المقاطعـة الاقتصاديـة بين النظرية والتطبيق
مقدمة
السلام عليكم ورحمة الله.
سنخصص هذه الورشة لمناقشة موضوع المقاطعة الاقتصادية الذي يهم الكثير منا في هذه الأيام، وذلك بتسليط الضوء على المحاور التالية:
1. المدخل النظري والتاريخي
2. المدخل الشرعي الإسلامي
3. المدخل القانوني
4. جدوى المقاطعة
5. ما الذي وصلت إليه المقاطعة الاقتصادية اليوم؟
6. آليات العمل
الحلقة الأولى: المدخل النظري والتاريخي
أنواع المقاطعة:
تصنف المقاطعة بناء على معيارين اثنين وهما:
الأول: معيار جهة التنفيذ :
1)- المقاطعة الحكومية: وهي قرار تفرضه حكومة إحدى الدول على شركاتها العامة والخاصة بحظر التعامل الاقتصادي مع شركات دولة ما، ونذكر منها على سبيل المثال المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة على ليبيا لأسباب سياسية.
2)- المقاطعة الدولية: وهي التي تقرها الجهات الدولية، ومنها المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها جامعة الدول العربية على الكيان الصهيوني والشركات الداعمة له وكل من يتعاون معه.
3)- المقاطعة الشعبية: وهي التي تدعو إليها القيادات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني كدعوة حزب الوفد المصري إلى مقاطعة المصريين لبضائع الإنجليز عام 1921.
الثاني: معيار المجال المستهدف:
1)- المقاطعة الشاملة
2)- المقاطعة السياسية
3)- المقاطعة الثقافية والإعلامية
4)- المقاطعة الاقتصادية: وهذه المقاطعة هي موضوع ورشتنا هذه.
تعريف المقاطعة الاقتصادية:
هي اتفاق جمهور الشعب (المستهلِك والمستورِد والمنتِج) على قطع صلة التعامل مع سلعة أو خدمة لدولة أو شركة تُسيء أو تُلْحق الضَّرَرَ به وبمبادئه ومقدساته.
وتستخدم للتعبير عن المقاطعة ألفاظ ومصطلحات متعددة يمكن اعتبارها من المترادفات، مثل (الحصار- الحظر – العقوبة).
نماذج للمقاطعة الاقتصادية:
المقاطعة الاقتصادية قديمة قدم الحضارة نفسها، فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تشهد على فعالية هذه الوسيلة لإضعاف الخصم وإنهاكه، أو حتى التعبير السلمي عن رفض إحدى الشعوب أو الحكومات لتصرف شعب آخر أو سياسة حكومته، ونستعرض فيما يلي بعض النماذج:
1- ظهر مفهوم المقاطعة من الحصار الاقتصادي الذي كانت تفرضه الجيوش الغازية على الجيوش المتحصنة داخل قلاعها، حيث كانت الجيوش تحتفظ داخل قلاعها الحصينة بمؤن تكفيها لشهور طويلة، مما استدعى في بعض الأحيان استهداف هذه المؤن لتقليص مدة الحصار وإنهاك العدو نفسيا بعد تجويعه. إذ يرى الأديب الأمريكي "إيرفنغ" أن الأسبان ما كانوا ليتمكنوا من التغلب على فروسية المسلمين في الأندلس لو أنهم تقاتلوا معهم وجها لوجه، بل عمدوا إلى قصف المسلمين داخل قلاعهم بالمنجنيقات الحارقة لإحراق مخازن غذائهم.
2- في القرون الوسطى، بدأ مفهوم الحصار الاقتصادي كعقوبة تفرضها إحدى الحكومات على شعب ما بالظهور، وتظهر الأمثلة واضحة في السيرة النبوية الشريفة، عندما قاطعت قريش بني هاشم لحمايتهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى لمدى ثلاث سنوات. وسنتحدث بالتفصيل إن شاء الله عن مزيد من الأمثلة التي جرت في زمن الرسالة في الحلقة الثانية من هذه الورشة.
3- في القرون الوسطى أيضا: تكرر مفهوم الحصار كعقوبة عندما تأسس في ألمانيا "اتحاد الهنزا" في القرن الثاني عشر الميلادي، والذي كان يضم كبار التجار بهدف حماية مصالحهم وقوافلهم وسفنهم التجارية، ثم أصلح يمثل التجار في الخارج ويسهل معاملاتهم في الموانئ، وكانت لديه سلطة مقاطعة مدينة ما اقتصاديا لسبب أو لآخر، مما يعني منع سكانها من الاستيراد والتصدير، الأمر الذي أدى إلى تجويع العديد من المدن.
4- في العصر الحديث، ومع انتشار الرأسمالية الجشعة تحت لواء الاستعمار، صارت المقاطعة أكثر السياسات وضوحا لتنفيذ مآرب الدول القوية، ولكنها وفي مفارقة عجيبة تحولت في الوقت نفسه إلى أداة مقاومة بيد الشعوب المقهورة كرد فعل عكسي. فقد ألقى الأمريكيون صناديق الشاي البريطانية على سواحل نيويورك في البحر تعبيرا عن رفضهم للسيطرة التجارية البريطانية على دولتهم الناشئة، وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي مع نشوء حركة تحرير إيرلندا ضد السيطرة الإنجليزية امتنع حلف الفلاحين من التعامل مع وكيل أحد اللوردات الإنجليز من أصحاب الإقطاعات الزراعية في إيرلندا، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) امتنع الكثير من الأوربيين من شراء البضائع المصنعة في ألمانيا، بسبب احتلالها لبلادهم، وقاد المهاتما غاندي الألوف من أنصاره من أحمد أباد إلى ساحل البحر في "مسيرة الملح" ليقوم كل منهم بتجفيف حفنة من ماء البحر واستخراج ما فيها من الملح كعمل رمزي يعلنون فيها رفضهم لاحتكار البريطانيين لاستخراج وتجارة الملح، أما اليابانيون فقد رفضوا بعد هزيمتهم في الحرب شراء السلع الأوربية والأمريكية، مما ساعد على تشجيع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي الياباني، كما قاطعت الدانمرك النمسا عندما فاز "يوكاهيدا" في الانتخابات النمساوية، وقاطعت فرنسا احتجاجاً على استخدامها للطاقة النووية، ومن المعروف أن الولايات المتحدة قد فرضت حصاراً اقتصادياً جائراً على العديد من الدول التي لا تتوافق معها مثل العراق وليبيا وسورية وكوبا وكوريا الجنوبية، وحتى فرنسا التي عارضت غزوها للعراق.
مقدمة
السلام عليكم ورحمة الله.
سنخصص هذه الورشة لمناقشة موضوع المقاطعة الاقتصادية الذي يهم الكثير منا في هذه الأيام، وذلك بتسليط الضوء على المحاور التالية:
1. المدخل النظري والتاريخي
2. المدخل الشرعي الإسلامي
3. المدخل القانوني
4. جدوى المقاطعة
5. ما الذي وصلت إليه المقاطعة الاقتصادية اليوم؟
6. آليات العمل
الحلقة الأولى: المدخل النظري والتاريخي
أنواع المقاطعة:
تصنف المقاطعة بناء على معيارين اثنين وهما:
الأول: معيار جهة التنفيذ :
1)- المقاطعة الحكومية: وهي قرار تفرضه حكومة إحدى الدول على شركاتها العامة والخاصة بحظر التعامل الاقتصادي مع شركات دولة ما، ونذكر منها على سبيل المثال المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة على ليبيا لأسباب سياسية.
2)- المقاطعة الدولية: وهي التي تقرها الجهات الدولية، ومنها المقاطعة الاقتصادية التي فرضتها جامعة الدول العربية على الكيان الصهيوني والشركات الداعمة له وكل من يتعاون معه.
3)- المقاطعة الشعبية: وهي التي تدعو إليها القيادات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني كدعوة حزب الوفد المصري إلى مقاطعة المصريين لبضائع الإنجليز عام 1921.
الثاني: معيار المجال المستهدف:
1)- المقاطعة الشاملة
2)- المقاطعة السياسية
3)- المقاطعة الثقافية والإعلامية
4)- المقاطعة الاقتصادية: وهذه المقاطعة هي موضوع ورشتنا هذه.
تعريف المقاطعة الاقتصادية:
هي اتفاق جمهور الشعب (المستهلِك والمستورِد والمنتِج) على قطع صلة التعامل مع سلعة أو خدمة لدولة أو شركة تُسيء أو تُلْحق الضَّرَرَ به وبمبادئه ومقدساته.
وتستخدم للتعبير عن المقاطعة ألفاظ ومصطلحات متعددة يمكن اعتبارها من المترادفات، مثل (الحصار- الحظر – العقوبة).
نماذج للمقاطعة الاقتصادية:
المقاطعة الاقتصادية قديمة قدم الحضارة نفسها، فالتاريخ مليء بالأمثلة التي تشهد على فعالية هذه الوسيلة لإضعاف الخصم وإنهاكه، أو حتى التعبير السلمي عن رفض إحدى الشعوب أو الحكومات لتصرف شعب آخر أو سياسة حكومته، ونستعرض فيما يلي بعض النماذج:
1- ظهر مفهوم المقاطعة من الحصار الاقتصادي الذي كانت تفرضه الجيوش الغازية على الجيوش المتحصنة داخل قلاعها، حيث كانت الجيوش تحتفظ داخل قلاعها الحصينة بمؤن تكفيها لشهور طويلة، مما استدعى في بعض الأحيان استهداف هذه المؤن لتقليص مدة الحصار وإنهاك العدو نفسيا بعد تجويعه. إذ يرى الأديب الأمريكي "إيرفنغ" أن الأسبان ما كانوا ليتمكنوا من التغلب على فروسية المسلمين في الأندلس لو أنهم تقاتلوا معهم وجها لوجه، بل عمدوا إلى قصف المسلمين داخل قلاعهم بالمنجنيقات الحارقة لإحراق مخازن غذائهم.
2- في القرون الوسطى، بدأ مفهوم الحصار الاقتصادي كعقوبة تفرضها إحدى الحكومات على شعب ما بالظهور، وتظهر الأمثلة واضحة في السيرة النبوية الشريفة، عندما قاطعت قريش بني هاشم لحمايتهم النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى لمدى ثلاث سنوات. وسنتحدث بالتفصيل إن شاء الله عن مزيد من الأمثلة التي جرت في زمن الرسالة في الحلقة الثانية من هذه الورشة.
3- في القرون الوسطى أيضا: تكرر مفهوم الحصار كعقوبة عندما تأسس في ألمانيا "اتحاد الهنزا" في القرن الثاني عشر الميلادي، والذي كان يضم كبار التجار بهدف حماية مصالحهم وقوافلهم وسفنهم التجارية، ثم أصلح يمثل التجار في الخارج ويسهل معاملاتهم في الموانئ، وكانت لديه سلطة مقاطعة مدينة ما اقتصاديا لسبب أو لآخر، مما يعني منع سكانها من الاستيراد والتصدير، الأمر الذي أدى إلى تجويع العديد من المدن.
4- في العصر الحديث، ومع انتشار الرأسمالية الجشعة تحت لواء الاستعمار، صارت المقاطعة أكثر السياسات وضوحا لتنفيذ مآرب الدول القوية، ولكنها وفي مفارقة عجيبة تحولت في الوقت نفسه إلى أداة مقاومة بيد الشعوب المقهورة كرد فعل عكسي. فقد ألقى الأمريكيون صناديق الشاي البريطانية على سواحل نيويورك في البحر تعبيرا عن رفضهم للسيطرة التجارية البريطانية على دولتهم الناشئة، وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي مع نشوء حركة تحرير إيرلندا ضد السيطرة الإنجليزية امتنع حلف الفلاحين من التعامل مع وكيل أحد اللوردات الإنجليز من أصحاب الإقطاعات الزراعية في إيرلندا، وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945م) امتنع الكثير من الأوربيين من شراء البضائع المصنعة في ألمانيا، بسبب احتلالها لبلادهم، وقاد المهاتما غاندي الألوف من أنصاره من أحمد أباد إلى ساحل البحر في "مسيرة الملح" ليقوم كل منهم بتجفيف حفنة من ماء البحر واستخراج ما فيها من الملح كعمل رمزي يعلنون فيها رفضهم لاحتكار البريطانيين لاستخراج وتجارة الملح، أما اليابانيون فقد رفضوا بعد هزيمتهم في الحرب شراء السلع الأوربية والأمريكية، مما ساعد على تشجيع الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي الياباني، كما قاطعت الدانمرك النمسا عندما فاز "يوكاهيدا" في الانتخابات النمساوية، وقاطعت فرنسا احتجاجاً على استخدامها للطاقة النووية، ومن المعروف أن الولايات المتحدة قد فرضت حصاراً اقتصادياً جائراً على العديد من الدول التي لا تتوافق معها مثل العراق وليبيا وسورية وكوبا وكوريا الجنوبية، وحتى فرنسا التي عارضت غزوها للعراق.
عدل سابقا من قبل انتصار في الخميس 15 يناير 2009, 10:41 pm عدل 2 مرات