العالم الروسي تيولوستي (قراءة الكتب تداوي جراحات الزمن). وقد مات الجاحظ تحت كتبه، وتُوفي الإمام مسلم- صاحب الصحيح- وهو يطالع كتابًا، وكان ابن عقيل يقرأ وهو يمشي، وقرأ ابن الجوزي في شبابه ألف مجلد!!. ولا عجبَ أن أول كلمة نزلت على رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- هي "اقرأ" لندرك مدى أهمية القراءة للفرد والأمة، ويجعلنا هذا نتساءل: لماذا قلَّ الإقبال على قراءة الكتب والمطبوعات، وتراجع اهتمام الأسرة بتعويد الأبناء على حب القراءة منذ الصغر؟. فقد أكَّدت الدراسات ارتفاع نسبة الأمية في المجتمع العربي، وكشف تقريرٌ صادرٌ عن "اليونسكو" ارتفاع عدد الذين لا يقرءون ولا يكتبون على مستوى العالم، والذين بلغوا حتى العام الماضي 2007م نحو 774 مليون نسمة، منهم 72 مليون طفل عربي غير ملحقين بالمدارس!!. وقد أكَّدت دراسةٌ حديثة أن 76 مليون عربي بنسبة 40% من إجمالي سكان العالم العربي لا يقرءون، فضلاً عن تزايد نسبة المتعلمين الذين لا يهتمون بأمر الكتاب أو القراءة أصلاً!!؛ مما يؤكَّد أن القراءة تواجه أزمةً كبيرةً تضاعف من محنة الكتاب في كل دول العالم!!. القراءة في المهد ويتفق أهل التربية على أهمية غرس حب القراءة في نفس الطفل منذ الصغر؛ حتى تصبح لديه عادةٌ يمارسها ويستمتع بها، وما ذلك إلا لمعرفتهم بأهمية القراءة وقيمتها فى حياة الأبناء ونموهم العقلي والمعرفي. وتؤكَّد استشارية التربية فاطمة محمد أن هناك عدةَ عوامل تساعد في ترغيب الطفل في القراءة، وأولها الاهتمام بها منذ الصغر، ولا يوجد سن معين كي تبدأ الأم القراءة للطفل فيه، بل إن من الرائع أن تقرأ الأم الحامل للجنين، وهو ما زال في بطنها؛ فهو يسمع صوتها ويدرك إحساسها، وقد أثبتت الدراسات بالفعل مدى تفاعل الجنين مع الأم في هذه العملية، حتى إنه بعد الولادة يتأثَّر بما سمعه من أمه إذا أعادته عليه مرةً أخرى؛ فالقراءة للطفل في المهد من الضروريات في حياته، ولا بد أن تختار الأم الكتب السهلة والقصص الشيقة ذات الصور الكبيرة والألوان الجذَّابة. وتضيف أن العامل الثاني لترغيب الطفل في القراءة هو أن تكون مصاحبةً لشيءٍ يُحبه، كمكان يُحبه، أو أثناء وجود شخصٍ يرتاح معه، وكذلك من المهم التنوع في استخدام الوسائل المحببة في القراءة، مثل القصص المصورة والمجسمة، والتي قد تصدر أصوات للطيور أو الحيوانات وغيرها من عوامل الجذب. وهناك عنصر آخر مهم لترغيب الطفل في القراءة، وهو أنه لا بد أن يعتاد على اختيار القصص والكتب بنفسه، ولا تفرض الأم عليه نوعًا معينًا من القراءة؛ حتى لا يمل وينصرف عنها، بل لا بد أن تكون لديه الحرية في اختيار ما يقرأ مع متابعة الأم لما يختار وإبداء رأيها فيه. فمن الأفضل أن يذهب الطفل مع أمه إلى المكتبة ويختار ما يجذبه من القصص والروايات والكتب الشيقة، وتساعده الأم في اختيار ما يناسب سنه وتفكيره واستيعابه. وكذلك كي يحب الطفل القراءةَ لا بد أن تكون ضمن الأشياء التي يكافئ بها الأب والأم أبناءهم، وأن تكون عنصر تعزيز أو ثواب للطفل عند القيام بسلوكٍ حسن؛ وذلك بإهدائه قصةً أو اصطحابه إلى المكتبة، وذلك أيضًا منذ صغره. وقد كانت للأمهات قديمًا هذا الدور الفعَّال في ترغيب أولادهن في القراءة، والمطَّلع على سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي يجد أن أمه كانت تجلس بجواره وتقرأ له حتى وهو نائم، وتحكي له سيرة الصحابة وتاريخ الفاتحين ممن كان له هذا الأثر الإيجابي الكبير في حياته، وجعل أعظم اهتماماته استعادة القدس من أيدي الغاصبين، وقد تحقَّق له بالفعل ما أراد. وتنهي حديثها فتقول: إن دور الأسرة في تفجير طاقات أبنائها وحبهم للقراءة والبحث والاطلاع لَكبيرٌ، وعليها أن تصل بهم إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه من العلم والمعرفة والاستكشاف، وحتى يسهل عليهم حب العلم والدراسة بعد ذلك والوصول إلى التفوق العملي الذي غاب- للأسف- عن أبنائنا الآن؛ بسبب بُعدهم عن القراءة النافعة التي تفتح لهم أبواب العلم، وتيسِّر لهم استيعابه. عادة اجتماعية ويوضح د. علي ليلة- أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة عين شمس- أن القراءة تُفيد الطفل في حياته؛ فهي تُوسِّع دائرة خبراته، وتفتح أمامه أبواب الثقافة والمعرفة، وتحقق له التسلية والزاد الفكري والعقلي المتنوع، وتكسب الطفل حسًّا لغويًّا أفضل، وتمنحه القدرة على التفكير المنطقي السليم، وتفتح أمامه آفاقًا جديدةً، وتعوِّد الطفل على الاستيعاب بشكلٍ أفضل؛ وذلك في مراحل تحصيله الدراسي المتتالية. والقراءة عادةٌ مهمةٌ للغاية؛ لأنها ترتقي بالمرء وظيفيًّا واجتماعيًّا، فمن المهم عدم اكتفاء الأسرة بالاهتمام بمتابعة التحصيل الدراسي لأبنائهم، بل لا بد من تخصيص وقتٍ للقراءة ومتابعة ما يجري في المجتمع، ومعرفة ما يحدث في العالم من حولهم، ومن المفيد أن تقوم الأسرة بالاشتراك في قراءة كتاب وعمل حوار أو مناقشة مع الأبناء حوله؛ مما يؤدي إلى خلقٍ علاقة طيبة وحميمة بين الثلاثي، وهم الأبناء والآباء والكتاب، ويفسح المجال لوجود مساحة من الاهتمام والتفكير المشترك والمتقارب بين أفراد الأسرة. والقراءة مسألة حيوية غاية في الأهمية لتنمية ثقافة الطفل، وتشجِّع في نفس الطفل الإيجابية، وهي ناتج للبحث والتثقيف؛ فالقراءة تفتح أمامهم أبواب الفضول وحب الاستطلاع، وتنمِّي رغبتهم في رؤية أماكن يتخيلونها، وتقلل مشاعر الوحدة والملل، وتخلق لهم نماذج يتمثَّلون أدوارها، وتجعلهم مفكرين باحثين مبتكرين؛ يبحثون عن الحقائق بأنفسهم، وليسوا مجرد محاكين أو مقلدين؛ مما يؤهلهم لأن يكونوا أفرادًا مشاركين في المجتمع، ومتفاعلين مع الأحداث، ولهم رأي ودور فعَّال في البناء والتطور. أمر إلهي د. راغب السرجاني وفي كتابه "القراءة منهج حياة" يعرض د. راغب السرجاني منهجية القراءة وأهميتها في حياة المسلمين، وأبدى تعجُّبه ممن يذكر أن القراءة هوايته أو من إحدى اهتماماته، معتبرًا أنها يجب أن تكون منهج حياة للإنسان، وليس مجرد هواية، ومما يدعم هذا الكلام بداية الوحي بتلك الكلمة العظيمة "اقرأ" في سورة العلق، قال- تعالى-: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)﴾ (العلق). والرسول- صلى الله عليه وسلم- كان أميًّا؛ لا يقرأ ولا يكتب، إلا أن هذه الآيات جاءت أمرًا صريحًا ومباشرًا بالمنهج الذي يجب أن يسير عليه المسلم في حياته، وهو القراءة والعلم والمعرفة؛ فالقراءة هنا وسيلةٌ نتعلم من خلالها أمور الدين والحياة، ونعرف بها أسرار الكون والوجود، فنزداد إيمانًا وخشيةً ومراقبةً لله- عزَّ وجل- الخالق العظيم. وقد ذكرت الآيات ضابطين للقراءة، وهما أن نقرأ باسم الله، ومعنى هذا أن نبتعد عن قراءة ما لا يرضي الله- عزَّ وجل- ثانيًا ألا نتكبر على أحد بالعلم الذي وصلنا إليه، ولا يخرج العلماء عن تواضعهم، ويقينهم أن هذا العلم بفضل الله وحده. ولأهمية القراءة اشترط الرسول- صلى اله عليه وسلم- أن يكون فداءُ الأسير من المشركين في أسرى غزوة بدر أن يعلِّم عشرةً من المسلمين القراءة والكتابة؛ لأن مفتاح نهوض وتقدُّم أي أمة القراءة. وذكر د. راغب السرجاني مجالات القراءة، مشيرًا إلى أن أول وأعظم ما نقرؤه هو القرآن الكريم، مع تدبر آياته والعمل بأوامره وأحكامه، ثم بعد ذلك نقرأ في السنة المطهرة والسيرة العطرة لحبيبنا المصطفى- صلى الله عليه وسلم- والأحاديث النبوية الشريفة ثم في مجال العلوم الشرعية، ثم القراءة في مجال التخصص؛ حتى ينمِّيَ المرء قدراته، وأخيرًا القراءة في المعلومات العامة والكتب المتنوعة التي تُثري ثقافة الإنسان، وتُذكي ملكاته الإبداعية، وتشحذ قدراته العقلية والمعرفية؛ فالقراءة أمر إلهي متعدد الفوائد، يرتقي به الفرد والمجتمع، وتنهض به الأمة من جديد. |