معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


5 مشترك

    إعجاز سورة التكاثر

    الطيبه
    الطيبه


    إعجاز سورة التكاثر Empty إعجاز سورة التكاثر

    مُساهمة من طرف الطيبه الخميس 14 فبراير 2008, 1:10 pm

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،بسم الله الرحمن الرحيم

    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ{1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ{2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ{3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ{4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ{5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ{7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{8}

    سورة شديدة الوقع،تضافرت فيها العناصر اللغوية والخطابية لحبك هذه الشدة:

    -أولا،الخطاب:
    اختيار المواجهة بضمير المخاطب (أَلْهَاكُمُ/ زُرْتُمُ/ تَعْلَمُونَ...) لتحقيق الدلالات التي يوحي بها أسلوب الخطاب من قبيل الإدانة والاتهام والتقريع والتوبيخ....
    ف" ألهاهم التكاثر" ،الواردة في النص المصطنع ، لا تمنح شيئا من هذه المعاني إذ أن عطاءها سينحصر حينذاك في التقرير والإخبار.

    -ثانيا،الزجر:
    جاء الزجر بالأداة " كلا" ثلاث مرات..وفق وتيرة متسارعة بحيث نلحظ التقلص التدريجي للكلمات الفاصلة بين زجر وآخر:
    بعد خمس كلمات: أَلْهَاكُم-ُ التَّكَاثُر-ُحَتَّى- زُرْتُمُ- الْمَقَابِر...َ جاء الزجر الأول.
    ثم بعد ثلاث كلمات: سَوْفَ- تَعْلَمُونَ- ثُمَّ...جاء الزجر الثاني.
    ثم بعد كلمتين فقط: سَوْفَ- تَعْلَمُونَ...جاء الزجر الثالث.

    -ثالثا،التوكيد:
    من عجائب هذه السورة أن جاء التوكيد فيها بكل أنو اعه المعروفة في لغة العرب:
    توكيدا باللفظ،وبالمعنى وبالأسلوب..
    1-التوكيد اللفظي:
    كلا ستعلمون/ثم كلا ستعلمون...لترون/لترونها.
    2-التوكيد المعنوي
    أ-بالحرف:
    -بالنون: لَتَرَوُنَّ. لَتُسْأَلُنَّ..
    -باللام:
    لَتَرَوُنَّ. لَتُسْأَلُنَّ..
    ب-بالاسم:
    عَيْنَ الْيَقِينِ.

    3-التوكيد بأسلوب القسم:
    لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ...(جواب لقسم محذوف)

    رابعا،التصعيد:
    نقصد بالتصعيد الرفع التدريجي من شأن المعنى المكرر كما وكيفا ..والأداة المحققة لهذا المقصد هي"ثم" العاطفة .
    لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ،ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ.
    "ثم" صعدت من درجة الرؤية و الإدراك:
    فالرؤية الأولى تتعلق بإظهارجهنم وعرضها ،والثانية تتعلق بالتلبس بها وذوقها-والعياذ بالله-
    ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ..
    فهذا علم آخر أقوى من الأول بدلالة ثم..
    ولا يفوتنا أن نلحظ في هذه الآية القصيرة اجتماعا باهرا لكل المعاني التي ذكرناها:
    الزجر والتوكيد والتصعيد .. ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ..

    الاختيار المعجمي المعحز:

    قبل الاشتغال ببيان هذه الدقة المعجمية المتناهية يجدر بنا أن نسطر بعض الكلمات عن تصورنا للإعجاز البلاغي للقرآن العظيم..
    البلاغة ليست شيئا غير المطابقة الصادقة والجميلة بين اللغة والواقع،وهو ما يعبر عنه بمطابقة المقال للحال على قاعدة "لكل مقام مقال"...
    ويلزم من هذا أن يكون البليغ على علم واسع ودقيق بثلاثة أمور:
    -أن يعلم الواقعة بكل تفاصيلها ظاهرها وخفيها.
    -أن يعلم الخيارات اللغوية التي تسنح بها اللغة فضلا عن الفروقات الدلالية بين الكلمات والتراكيب.
    -أن ينزل الاختيار اللغوي على الواقعة بحيث تحصل المطابقة التامة فلا يكون في الجملة فائض دلالي لا يطابقه وجه من وجوه الواقعة أو يبقى من الواقعة مقتضى لم تراعه اللغة...فيحصل شيء شبيه بما يلي:
    *من الجملة- ذات البلاغة المطلقة- يمكن أن ننشيء الواقعة بكل تفاصيلها فكأننا نشتقها منها اشتقاقا...
    * الواقعة- لو أدركناها على حقيقتها- تفرض علينا أن نختار من عدة جمل ممكنة جملة بعينها هي الأوفى والأكثر انطباقا على تلك الواقعة...
    لكن من يستطيع أن يحيط علما بكل هذه الأمور الثلاثة غير رب العالمين؟
    هذا هو إعجاز القرآن..
    القرآن يعطيك التعبير الوحيد- الممكن في اللغة- المطابق للواقعة ..سواء أكانت هذه الواقعة قصة ماضية أم حدثا نفسيا أم ظاهرة طبيعية أم غير ذلك..
    ولعل ابن عطية –رحمه الله-أفضل من أشار إلى هذا المعنى في نص من روائع النصوص المتكلمة عن إعجاز القرآن..
    قال:
    "ووجه إعجازه: أن الله تعالى قد أحاط بكل شئ علما، وأحاط بالكلام كله علما، فعلم بإحاطته أي لفظه تصلح أن تلى الأولى، وتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم ضرورة أن بشرا لم يكن محيطا قط، بهذا جاء نظم القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة.
    وبهذا النظر يبطل قول من قال: إن العرب كان في قدرتها إن تأتي بمثل القرآن في الغاية القصوى من الفصاحة، فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك، وعجزوا عنه.
    والصحيح أن الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، ويظهر لك قصور البشر في أن الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا، ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة جامه فيبدل فيها وينقح، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضيع للنظر والبدل، وكتاب الله تعالى لو نزعت منه لفظه، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد ".
    والجملة الأخيرة في هذا النص من أجمل ما قيل عن إعجاز القرآن!!



    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ{1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ{2}
    1-ألهاكم:
    لو أدرت لسان العرب لم تجد ما يقوم مقام"ألهاكم"..فلا الشغل ولا الاشتغال ولا الانهماك ولا اللعب ولا غيرها تفي بالمقصود..
    "ألهاكم"..وحدها دلت على الإفراط والتفريط معا..فالمتلبس باللهو حاصل منه دائما شيئان:
    -إضاعة الوقت والجهد في ما هو باطل أو قليل العائدة.
    -الغفلة عن واجب أو أمر أكثر فائدة..
    فيكون اللاهي مسؤولا عن أمرين:
    الوقت المهدور والواجب المتروك..
    وقد قيل إن اللعب للأطفال واللهو للراشدين..فالطفل في لعبه ينهمك في ما هو باطل ولكنه أثناء لعبه لا يجب عليه شيء..أما لعب الراشد فهو لهو لأنه اشترك مع الطفل في إضاعة الوقت والجهد لكنه انفرد عنه بأمر ذي بال وهو أنه مكلف –حين لعبه-بأمور جادة غفل عنها وفرط فيها...
    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ..
    حملت إذن تبكيتا مزدوجا للكفار..
    2-التكاثر:
    لو أدرت لسان العرب لم تجد ما يقوم مقام "التكاثر" بل إن هذه الكلمة كافية لتلخيص تاريخ البشرية كله!
    فمن صيغة (تفاعل) انبثقت كل المعاني المتعلقة بالتنافس والتحاسد والتصارع والتسابق وإشعال فتائل الحروب ..وما قصة التسابق نحو التسلح عنا ببعيدة!
    ولو ألقينا نظرة في تاريخ البشر لوجدناه يتلخص في هذه الكلمة،فما الحروب وما الصراعات وما الإنقلابات إلا تعبيرا عن هذه الرغبة الكامنة في النفوس :التكاثر.
    ومن مادة الكلمة(ك-ث-ر) انبثقت كل المعاني المتعلقة بالمقتنيات والملكيات والطمع والاشتهاء..كما بين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري:

    5958 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْغَسِيلِ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَكَّةَ فِي خُطْبَتِهِ يَقُولُ
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ لَوْ أَنَّ ابْنَ آدَمَ أُعْطِيَ وَادِيًا مَلْئًا مِنْ ذَهَبٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَانِيًا وَلَوْ أُعْطِيَ ثَانِيًا أَحَبَّ إِلَيْهِ ثَالِثًا وَلَا يَسُدُّ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ.
    وهكذا نرى كيف حددت هذه الكلمة لوحدها طبائع الناس الداخلية وعلاقاتهم الخارجية في آن واحد.
    3- زُرْتُمُ:
    لو أدرت لسان العرب لم تجد ما يقوم مقام" زُرْتُمُ"
    قال ابن حيان:
    "وسمع بعض الأعراب { حتى زرتم } فقال : بعث القوم للقيامة ، ورب الكعبة، فإن الزائر منصرف لا مقيم".
    وقال بعد ذلك:
    وقيل : هذا تأنيب على الإكثار من زيارة تكثراً بمن سلف وإشادة بذكره.
    وإيراد القول الأخير أثار العجب عند بنت الشاطيء فقد كانت تفضل لو وقف أبو حيان عند" اللمحة الثاقبة لذلك الأعرابي الذي يجد حس لغته فطرة وسليقة بدل أن يمر بها سريعا كأنه لم يعنه منها شيء "
    والحقيقة أن الوقوف على المعنى العقدي أظهر وأولى من الوقوف على الحكم الفقهي..
    فالكلمة إذن لها وجهان:
    -وجه إخباري وصفي حمل معلومة عن سلوك هؤلاء.
    -ووجه حجاجي حمل دعوى البعث والخروج من الأجداث.
    فأي كلمة يمكن أن تقوم بالوظيفتين غير كلمة زرتم القرآنية!
    4-حتى:
    لو أدرت لسان العرب لم تجد ما يقوم مقام "حتى"
    فهذا الحرف أنشأ توسعا دلاليا مذهلا:
    1-توسعا في زمن التكاثر.
    2-توسعا في المتكاثر به.
    فعلى الأول يكون المعنى أن المخاطبين قد ألهاهم التكاثر طيلة حياتهم ولزمهم حتى ماتوا وزاروا القبور.
    وعلى الثاني يكون المعنى أن المخاطبين وسعوا دائرة ما تكاثروا به حتى ذهبوا إلى المقابر لإحصاء الأموات منهم ..:
    قال ابن عباس ومقاتل والكلبي : نزلت في حَيَّيْن من قريش : بني عبد مَناف ، وبني سَهْم ، تعادُّوا وتكاثروا بالسادة والأشراف في الإسلام ، فقال كل حيّ منهم نحن أكثر سيداً ، وأعز عزيزاً ، وأعظم نفراً ، وأكثر عائذاً ، فكَثَرَ بنو عبد مناف سهماً . ثم تكاثروا بالأموات ، فَكَثَرَتْهُمْ سَهْم ، فنزلت { أَلْهَاكُمُ التكاثر } بأحيائكم فلم ترضَوا { حتى زُرْتُمُ المقابر } مفتخرين بالأموات .

    فتكون "حتى"أنشأت تنديدا بوصفين قبيحين عند هؤلاء:
    -الغفلة بمقتضى المعنى الأول
    -والسفاهة بمقتضى المعنى الثاني.
    5-المقابر:
    لو أدرت لسان العرب لم تجد ما يقوم مقام "المقابر"
    فالمقابر جمع مقبرة ،والمقبرة مجتمع القبور..فتكون المقبرة جمعا لمجاميع..
    وهذا التوسيع يراد له أن يكون مقابلا للتكاثر الذي امتد في الزمان والمكان.
    قالت بنت الشاطيء:
    "واستعمالها هنا –أي المقابر-يقتضيه معنويا،أنه اللفظ الملائم للتكاثر،الدال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوي فان..هناك حيث مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم ودرجاتهم وأزمنتهم".

    أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ{1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ{2}
    هذه خمس كلمات فقط..فمن يستطيع أن يأتي بمثلها..
    إنه الإعجاز في صورته الباهرة!!
    جنان الرحمن
    جنان الرحمن
    الإدارة


    إعجاز سورة التكاثر Empty رد: إعجاز سورة التكاثر

    مُساهمة من طرف جنان الرحمن الجمعة 15 فبراير 2008, 6:59 am

    صحيح اختي الحبيبة انه الاعجاز في صورته الباهرة و قد مضت القرون و مازلنا امام التحدي فما يجرؤ احد على الاتيان باية... فسبحان من لا يعجزه شيء في الارض و لا في السماء وهو السميع العليم.
    جزاك الله خير الجزاء اختي الحبيبة فالموضوع قيم و رائع جدا جدا الله يجزيك كل الخير.
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    إعجاز سورة التكاثر Empty رد: إعجاز سورة التكاثر

    مُساهمة من طرف حبيبه الخميس 11 أبريل 2013, 1:51 pm

    جزاكِ الله خير الجزاء أختي الطيبة
    مودة
    مودة


    إعجاز سورة التكاثر Empty رد: إعجاز سورة التكاثر

    مُساهمة من طرف مودة الثلاثاء 16 أبريل 2013, 11:40 am

    بارك الله فيك
    ناهد الريس
    ناهد الريس


    إعجاز سورة التكاثر Empty رد: إعجاز سورة التكاثر

    مُساهمة من طرف ناهد الريس الإثنين 11 نوفمبر 2013, 7:51 pm

    إعجاز سورة التكاثر K26o6

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 20 مايو 2024, 5:56 am