معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


    تدبر النصف الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس )

    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر النصف  الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس ) Empty تدبر النصف الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس )

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الأربعاء 07 أكتوبر 2009, 11:27 am


    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً،
    الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
    الحمد لله الذي دلنا على الثبات في كتابه , وجعل سورة كاملة توضح لنا سبله
    وتعلمنا الثبات الفكري والثبات العملي

    الثبات الفكري

    سبق وذكرنا أن السورة تنقسم إلى قسمين:
    والقسم الأول من الآية (1 - 120) يناقش عقيدة أهل الكتاب مناقشة راقية . إنها لا تهدف إلى تسفيه أفكارهم بل تهدف إلى تثبيت المؤمنين فكرياً وتنقية أفكارهم من الشبهات.
    لذلك إذا عدنا إلى جو هذه المناقشة، نجد أحداثها تدور في المسجد النبوي مع وفد نصارى نجران الذين مكثوا ثلاثة أيام في المدينة ليتحاوروا مع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )حواراً هو الأول من نوعه بين المسلمين والنصارى . ومن المهم هنا أن نوضح أن الحوار والتفاهم مع الآخر لا يعني أبداً التنازل عن جزء من العقيدة أو القيم والمبادئ، وهذا ما سنراه بوضوح من خلال الحوار الموجود في السورة وتقسيم القرآن الرائع لمراحله:
    1. تقوية عقيدة المسلمين قبل النقاش
    تبدأ السورة قبل النقاش بتقوية عقيدة المسلمين:
    شَهِدَ ٱلله أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَائِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ (18).
    إِنَّ الدّينَ عِندَ ٱلله ٱلإِسْلَـٰمُ (19).
    أَفَغَيْرَ دِينِ ٱلله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (83).
    وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85).
    فَإنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِىَ لله وَمَنِ ٱتَّبَعَنِ (20).
    2. إيجاد نقاط اتفاق
    لا بد من إيجاد أرضية مشتركة قبل البدء بأي حوار، وهو ما بيّنه القرآن في قوله تعالى: قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱلله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مّن دُونِ ٱلله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64).
    وتذكر السورة الإيمان بأنبياء الله تعالى كلهم (بما في ذلك أنبياء أهل الكتاب) كنقطة أخرى من النقاط المشتركة معهم:
    قُلْ ءامَنَّا بِٱلله وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلاْسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبّهِمْ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84).
    3. الحجج والبراهين وسيلة القرآن للتثبيت
    إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ ٱلله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59).
    يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِى إِبْرٰهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ ٱلتَّورَاةُ وَٱلإْنْجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (65).
    هأَنتُمْ هَـٰؤُلاء حَـٰجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ (66).
    مَا كَانَ إِبْرٰهِيمُ يَهُودِيّا وَلاَ نَصْرَانِيّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ (67).
    آيات كثيرة في الإقناع العقلي والمنطقي:
    مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱلله ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ ٱلله وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79).
    وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ ٱلْمَلَـٰئِكَةَ وَٱلنَّبِيّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِٱلْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (80).
    4. تحذير أهل الكتاب من التكذيب
    وبعد أن عرضت الآيات الأدلّة العقلية والمنطقية، تنتقل إلى جانب آخر من النقاش وهو التحذير والترهيب.
    يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَـٰتِ ٱلله وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ (70).
    يٰأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (71).
    فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَـٰهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ (25).
    ثم يشتدّ التحدي:
    فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتُ ٱلله عَلَى ٱلْكَـٰذِبِينَ (61).
    أي أن يجتمع الفريقان المتناقشان ويبتهلون إلى الله بأن ينصر الفئة المحقة ويلعن الفئة الكاذبة، وطبعاً لم يقبل نصارى نجران هذا التحدي الشديد.
    5. العدل والتوازن في النقاش
    ولأن الإسلام دين راق جداً، هذا الحوار لا يختم إلا بذكر حسنات
    بعض أهل الكتاب ويحثّ المسلمين على العدل في النظرة إليهم:
    لَيْسُواْ سَوَاء مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ ءايَـٰتِ ٱلله ءانَاء ٱلَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113).
    وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا (75).
    فالقرآن يعلّمنا أن كونهم غير مسلمين لا يعني أن كل تصرفاتهم خطأ وكل معاملاتهم غش.
    يثتنا نتعلم من سورة آل عمران التوازن في التعامل مع غير المسلمين.
    والقرآن يثني أيضاً على أنبياء أهل الكتاب: إِنَّ ٱلله ٱصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْرٰهِيمَ وَءالَ عِمْرٰنَ عَلَى ٱلْعَـٰلَمِينَ (33).
    ويمتدح السيدة مريم باصطفائها على نساء العالمين: وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَـئِكَةُ يٰمَرْيَمُ إِنَّ ٱلله ٱصْطَفَـٰكِ... عَلَىٰ نِسَاء ٱلْعَـٰلَمِينَ (42).
    إنه مبدأ رائع في التوازن والعدل، فلم تأت هذه الآية في مدح
    زوجة النبي ولا ابنته بل أتت في الثناء على السيدة مريم
    عليها السلام.
    6 .لا للاتباع الأعمى
    وبالمقابل يحذّرنا القرآن من الاتباع الأعمى لأهل الكتاب بعد أن بيّن لنا عقائدهم:
    يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ كَـٰفِرِينَ (100).
    وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتُ ٱلله وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِٱلله فَقَدْ هُدِىَ إِلَىٰ صِرٰطٍ مّسْتَقِيمٍ (101).
    هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ ءامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلاْنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ (119).
    وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105).
    والملاحظ أن محاور هذا النقاش تأتي ضمن آيات متشابكة متتالية: ثناء عليهم، ثم برهان، ثم نقطة اتفاق، ثم تقوية عقيدة (وهو ما يظهر بوضوح في بعض المقاطع مثل الآيات 79 - 83).




    ختام أقسام السورة بالثبات
    ومن الإشارات الواضحة أن يختم القسم الأول بالثبات وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً (120).
    كما ختم القسم الثاني بالثبات  يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱلله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200).

    الثبات العملي بعد الثبات الفكري
    بعدما ثبت البناء الخارجي ضد الأفكار والشبهات ينتقل القرآن إلى تثبيت البناء الداخلي، ويعالج القرآن هذا الموضوع بالتعقيب على غزوة أُحد.
    فالمسلمون خرجوا من الغزوة منكسرين، خجلين من عصيان أمر النبي ( صلى الله عليه وسلم )
    ومن هروبهم وخذلانهم لرسول الله . فكان أن عالجهم القرآن علاجاً راقياً
    من خلال:
    1. التذكير بفضل الله عليهم: وأن النصر من عند الله، فذكّرهم بغزوة بدر:
    إِذْ هَمَّتْ طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ (أي أن لا تثبتا على الحق) وَٱلله وَلِيُّهُمَا (122) (هو الذي ثبتهما).
    وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱلله بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ (123).
    ونرى في نفس السياق التأكيد على أن النصر من عند الله:
    بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ... مُسَوّمِينَ (125).
    لاحظ أن الصبر والتقوى قد تكرر ذكرهما في ختام أقسام السورة، كما ذكرا هنا أيضاً كسبب لنزول الملائكة ونصر المؤمنين.
    2. الأمر بالتوبة والعودة إلى الله: هنا مظهر آخر من روعة القرآن في التربية والتثبيت، فقبل أن يذكر أخطائهم أو يؤنبهم، يدعوهم للعودة والإنابة إلى الله: وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلاْرْضُ (133).
    وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱلله فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱلله وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135).
    3. المواساة: رفع الروح المعنوية بين الصحابة، آيات رائعة تخاطب المسلمين في كل زمان ومكان لتثبيتهم رغم كل الآلام وكل المصائب: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الاْعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139).
    إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مّثْلُهُ وَتِلْكَ ٱلاْيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ (140).
    فتمسح الآيات بحنان على آلام الصحابة، فالكفار قد تألموا مثلكم وفقدوا الأرواح مثلكم.
    ثم تأتي الآية الرائعة في التثبيت: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱلله ٱلَّذِينَ جَـٰهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ ٱلصَّـٰبِرِينَ (142).
    فالجنة غالية، ولا بد لمن يطلبها أن يجاهد ويصبر لينالها.
    4. لوم رقيق: بعد رفع الروح المعنوية يبدأ اللوم الرقيق.
    وَلَقَدْ كُنتُمْ تَمَنَّوْنَ ٱلْمَوْتَ مِن قَبْلِ أَن تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
    وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (143).
    وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱلله شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱلله ٱلشَّـٰكِرِينَ (144).
    ويلومهم لوماً آخر: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِى أُخْرَاكُمْ (153).
    تخيل هذا المشهد: المسلمون يركضون ولا يستمعون لأحد والرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ثابت في أرض المعركة يناديهم ويذكّرهم بالآخرة. ثم ذكّرهم بأحوال السابقين وثباتهم:
    وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱلله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱلله يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ (146).
    5. عودة للمواساة: ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ ٱلْغَمّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَىٰ طَائِفَةً مّنْكُمْ (154).
    ويحنن قلب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) عليهم فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱلله لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ
    فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ (159).
    حتى بعد الهزيمة، تأمر الآيات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أن لا يترك الشورى.
    استشعر روعة هذا الدين الذي يمزج اللوم مع الحنان والمواساة في أحلك الظروف وأصعبها.
    6. أسباب المصيبة وعدم الثبات: بعد كل هذا لا بد من تبيان أسباب ما حدث في أحد حتى يستفيد المسلمون في كل زمان ومكان من الأخطاء التي وقعت:
    أ. الاختلاف وعدم الطاعة: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱلله وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ
    بِإِذْنِهِ (152).
    فالله تعالى قد أصدقكم وعده بالنصر حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ (أي لم تثبتوا) وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلاْمْرِ (أي اختلفتم) وَعَصَيْتُمْ وهذه إشارة إلى خطورة المعصية وأثرها مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ (من بعد ما أراكم بشائر النصر) مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلاْخِرَةَ (بعضكم كان يبغي متاع الدنيا من وراء القتال، فكان ما كان).
    ب. المعاصي والذنوب: إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ (155).
    ج. التعلق بالأشخاص: فعندما يتعلق الناس بالأشخاص أكثر من تعلقهم بالفكرة يضعف ثباتهم وانتماؤهم للفكرة نفسها، فبعض الصحابة ألقى السلاح عندما سمعوا بإشاعة قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فنزلت الآيات تؤنبهم
    وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ (144).
    التحذير من الخلاف في السورة
    لاحظنا أن السورة ركزت على التحذير من الخلاف لأنه من أكثر العوامل التي تؤدي لعدم الثبات وتزلزل الصف الداخلي سواء أكان الخلاف فكريا أو عملياً.
    لذلك حذّرت السورة من:
    أ. التفرق والاختلاف في الفروع: وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱلله جَمِيعاً
    وَلاَ تَفَرَّقُواْ (103). وتحذرنا السورة من الخلاف والتفرق في آيات
    الله وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ (105).
    ب. التفرد بالرأي: لذلك أمرت الآيات النبي بالشورى رغم كل ما حدث في أحد فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى ٱلاْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلله (159).
    ج. الربا: لأنه من أسباب الخلاف بين المسلمين يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَـٰفاً مُّضَـٰعَفَةً (130).

    علاقة القسم الأول بالثاني
    1. عدم التعلق بالأشخاص: إن إشاعة قتل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) والمفاجأة التي حصلت في أُحد فتنت المسلمين، وكذلك فان قصة رفع المسيح فجأة فتنت المسيحيين وأدت إلى ما هم عليه من ضلال. فسورة آل عمران توجهنا إلى التعلق بالفكرة لا بالأفراد والأشخاص، فهم يزولون ويموتون وتبقى الفكرة ويبقى الدين , فإياكي والتعلق بداعية ما أو بشخص ما ونسيان الفكرة والرسالة.
    2. أهمية الاتباع: مع أن السورة ركّزت على عدم التعلق بالأشخاص لكنها بيّنت أهمية الاتباع والطاعة.
    - ففي القسم الأول: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ ٱلْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى ٱلله قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱلله (52).
    هذه الآية وضّحت الغاية إِلَى ٱلله وبيّنت لهم الوسيلة والطريق: مَنْ أَنصَارِي فلا بد لهم أن يكونوا من أنصار النبي ( صلى الله عليه وسلم ).
    - ونرى في القسم الثاني آية عامة على مر العصور في اتباع الأنبياء:
    وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱلله وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسْتَكَانُواْ وَٱلله يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ (146).
    والآية إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَىٰ أحَدٍ وَٱلرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ (153).
    تلوم المؤمنين على تقصيرهم في اتباع النبي وطاعته في غزوة أحد , وفي كل زمان ومكان .
    قيمة المرأة في السورة
    واللطيف أيضاً في السورة التي تتحدث عن الثبات أن الله تعالى قد
    جعل نموذج الثبات سيدتين فالسورة مع أن اسمها آل عمران، لم تذكر
    عمران نفسه بل ركزت على زوجته ونيتها المخلصة في نصرة دين الله
    التي كانت سبباً بعد ذلك في ولادة السيدة مريم ومن بعدها سيدنا عيسى.
    لاحظ أيضاً أن سيدنا زكريا على ما له من قيمة في أنبياء بني إسرائيل قد تعلّم من السيدة مريم.
    كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ
    يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱلله... وهُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا
    رَبَّهُ... (37-38).
    فرمز الثبات في السورة هو النساء، والسورة التالية بعد آل عمران
    هي أيضاً سورة النساء، وهذا أوضح دليل على تكريم الإسلام للمرأة ورفع قدرها.
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر النصف  الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس ) Empty رد: تدبر النصف الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس )

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الأربعاء 07 أكتوبر 2009, 11:34 am


    والآن لنقف مع بعض اللآيات :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ{149} بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ{150} سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ{151}

    ورد في الحديث الشريف ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ *
    (رواه أبو داود)
    المسلمون اليوم يعدون خُمس سكان العالم , ولكنَّ الإنسان حينما يطيع رجلاً غير مؤمن يتردَّى في الهاوية ، وقد قال تعالى: " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً"
    (سورة الكهف : 28 )
    فهذا خطأ أن تستنصح إنساناً مقطوعاً عن الله عز وجل.
    والآية المقابلة ، " واتبع سبيل من أناب إليّ " .
    (سورة لقمان : 15 )
    إذاً في شأن معاشه ، وشأن تجارته ، وشأن تربية أولاده ، وشأن تخطيب بناته ، لا ينبغي أن يستنصح إنساناً بعيداً عن الله عز وجل ، والآية الدقيقة قوله تعالى : "كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آياته وفيكم رسوله " .
    (سورة النساء : 101 )
    يروى أن بعض اليهود آلمتهم هذه المحبة التي بين الأوس والخزرج ، فأرسل أحدهم غلاماً له ، بقصيدةٍ قيلت في الجاهلية ليثير بينهم الأحقاد ، والأنصار حديثو عهدٍ بالإسلام ، فلما سمعوا هذه القصيدة تذكروا بعض ما كان بينهم وبين إخوانهم من عداوةٍ وبغضاء ، فكادت تنشب فتنة ، فما كان مِن النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ أنْ خرج وقال: أتفعلون هذا وأنا بين أظهركم ، فنزل قوله تعالى : " وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بحبل الله فقد هدي إلى صراطٍ مستقيم" .
    حقًّا أن نجتمع ، أن نتحابب ، أن نتوادد ، أن يكون بعضنا دعماً لبعض ، أن نكون كالبنيان المرصوص ، كيف السبيل إلى ذلك ؟ يقولون : الآلام مشتركة ، والآمال مشتركة ، واللغة مشتركة ، والتاريخ مشترك، حوالي اثني عشر شيئًا مشتركًا ، ومع ذلك هناك خصومات ، وهناك عداوات ، وهناك تشتت ، وتشرد ، وتبعثر، كيف السبيل إلى وحدة القلوب ؟ قال تعالى :"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " .
    (سورة النساء : 103 )
    هذه الآية نقرؤها كثيراً ، وقلّما نقف عند معانيها الدقيقة ، ما لم يكن هناك إيمانٌ يجمعنا، ما لم يكن هناك منهجٌ يجمعنا ، ما لم يكن هناك كتاب يجمعنا ، ما لم تكن هناك سنةٌ تجمعنا ، ما لم يكن هناك هدف يجمعنا ، ما لم تكن وسائل لهذا الهدف تجمعنا ، إذًا فلن نجتمع ، ولن نكون كتلةً واحدة ، ولن نكون صفاً واحداً ، ولن نكون يداً واحدةً على أعدائنا ، إلاّ إذا أخذنا بقوله سبحانه : " واعتصموا بحبل الله جميعاً " .
    تذكروا السُّبحة ؛ هل تجتمع حباتها من دون خيطٍ بداخلها ؟ الخيط الذي بداخل السُّبحة هو الذي يجمعها ، والله سبحانه وتعالى يقول : "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً " .

    إذًا ما الذي يؤلف بين القلوب ؟ إنّه الدين ، وما الذي يفرق ؟ المصالح الدنيوية ، الدنيا تفرق والدين يجمع ، والمال يفرق والحق يجمع ، والمعصية تفرق والطاعة تجمع، فإذا أردت لهذه الأمة أن يجتمع أمرُها فعليها أن تأتمر بقوله تعالى : "واعتصموا بحبل الله جميعاً " .
    إذاً ، لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ، ما ألفت بين قلوبهم ، لو أنفقت المال جزافاً، لو أعطيت مساعدات ، لو أعطيت بيوتًا للناس مجانًا ، ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم .
    إذاً تأليف القلوب شيءٌ يخلقه الله في القلوب ، الذي يجمعنا هو دين الله ، والشيء الخطير أن الله سمى الفرقة والتنابذ والبغضاء والعداوة والطعن والتدابر سماها كفراً ، قال تعالى : " وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آياته وفيكم رسوله" .

    كيف تكفرون ؟ وهذه الآية نزلت في هذه القصة ، يعني أسباب نزول الآية تكشف جوانبها الدقيقة ،
    هذا الذي يفرق بين المسلمين ويطعن ببعضهم ، وينشئ بينهم العداوة والبغضاء ، هذا وقع بالكفر وهو لا يدري ، هذا الذي يظن أن الله له ، وأن الجنة له ، وما سواه باطل ، هذا إنسان منعزل ، هذا إنسان لا يعرف حقيقة هذا الدين ، " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ".

    هذه المحبة التي ترينها بينك وبين أختك ، هذه من خلق الله ، هذه علامة الإيمان .
    فاسمعي إلى الحديث القدسي ؛ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ *
    (رواه أحمد)
    وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ يَغْبِطُهُمْ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ*
    (رواه الترمذي)
    يعني أرقى علاقة بين شخصين علاقة الإيمان ، الحب في الله ، والبغض في الله ، فنسأل الله أنْ يؤلِّف بين قلوب هذه الأمة على الخير .
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر النصف  الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس ) Empty رد: تدبر النصف الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس )

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الأربعاء 07 أكتوبر 2009, 11:35 am


    ولنقف أيضا مع قوله تعالى :
    فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ{159}
    إنَّ الرحمة في قلب الإنسان مؤشر على اتصاله بالله عز وجل ، فأبعدُ قلب عن الله عز وجل هو القلب القاسي .
    لذلك ورد في الحديث القدسي : إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي ، الراحمون يرحمهم الله .
    أبعد القلوب عن الله القلب القاسي ، فإذا كان للرحمة مؤشر ، وللإيمان مؤشر ، وللاتصال بالله مؤشر ، فهذه المؤشرات تتحرك معاً .
    يعني حجم إيمانك بحجم اتصالك بالله ، وبحجم رحمة الخلق في قلبك ، فلما يقسو قلبُ الإنسان على عبادِ الله ، يوقع فيهم الأذى .
    صدقوني ... لا تنفعه صلاته ولا صيامه ولا حجه ولا زكاته ، لأنه بعيد عن الله عز وجل ، وهذه العبادات أساس القرب ، إما أنها طريق إلى القرب ، أو إن القرب من خلالها يظهر ، ومن كان قاسياً في معاملته مع عباد الله عز وجل ، فهذا دليلُ بُعدِهِ عن الله عز وجل .
    "ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من حولك "
    فما قولك أن النبي عليه الصلاة والسلام ، ومَن هو النبي ؟ إنّه سيد الخلق ، حبيب الحق ، سيد ولد آدم ، المعصوم ، الموحى إليه ، المؤيد بالمعجزات ، كل هذه الميزات لو كان فظًّا غليظ القلب مع كل هذه الميزات لانفض الناس من حوله .
    فكيف إذًا بإنسان لا معجزة معه ، ولا وحي ، ولا هو معصوم ، ولا سيد الخلق ولا حبيب الحق ، بل هو واحد من عامة المؤمنين .
    فكيف تكون فظا غليظ القلب .
    تروي كتب التاريخ ، أنَ رجلاً دخل على بعض الخلفاء ، فقال : إنني سأعظك وأغلُظ عليك ، وكان هذا الخليفة فقيهاً ، فقال : ولِمَ الغلظة يا أخي ، لقد أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو أشرُّ مني ؛ أرسل موسى وهارون إلى فرعون ، فقال : " فقولا له قولاً ليناً لعله يتزكى أو يخشى " .
    (سورة طه : 44 )
    لذلك من أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف ، فلن تستطيع أن تفتح عقول الناس ، قبل أن تفتح قلوبهم بالإحسان ، لذلك قالوا : الإحسان قبل البيان ، لا تستطيع أن تقنع الناس بالحق إلا إذا كنت على الحق ، والقدوة قبل الدعوة ، هناك قواعد ، القدوة قبل الدعوة ، والإحسان قبل البيان ، لن تستطيع أن تكون مؤثراً بالآخرين إلا إذا كنت محسنًا إليهم .

    كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته لف ثوبه حتى لا يزعج أحدًا ، للثوب عند المشي حفيف ، فهل يعقل أن حفيف الثوب يوقظ الأهل ؟ من شدة رقته ، ومن شدة رحمته ، وشدة عنايته بأهله ، فكان إذا دخل بيته لف ثوبه ، وكان إذا رأى صبياً سلَّم عليه ، وكان الحسن والحسين يركبان على ظهره في البيت فيقول : نعم الجمل جملكما ، ونعم الحملانِ أنتما ، لماذا وصل إلى ما وصل إليه ، بأخلاقه العالية : "وإنك لعلى خلق عظيم " (إنك لعلى) ، ما قال الله سبحانه : إنك ذو خلق عظيم ، لأنّ ثمة فرقًا كبيرًا بين أن يقول : إنك ذو خلق ، وإنك لعلى خلق .
    فإذا وقع الإنسان في صراع ، يقول : جاهدتُ نفسي جهادًا كبيرًا ، حتى ضبطت أعصابي ، إذاً أنت ذو خلق ، أما النبي فعلى خلق ، و(على) تفيد الاستعلاء ، فهو متمكن ، فمهما استُفِزَّ فلا شيء في الأرض يخرجه عن خلقه العظيم ، إنّه متمكن من خلقه .
    الإيمانُ حسنُ الخلق ، فإذا ألغيت الخلق ، ألغيت الإيمان ، وألغيت الدين .
    ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.
    فالآية دقيقة ، يجب أن تستشير، لأنه من استشار الرجال استعار عقولهم ، فأنت تستعير مثلاً خبرة خمسين سنة بسؤال .
    فمن خصائص المؤمن ، أنه يشاور ، لكنْ من يستشير ، الاستخارة لله أما الاستشارة لأولي الخبرة من المؤمنين ، فعوِّدي نفسك ، بكل عملك أنْ تبحثَي عن إنسان تثقي بعلمه ، وبخبرته ، وبورعه ، لتستشيريه ، فأنت إذا استشرته فقد استعرت خبرة خمسين عامًا بسؤال واحد .
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر النصف  الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس ) Empty رد: تدبر النصف الثاني من آل عمران ( الدرس الخامس )

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الأربعاء 07 أكتوبر 2009, 11:36 am


    والآن مع قوله تعالى :

    إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ{190}
    مَنْ هم (أولي الألباب) ؟ قال المفسرون : هم أصحاب العقول ، وقد شبه الله العقل في الإنسان كاللب في الثمرة ، فما قيمة قشرة الثمرة ، بكم تشتري قشور الثمار ؟ بلا شيء ، لكن بكم تشتري الثمار ؟ بكل شيء ، لأن فيها لبًّا ، فالعقل في الإنسان كاللب في الثمرة ، والعقل كما ورد : أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً ، ورأس الحكمة مخافة الله ، فعقلك يظهر بقدر خوفك من الله وحبك له ، فإذا قلَّ الخوف ضعف العقل ، وإذا قلَّت المحبة ضعف العقل ، يقول الله عز وجل : " إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآياتٍ لأولي الألباب" ، فأنت بحاجة إلى شيئين ؛ بحاجةٍ إلى أن تعرف الله ، وبحاجةٍ إلى أن تعبده ، كي تحقق سر وجودك ، فبالكون تعرفه ، وبالشرع تعبده ،
    إذا أردت أن تعرفه فتدبَّر قوله :" إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار للآياتٍ لأولي الألباب" .
    السموات والأرض كما قلت من قبل ، تعبير قرآني عن الكون ، فخلق السموات والأرض يدل على وجود الله ، وعلى كماله وعلى وحدانيته ، فالأرض مثلاً تدور حول الشمس بسرعة ثلاثين كيلو مترًا بالثانية ، في عشر دقائق تقطع الأرض ثمانية عشر ألف كيلو متر ، لأن الأرض تسير ثلاثين كيلومترًا بالثانية .
    الأرض تدور حول الشمس في مساربيضاوي هناك قطر طويل وقطر قصير ، وعند القطر الصغير تزيد سرعتها ، لتنشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، وعند القطر الكبير تقل سرعتها ، لتبقى مرتبطة بالشمس .
    إذاً حركة الأرض حول الشمس بسرعةٍ متفاوتة ، تزيد سرعتها وتقل سرعتها ، لتبقى في مسارها البيضاوي .
    ولو أن الأرض توقفت عن الدوران ، لما كان ليلٌ ولا نهارٌ ، ولو أن الأرض دارت حول الشمس ، ودارت على محور موازٍ لمستوى دوارنها حول الشمس يعني لاتدور حول نفسها ، مع أنها تدور لا ليل ولا نهار ، الليل ثابت إلى الأبد ، والنهار ثابت إلى الأبد ، ولو أن الليل ثبت إلى الأبد ، لكانت حرارة الأرض في الليل دون المئتين والسبعين تحت الصفر ، وهو الصفر المطلق ، إذًا تنتهي الحياة ، ولو أن الوجه المقابل للشمس ثابت ، لكانت الحرارة ثلاثمئة وخمسين درجة فوق الصفر واحترق كلُّ شيء ،

    أمّا المعنى الثاني، أن اختلاف الليل والنهار ، يعني أن طول النهار وطول الليل يختلفان ، من سبع عشرة ساعة ونصف إلى عشر ساعات أحياناً ، فما سر هذا الاختلاف ؟ فلو أنالأرض تدور حول الشمس على محور عمودي على مستوى الدوران ، لانعدمت الفصول ، بالمنطقة الاستوائية صيف دائم إلى الأبد ، وبالمناطق القطبية شتاء دائم إلى الأبد ، والتغت الفصول ، لكن هذا المحور مائل قليلاً ، مع ميل المحور تأتي الشمس عموديةً على القطب الشمالي ، وأثناء الدوران أيضا تأتي الشمس عموديةً على القطب الجنوبي ، فصار في السنة اختلاف فصول ، من صيف ، وشتاء، وربيع ، وخريف ، إذاً هذه الحكمة البالغة ، أن الأرض تدور حول محورٍ مائلٍ على مستوى الدوران ، "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب " .
    دورة الأرض حول نفسها ، تتناسب مع طاقة الإنسان ، لو كان الليل ساعة واحدة ، والنهار ساعة ، تنام وتستيقظ، ولا بد لك ثماني ساعات ، ثمانية أيام نوم وثماني ليال ، لكن لو كان النهار أو الليل مئة ساعة ، أيضاً لصارت الحياة صعبة ، أما الليل والنهار فيتوافقان مع طاقة الإنسان ، لوجود تصميم وتناسق رائع ، إذًا الإنسانُ إن لم يفكر في هذه الآيات التي بثَّها الله في الكون ، فكأنه عطل عقله ، أو كأنه لم يستخدمه ، أما إذا استخدمه فيما لم يخلق له ، فقد أساء إساءةً بالغة ,
    لذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول بصدد هذه الآية : الويل لمن لم يفكر بهذه الآية ، كان كلما استيقظ في الليل يتلو هذه الآية
    فالإنسان لا يمر على الآيات مرورًا سريعًا ، فكأس الماء الذي تشربه و، كأس الحليب الذي تشربه ، ورغيف الخبز الذي تأكله ، وهذه الفاكهة التي تأكلها ، وهذه الأمطار التي تهطل ، وهذه البحار التي تزخر بما فيها من أسماك ، ولآلئ ومرجان ، هذه كلها بين يديك من أجل أن تعرفه ، وكلما ازدادت معرفتك بالله عز وجل ازدادت خشيتك له.
    " إنما يخشى الله من عباده العلماء "
    (سورة فاطر : 28)
    و(إنما) تفيد القصر ، أي أن العلماء وحدهم ، ولا أحد سواهم يخشى الله عز وجل .
    الغربيون وقفوا عند الكون ، أما المسلمون فتجاوزوه إلى المكوِّن ، والمؤمن ينتقل من النعمة إلى المنعِم .
    والحمد لله رب العالمين
    تمت بحمد الله

    منقول ...
    و المصدر
    تفسير القرآن الكريم للدكتور: راتب النابلسي
    وكتاب خواطر قرآنية للدكتور : عمرو خالد

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 17 سبتمبر 2024, 12:27 pm