الرئيسية
بسم الله الرحمن الرحيم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{أكثروا ذكر هاذم اللذات :الموت}رواه الترمذي والنسائي وصححه ابن حبان, فكلنا يعلم أن الدنيا دار فناء لا دار بقاء. فالموت هذا الذي حيّر الأطباء ولم يجدوا له دواء ولم ينج منه حتى الأنبياء ولا الصحابة الفضلاء. هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومخرب الدور والقصور والضيعات وقاطع الشهوات ومنهي الآمال والتطلعات.
قال السلف من أكثر من ذكر هاذم اللذات أكرم بثلاثة: تعجيل التوبة, قناعة القلب, ونشاط العبادة ومن نسي الموت عوقب بثلاثة : تسويف التوبة, ترك الرضى بالكفاف والتكاسل في العبادة.
التطورات السابقة للموت كانت تطورات من تراب إلى نُطفة ثم علقة ثم مُضغة ثم عظام كُسيَت لحماً ثم أنشأه الله خلقاً آخر فجاء سوياً جميلاً سميعاً بصيراً متكلماً , ثم تطور من طفل إلى صبي إلى شباب حتى صار شيخاً هرماً أما التطور الجديد في مرحلة ما بعد الموت فهو: قبر ثم بعث تم حشر ثم حساب ثم نار أو جنة.
ما قبل الموت يسمى الحياة الدنيا وما بعده يسمى الحياة الآخرة فالموت فاصل بين حياتين وليس فناء للإنسان به ينتهي كل شيء. ما قبل الموت حياة فيها الخداع والعبث كما فيها الشرف والكرامة, فيها النفاق والكذب كما فيها الصدق والوضوح, فيها الزور والبهتان والشر والفساد والضياع والشقاء كما أن فيها الحق والهدى والصلاح والبر والخير والسعادة, فيها وحوش البشر وهداتهم فيها الأنبياء والعلماء والعاملون من فرغوا أنفسهم لصالح البشر وإصلاح شؤونهم بأمر الله وفيها الجبابرة القساة الظالمون الذين لا هم لهم إلا امتصاص دماء الناس وسلخهم من إنسانيتهم وحريتهم وكرامتهم. فيها الفتن كالضباب تحجب شمس الحق عن عيون المفتونين وفيها الشهوة الطاغية المستبدة بمن فقدوا الإيمان واليقين كما أن فيها الذين هداهم الله فأمسوا عابدين وأصبحوا زاهدين وعاشوا بين الناس بأخلاق الرحماء المحسنين.
من أجل ذلك وجبَ على كُل إنسان أن يراجع نفسه ويتذكر يوم يُحمَل على الأعناق ويُوارى في التراب وأن يتذكر الموت وسكراته والقبر وظلمته واللحد وضغطته والصراط ودقته كما وَجب عليه أن يصالح ربه ويجعل عقله وقلبه وجسده في خدمة الغاية النبيلة والسعادة الدائمة والحياة التي ليس فيها إلا الجمال والكمال والحب والسرور والنعيم الذي أعده الله لأحبابه وأوليائه ومن فازوا برضاه. فعن أبي قتادة رضي الله عنه :مُرَّ على النبي صلى الله على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فقال: (مُستَريح أو مُستراح مِنهُ قالوا: يا رسولَ الله ما المُستَريح والمُستراحُ مِنه؟ فقال: العبد المؤمِن يستريح مِن تعب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله والفاجر يستريح مِنه العباد والبلاد والشجر والدواب) أخرجه البخاري ومسلم.
ومن أجل ذلك أرى أنه عليًّ أن أذكر نفسي المقصرة أولاً وإياكم بإن أهم ما يُطلَب عمله قبل الموت من أجل الوصول إلى رِضوان الله وجناته ونعيمه الأبدي أن لا ننتظر أمارات الموت لنراجع أنفسنا إنما علينا أن نفعل ذلك في كُل مرحلة من مراحل حياتنا فقد يأتينا الموت بغتة بدون أمارات.
المَوتُ بابٌ وكُلُ الناس داخِلُهُ **** يا لَيتَ شِعري بعدَ البابِ ما الدارُ
الدارُ جناتُ عَدنٍ إن عَمِلتَ **** بما يُرضي الإله وإن خالَفتَ فالنارُ
هُما مَحَلانِ ما للمَرءِ غَيرِهِما **** فاختَر لِنَفسِكَ أيُ الدارِ تَختارُ
اللهم اجعلنا من الراضين المرضيين واجعلنا ممن يورثون الجنان ويبشرون بروح وريحان ورب غير غضبان.
منقوول
