معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


2 مشترك

    حجٌ.. إلى السماء!!

    نور الهدى
    نور الهدى


    حجٌ.. إلى السماء!! Empty حجٌ.. إلى السماء!!

    مُساهمة من طرف نور الهدى الثلاثاء 12 فبراير 2008, 11:57 am

    حجٌ.. إلى السماء!!



    كنت أبحث عنه ليعد لي كوبا من الشاي.. رأيته يمر من أمام مكتبي مسرعا فناديته.. إلا أنه لم يعرني سوى التجاهل.. لأول مرة منذ التقيته يفعلها!! خرجت من مكتبي في إثره.. وشياطين البشر قاطبة تأزّني، ناديته من جديد بصوت أعلى ونبرة أشد.. لكنه كان مصرا على تجاهلي!! أخذت أتمتم: يبدو أنني لينٌ معه أكثر مما يجب.. صحيح أنني مسالم بطبعي.. إلا أنني لا أرضى أن أتحول إلى "مسخرة"!! دلف إلى المطبخ ودلفت خلفه.. هممت أن أجعل منه عبرة لبقية عمال الشركة.. أمسكته من كتفه الأيسر وأدرته نحوي بقوة .. ولكنني تجمدت فجأة؛ رأيت عيناه تسكبان شيئا يشبه الدمع!! هل هو حقا دمع؟ لا أدري مالذي جعلني أشك!! ربما لأنني تفاجأت بأن هذا الكائن -المسمى مجازا إنسان- يحس ويشعر بل ويمتلك حق البكاء!! سألته بشيء من المجاملة المشوبة بالاستغراب: ناصر "إيش في مشكل أنت"؟
    شهق شهقات متتالية وارتمى على كتفي مجهشا في البكاء!!
    لوهلة..نفرت منه وأحسست بالتقزز.. كدت أبعده عني.. ثم إن بقية من حياء جعلتني أأثر التريث.
    -لم يحدث أن سمحت لهندي بالاقتراب مني إلى هذا الحد!!- أخذت أتأمله وهو يبكي.. صوت نشيجه.. أنفاسه الحارة.. ومنظر الدموع المنهمرة على وجنتيه.. كل ذلك كان حقيقي!! أجلسته بهدوء على أقرب كرسي.. وملأت له كوبا من الماء.. وجلست أنا الآخر لأفهم.
    كان المشهد بالنسبة لي مذهلا..لم يسبق لي أن رأيت رجلا يبكي بنهمه وحرقته!! ثم مالذي يدعوه لذلك؟ وأي أمر قد ألم به؟ كنت أظنه ومن على شاكلته من العمال والمستخدمين قد فقدوا أحاسيسهم بعد أن تشربت نفوسهم الهوان وأدمنوا تجاهل الناس لهم.. وأصبحت أدمة مشاعرهم بسمك جدار، خدشها صعب إن لم يكن مستحيل.
    أخذت أرمقه وقد بدأت كفاه تعملان في وجهه عمل المنديل.. ولحيته القصيرة قد تخضبت عن آخرها بالدموع.. رأيت في عينيه انكسارا يذيب الحجر الأصم، للمرة الأولى أستشعر إنسانيته!! أحسست بالخجل من نفسي المتعجرفة وأخذت أسبني وألعنني.. أنا المنتن عديم الإنسانية.. مددت يدي نحو ذقنه ورفعت رأسه لمحاذاتي وسألته "ناصر إيش في مشكل؟ كلم أنا.. أنا سمسم أخو"
    عندما رأى إلحاحي المتكرر.. بدأ يحدثني بلسان متلعثم وبعبارات مبعثرة وأفكار مشتتة.. حدثني عن الإنسان حين يكون في أعتى انكساراته.. حين يغادره الأمل تاركا إياه ينزف عند نقطة الصفر.. حدثني عن ذهب زوجته وأخته ووالدته الذي باعه ليكمل بثمنه قيمة "الفيزا" التي حضر بها إلى المملكة، حدثني عن كفيله الذي يملك شركة استيراد وتصدير وهمية.. يستقدم من خلالها العمال ليتاجر بهم ويحولهم إلى أبقار تعمل في مزارع الغير فتدر له في نهاية كل شهر آلاف الريالات.. وكيف أن السيد (الكفيل) يتفنن في رفع الأتعاب التي يتقاضاها نظير إنجاز معاملاتهم الرسمية، حدثني عن الثمانمائة ريال التي يتقاضاها في الشركة -التي جمعتني وإياه- وكيف أن مصير تسعة أنفس معلق بها، حدثني عن ابنته التي يكتوي قلبه عند سماع صوتها ولا يستطيع أن يراها إلا من خلال الصور.. وعن أخيه الذي قضى نحبه في اعتداءات همجية من قبل الهندوس وكيف أنه ورثّه ثلاثة أطفال وأمهم.. ولا معيل لهم بعد الله سواه، حدثني عن سنواته الست التي قضاها في المملكة وكيف أنه أبى خلالها أن يتمتع ولو بإجازة واحدة.. رغبة منه في توفير مصاريف السفر لمهر أخته، حدثني عن الفيضانات التي اجتاحت –ما تعارفوا على أنه- منزلهم.. وكيف أنهم أعادوا بنائه من مخلفات و أنقاض المنازل الأخرى، حدثني عن والده المريض؛ والذي اضطروا بعد أن التهم السكر أطراف قدميه إلى بترهما ليبقوه حيا.. فأصبح عاجزا يتمثل له الموت صباح مساء في كل ما حوله، ثم إنه أراد أن يكمل إلا أن عبرته غلبته فسكت، .. أزيز صدره ينبئ بحجم الألم الذي يسكنه ويشي بأن ما خفي كان أشد وأنكى.. آلام البوح كآلام المخاض..قاسية لا تُحتَمل، ونفسه التي تخلّق الشقاء في رحمها تستجدي عطف من يجيد الإنصات؛ عله يريحها من هذه الآلام، وأنا بطبعي بليد.. وسلبي جدا في التعاطي مع هذه اللحظات.. أحتاج لوقت طويل للتفاعل مع الحدث.. ووقت أطول لأترجم التفاعل إلى فعل، تساءلت في نفسي: كيف يطيق جسده الضامر هذا الحِمل؟ بل كيف ينوء قلبه بهذه الأهوال؟.. حاولت أن أتخيل نفسي في موضعه.. لكنني سرعان ما طردت هذه الفكرة من رأسي متعوذا بالله ومستشعرا في نفسي طعم الأمان بعد أن تيقنت بأن كل شيء كما هو وأني لازلت أنا.
    التفت إلي –بعد أن كان يطيل النظر إلى الأرض- قائلا:
    " أنا كل شهر شيل ثلاثين ريال عشان جيب فلوس حق حج.. ستة سنة يبغى سوي حج ما يقدر.. الحي أنا في ألفين ريال، أنا روح كفيل يبغى جيب ورقة حق جوازات عشان حج.. هو كلام جيب خمسمية ريال.. بعدين لا حول ولا قوة إلا بالله أنا يعطي هو، اتنين أسبوع أنا انتظار ورقة مافي سوي.. أنا قبل شوية اتصال سكرتاري حق هو مكتب، هو كلام هزا كفيل في سفر.. هو روح مصر سوي إجازة عيد .. وهزا ورقة حق أنا ما في سوي" ثم عاد ينشج من جديد، تذكرت بأن اليوم هو السابع من ذي الحجة وتصاريح الحج قد توقف إصدارها منذ أيام.. وهذا المسكين مازال ينتظر!! لم يعد بوسعي تحمل المزيد، قلبي المترف غير معد لاستقبال هذا الكم الهائل من المعاناة.. قررت الهرب والانسحاب إلى عالمي الأناني، أنقذني رنين هاتفي الجوال.. فاعتذرت منه وخرجت على عجل وأنا أستشعر مدى ضئالتي أمام قامته.. أنا الذي أعيش هنا ولم أفكر يوما في الحج!!
    إجازة عيد الأضحى أنستني ناصر، اليوم هو يوم عودة الموظفين للعمل، دخلت الشركة منتشيا.. سلمت على هذا وذاك.. لمحت من بينهم ناصر.. قامته اليوم تطاولت على غير العادة ومنظره يوحي بالثبات كأنه مستعد لشيء ما، حاولت أن أنسحب دون أن يراني ولكنه لمحني واقترب للسلام علي، خطواته على غير عادته.. تبدو واثقة، شفتاه تعلوهما ابتسامة.. بعكس انكسار ذلك اليوم؛ تعجبت من أمره.. ربما قضى في العيد إجازة سعيدة!!
    بعد صلاة الظهر وأثناء خروجنا من المسجد المجاور لمقر الشركة.. احتضنت ناصر سيارة مسرعة.. مالبثت أن أفلتته مزعا مبعثرة.. الكل كان يحوم حول جسده الممزق، وأنا كنت من بعيد.. أراقب تلك الأنوار التي تحف روحه بالتجليل والتعظيم.. تشيعها نحو الأفق، ومن هناك وبعد أن دخلت روحه في النسك أخذت ترمل صوب السماء وقد اضطبعت رداءا من نور
    .



    منقول
    راجية رحمته
    راجية رحمته


    حجٌ.. إلى السماء!! Empty رد: حجٌ.. إلى السماء!!

    مُساهمة من طرف راجية رحمته الأربعاء 17 يونيو 2009, 5:29 am

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاك الله خيرا أستاذه نور الهدي ماشاء الله قصة مؤثره بارك الله فيك نعم اننا لا نلحظ النعم التي رزقنا الله بها الا اذا نظرنا حولنا سبحان الله اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
    اللهم ارزقنا الحج يارب نشتاق لملامسة بيتك الحرام وللحجر الأسود يارب لاتحرمنا زيارة بيتك

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 16 مايو 2024, 10:42 pm