( استنهاض الهمم للعمل للإسلام )
للشيخ محمد بن صالح المنجد
عناصر الموضوع :
1. العمل للإسلام واجب لا يقف عند حد معين
2. خطر الانهماك في الدنيا على حساب العمل للإسلام
3. خطر الاشتغال بنقد الآخرين عن العمل للإسلام
4. حقيقة الحياة الكريمة
5. الصلة بالله تبعث على العمل للإسلام
6. أهمية مرافقة الصالحين
7. المعاصي وأثرها في العمل
8. خطر الكسل والخمول.. وعلاجه
9. ضرورة الصبر والمصابرة في العمل للإسلام
استنهاض الهمم للعمل للإسلام:
إن العمل للإسلام واجب لا مفر منه، ولا يشترط العمل للإسلام عمراً محدداً، بل يجب العمل له في جميع مراحل العمر، وإن من أكبر المعوقات التي تعيق عن العمل للإسلام هي الدنيا والانشغال بملذاتها والتمتع بها، فالله الله في استنهاض الهمم للعمل له، والحذر من المعوقات التي قد تعيقنا عن ذلك.
العمل للإسلام واجب لا يقف عند حد معين:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن الله سبحانه وتعالى قد أمرنا بالعمل، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل للدين -يا عباد الله- هو حياة الإنسان المسلم الذي يعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة.. العمل وترك البطالة والكسل هو منهج حياتنا.. العمل للإسلام واغتنام الفرص لأجل ذلك.. العمل لإعزاز دين الله.. العمل لرفع راية لا إله إلا الله. إن العمل -أيها المسلمون- هو ما ينبغي علينا أن نقوم به، لأن من حق الله عز وجل علينا أن نعمل لدينه، وأن نقوم بما يريده منا سبحانه وتعالى، ولذلك خلقنا لأجل أن نعمل. أيها المسلمون: إن العمل للإسلام واجب لا مفر منه، وإن المعوقات عن هذا الواجب لا بد من إزالتها والتغلب عليها، والعمل للإسلام في جميع مراحل العمر، فإن من نعم الله علينا في هذا الدين أن العمل له صالح في كل الأعمار، للصغير والكبير، والذين يقولون: إن السن قد تقدم ولا مجال للعمل، وقد رق العظم، وظهر الشيب، فلنتركه للشباب .. إن هؤلاء ما فقهوا دين الله تعالى، وقد قال عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]. قال الحسن البصري رحمه الله: d]لم يجعل الله للعبد أجلاً في العمل الصالح دون الموت ] فالنهاية التي نقف عندها هي الموت، ألم تر أن ورقة بن نوفل رضي الله تعالى عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً ). هذا مع كبر سنه وذهاب بصره، وتمنى أن يكون فيها جذعاً قوياً عندما يظهر أمر الدعوة، ليقوم بالواجب .. إن مثل هذه الأمنية تنفع صاحبها عند الله، لأن نيته حسنة. وقال أبو طلحة الأنصاري لما قرأ سورة براءة، وأتى على هذه الآية: انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً [التوبة:41] قال: [ أرى ربنا عز وجل استنفرنا شيوخاً وشباباً، جهزوني أي بني. فقال بنوه: يرحمك الله! قد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات، ومع أبي بكر رضي الله عنه حتى مات، ومع عمر رضي الله عنه حتى مات، فنحن نغزو عنك، فأبى، فجهزوه فركب البحر، فمات غازياً في البحر في سبيل الله، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم يتغير، فدفنوه فيها ]. أيها المسلمون: إن العبد لا يجوز له أن يطعم طعم الراحة التامة والنهائية من العمل ولا يستريح إلا بالموت، بل قال الإمام أحمد رحمه الله لما سئل: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة. وهؤلاء الأنبياء بعثوا بعد الأربعين، وعملوا إلى الموت، وهذا عمر رضي الله عنه يعمل في مصالح المسلمين، وهو مطعون وجرحه يثعب دماً!!
خطر الانهماك في الدنيا على حساب العمل للإسلام:
أيها المسلمون: إن الدنيا تشغلنا عن العمل للإسلام كثيراً، وإن أوقات الكثيرين لتذهب في قضايا الدنيا، وبعضهم يعمل مع أنه يكسب أكثر من حاجته، لكن الطمع في الدنيا يجعله يعمل زيادة، ولو كان لابن آدم واد من ذهب لتمنى أن يكون له ثان، وهكذا ... فإذا قنعك الله -يا عبد الله- بما رزقك، فاستعمل بقية وقتك في خدمة دينك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب). وإن الانهماك التام في الأعمال الدنيوية يضيع على العبد فرصاً عظيمة لنيل الأجر والثواب، فكيف بمن ينشغل بالدنيا عن عمل الآخرة؟! وقد مدح الله المؤمنين الذين يتركون عمل الدنيا عند حضور عمل الآخرة، فقال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:36-37]. وترى بعض الطلاب ينهمكون في دراسات قد لا تعود عليهم بفائدة في أمتهم ودينهم، ويعملون أكثر من المطلوب، ويستهلكون وقت اليوم كله في أمور الدنيا، كما يستهلكه أولئك التجار وغيرهم من العاملين للدنيا، من عمل إلى عمل، ومن قضية إلى قضية، إلى آخر اليوم .. فماذا بقي للآخرة إذاً؟ يا أخا الإسلام: أين العمل للآخرة في برنامجك اليومي؟ هذه الصلوات تؤديها، لكن العمل لإعزاز الدين ونشره والدعوة إليه أين هو في حياتك؟ أين إقامة الإسلام؟ أين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أين تعليم الشرع؟ أين نصح الناس في حياتك؟ لم تخاذل أكثر المسلمين عن نشر الدين؟!؛
صرنا في هذه المنزلة الوضيعة بين الخلق، وكثيرٌ من الموظفين لا يغتنمون مجالات الدعوة في وظائفهم لنشر الإسلام، والدعوة إليه، ونصح الخلق. خذ على سبيل المثال: هؤلاء الأطباء الذين يحتكون يومياً ويتعاملون مع المرضى، ومن أسهل شيء عليهم أن يقوموا بدعوة المرضى للتمسك بالدين، من خلال المعالجة التي يقومون بها، فماذا قدم هؤلاء وغيرهم من أصحاب المكاتب لأجل الدين، حتى في وسط العمل، وفي وسط الموظفين الذين يعملون معهم؟ كم أمروا شخصاً بإقامة الصلاة؟ وكم نهوا شخصاً عن منكر ومعصية؟ وكم نصحوا للدين وأخلصوا لله؟ أيها المسلمون: إنها مسئولية سوف نحاسب عليها، يقول تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44]. عباد الله: إن بعض الناس أتوا من فساد تصورهم، فتركوا العمل للدين، وقالوا: إن القضية ليست قضيتنا، ونحن نتركها للدعاة العاملين، وأنا مقصر لست ملتزماً بكثير من الأحكام، فليست الدعوة من شأني ولا من وظيفتي، وليس إقامة الدين والنصح من أمري .. كيف -أيها الأخ المسلم- تقول ذلك؟ إن نشر الدين ليس مقتصراً على طبقة دون طبقة، ولا على مستوى دون مستوى، ولا على نوعية من المسلمين دون أخرى، بل كلنا دعاة وكلنا ناصحون، وكلنا يجب أن نقوم بأمر الدين، قال الله: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].. وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]. أين المسارعة في الخيرات؟ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون:61]، كل واحد يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى- وقد تبين بذلك أن الدعوة نفسها أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فإذاً لا بد لكل إنسان أن يقوم بذلك، ليس نهياً عن المنكر فقط، وإنما أمر بالمعروف أيضاً، وإنما هو تعليم للدين، وإرشاد ونصح.
يـــتــــــبــــــــــــــــعـــــــــــــــــــ .....
إن شاء الله