معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


2 مشترك

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه

    مها صبحي
    مها صبحي
    الإدارة


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة حبيبه

    مُساهمة من طرف مها صبحي الإثنين 29 يونيو 2009, 2:03 pm



    أخواتي طالبات دورة شرح رياض الصالحين

    اليكن تلخيص الدرس الاول

    للاستاذة الفاضلة حبيبه

    جزاها الله خيرا على تلخيص الدرس



    عدل سابقا من قبل مها صبحى في الأربعاء 13 أبريل 2011, 12:23 am عدل 3 مرات
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الاول في باب الاخلاص من شرح رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الثلاثاء 30 يونيو 2009, 6:22 am

    1- باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية


    قال الله تعالي: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) وقال تعالي لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: من الآية37) وقال تعالي (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )(آل عمران: من الآية29).

    الشرح
    (( النية )) محلها القلب ، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال ؛ ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو الوضوء، أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعاً قائلاً في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي صلي الله عليه وسم كان يتوضأ ، ويصلي ويتصدق ، ويصوم ويحج، ولم يكن ينطق بالنية، فلم يكن يقول : اللهم إني نويت أن أتوضأ ، اللهم إني نويت أن أصلي ؛ وذلك لأن النية محلها القلب، كما قال الله تعالي في الآية التي ساقها المؤلف: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )(آل عمران: الآية29) .

    ويجب علي الإنسان أن يخلص النية لله سبحانه وتعالي في جميع عباداته، وأن لا ينوى بعباداته إلا وجه الله والدار الآخرة.

    وهذا هو الذي أمر الله به في قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ )، أي مخلصين له العمل، ( وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وينبغي أن يستحضر النية، أي: نية الإخلاص في جميع العبادات.

    فينوى مثلاً الوضوء ، وأنه توضأ لله، وأنه توضأ أمثالاً لأمر الله.

    فهذه ثلاثة أشياء:


    _1نية العبادة.

    _2نية أن تكون لله.

    _3نية أنه قام بها امتثالاً لأمر الله.

    فهذا أكمل شيء في النية.

    كذلك في الصلاة :

    تنوي أولاً: الصلاة، وأنها الظهر ، أو العصر ، أو المغرب ، أو العشاء ن أو الفجر ، أو ما أشبه ذلك ،

    وتنوي ثانياً: أنك إنما تصلي لله عز وجل لا لغيره، لا تصلي رياء ولا سمعة، ولا لتمدح على صلاتك ، ولا لتنال شيئاً من المال أو الدنيا،

    ثالثاً : تستحضر أنك تصلي امتثالاً لأمر ربك حيث قال: (أَقِمِ الصَّلاة)(ْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) إلي غير ذلك من الأوامر.

    ربما يعمل العبد عملاً يظهر أمام الناس أنه عمل صالح ، وهو عمل فاسد أفسدته النية يقول الله تعالى(يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) (الطارق:8-10)

    يعني :يوم تختبر السرائر ـ القلوب ـ كقوله: )أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) (العاديات:9-10) .

    ففي الآخرة: يكون الثواب والعقاب ، والعمل والاعتبار بما في القلب.

    أما في الدنيا : فالعبرة بما ظهر، فيعامل الناس بظواهر أحوالهم،

    كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( قال الله تعالي: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))(5).

    فالله الله!! أيها الاخوة بإخلاص النية لله سبحانه وتعالي!!

    واعلم: أن الشيطان قد يأتيك عند إرادة عمل الخير، فيقول لك: إنك إنما تعمل هذا رياء، فيحبط همتك ويثبطك ولكن لا تلتفت إلي هذا ، ولا تطعه، بل اعمل ولو قال لك: إنك إنما تعمل رياء أو سمعة؛ لأنك لو سئلت: هل أنت الآن تعمل هذا رياء وسمعة؟ : لا!!

    إذن فهذا الوسواس الذي أدخله الشيطان في قلبك، لا تلتفت له، وافعل لخير؛ ولا تقل: إني أرائي وما أشبه ذلك.

    ****
    1- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤس بن غالب القرشي العدوي ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امري ما نوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله ، فهجرته إلي الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلي ما هاجر إليه))؛ متفق على صحته؛(6) رواه إماما المحدثين : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيساوي ـ رضي الله عنهما ـ في صحيحيهما اللذين هما اصح الكتب المصنفة.


    الشرح


    هذا حديث عمر بن الخطاب الذي قال : سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي)):

    هاتان الجملتان اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيهما:

    فقال بعض العلماء: إنهما جملتان بمعني واحد ، وإن الجملة الثانية تأكيد للجملة الأولي.

    ولكن هذا ليس بصحيح، فعند التأمل يتبين أن بينهما فرقاً عظيماً؛ فالأولي سبب، والثانية نتيجة:

    الأولي: سبب يبين فيها النبي صلي الله عليه وسلم أن كل عمل لابد فيه من نية، فكل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار، فلابد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملاً إلا بنية؛ وهي نية القصد .

    وهذا صحيح ؛ كيف تعمل وأنت في عقلك، وأنت مختار غير مكره، كيف تعمل عملاً بلا نية؟ ! هذا مستحيل؛ لأن العمل ناتج عن إرادة وقدرة ، والإرادة هي النية.

    إذن: فالجملة الأولي معناها أنه ما من عامل إلا وله نية،

    من الناس من نيته في القمة في أعلي شيء، ومن الناس من نيته في القمامة ؛

    حتى إنك لتري الرجلين يعملان عملاً واحداً يتفقان في ابتدائه وانتهائه وفي أثنائه، وفي الحركات والسكنات، والأقوال والأفعال، وبينهما كما بين السماء والأرض، وكل ذلك باختلاف النية.

    إذن : الأساس ما من عمل إلا بنية، ولكن النيات تختلف وتتابين.

    نتيجة ذلك قال: (( وإنما لكل أمري ما نوي))؛ فكل امريء له ما نوي: إن نوي الله والدار الآخر في أعماله الشرعية ، حصل له ذلك، وإن نوي الدنيا ، قد تحصل وقد لا تحصل.

    قال الله تعالي: )مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)(الاسراء: الآية18)

    ما قال: عجلنا له ما يريد ؛ بل قال: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) ، لا ما يشاء هو؛ (لِمَنْ نُرِيدُ) لا لكل إنسان ؛ فمن الناس: من يعطي ما يريد من الدنيا ومنهم: من يعطي شيئاً منه، ومنهم: من لا يعطي شيئاً أبدا.

    أما : (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)

    لابد أن يجني ثمرات هذا العمل الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة.

    إذن (( إنما لكل امري ما نوي)).

    وعن عائشة رضي الله عها: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))(7) ميزان للأعمال الظاهرة.

    ولهذا قال أهل العلم : (( هذان الحديثان يجمعان الدين كله)) حديث عمر: (( إنما الأعمال بالنيات )) ميزان للباطن ، وحديث عائشة : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا)) ميزان للظاهر.

    ثم ضرب النبي صلي الله عليه وسلم مثلاً يطبق هذا الحديث عليه، قال: (( فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله ، فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلي ما هاجر إليه)):

    (( الهجرة)): أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلي دار الإسلام .

    وإذا هاجر الناس ، فهم يختلفون في الهجرة.

    الأول:

    منهم من يهاجر إلي الله ورسوله ؛ يعني إلي شريعة الله التي شرعها الله على رسوله صلي الله عليه وسلم هذا هو الذي ينال الخير،، وينال مقصوده؛ ولهذا قال: (( فهجرته إلي الله ورسوله))؛ أي فقد أدرك ما نوي.

    الثاني:
    هاجر لدنيا يصيبها ، يعني : رجل يحب جمع المال،

    الثالث:
    رجل هاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها،

    فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلي الله ورسوله، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (( فهجرته إلي ما هاجر إليه))،


    عدل سابقا من قبل حبيبه في الأربعاء 01 يوليو 2009, 5:11 am عدل 1 مرات
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الجزء الثاني من الدرس الاول باب الاخلاص رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الثلاثاء 30 يونيو 2009, 7:05 am

    (( الهجرة)): أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلي دار الإسلام .

    وإذا هاجر الناس ، فهم يختلفون في الهجرة.

    الأول:

    منهم من يهاجر إلي الله ورسوله ؛ يعني إلي شريعة الله التي شرعها الله على رسوله صلي الله عليه وسلم هذا هو الذي ينال الخير،، وينال مقصوده؛ ولهذا قال: (( فهجرته إلي الله ورسوله))؛ أي فقد أدرك ما نوي.

    الثاني:

    هاجر لدنيا يصيبها ، يعني : رجل يحب جمع المال،

    الثالث:

    رجل هاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها،

    فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلي الله ورسوله، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم (( فهجرته إلي ما هاجر إليه))،

    أقسام الهجرة:

    الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل ، وتكون للمكان.

    القسم الأول : هجرة المكان :

    فأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي.

    وربما يكون بلد كفر إلي بلد لا يوجد فيه ذلك.

    وأعظمه الهجرة من بلد الكفر إلي بلد الإسلام، وقد ذكر أهل العلم إنه يجب علي الإنسان أن يهاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام إذا كان غير قادر علي إظهار دينه.

    وأما إذا كان قادراً علي إظهار دينه، ولا يعارض إذا أقام شعائر الإسلام؛ فإن الهجرة لا تجب عليه، ولكنها تستحب ، فإذا كان بلد الكفر الذي كان وطن الإنسان ؛ إذا لم يستطع إقامة دينه فيه؛ وجب عليه مغادرته ، والهجرة منه.

    فذلك إذا كان الإنسان من أهل الإسلام، ومن بلاد المسلمين ؛ فإنه لا يجوز له أن يسافر إلي بلد الكفره، ولما في ذلك من الخطر على دينه، وعلي أخلاقه، ولما في ذلك من إضاعة ماله، و تقوية اقتصاد الكفار،ونحن مأمورون بأن نغيظ الكفار بكل ما نستطيع ، كما قال الله تبارك وتعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة:123) وقال تعالي: (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)(التوبة: من الآية120)

    فالكافر إيا كان، سواء كان من النصارى، أو من اليهود، أو من الملحدين ، وسواء تسمي بالإسلام أم لم يتسم بالإسلام، الكافر عدو لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين جميعاً،

    فلا يجوز للإنسان أن يسافر إلي بلد الكفر إلا بشروط ثلاثة:

    الشرط الأول:أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات؛

    لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهاً في أخلاقهم،وفي كل شيء يوردون الشبهة؛ ليبقي الإنسان شاكا متذبذبا ، ومن المعلوم أن الإنسان إذا شك في الأمور التي يجب فيها اليقين؛ فإنه لم يقم بالواجب ، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره - الإيمان بهذه - يجب أن يكون يقيناً ؛ فإن شك الإنسان في شيء من ذلك فهو كافر.

    فالكفار يدخلون علي المسلمين الشك، حتى إن بعض زعمائهم صرح قائلاً: لا تحاولوا أن تخرجوا المسلم من دينه إلي دين النصارى، ولكن يكفي أن تشككوه في دينه؛ لأنكم إذا شككتموه في دينه سلبتموه الدين، وهذا كاف، أنتم أخرجوه من هذه الحظيرة التي فيها الغلبة والعزة والكرامة ويكفي

    الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات

    لأن الإنسان يدفع به الشبهات. الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلي بلاد الكفر انغمس؛ إلا إذا كان عنده دين يحميه من الشهوات.

    الشرط الثالث:أن يكون محتاجاً إلي الهجره

    مثل أن يكون مريضاً؛يحتاج إلي السفر إلي بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجاً إلي علم لا يوجد في بلد الإسلام تخصص فيه؛ فيذهب إلي هناك ويتعلم ، أو يكون الإنسان محتاجاً إلي تجارة، يذهب ويتجر ويرجع. ولهذا أري أن الذين يسافرون إلي بلد الكفر من أجل السياحة فقط أري أنهم آثمون .

    وهذا من البلاء الذي يحل الله به النكبات التي تأتينا، والتي نحن الآن نعيشها كلها بسبب الذنوب والمعاصي ، كما اقل الله تعالي: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30) نحن غافلون ، نحن آمنون في بلادنا. كأن ربنا غافل عنا كأنه لا يعلم ، كأنه لا يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

    والناس يعصرون في هذا الحوداث، ولكن قلوبهم قاسية والعياذ بالله! وقد قال الله سبحانه: )وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76)

    أخذناهم بالعذاب، ونزل بهم، ومع ذلك ما استكانوا إلي الله، وما تضرعوا إليه بالدعاء، وما خافوا من سطوته، ولكن قست القلوب - نسأل الله العافية

    والسفر إلي بلاد الكفر للدعوة يجوز؛ إذا كان له أثر وتأثير هناك فإنه جائز، لأنه سفر لمصلحة، وبلاد الكفر كثير من عوامهم قد عمي عليهم الإسلام، لا يدرون عن الإسلام شيئاً، بل قد ضللوا، وقيل لهم إن الإسلام دين وحشية وهمجية ورعاع، ولا سيما إذا سمع الغرب بمثل هذه الحوادث التي حصلت علي أيدي من يقولون إنهم مسلمون، سيقولون أين الإسلام؟! هذه وحشية!! وحوش ضارية يعدو بعضها علي بعض ويأكل بعضها بعضا، فينفر الناس من الإسلام بسبب أفعال المسلمين، نسأل الله أن يهدينا جميعاً صراطه المستقيم.

    القسم الثاني:
    هجرة العمل،أي هجر العمل

    وهي أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق كما قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه))(9) فتهجر كل ما حرم الله عليك ، سواء كان مما يتعلق بحقوق الله، أو ما يتعلق بحقوق عباد الله ؛ فتجهر السبب والشتم والقتل والغش وأكل المال بالباطل وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وكل شيء حرم الله تهجره، حتى لو أن نفسك دعتك إلي هذا وألحت عليك، فاذكر أن الله حرم ذلك حتى تهجره وتبعد عنه.

    القسم الثالث:

    هجرة العامل
    فإن العامل قد تجب هجرته أحياناً، قال أهل العلم: مثل الرجل المجاهر بالمعصية ؛ الذي لا يبالي بها؛ فإنه يشرع هجره إذا كان في هجره فائدة ومصلحة.
    والمصلحة والفائدة إنه إذا هجر عرف قدر نفسه، ورجع عن المعصية.

    ومثال ذلك: رجل معروف بالغش بالبيع والشراء؛ فيهجره الناس، فإذا هجروه تاب من هذا ورجع وندم، ورجل ثان يتعامل بالربا ، فيهجره الناس، ولا يسلمون عليه، ولا يكلمونه؛ فإذا عرف هذا خجل من نفسه وعاد إلي صوابه، ورجل ثالث-وهو أعظمهم-لا يصلي ؛ فهذا مرتد كافر - والعياذ بالله -؛ يجب أن يهجر؛ فلا يرد عليه السلام، ولا يسلم عليه، ولا تجاب دعوته حتى إذا عرف نفسه ورجع إلي الله وعاد إلي الإسلام انتفع بذلك.

    أما إذا كان الهجر لا يفيد ولا ينفع وهو من أجل معصية، لا من أجل كفر، لأن الهجر إذا كان للكفر فإنه يهجر. والكافر المرتد يهجر على كل حال - أفاد أم لم يفد - لكن صاحب المعصية التي دون الكفر إذا لم يكن في هجره مصلحة فإنه لا يحل هجره؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام(10).

    ومن المعلوم أن المعاصي التي دون الكفر عند أهل السنة والجماعة لا تخرج من الإيمان.

    2-وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم)) قالت: يا رسول الله، كيف تخسف بأولهم وآخرهم وفيهم اسوافهم ، ومن ليس منهم؟ قال: (( يخسف بأولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم))(12) ( متفق عليه) هذا لفظ البخاري.

    الشرح
    هذه الكعبة هي بيت الله؛ بناه إبراهيم ، وابنه إسماعيل - عليهما الصلاة والسلام - وكانا يرفعان القواعد من البيت ويقولان ) رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(البقرة: من الآية127)

    هذا البيت أراد ابرهة أن يغزو من اليمن ، فغزاه بجيش عظيم في مقدمته فيل عظيم؛ يريد أن يهدم به الكعبة - بيت الله - فلما قرب من الكعبة ووصل إلي مكان يقال له المغمس حرن الفيل، وأبي أن يتقدم ، فجعلوا ينهرونه ليتقدم إلي الكعبة فأبي ، فإذا صرفوه نحو اليمن هرول وأسرع؛ ولهذا قال الرسول - عليه الصلاة والسلام - في غزوة الحديبة لما أن ناقته حرنت ، وبركت من غير علة - قال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق!))(13) فالنبي - عليه الصلاة والسلام - يدافع عن بهيمة ، لأن الظلم لا ينبغي، ولو على البهائم.

    (( ما خلات القصواء وما ذاك لها بخلق - أي عادة- ولكن حبسها حابس الفيل)) وحابس الفيل: هو الرب سبحانه وتعالي

    المهم أن الكعبة غزيت من قبل اليمن، فأرسل الله عليهم طيراً أبابيل ، والأبابيل : يعني الجماعات الكثيرة من الطيور ، وكل طير يحمل حجراً قد أمسكه برجله، ثم يرسله على الواحد منهم،حتى يضربه مع هامته ويخرج إلي دبره )فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) (الفيل:5).كأنهم زرع أكلته البهائم

    فحمي الله عز وجل بيته من كيد هذا الملك الظالم الذي ججاء ليهدم بيت الله، وقد قال الله عز وجل، : )وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(الحج: من الآية25)

    في آخر الزمان يغزو قوم الكعبة، جيش عظيم.

    وقوله : (( حتى إذا كانوا بيداء من الأرض)) أي بأرض واسعة متسعة، خسف الله بأولهم وآخرهم.

    خسفت بهم الأرض ، وساخوا فيها هم وأسواقهم، وكل من معهم.

    فيخسف الله بأولهم وآخرهم.لما قال الرسول صلي الله عليه وسلم هذا، ورد على خاطر عائشة - رضي الله عنها- سؤال، فقالت: يا رسول الله(( كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم، ومن ليس منهم ؟))

    فقال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( يخسف بأولهم وآخرهم وأسواقهم ومن ليس منهم ثم يبعثون يوم القيامة على نياتهم)) كل له ما نوي.

    وفي هذا الحديث عبرة: أن من شارك أهل الباطل وأهل البغي والعدوان، فإنه يكون معهم في العقوبة؛ الصالح والطالح، العقوبة إذا وقعت تعم الصالح والطالح، والبر والفاجر، والمؤمن والكافر، والمصلي والمستكبر، ولا تترك أحداً، ثم يوم القيامة يبعثون علي نياتهم.

    يقول الله عز وجل:

    (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعقاب
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty ملخص الدرس الثاني (االاخلاص)شرح رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأربعاء 01 يوليو 2009, 5:33 am

    حبيباتي الغاليات
    هذا تلخيص الدرس الثاني
    الاخلاص


    3-وعن عائشة - رضي الله عنها- قالت: قال النبي صلي الله عليه وسلم (( لا هجرة بعد الفتح ولكن

    جهاد ونبة وإذا استفرتم فانفروا))(13) متفق عليه
    الشرح

    في هذا الحديث نفي رسول الله صلي الله عليه وسلم الهجرة بعد الفتح، فقال: (( لا هجرة))

    ومعناه : لا هجرة من مكة؛ لأنها صارت دار إسلام

    وهذا النفي ليس على عمومه، يعني أن الهجرة لم تبطل بالفتح ، بل إنه (( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها))(14) _ كما جاء ذلك في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم - لكن المراد بالنفي هنا نفي الهجرة من مكة كما قاله المؤلف - رحمه الله-؛

    وفي هذا دليل على أن مكة لن تعود بلاد كفر، بل ستبقي بلاد إسلام إلي أن تقوم الساعة، أو إلي أن يشاء الله.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ولكن جهاد ونية)) ؛ أي الأمر بعد هذا جهاد؛ أي يخرج أهل مكة من مكة إلي الجهاد.

    و(( النية)) أي النية الصالحة للجهاد في سبيل الله، وذاك بان ينوي الإنسان بجهاده، أن تكون كلمة الله هي العليا.

    ثم قال عليه الصلاة والسلام(( وإذا استنفرتم فانفروا))

    يعني : إذا استنفركم ولي أمركم للجهاد في سبيل الله، فانفروا وجوباً، وحينئذ يكون الجهاد فرض عين،

    الموضع الثاني: إذا حضر بلدة العدو.

    أي جاء العدو حتى وصل إلي البلد وحصر البلد، صار الجهاد فرض عين، ووجب

    علي كل أحد أن يقاتل، حتى على النساء والشيوخ القادرين في هذه الحال، لأن هذا قتال دفاع.

    وفرق بين قتال الدفاع وقتال الطلب.

    فيجب في هذا الحال أن ينفر الناس كلهم للدفاع عن بلدهم.

    الموضع الثالث: إذا حضر الصف

    والتقي الصفان؛ صف الكفار وصف المسلمسن؛ صار الجهاد حينئذ فرض عين، ولا يجوز لأحد أن ينصرف كما قال الله تعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (لأنفال:15،16) .

    وقد جعل النبي صلي الله عليه وسلم التولي يوم الزحف من السبع الموبقات.(14)

    الموضع الرابع: إذا احتيج إلي رجل ؛

    بأن يكون السلاح لا يعرفه إلا هذا الرجل، وكان الناس يحتاجون إلي هذا الرجل؛ لاستعمال هذا السلاح الجديد مثلاً؛ فإنه يتعين عليه أن يجاهد وإن لم يستنفره الإمام وذلك لأنه محتاج إليه.

    ففي هذه المواطن الأربعة، يكون الجهاد فرض عين وما سوي ذلك فإنه يكون فرض كفاية.

    * * *
    4-وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصاري - رضي الله عنهما - قال: كنا مع النبي صلي الله عليه وسلم في غزاة فقال: (( إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم؛ حبسهم المرض)) وفي رواية : (( إلا شركوكم في الأجر))(17) رواه مسلم.

    ورواه البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: (( رجعنا من غزوة تبوك مع النبي صلي الله عليه وسلم فقال: (( إن أقواماً بالمدينة خلفنا، ما سلكنا عبا، ولا واديا إلا وهم معنا ، حبسهم العذر))
    الشرح

    قوله : (( في غزاة)) أي في غزوة.

    فمعني الحديث أن الإنسان إذا نوي العمل الصالح، ولكنه حبسه عنه حابس فإنه يكتب له أجر ما نوي.

    أما إذا كان يعمله ، ثم عجز عنه فيما بعد؛ فإنه يكتب له أجر العمل كاملاً، لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (( إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً))(18.

    فمثلاً: إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي مع الجماعة في المسجد، ولكنه حبسه حابس، كنوم أو مرض، أو ما أشبهه فإنه يكتب له أجر المصلي مع الجماعة تماماً من غير نقص.

    وكذلك إذا كان الإنسان من عادته أن يصلي تطوعاً، ولكنه منعه منه مانع، ولم يتمكن منه؛ فإنه يكتب له أجره كاملاً، وغيره من الأمثلة الكثيرة.

    أما إذا كان ليس من عادته أن يفعله ولكنه تمنى العمل فإنه يكتب له أجر النية فقط، دون أجر العمل.

    ودليل ذلك:

    أن فقراء الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله سبقنا أهل الدثور بالدرجات العلي، والنعيم المقيم _ يعني : أن أهل الأموال سبقوهم بالصدقة والعتق- فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أفلا أخبركم بشي إذا فعلتموه أدركتم من سبقكم ولم يدرككم أحد إلا من عمل مثل ما عملتم!! فقال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين)) ففعلوا، فعلم الأغنياء بذلك؛ ففعلوا مثلما فعلوا، فجاء الفقراء إلي الرسول صلي الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا؛ ففعلوا مثله، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء))(19) والله ذو الفضل العظيم.ولم يقل لهم: إنكم أدركتم أجر عملهم، ولكن لا شك أن لهم أجر نية العمل.

    أي سواء في اجر النية، أما العمل فإنه لا يكتب له أجره إلا إن كان من عادته أن يعمله.

    *وفي هذا الحديث: إشارة إلي من يخرج في سبيل الله، في الغزو، والجهاد في سبيل الله، فإن له أجر ممشاه، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا ولا شعبا إلا وهم معكم)).

    * * * * *

    5-وعن أبي مغن بن يزيد بن الخنس- رضي الله عنهم - وهو وأبوه وجده صحابيون، قال: كان أبي - يزيد - اخرج دنانير يتصدق بها، فوضعها عند رجل في المسجد، فجئت فاخذتها، فآتيته بهان فقال: والله ما إياك أردت فخاصمته إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم

    فقال: (( لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا مغن))(22) رواه البخاري).

    الشرح

    هذا الحديث الذي ذكره المؤلف - رحمه الله - في قصة معن بن يزيد وأبيه - رضي الله عنهما -، أن أباه يزيد أخرج دراهم عند رجل في المسجد ليتصدق بها على الفقراء ، فجاء ابنه معن فأخذها ، وربما يكون ذلك الرجل الذي وكل فيها لم يعلم أنه ابن يزيد. ويتحمل أنه أعطاه لأنه من المستحقين.

    فبلغ ذلك أباه يزيد، فقال له: (( ما إياك أردت _ أي ما أردت أن أتصدق بهذه الدراهم عليك - فذهب إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم

    فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (( لك يا يزيد ما نويت، ولك يا معن ما أخذت)).

    فقوله عليه الصلاة والسلام: (( لك يا يزيد ما نويت)) يدل على أن الأعمال بالنيات ، وأن الإنسان إذا نوي الخير حصل له، وإن كان يزيد لم ينو أن يأخذ هذه الدراهم ابنه، لكنه أخذها؛ وابنه من المستحقين؛فصارت له، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم : (( لك يا معن ما أخذت)).

    ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يتصدق على ابنه، والدليل على هذا أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالصدقة وحث عليها، فأرادت زينب- زوجة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنها - أن تتصدق بشيء من مالها، فقال لها زوجها أنا وولدك أحق من تصدقت عليه - لأنه كان فقيراً- رضي الله عنه - فقالت: لا حتى اسال النبي صلي الله عليه وسلم فقال: (( صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم))(23)

    ومن فوائد الحديث: أنه يجوز أن يعطي الإنسان ولده من الزكاة، بشرط أن لا يكون في ذلك إسقاط لواجب عليه.

    يعني مثلاً:

    لو كان الإنسان عنده زكاة وأراد أن يعطيها ابنه، من أجل أن لا يطالبه بالنفقة؛ فهذا لا يجزي؛ لأنه أراد بإعطائه أن يسقط واجب نفقته.

    أما لو أعطاه ليقضي ديناً عليه؛ مثل أن يكون على الابن حادث، ويعطيه أبوه من الزكاة ما يسدد به هذه الغرامة؛ فإن ذلك لا بأس به، وتجزئه من الزكاة، لأن ولده أقرب الناس إليه؛ وهو الآن لم يقصد بهذا إسقاط واجب عليه، إنما قصد بذلك إبراء ذمة ولده؛ لا الإنفاق عليه، فإذا كان هذا قصده فإن الزكاة تحل له. والله الموفق .


    *****



    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الثلث( التوبه)رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الجمعة 03 يوليو 2009, 2:55 am

    - باب التوبة

    قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالي، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط.

    أحدها: أن يقلع عن المعصية.

    والثاني: أن يندم على فعلها.

    والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.

    وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً او نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنوب،. وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة:

    قال الله تعالي: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور: من الآية31)

    الشرح


    التوبة لغة: من تاب يتوب ، إذا رجع.

    وشرعاً : الرجوع من معصية الله تعالي إلي طاعته.

    وأعظمها وأوجبها التوبة من الكفر إلي الإيمان ، قال الله تعالي:

    )قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)(لأنفال: من الآية38) ) سَلَفَ)(لأنفال: من الآية3، ثم يليها التوبة من كبائر الذنوب.

    ثم المرتبة الثالثة: التوبة من صغائر الذنوب.

    والواجب علي المرء، أن يتوب إلي الله - سبحانه وتعالي- من كل ذنب.

    وللتوبة شروط ثلاثة: كما قال المؤلف - رحمه الله- ، ولكنها بالتتبع تبلغ إلي خمسة:

    الشرط الأول: الإخلاص لله،

    بأن يكون قصد الإنسان بتوبته وجه الله- عز وجل- وأن يتوب الله عليه، ويتجاوز عما فعل من المعصية. لا يقصد بذلك مراءاة الناس والتقرب إليهم، ولا يقصد بذلك دفع الأذية من السلطات وولي الأمر.

    الشرط الثاني: الندم على ما فعل من المعصية؛

    لأن شعور الإنسان بالندم هو الذي يدل علي انه صادق في التوبة

    الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب الذي هو فيه،

    وهذا من أهم شروطه. والإقلاع عن الذنب : إن كان الذنب ترك واجب؛ فالإقلاع عنه بفعله؛ مثل أن يكون شخص لا يزكي، فأراد أن يتوب إلي الله، فلابد من ان يخرج الزكاة التي مضت ولم يؤدها. وإذا كان الإنسان مقصراً في بر الوالدين؛ فإنه يجب عليه أن يقوم ببرهما
    وإن كانت المعصية بفعل محرم،فالواجب أن يقلع عنه فوراً،

    على كل حال، الإنسان لابد أن يقلع عن الذنب الذي تاب منه، فإن لم يقلع فتوبته مردودة لا تنفعه عند الله عز وجل. والإقلاع عن الذنب إما أن يكون إقلاعاً عن ذنب يتعلق في حق الله- عز وجل- فهذا يكفي أن تتوب بينك وبين ربك،

    وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( كل أمتي معافي إلا المجاهرين))(50)

    ومن المجاهرة، كما جاء في الحديث: (( أن يعمل الرجل بالليل عملاً، ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذاإلي آخره))(51)

    إلا أن بعض العلماء قال: إذا فعل الإنسان ذنباً فيه حد، فإنه لا باس أن يذهب إلي الإمام الذي يقيم الحدود- مثل الأمير- ويقول إنه فعل الذنب الفلاني ويريد أن يطهره منه، ومع ذلك فالأفضل أن يستر على نفسه، هذا هو الأفضل.

    أما إذا كان الذنب بينك وبين الخلق، فإن كان مالاً فلابد أن تؤديه إلي صاحبه، ولا تقبل التوبة إلا بأدائه

    أما إذا كانت المعصية التي فعلتها مع البشر ضرباً وما أشبهه، فاذهب إليه ومكنه من أن يضربك مثل ما ضربته؛ إن كان على الظهر فعلي الظهر، وإن كان علي الرأس فعلي الرأس، أو في أي مكان ضربته فليقتص منك؛ لقول الله تعالي سبحانه: )وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)(الشورى: من الآية40)

    ولقوله: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(البقرة: من الآية194).

    الرابع: أن يكون الحق غيبة،

    يعني أنك تكلمت به في غيبته، وقدحت فيه عند الناس وهو غائب.

    فهذه اختلف فيها العلماء ؛ فمنهم من قال: لا بد أن تذهب إليه، وتقول له يا فلان إني تكلمت فيك عند الناس، فأرجوك أن تسمح عني وتحللني.

    وقال فيها بعض العلماء؛ لا تذهب إليه، بل فيه التفصيل!فإن كان قد علم بهذه الغيبة فلابد أن تذهب إليه وتستحله. وإن لم يكن علم فلا تذهب إليه، واستغفر له، وتحدث بمحاسنه في المجالس التي كنت تغتابه فيها؛ فإن الحسنات يهذبن السيئات. وهذا القول أصح؛

    أما الشرط الرابع: فهو العزم على أن لا تعود في المستقبل؛

    فإن كنت تنوي ان تعود إليه عندما تسمح لك الفرصة فإن التوبة لا تصح فهذه توبة عاجز.تبت لانك ليس بقادر على فعل المعصية

    الشرط الخامس: أن تكون في زمن تقبل فيه التوبة

    فإن تاب في زمن لا تقبل فيه التوبة لم تنفعه التوبة. وذلك علي نوعين:

    النوع الأول: باعتبار كل إنسان بحسبه.

    النوع الثاني: باعتبار العموم.

    أما الأول: فلابد أن تكون التوبة قبل حلول الأجل- يعني الموت-، فإن كانت بعد حلول الأجل فإنها لا تنفع التائب؛ لقول الله تعالي )وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ)(النساء: من الآية18) هؤلاء ليس لهم توبة!)

    فالإنسان إذا عاين الموت وحضره الأجل؛ فهذا يعني أنه أيس من الحياة، فتكون توبته في غير محلها!

    أما النوع الثاني: وهو العموم

    فإن الرسول - عليه الصلاة والسلام- أخبر بأن : (( الهجرة لا تنقطع حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها))(53).

    فإذا طلعت الشمس من مغربها لم ينفع أحداً من توبة.قال الله سبحانه: ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا)(الأنعام: من الآية158)

    وهذا البعض: هو طلوع الشمس من مغربها كما فسر ذلك النبي صلي الله عليه وسلم.

    ان التوبة تصح من ذنب مع الإصرار على غيره، لكن لا يعطي الإنسان اسم التائب علي سبيل الإطلاق ، ولا يستحق المدح الذي يمدح به التائبون؛ لأن هذا لم يتب توبة تامة بل توبة ناقصة، تاب من هذا الذنب فيرتفع عنه إثم هذا الذنب لكنه لا يستحق أن يوصف بالتوبة علي سبيل الإطلاق، بل يقال: هذا توبته ناقصة وقاصرة

    قال المؤلف- رحمه الله- إن النصوص من الكتاب والسنه تضافرت على وجوب التوبة من جميع المعاصي ، وصدق-رحمه الله- فإن الآيات كثيرة في الحث على التوبة وبيان فضلها وأجرها، وكذلك الأحاديث عن النبي صلي الله عليه وسلم .

    وقد بين الله تعالي في كتابه أنه - سبحانه- يحب التوابين ويحب المتطهرين ، التوابون : الذين يكثرون التوبة إلي الله- عز وجل -؛ كلما أذنبوا ذنباً تابوا إلي الله.

    من الآيات قول الله تعالي: ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون)(النور: من الآية31)

    وقوله عز وجل يدل على أنه ينبغي لنا- بل يجب علينا- أن نتواصى بالتوبة، وأن يتفقد بعضنا بعضاً، هل الإنسان تاب من ذنبه أو بقي مصراً عليه؛ لأنه وجه الخطاب للجميع وفي قوله تعالي (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
    دليل على أن التوبة من أسباب الفلاح.
    وكل إنسان يطلب خير الدنيا والآخرة. ما تجد إنساناً- حتى الكافر يريد الخير. لكن من الناس من يوفق ومنهم من لا يوفق.
    المهم أن كل إنسان يريد الفلاح، لكن على حسب الهمة، المؤمن يريد الفلاح في الدنيا والآخرة، والكافر لا يؤمن بالآخرة؛ فهو يريد الفلاح في الدنيا.

    * * *
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الرابع( باب التوبه)رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه السبت 04 يوليو 2009, 1:48 am

    الدرس الرابع(التوبه)


    13- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: (( والله إني

    لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))(57) ( رواه البخاري).

    14- وعن الأعز بن يسار المزني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس، توبوا إلي الله واستغفروه ، فإني أتوب في اليوم مائة مرة))(58) ( رواه مسلم).

    الشرح

    ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام أقسم بأنه يستغفر الله ويتوب إليه أكثر من سبعين مرة.

    وهذا هو الرسول عليه الصلاة والسلام- الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -يستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة.

    وفي حديث الأغر بن يسار المزني أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( يا أيها الناس توبوا إلي الله واستغفروه فإني أتوب إلي الله في اليوم مائة مرة)).

    ففي هذين الحديثين دليل على وجوب التوبة، لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بها فقال: (( يا أيها الناس توبوا إلي الله)) فإذا تاب الإنسان إلي ربه حصل بذلك فائدتين:

    الفائدة الأولي: امتثال أمر الله ورسوله؛ فتدور السعادة في الدنيا والآخرة.

    والفائدة الثانية: الاقتداء برسول الله صلي الله عليه وسلم . حيث كان يتوب إلي الله في اليوم مائة مرة؛ يعني: يقول: أتوب إلي الله، أتوب إلي الله

    والتوبة لابد فيها من صدق، بحيث إذا تاب الإنسان إلي الله أقلع عن الذنب.أما الإنسان الذي يتوب بلسانه وقلبه منطو على فعل المعصية، أو على ترك الواجب. أو يتوب إلي الله بلسانه، وجوارحه مصرة على فعل المعصية ؛ فإن توبته لا تنفعه ، بل إنها أشبه ما تكون بالاستهزاء بالله عز وجل!
    ان الذي يمارس الربا بالصراحة. لأن الذي يمارس الربا بالمخادعة جنى علة نفسه مرتين:
    أولاً: الوقوع في الربا.
    وثانياً: مخادعة الله- عز وجل - وكان الله- سبحانه وتعالي- لا يعلم ولهذا يجب علينا - إذا كنا صادقين مع الله - سبحانه وتعالي- في التوبة- أن نقلع عن الذنوب والمعاصي إقلاعاً حقيقياً، ونكرها، ونندم علي فعلها؛ حتى تكون التوبة توبة نصوحاً.

    وفي هذين الحديثين : دليل على أن نبينا محمداً صلي الله عليه وسلم اشد الناس عبادة لله،

    وفيه دليل على أنه عليه الصلاة والسلام معلم الخير بمقاله وفعاله.

    فكان يستغفر الله، ويأمر الناس بالاستغفار؛ حتى يتأسوا به امتثالاً للأمر واتباعا للفعل.
    * * *
    15- وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصاري- خادم رسول الله صلي الله عليه وسلم _ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم: سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة))(59)(متفق عليه).


    وفي رواية لمسلم: (( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتي شجرة فاضطجع في ظلها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح
    )).

    الشرح


    ذكر أنس- رضي الله عنه- أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( لله أشد فرحاً بتوبة عبده إذا تاب إليه)) من هذا الرجل الذي سقط على راحلته بعد أن أضلها، وذكر القصة: رجل كان في أرض فلاة، ليس حوله أحد، لا ماء ولا طعام ولا أناس .. ضل بعيره: أي ضاع، فجعل يطلبه فلم يجده، فذهب إلي شجرة ونام تحتها ينتظر الموت! قد أيس من بعيره، وأيس من حياته؛ لأن طعامه وشرابه على بعيره، والبعير قد ضاع
    ،
    فبينما هو كذلك إذا بناقته عنده قد تعلق خطامها بالشجرة التي هو نائم تحتها. فبأي شيء يقدر هذا الفرح؟ هذا الفرح لا يمكن أن يتصوره أحد إلا من وقع في مثل هذه الحال!! لأنه فرح عظيم، فرح بالحياة بعد الموت، ولهذا أخذ بالخطام فقال: (( اللهم أنت عبدي وأنا ربك))!! أراد أن يثني على الله فيقول: (( اللهم أنت ربي وأنا عبدك)) لكن من شدة فرحه أخطأ ..فقلب القضية.. وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك.

    في هذا الحديث من الفوائد: دليل على فرح الله - عز وجل- بالتوبة من عبده إذا تاب إليه،وأنه يحب ذلك- سبحانه وتعالي- محبة عظيمة، ولكن لا لأجل حاجته إلي أعمالنا وتوبتنا؛ فالله غني عنا، ولكن لمحبته سبحانه للكرم؛ فإنه يحب - سبحانه وتعالي- يفرح، ويغضب ، ويكره ويحب، لكن هذه الصفات ليست كصفاتنا ؛ لأن الله يقول: )ِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: من الآية
    11) بل هو فرح يليق بعظمته وجلاله ولا يشبه فرح المخلوقين.
    وفيه: دليل على أن الإنسان إذا أخطأ في قول من الأقوال ولو كان كفرا سبق لسانه إليه؛ فإنه لا يؤاخذ فهذا الرجل قال كلمة كفر ؛
    لأن قول سبق اللسان لربه: أنت عبدي وأنا ربك هذا كفر لا شك، لكن لما صدر عن خطأ من شدة الفرح _ أخطأ ولم يعرف أن يتكلم-صار غير مؤاخذ به،
    فإذا أخطأ الإنسان في كلمة؛ كلمة كفر؛ فإنه لا يؤاخذ بها، وكذلك غيرها من الكلمات؛ لو سب أحدا على وجه الخطأ بدون قصد، أو طلق زوجته على وجه الخطأ بدون قصد، فكل هذا لا يترتب عليه شيء؛ لأن الإنسان لم يقصده، فهو كاللغو في اليمين، وقد قال الله تعالي: )لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ )(البقرة: من الآية225) على سبيل السخرية والهزء؛ فلذلك كان كافراً، بخلاف الإنسان الذي لم يقصده؛ فإنه لا يعتبر قوله شيئاً.

    وهذا من رحمة الله - عز وجل- والله الموفق.

    ******

    16- وعن أبي موسى عبد الله قيس الأشعري- رضي الله عنه- عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( إن الله تعالي يبسط يده بالليل مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ))(60)رواه مسلم.

    17- وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه))(61)(رواه مسلم).

    18- وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما- عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (( إن الله - عز وجل - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)). ((62)رواه الترمذي) وقال : حديث حسن
    .
    الشرح

    هذه الأحاديث الثلاثة التي ذكرها المؤلف - رحمه الله- كلها تتعلق بالتوبة.

    أما حديث أبي موسى فقد قال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسي النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)).

    وهذا من كرمه- عز وجل- أنه يقبل التوبة حتى وإن تأخرت فإذا أذنب الإنسان ذنباً في النهار، فإن الله- تعالي- يقبل توبته ولو تاب في الليل.إذا أذنب وتاب في النهار فإن الله-تعالي- يقبل توبته بل إنه - تعالي- يبسط يده حتى يتلقى هذه التوبة التي تصدر من عبده المؤمن .

    وفي هذا الحديث: دليل على محبة الله- سبحانه وتعالي- للتوبة

    ومن فوائد حديث أبي موسي

    أن الله- سبحانه وتعالي- يقبل توبة العبد وإن تأخرت، لكن المبادرة بالتوبة هي الواجب؛ لأن الإنسان لا يدري ، فقد يفجأه الموت فيموت قبل أن يتوب. فالواجب المبادرة ، لكن مع ذلك، لو تأخرت تاب الله على العبد.
    وفي هذا الحديث: دليل على أن الشمس إذا طلعت من مغربها، انتهي قبول التوبة

    لأن هذه آية يشهدها كل أحد، وإذا جاءت الآيات المنذرة لم تنفع التوبة ولم ينفع الإيمان!

    أما حديث أبي هريرة رضي الله عنه في أن الله -سبحانه وتعالي- يقبل التوبة ما لم تطلع الشمس من مغربها فهو كحديث أبي موسى.

    وأما حديث عبد الله بن عمر : (( إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر))

    أي: ما لم تصل الروح الحلقوم، فإذا وصلت الروح الحلقوم فلا توبة، وقد بينت النصوص الأخرى أنه إذا حضر الموت توبة؛ لقوله تعالي: )وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآن)(النساء: من الآية18).

    فعليك يا أخي المسلم أن تبادر بالتوبة إلي الله - عز وجل- من الذنوب، وأن تقلع عما كنت متلبسا به من المعاصي، وأن تقوم بما فرطت به من الواجبات، وتسأل الله قبول توبتك. والله الموفق.

    * * *
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الخامس(باب الصبر) رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأحد 05 يوليو 2009, 3:35 am


    الدرس الخامس


    3- باب الصبر


    قال الله تعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا)(آل عمران: من الآية200) )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا)(آل عمران: من الآية200)وقال تعالي: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155) وقال تعالي: ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(الزمر: من الآية10) ) إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(الزمر: من الآية10)وقال تعالي: )وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) وقال تعالي: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153) وقال تعالي: )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين)(محمد: من الآية31) والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة.


    الشرح



    الصبر في اللغة: الحبس .

    والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:

    الأول: على طاعة الله.

    الثاني: عن محارم الله.

    الثالث: على أقدار الله المؤلفة.هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم.

    الأمر الأول: أن يصبر الإنسان على طاعة الله:

    لأن الطاعة ثقيلة على النفس، وتصعب على الإنسان ، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب، وكذلك أيضا يكون فيها مشقة من الناحية المالية؛ كمسألة الزكاة ومسالة الحج، فالطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن، فتحتاج إلي صبر ، وإلي معاناة قال الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200) .

    الأمر الثاني: الصبر عن محارم الله:

    بكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه، لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلي السوء، فيصبر الإنسان نفسه,مثل الكذب ، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل

    فيحبس الإنسان نفسه عنها حتى لا يفعلها ، وهذا يحتاج أيضاً إلي معاناة، ويحتاج إلي كف النفس والهوى.

    أما الأمر الثالث: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة :

    لأن أقدار الله- عز وجل-على الإنسان ملائمة ومؤلمة.

    الملاءمة: تحتاج إلي الشكر، والشكر من الطاعات؛ فالصبر عليه من النوع الأول.

    ومؤلمة: بحيث لا تلائم الإنسان تكون مؤلمة؛ فيبتلي الإنسان في بدنه،ويبتلي في ماله بفقده. ويبتلي في أهله، ويبتلي في مجتمعه ، وأنواع البلايا كثيرة تحتاج إلي صبر ومعاناة فيصبر الإنسان نفسه عما يحرم عليه من إظهار الجزع باللسان، أو بالقلب، أو بالجوارح لأن الإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:

    الحالة الأولي: أن يتسخط.

    والحالة الثانية: أن يصبر.

    والحالة الثالثة: أن يرضي.

    والحالة الرابعة: أن يشكر.

    هذه أربع حالات تكون للإنسان عندما يصاب بالمصيبة.

    أما الحال الأولي: أن يتسخط إما بقلبه، أو بلسانه، أو بجوارحه.

    التسخط بالقلب: أن يكون في قلبه- والعياذ بالله- شيء على ربه من السخط والشره على الله- والعياذ بالله- وما أشبه. ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.

    وأما السخط باللسان: فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه ويا ثبوراه، وأن يسب الدهر فيؤذي الله- عز وجل- وما أشبه ذلك.

    وأما التسخط بالجوارح: مثل أن يلطم خده، أو يصقع راسه، أو ينتف شعره، أو

    يشق ثوبه وما أشبه هذا.

    هذه حال السخط، حال الهلعين الذين حرموا الثواب، ولم ينجوا من المصيبة، بل الذين اكتسبوا الإثم فصار عندهم مصيبتان، مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا بما أتاهم مما يؤلمهم.

    أما الحال الثانية: فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه، هو يكره المصيبة ، ولا يحبها، ولا يحب أن وقعت ، لكن يصبر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله، ولا يكون في قلبه شيء على الله أبدا، فهو صابر لكنه كاره لها.
    والحال الثالثة: الرضا ؛ بأن يكون الإنسان منشرحا صدره بهذه المصيبة، ويرضي بها رضاء تاماً وكأنه لم يصب بها.
    والحالة الرابعة: الشكر؛ فيشكر الله عليها، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا رأي ما يكره قال: (( الحمد لله على كل حال))(100).

    فيشكر الله من أجل أن الله يرتب له من الثواب على هذه المعصية أكثر مما أصاب

    ولهذا يذكر عن بعض العابدات أنها أصيبت في أصبعها، فحمدت الله على ذلك، فقالوا لها: كيف تحمدين الله والأصبع قد أصابه ما أصابه، قالت: إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها. والله الموفق.

    ثم ساق المؤلف- رحمه الله تعالي- الآيات التي فيها الحث على الصبر والثناء على فاعليه، فقال: وقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200) ، فأمر الله المؤمنين بمتضي إيمانهم، وبشرف إيمانهم بهذه الأوامر الأربعة: ( اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران: من الآية200) .

    فالصبر عن المعصية ، والمصابرة على الطاعة، والمرابطة كثرة الخير وتتابع الخير، والتقوي تعم ذلك كله.( وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
    فاصبروا عن محارم الله: لا تفعلوها ، تجنبوها ولا تقربوها.
    ومن المعلوم أن الصبر عن المعصية لا يكون إلا حيث دعت إليه النفس، أما الإنسان الذي لم تطرأ على باله المعصية فلا يقال إنه صبر عنها، ولكن إذا دعتك نفسك إلي المعصية فاصبر، واحبس النفس.

    وأما المصابرة فهي على الطاعة؛ لأن الطاعة فيها أمران:

    الأمر الأول: فعل يتكلف به الإنسان ويلزم نفسه به.

    والأمر الثاني: ثقل على النفس، لأن فعل الطاعة كترك المعصية ثقيل على النفوس الأمارة بالسوء.

    فلهذا كان الصبر على الطاعة أفضل من الصبر عن المعصية؛
    ولهذا قال الله تعالي: (وَصَابِرُوا) كان أحدا يصابرك كما يصابر الإنسان عدوه في القتال والجهاد.

    وأما المرابطة:
    فهي كثرة الخير والاستمرار عليه، ولهذا جاء في الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: (( إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلي المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))(101).لأن فيه استمرار في الطاعة وكثرة لفعلها.

    وأما التقوى فإنها تشمل ذلك كله، لأن التقوى اتخاذ ما بقي من عقاب الله، وهذا يكون بفعل الأوامر واجتناب النواهي.

    وعلي هذا فعطفها على ما سبق من باب عطف العام على الخاص، ثم بين الله- سبحانه وتعالي- أن القيام بهذه الأوامر الأربعة سبب للفلاح فقال : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
    والفلاح كلمة جامعة تدور على شيئئن : على حصول المطلوب، وعلى النجاة من المرهوب. فمن اتقي الله- عز وجل- حصل له مطلوبة ونجا من مرهوبه.

    وأما الآية الثانية فقال- رحمه الله- وقوله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155) ، هذه الآية فيها قسم من الله- عز وجل - أن يختبر العباد بهذه الأمور.

    فقوله: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) أي: لنختبرنكم.

    (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) لا الخوف كله بل شيء منه؛ لأن الخوف كله مهلك ومدمر. لكن بشيء منه.
    (( الخوف)) هو فقد الأمن، وهو أعظم من الجوع، ولهذا قدمه الله عليه، لكن الخائف- والعياذ بالله- لا يستقر لا في بيته ولا في سوقه، والخائف أعظم من الجائع؛ ولهذا بدأ الله به فقال: (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ) وأخوف ما نخاف منه ذنوبنا؛ لأن الذنوب سبب لكل الويلات، وسبب للمخاطر، والمخاوف، والعقوبات الدينية، والعقوبات الدنيوية.
    (وَالْجُوعِ) يبتلي بالجوع.
    والجوع يحمل معنيين:

    وقوله(ِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ) يعيني : نقص الاقتصاد ، بحيث تصاب الأمة بقلة المادة والفقر، ويتأخر اقتصادها

    وقوله: (وَالْأَنْفُسِ) أي : الموت ؛ بحيث يحل في الناس أوبئة تهلكهم وتقضي عليهم. وهذا أيضاً يحدث كثيراً.

    وقوله وَالثَّمَرَاتِ) أيك أن لا يكون هناك جوع، ولكن تنقص الثمرات، تنزع بركتها في الزروع والنخيل وفي الأشجار الأخري، والله - عز وجل- يبتلي العباد بهذه الأمور ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون.
    فيقابل الناس هذه المصائب بدرجات متنوعة، بالتسخط، أو بالصبر أو بالرضا، او بالشكر
    الآية الثالثة: قوله تعالي: ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(الزمر: من الآية10) ( يُوَفَّى الصَّابِرُون)أي يعطي الصابرون ( أَجْرَهُمْ)أي ثوابهم.
    وقوله( بِغَيْرِ حِسَابٍ) وذلك أن الأعمال الصالحة مضاعفة ؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلي سبع مائة ضعف إلي أضعاف كثيرة.

    أما الصبر فإن مضاعفته تأتي بغير حساب من عند الله- عز وجل- وهذا لم يقابل بعدد، بل هو أمر معلوم عند الله ولا حساب فيه. وفي هذه الآية من الترغيب في الصبر ما هو ظاهر. ثم قال المؤلف:

    الآية الرابعة: قوله تعالي: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (الشورى:43) أي: أن الذي يصبر على أذى الناس ويحتملهم ويغفر لهم سيئاتهم التي يسيئون بها إليه؛ فإن ذلك (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي: من معزوماتها وشدائدها التي تحتاج إلي مقابلة ومصابرة.ولا سيما إذا كان الأذى الذي ينال الإنسان بسبب جهاده في الله- عز وجل- وبسبب طاعته؛
    لأن أذية الناس لك لها أسباب متعددة متنوعة. فإذا كان سببها طاعة الله- عز وجل -، والجهاد في سبيله ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر
    والوجه الثاني:
    فإن الإنسان يثاب على ذلك من وجهين:
    الوجه الأول: من الأذية التي تحصل له.
    والوجه الثاني: صبره على هذه الطاعة التي أوذي في الله من أجلها.
    وفي هذه الآية حث على صبر الإنسان على أذية الناس، ومغفرته لهم ما أساؤوا إليه فيه. ولكن ينبغي أن يعلم أن المغفرة لمن أساء إليك ليست محمودة على الإطلاق؛ فإن الله تعالي قيد هذا بأن يكون العفو مقروناً بالإصلاح فقال: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه)(الشورى: من الآية40)، أما إذا لم يكن في العفو والمغفرة إصلاح فلا تعف ولا تغفر.

    مثال ذلك: لو كان الذي أساء إليك شخصاً معروفاً بالشر والفساد، وأنك لو عفوت عنه لكان في ذلك زيادة في شره.
    ففي هذه الحال الأفضل أن لا تعفو عنه، بل تأخذ بحقك من أجل الإصلاح، أما إذا كان الشخص إذا عفوت عنه لم يترتب على العفو عنه مفسدة؛ فإن العفو أفضل لأن الله يقول: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه)(الشورى: من الآية40)، وإذا كان أجرك على الله لكان خيراً لك من أن يكون ذلك بمعارضة تأخذ من أعمال صاحبك الصالحة.

    الآية الخامسة: قوله تعالي: ( اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(البقرة: من الآية153) أمر الله - سبحانه وتعالي- أن نستعين على الأمور بالصبر عليها، لأن الإنسان إذا صبر وانتظر الفرج من الله سهلت عليه الأمور.
    فأنت إذا أصبت بشيء يحتاج إلي الصبر فاصبر وتحمل (( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا))(102).
    وأما الصلاة فإنها تعين على الأمور الدينية والدنيوية، حتى إن الرسول- عليه الصلاة والسلام- ذكر عنه: (( أنه إذا حز به أمر فزع إلي الصلاة))(103).
    وبين الله في كتابه أن الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، فإذا استعان الإنسان بالصلاة على أموره يسر الله له ذلك، لأن الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، فيقف الإنسان فيها بين يدي الله ،

    قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) يعني ذلك المعية الخاصة، لأن معية الله- سبحانه وتعالي- تنقسم إلي قسمين:

    معية عامة شاملة لكل أحد:

    وهي المذكورة في قوله تعالي: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَاكُنْتُمْ)(الحديد: من الآية4) ،

    وفي قوله تعالي: (ِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ )(المجادلة: من الآية7).

    أما المعية الخاصة: فهي المعية التي تقتضي النصر والتأييد ؛وهذه خاصة بالرسل

    وأتباعهم ، ليست لكل أحد، (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).

    ولكن المعيتين كلتيهما لا تدلان على أن الله - سبحانه وتعالي- فوق سماواته على

    عرشه، بل هو مع الناس وهو- عز وجل-فوق وهو معك. مهما انفردت فإن الله- تعالي- محيط بك؛ علما وقدرة وسلطانا وسمعا وبصرا وغير ذلك.(الرحمن على العرش استوى) وفي قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)دليل على أن الله يعين الصابر ويؤيده ويكأه حتى يتم له الصبر على ما يحبه الله - عز وجل-
    **********
    يسر الله امرتا وامركم
    وجعلنا وإياكم من
    الصابرين الراضين بل الصابرين الشاكرين.



    *********
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس السادس(باب الصبر) رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأحد 05 يوليو 2009, 5:09 am



    الدرس السادس
    تلخيص
    في باب الصبر




    الآية السادسة : قوله تعالي: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31).

    (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) : لنختبركم : فالابتلاء بمعني الاختيار ، أو البلوي بمعني الاختيار.

    يعني: أن الله اختبر العباد في فرض الجهاد عليهم؛ ليعلم من يصبر ومن لا يصبر. وقوله عز وجل: ( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ) قد يتوهم بعض من قصر علمه أن الله - سبحانه - لا يعلم الشيء حتى قع؛ وهذا غير صحيح؛ فالله - تعالي- يعلم الأشياء قبل وقوعها، كما قال تعالي: )أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج:70) .
    علم الله بالشيء قبل أن يكون علم بأنه سيكون ، وعلمه بعد كونه علم بأنه كان
    وقوله: (الْمُجَاهِدِينَ ) المجاهد :
    صار هو الذي بذل جهده جهده إعلاء كلمة الله، فيشمل المجاهد بعلمه، والمجاهد بعلمه: هو الذي يتعلم العلم ويعلمه وينشره بين الناس، ويجعل هذا وسيلة لتحكيم شريعة الله، هذا مجاهد. والذي يحمل السلاح لقتال الأعداء هو أيضاً مجاهد في سبيل الله، إذا كان المقصود في الجهادين أن تكون كلمة الله هي العليا.
    وقوله: (وَالصَّابِرِينَ) أي: يصبرون على ما كلفوا فيه من الجهاد ويتحملونه ويقومون به.
    وقوله( وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) أي: نختبرها وتتبين لنا وتظهر لنا ظهوراً يترتب عليه الثواب والعقاب.
    لما ذكر الله هذا الابتلاء قال: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) ، والخطاب للنبي صلي الله عليه وسلم ، ولك من يبلغه هذا الخطاب، يعني: بشر يا محمد ، وبشر يا من يبلغه هذا الكلام الصابرين الذين يصبرون على هذه البلوى فلا يقابلونها بالتسخط وإنما يقابلونها بالصبر. وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالرضا، وأكمل من ذلك أن يقابلونها بالشكر.
    وهنا قال: ) وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:155/156).
    وقوله: (قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ) إذا أصابتهم مصيبة اعترفوا لله - عز وجل- بعموم ملكه، وأنهم ملك لله، ولله أن يفعل في ملكه ما شاء؛ ولهذا قال النبي- عليه الصلاة والسلام- لإحدى بناته، قال لها: (( إن الله ما أخذ وله ما أعطي))(104) فأنت ملك لربك- عز وجل- يفعل بك ما يشاء حسب ما تقتضيه حكمته تبارك وتعالي.
    ثم قال: (وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) يعترفون بأنهم لابد أن يرجعوا إلي الله فيجازيهم. أن تسخطوا جازاهم علي سخطهم، وإن صبروا - كما هو شأن هؤلاء القوم- فإن الله تعالي يجازيهم على صبرهم علي هذه المصائب. فيبتلي - عز وجل- بالبلاء ويثيب الصابر عليه.
    قال تعالي: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ)(البقرة: من الآية157) ،
    أولئك يعين الصابرين ( عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) والصلوات جمع صلاة وهي ثناء الله عليهم في الملأ الأعلى ، يثني الله عليهم عند ملائكته.
    وقوله: ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الذين هداهم الله- عز وجل- عند حلول المصائب فلم يتسخطوا وإنما صبروا على ما أصابهم . وفي هذه الآية دليل على أن صلاة الله- عز وجل- ليست هي رحمته، بل هي أخص وأكمل وأفضل ، ومن فسرها من العلماء بأن الصلاة من الله الرحمة، ومن الملائكة الدعاء، ومن الآدميين الاستغفار ؛ فإن هذا لا وجه له، بل الصلاة غير الرحمة؛ لأن الله تعالي عطف الرحمة علي الصلوات ، والعطف يقتضي المغايرة. ولأن العلماء مجمعون على أنك يجوز لك أن تقول لأي شخص من المؤمنين : اللهم ارحم فلاناً.
    واختلفوا؛ هل يجوز أن تقول : اللهم صل عليه. أو لا يجوز؛ على أقوال ثلاثة:
    -فمنهم من أجازها مطلقاًً، ومنهم من منعها مطلقاً، ومنهم من أجازها إذا كانت تبعاً.
    والصحيح أنها تجوز إذا كانت تبعاً، كما في قوله(( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد))، كما قال الله (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ)(التوبة: من الآية103)، فإذا كان لها سبب، ولم تتخذ شعاراً، فإن ذلك لا بأس به. فلا بأس أن تقول: اللهم صل على فلان، فلو جاءك رجل بزكاته وقال لك خذ زكاتي وفرقها على الفقراء، فلك أن تقول : صلي الله عليك، تدعو له بأن يصلي الله عليه كما أمر الله نبيه بذلك.

    * * *
    25- وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملأن - أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك.
    كل الناس يغدو، فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها))(105) ( رواه مسلم).

    الشرح

    ذكر حديث أبي مالك الشعري- رضي الله عنه- أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: الطهور شطر الإيمان )) الحديث، غلي قوله(( والصبر ضياء)) فبين النبي صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث أن
    الصبر ضياء؛ يعني أن يضيء للإنسان، عندما تحتلك الظلمات وتشتد الكربات، فإذا صبر؛ فإن هذا الصبر يكون له ضياء يهديه إلي الحق.


    ولهذا ذكر الله- عز وجل- أنه من جملة الأشياء التي يستعان بها، فهو ضياء للإنسان في قلبه، وضياء له في طريقه ومنهاجه وعلمه؛ لأنه كلما سار إلي الله - عز وجل- علي طريق الصبر؛ فإن الله تعالي- يزيده هدي وضياء في قلبه ويبصره؛ فلهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( الصبر ضياء)).
    أما بقية الحديث؛ فقال عليه الصلاة والسلام: (( الطهور شطر الإيمان)).
    الطهور: يعني بذلك طهارة الإنسان.
    شطر الإيمان: أي نصف الإيمان.
    وذلك لأن الإيمان تخلية وتحلية.
    أي: تبرؤ من الشرك والفسوق، تبرؤ من المشركين والفساق بحسب ما معهم من الفسق، فهو تخل.
    وهذا هو الطهور ؛ أن يتطهر الإنسان طهارة حسيه ومعنوية من كل ما فيه أذي فلهذا جعله النبي عليه الصلاة والسلام شطر الإيمان،
    (( وسبحان الله)) معناها: تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من العيوب ومماثلة المخلوقات.
    فالله- عز وجل- منزه عن كل عيب في أسمائه ، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، لا تجد في أسمائه اسما يشتمل على نقص أو على عيب ؛ ولهذا قال تعالي: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(لأعراف: الآية180) ولا تجد في صفاته صفة تشتمل على عيب أو نقص؛ ولهذا قال الله (ِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى) بعد قوله: (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) فالله عز وجل له الوصف الأكمل الأعلي من جميع الوجوه، وله أيضاً الكمال المنزه عن كل عيب في أفعاله، كما قال الله تعالي
    (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (الدخان:38) فليس في خلق الله (106)لعب ولهو وإنما هو خلق مبني على الحكمة.

    كذلك أحكامه لا تجد فيها عيباً ولا نقصاً كما قال الله تعالي: )أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين ، وقال عز وجل: )أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50) .
    وقوله صلي الله عليه وسلم : (( سبحان الله والحمد لله تملآن- أو قال تملأ- ما بين السماوات والأرض))
    يعني أن سبحان الله والحمد لله تملأ ما بين السماوات والأرض، وذلك لأن هاتين الكلمتين مشتملتان على تنزيه الله عن كل نقص في قوله(( سبحان الله)) وعلى وصف الله بكل في قوله: (( والحمد لله)).
    فقد جمعت هاتان الكلمتان بين التخلية والتحلية كما يقولون؛ أي بين نفي كل عيب ونقص، وإثبات كل كمال، فسبحان الله فيها نفي النقائص، والحمد لله فيها إثبات الكمالات.
    فالتسبيح: تنزيه الله عما لا يليق به في أسمائه ، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه .
    والله - عز وجل- يحمد على كل حال، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أصابه ما يسر به قال: (( الحمد لله على كل حال)) ثم إن ها هنا كلمة شاعت أخيرا عند كثير من الناس؛ وهي أقوالهم (( الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه)).
    هذا الحمد ناقص ‍‍!!
    لأن قولك على مكروه سواه تعبير على قلة الصبر ، أو - على الأقل- عدم كمال الصبر، وأنك كاره لهذا الشيء، ولا ينبغي للإنسان أن يعبر هذا التعبير، بل الذي ينبغي له أن يعبر بما كان النبي صلي الله عليه وسلم يعبر به؛ فيقول (( الحمد لله على كل حال))، أو يقول : (( الحمد لله الذي لا يحمد على كل حال سواه)).
    وأنا لا أقول: إن الإنسان لا يكره ما أصابه من البلاء ، فالإنسان بطبيعته يكره ذلك، لكن لا تعلن هذا بلسانك في مقام الثناء على الله، بل عبر كما عبر النبي صلي الله عليه وسلم (( الحمد لله على كل حال)).
    قوله صلي الله عليه وسلم : (( والصلاة نور)).

    فالصلاة نور: نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره، ولهذا تجد أكثر الناس نوراً في الوجوه أكثرهم صلاة، وأخشعهم فيها لله عز وجل.

    وكذلك تكون نوراً للإنسان في قلبه؛ تفتح عليه باب المعرفة لله- عز وجل.
    كذلك نور في حشرة يوم القيامة؛ كما أخبر بذلك الرسول صلي الله عليه وسلم : (( أن من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة يوم القيامة، وحشر مع فرعون وهامان وقارون وابي بن خلف))(107).

    وأما الصبر فقال: (( إنه ضياء)) فيه نور؛ لكن نور مع حرارة، كما قال الله تعالي (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(يونس: من الآية5).
    فالضوء لابد فيه من حرارة، وهكذا الصبر، لابد فيه من حرارة وتعب، لأن فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان أجره بغير حساب.

    الفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر:
    أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة؛ لما في ذلك من التعب القلبي والبدني في بعض الأحيان.

    وقوله: (( الصدق برهان)).

    الصدقة: بذل المال تقربا إلي الله عز وجل

    فيبذل المال على هذا الوجه للأهل ، والفقراء ، والمصالح العامة، كبناء المساجد وغيرها؛ برهاناً على إيمان العبد، وذلك أن المال محبوب إلي النفوس ، والنفوس شحيحة به، فإذا بذله الإنسان لله، فإن الإنسان لا يبذل ما يحب إلا لما هو أحب إليه منه. فيكون في بذل المال لله- عز وجل- دليل على صدق الإيمان وصحته.

    ولهذا تجد أكثر الناس إيماناً بالله- عز وجل- وبإخلافه؛ تجدهم أكثرهم صدقة.

    ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( والقرآن حجة لك أو عليك))

    لأن القرآن هو حبل الله المتين، وهو حجة الله على خلقه، فإما أن يكون لك، وذلك فيما إذا توصلت به إلي الله، وقمت بواجب هذا القرآن العظيم من التصديق بالأخبار، وامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، وتعظيم هذا القرآن الكريم واحترامه.ففي هذه الحال يكون حجة لك.

    أما إن كان الأمر بالعكس، أهنت القرآن، وهجرته لفظاً ومعني وعملاً، ولم تقم بواجبه؛ فإنه يكون شاهداً عليك يوم القيامة.
    قوله: (( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).
    أي: كل الناس يبدأ يومه من الغدوة بالعمل، وهذا شيء مشاهد. فإن الله - تعالي- جعل الليل سكناً وقال )وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ )(الأنعام: من الآية60)، فهذا النوم الذي يكون في الليل هو وفاة صغري، تهدأ فيه الأعصاب، ويستريح فيه البدن، ويستجد نشاطه للعمل المقبل، ويستريح من العمل الماضي.

    فإذا كان الصباح- وهو الغدوة - سار الناس واتجهوا كل لعمله.
    فمنهم من يتجه إلي الخير، وهم المسلمون، ومنهم من يتجه إلي الشر، وهم الكفار والعياذ بالله.

    المسلم أول ما يغدو يتوضأ ويتطهر(( والطهور شطر الإيمان)) كما في هذا الحديث، ثم يذهب فيصلي، فيبدأ يومه بعبادة الله- عز وجل-؛ بالطهارة، والنقاء، والصلاة، التي هي صلة بين العبد وبين ربه، فيفتتح يومه بهذا العمل الصالح، بل يفتتحه بالتوحيد.

    هذا المسلم هذا الذي يغدو في الحقيقة وهو بائع نفسه، لكن هل باعها بيعاً يعتقها فيه؟!.

    نقول: المسلم باعها بيعا يعتقها فيه؛ ولهذا قال: (( فبائع نفسه فمعتقها)) هذا قسم.
    (( أو موبقها)) معناها: بائع نفسه فموبقها.الكافر يغدو إلي العمل الذي فيه الهلاك؛ لأن معني ( أوبقها) أهلكها . وذلك أن الكافر يبدأ يومه بمعصية الله، حتى لو بدأ والشرب؛ فإن أكله وشربه يعاقب عليه يوم القيامة، ويحاسب عليه.

    كل لقمة يرفعها الكافر إلي فمه وكل شربة يبتلعها من الماء فإنه يعاقب عليها، وكل لباس يلبسه فإنه يعاقب عليه.

    والدليل على هذا قوله تعالي: )قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، للذين آمنوا لا غيرهم.

    وقال الله في سورة المائدة؛ وهي من آخر ما نزل )لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا)(المائدة: من الآية93) فمفهوم الآية الكريمة : أن على غير المؤمنين جناح فيما طعموه.
    في آخر هذا الحديث بين رسول الله صلي الله عليه وسلم أن الناس ينقسمون إلي قسمين:
    قسم يكون القرآن حجة لهم؛ كما قال : (( والقرآن حجة لك )).
    وقسم يعتقون أنفسهم بأعمالهم الصالحة.

    وقسم يهلكونها بأعمالهم السيئة .

    والله الموفق.

    * * * *
    هيا حبيباتي بارك الله فيكن
    استعدن وراجعن هذه الدروس حتى اعرد من سفري ان شاء الله
    وتحلين بالصبر
    حتى يتم الله امركم
    وان شاء الله سنجتمع جميعا




    [/center]
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس السابع( المبادرة الى الخيرات)رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الإثنين 06 يوليو 2009, 3:09 am


    الدس السابع باب

    المبادرة الى الخيرات


    قال الله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148)

    وقال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران : 133) .
    الشرح



    قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( باب المبادرة إلى الخيرات وحث من أقبل على الخير أن يتمه من غير تردد ) وهذا العنوان تضمن أمرين :

    الأول : المبادرة والمسارعة إلى الخير .

    والثاني : أن الإنسان إذا عزم على الشيء ـ وهو خير ـ فليمض فيه ولا يتردد .

    أما الأول : فهو المبادرة ، وضد المبادرة التواني والكسل ، وكم من إنسان توانى وكسل ؛ ففاته خير كثير ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز )(1) .

    فالإنسان ينبغي له أن يسارع في الخيرات ، كل ذكر له شيء من الخير بادر إليه ، فمن ذلك الصلاة ، والصدقة ، والصوم ، والحج ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، إلى غير ذلك من مسائل الخير التي ينبغي المسارعة إليها ؛ لأن الإنسان لا يدري ، فربما يتوانى في الشيء ولا يقدر عليه بعد ذلك ، إما بموت ، أو مرض

    وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( إذا أراد أحدكم الحج فليتعجل ؛ فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتعرض الحاجة )(2) .

    فقد يعرض له شيءٌ يمنعه من الفعل . فسارع إلى الخير ولا تتوانى .

    قول الله تعالى : ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات ِ) واستبقوها : يعني اسبقوا إليها ، وهو أبلغ من :سابقوا إلى الخيرات ، فالاستباق معناه : أن الإنسان يسبق إلي الخير ، ويكون من أول الناس في الخير ، ومن المسابقة في الصفوف في الصلاة

    ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً في مؤخرة المسجد ؛ لم يسبقوا ولم يتقدموا ، فقال ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل )(4) . فانتهز الفرصة واسبق إلى الخير .

    وقال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ... ) (آل عمران :133،134) .قال: سارعوا إلى المغفرة والجنة .

    أما المسارعة إلى المغفرة : فأن يسارع الإنسان إلى ما فيه مغفرة الذنوب ؛ من الاستغفار ، كقول : أستغفر الله ، أو اللهم اغفر لي ، أو اللهم إني أستغفرك ، وما أشبه ذلك ، وكذلك أيضاً : الإسراع إلى ما فيه المغفرة ، مثل الوضوء ، والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، فإن الإنسان إذا توضأ ، فأسبغ الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ؛ فإنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية ؛ ويدخل من أيها شاء (5)، وكذلك إذا توضأ ؛ فإن خطاياه تخرج من أعضاء وضوئه ؛ مع آخر قطرة من قطر الماء (6)، فهذه من أسباب المغفرة .

    الأمر الثاني ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) ، وهذا يكون بفعل المأمورات ، أي : أن تسارع للجنة بالعمل لها ، ولا عمل للجنة إلا العمل الصالح ، هذا هو الذي يكون سبباً لدخول الجنة ، فسارع إليه .

    ثم بين الله هذه الجنة ؛ بأن عرضها السماوات والأرض ، وهذا يدل على سعتها وعظمها ، وأنه لا يقدر قدرها إلا الله عز وجل ،

    ثم قال الله عز وجل (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) يعني : هيئت لهم ، والذي أعدها لهم هو الله عز وجل ، كما جاء في الحديث القدسي : ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ).

    ومن هم المتقون ؟ قال تعالى : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران:134-136) .

    هؤلاء هم المتقون : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ) يعني : يبذلون أموالهم (فِي السَّرَّاءِ ) يعني في حال الرخاء ، وكثرة المال ، والسرور ، (وَالضَّرَّاءِ ) يعني في حال ضيق العيش والانقباض .

    ولكن ؛ لم يبين الله ـ سبحانه وتعالى ـ هنا مقدار ، ولكنه بينه في آيات كثيرة ، فقال تعالى ( وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة: 219) .

    العفو : يعني ما زاد عن حاجاتكم وضروراتكم فأنفقوه ،
    وقال تعالى وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) (الفرقان:67) . فهم ينفقون إنفاقاً ليس فيه إسراف ولا تقتير ، وينفقون ـ أيضاً ـ العفو ، أي : ما عفا وزاد عن حاجاتهم وضروراتهم .

    (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) أي : الذين إذا اغتاظوا ـ أي اشتد غضبهم ـ كظموا غيظهم ، ولم ينفذوه ، وصبروا على هذا الكظم ، وهذا الكظم من أشد ما يكون على النفس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((9 ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) .

    الصرعة : يعني يصرع الناس ، أي: يغلبهم في المصارعة ، فليس هذا هو الشديد ، ولكن الشديد : هو الذي يملك نفسه عند الغضب ؛ لأن الإنسان إذا غضب ثارت نفسه ، فانتفخت أوداجه ، واحمرت عيناه ، فإذا كظم الغيظ وهدأ ، فإن ذلك من أسباب دخول الجنة .

    واعلم أن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم ؛ إذا أتاه ما يهزه ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمنا بما يطفئ هذه الجمرة1- فإذا أحس بالغضب ـ وأن الغضب سيغلبه ـ قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (10)، ومنها :2
    - أن يجلس إن كان قائماً 3-
    ويضطجع إن كان قاعداً (11) ، يعني : يضع نفسه، وينزلها من الأعلى إلى الأدنى ، فإن كان قائماً جلس ، وإن كان جالساً اضطجع ، ومنها
    4-أن يتوضأ (12)بتطهير أعضائه الأربعة ؛ الوجه واليدين والرأس والرجلين ، فإن هذا يطفئ الغضب ، فإذا أحسست بالغضب ؛ فاستعمل هذا الذي أرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يزول عنك ،

    ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) يعني الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم ، فإن من عفا وأصلح فأجره على الله ، وقد أطلق الله العفو هنا ، ولكنه بين في قوله تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (الشورى:40) أن العفو لا يكون خيراً إلا إذا كان فيه إصلاح ، فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله ، فالأفضل ألا تعفو عنه ، وأن تأخذ بحقك ؛ لأنك إذا عفوت ازداد شره ، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ ، قليل العدوان ، لكن الأمر حصل على سبيل الندرة ، فهنا الأفضل أن تعفو.

    (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) محبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ للعبد هي غاية كل إنسان ؛ فكل إنسان مؤمن غايته أن يحبه الله عز وجل ، وهي المقصود لكل مؤمن ؛ لقول الله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) (آل عمران:31) ، ولم يقل : اتبعوني تصدقوا فيما قلتم ، بل عدل عن هذا إلى قوله (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) لأن الشأن - كل الشأن ـ أن يحبك الله عز وجل ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أحبابه .
    وأما المحسنون في قوله : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فالمراد بهم المحسنون في عبادة الله ، والمحسنون إلى عباد الله .
    والمحسنون في عبادة الله ؛ بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرتبتهم في قوله حين سأله جبريل عن الإحسان فقال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )(13) يعني : أن تعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ بقلب حاضر ؛ فإن لم تفعل ؛ فاعلم أن الله يراك ، فاعبده خوفاً وخشية ، وهذه المرتبة دون المرتبة الأولى .

    فالمرتبة الأولى : أن تعبد الله طلباً ومحبة وشوقاً .

    والثانية : أن تعبده هرباً وخوفاً وخشية .

    أما الإحسان إلى عباد الله : فأن تعاملهم بما هو أحسن ؛ في الكلام ، والأفعال ، والبذل، وكف الأذى ، وغير ذلك ، حتى في القول ؛ فإنك تعاملهم بالأحسن ، قال الله تعالى : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) (النساء:86) ، يعني: إن لم تفعلوا فتردوا بأحسن منها ، فلا أقل من أن تردوها

    كذلك الإحسان بالفعل ؛ مثل معونة الناس ومساعدتهم في أمورهم . فإذا ساعدت إنساناً فقد أحسنت إليه ، مساعدة بالمال ، بالصدقة بالهدية.

    ومن الإحسان أيضاً : أنك إذا رأيت أخاك على ذنب ؛ أن تبين له ذلك وتنهاه عنه ؛ لأن هذا من أعظم الإحسان إليه ، قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) قالوا : يا رسول الله ، هذا المظلوم فكيف ننصر الظالم ؟ قال : ( أن تمنعه من الظلم )(14) فإن منعك إياه من الظلم نصر له وإحسان إليه ،

    ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذنُوبِهِم ) (آل عمران: 135)

    (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) الفاحشة : ما يستفحش من الذنوب ، وهي كبائر الذنوب ، مثل الزنا ، شرب الخمر ، وقتل النفس وما أشبهها ، كل مل يستفحش فهو فاحشة.

    (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) بما دون الفاحشة من المعاصي الصغار (ذَكَرُوا اللَّهَ ) أي : ذكروا عظمته وذكروا عقابه ، ثم ذكروا أيضاً رحمته وقبوله للتوبة وثوابها .

    قال الله تعالى : ( ومن يغفر الذنوب إلا الله ) يعني : لا أحد يغفر الذنوب إلا الله عز وجل لو أن الأمة كلها من أولها إلى آخرها ، والجنة والملائكة اجتمعوا على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما غفروه ؛ لأنه لا يغفر الذنوب إلا الله عز وجل ، ولكننا نسأل الله المغفرة ، لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، وأما أن يكون بيدنا أن نغفر ، فلا يغفر الذنوب إلا الله .

    قال تعالى : ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون َ) يعني : لم يستمروا على معاصيهم وظلمهم ؛ وهم يعلمون أنها معاصي وظلم ، وفي هذا دليل على أن الإصرار مع العلم أمره عظيم ، حتى في صغائر الذنوب ؛ ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الإنسان إذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة . ومن ذلك ما يفعله جهلة الناس اليوم من حلق اللحية

    قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) .

    اللهم اجعلنا من هؤلاء العاملين واجعل جزاءنا ذلك يا رب العالمين .

    * * *




    بهذا قد أكون اتممت ما وصلنا إليه
    أسأل الله ان ينفعنا به
    وان يرزقنا العمل بما علمنا
    وأن يعلمنا ما جهلنا
    ولنا لقاء إن شاء الله بعد عودتي من السفر
    استودع الله دينكم واماناتكم وخواتيم اعمالكم
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الثامن ==(الصبر)

    مُساهمة من طرف حبيبه الجمعة 02 أكتوبر 2009, 8:09 am

    الدرس الثامن
    (الصبر)



    26- وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدرى رضي الله عنهما : أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلي الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفد ما عنده ، فقال لهم حين نفد كل شيء أنفق بيديه

    (( ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله. وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))(108

    الشرح


    كان من خلق الرسول الكريم- عليه الصلاة والسلام- أنه لا يسأل شيئاً يجده إلا أعطاه ، وما عهد عنه أنه صلي الله عليه وسلم منع سائلاً، بل كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويعيش في بيته عيش الفقراء، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع
    فهو عليه الصلاة والسلام أكرم الناس واشجع الناس.

    فلما نفد ما في يده أخبرهم أنه ما من خير يكون عنده فلن يدخره عنهم؛ أي: لا يمكن أن يدخر شيئا عنهم فيمنعهم، ولكن ليس
    عنده شيء.

    ثم حث النبي صلي الله عليه وسلم على الاستعفاف والاستغناء والصبر، فقال
    (( ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن الله، ومن يتصبر يصبره الله- عز وجل)).

    هذه ثلاثة أمور:
    أولا: من يستغن يغنه الله،
    أي: من يستغن بما عند الله عما في أيدي الناس؛ يغنه الله عز وجل. وأما من يسأل الناس ويحتاج لما عندهم ؛ فإنه سيبقي قلبه فقيراً - والعياذ بالله- ولا يستغني.

    ثانياً: من يستعفف يعفه الله،
    فمن يستعفف عما حرم الله عليه يعفه الله عز وجل.
    والإنسان الذي يتبع نفسه هواها فيما يتعلق بالعفة فإنه يهلك والعياذ بالله؛
    لأنه إذا أتبع نفسه هواها فإنه فإذا استعف الإنسان عن هذا المحرم أعفه الله- عز وجل- وحماه وحمي أهله أيضاً.

    ثالثاً: من يتصبر يصبره الله،
    أي يعطيه الله الصبر.فإذا تصبرت، وحسبت نفسك عما حرم الله عليك،
    وصبرت على ما عندك من الحاجة والفقر ولم تلح على الناس بالسؤال فإن الله- تعالي- يصبرك ويعينك على الصبر.

    ثم قال النبي صلي الله عليه وسلم (( وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر))
    أي: ما من الله على أحد بعطاء من رزق، أو غيره؛ خيراً واوسع من الصبر؛
    لأم الإنسان الصابر إذا أصابته الضراء صبر، وإن أعرض له الشيطان بفعل المحرم صبر، وإن خذله الشيطان عن ما أمر الله صبر.

    فإذا كان الإنسان قد من الله عليه بالصبر؛ فهذا خير ما يعطاه الإنسان ، وأوسع ما يعطاه، ولهذا قال الرسول صلي الله عليه وسلم
    (( ما أعطي أحد عطاء خيرا واوسع من الصبر))

    والله الموفق.


    ***

    27- وعن أبي يحيي صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له))(109)( رواه مسلم).

    الشرح

    قال المؤلف- رحمه الله- فيما نقله عن صهيب الرومي: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
    (( عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير)) أي: إن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان (( لأمر المؤمن)) أي: لشأنه.فإن شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن.

    ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر فقال
    (( إن أصابته سراء شكر فكان خير له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خير له))
    هذه حال المؤمن. وكل إنسان ؛ فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين:

    مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له،
    إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيراً له، فنال بهذا أجر الصائمين.

    وإن اصابته سراء من نعمة دينية؛ كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية؛ كالمال والبنين والأهل شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله - عز وجل.

    فيشكر الله فيكون خيرا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين، ونعمة الدنيا.
    نعمة الدنيا بالسراء، ونعمة الدين بالشكر، هذه حال المؤمن ، فهو علي خير
    وأما الكافر فهو على شر- والعياذ بالله-

    إن اصابته الضراء لم يصبر بل يتضجر، ودعا بالويل والثبور، وسب الدهر، وسب الزمن، بل وسب الله- عز وجل- ونعوذ بالله.
    وإن اصابته سراء لم يشكر الله، فكانت هذه السراء عقاباً عليه في الآخرة،
    لأن الكافر لا يأكله أكلة، ولا يشرب إلا كان عليه فيها إثم، وإن كان ليس فيها إثم بالنسبة للمؤمن ، لكن على الكافر إثم، كما قال الله تعالي:

    قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )(لأعراف: من الآية32)

    هي للذين آمنوا خاصة، وهي خالصة لهم يوم القيامة، أما الذين لا يؤمنون فليست لهم، ويأكلونها حراماً عليهم، ويعاقبون عليها يوم القيامة.
    فالكافر شر، سواء أصابته الضراء أم السراء، بخلاف المؤمن فإنه على خير.

    وإذا وفق الله الإنسان للشكر؛ فهذه نعمة تحتاج إلي شكرها مرة ثالثةوهكذا، لأن الشكر قل من يقوم به،

    نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وقلوبكم ، ويصلح أعمالنا وأعمالكم؛ إنه جواد كريم.

    * * *



    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه XGP05322

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس التاسع( الصدق) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأربعاء 07 أكتوبر 2009, 3:31 am

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 21aja1



    4- باب الصدق


    قال الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) ، وقال تعالي: 0 وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَات)(الأحزاب: من الآية35) وقال تعالي: ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)(محمد: من الآية21).

    الشرح

    قال المؤلف رحمه الله تعالي: باب الصدق.
    الصدق: معناه مطابقة الخبر للواقع، هذا في الأصل.
    ويكون في الإخبار ، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقاً للواقع قيل: إنه صدق، مثل أن تقول عن هذا اليوم: اليوم يوم الأحد، فهذا خبر صدق؛ لأن اليوم يوم الأحد.

    فالصدق في الأفعال : هو أن يكون الإنسان باطنه موافقاً لظاهره، بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقاً لما في قلبه.
    فالمرائي مثلا ليس بصادق؛ لأنه يظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك.
    والمشرك مع الله ليس بصادق؛ لأنه يظهر أنه موحد وليس كذلك.
    والمنافق ليس بصادق، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن.

    ثم ذكر آيات في ذلك:
    فقال: وقول الله تعالي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) .

    هذه الآية نزلت بعد ذكر قصة الثلاثة الذين خلفوا ، وقد تخلفوا عن غزوة تبوك، ومنهم : كعب بن مالك، وقد تقدم حديثه.
    وكان هؤلاء الثلاثة حين رجع النبي صلي الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وكانوا قد تخلفوا عنها بلا عذر، واخبروا النبي - عليه الصلاة والسلام-بأنهم لا عذر لهم، فخلفهم، أي: تركهم.

    فمعني: (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ) أي: تركوا، فلم يبت في شأنهم ؛ لأن المنافقين لما قدم الرسول- عليه الصلاة والسلام- من غزوة تبوك جاؤوا إليه يعتذرون إليه ويحلفون بالله إنهم معذورون ،
    وفيهم أنزل الله هذه الآية (سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (95) (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ) (التوبة:96) .
    أما هؤلاء الثلاثة فصدقوا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأخبروه بالصدق بأنهم تخلفوا بلا عذر.
    فأرجأهم النبي - عليه الصلاة والسلام- خمسين ليلة، ) حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ)(التوبة: من الآية118) ثم انزل الله توبته عليهم.
    ثم قال بعد ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) ، فأمر الله تعالي المؤمنين بان يتقوا الله، وأن يكونوا مع الصادقين لا مع الكاذبين.

    فذكر الله الصادقين والصادقات في مقام الثناء، وفي بيان ما لهم من الأجر العظيم.
    وقال تعالي: ( فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)
    فدل ذلك على أن الصدق أمره عظيم ، وأنه محل للجزاء من الله سبحانه وتعالى .
    فعليك بالصدق فيما لك وفيما عليك ؛ حتى تكون مع الصادقين الذين أمرك الله أن تكون معهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) .


    54 ـ عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا ))(165) ( متفق عليه ) .

    الشرح

    هذا الباب عقده المؤلف ـ رحمه الله ـ للصدق فقال : باب الصدق ، وذكر آيات سبق الكلام عليها ، أما الأحاديث فقال : عن بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة . .
    قوله : عليكم بالصدق )) .. .

    أي : ألزموا الصدق ، والصدق : مطابقة الخير للواقع ، يعني : أن تخبر بشيء فيكون الخبر مطابقا للواقع ،
    يذكر أن بعض العامة قال : إن الكذب ينجي ، فقال له أخوه الصدق أنجي وأنجي . وهذا صحيح .

    واعلم أن الخبر يكون بالسان ويكون بالأركان .
    وأما باللسان فهو القول ، وأما بالأركان فهو الفعل ، ولكن كيف يكون الكذب بالفعل ؟ ! إذا فعل الإنسان خلاف ما يبطن فهذا قد كذب بفعله ، فالمنافق مثلا كاذب لأنه يظهر للناس أنه مؤمن ، يصلي مع الناس ويصوم مع الناس ، ويتصدق ولكنه بخيل . وربما يحج ، فمن رأى أفعاله حكم عليه بالصلاح ، ولكن هذه الأفعال لا تنبئ عما في الباطن ، فهي كذب .

    ثم بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما أمر بالصدق ـ عاقبته فقال : (( إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة )) .

    البر كثرة الخير ، ومنه أسماء الله : (( البر )) أي كثير الخير والإحسان عز وجل .
    فالبر يعني كثرة الخير ، وهو من نتائج الصدق ، وقوله : (( يهدي إلى الجنة )) فصاحب البر ـ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم ـ يهديه بره إلى الجنة ، والجنة غاية كل مطلب ،

    ولهذا يؤمر الإنسان أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(آل عمران: 185) .

    وقوله : (( إن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا )) وفي رواية : (( ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا )) .

    والصديق في المرتبة الثانية من مراتب الخلق من الذين أنعم الله عليهم كما قال الله سبحانه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ )(النساء: 69) ،

    فالرجل الذي يتحرى الصدق يكتب عند الله صديقا ، ومعلوم أن الصديقية درجة عظيمة لا ينالها إلا أفذاذ من الناس ، وتكون في الرجال وتكون في النساء ، قال الله تعالى : ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ)(المائدة: 75) .

    وأما الكذب قال النبي صلي الله عليه وسلم (( وإياكم والكذب ))
    (( إياكم )) للتحذير ، أي : أحذروا الكذب ، والكذب هو الإخبار بما يخالف الواقع ، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل .

    والمنافق كاذب ؛ لأن ظاهره يدل على أنه مسلم وهو كافر ، فهو كاذب بفعله .
    وقوله : (( وإن الكذب يهدي إلى الفجور ))
    الفجور : الخروج عن طاعة الله ؛ لأن الإنسان يفسق ويتعدى طوره ويخرج عن طاعة الله إلى معصيته ، وأعظم الفجور الكفر ـ والعياذ بالله ـ ؛ فإن الكفرة فجرة ، كما قال الله :
    ( أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (عبس:42)

    فالكذب يهدي إلى الفجور ، والفجور يهدي إلى النار نعوذ بالله منها .
    وقوله : (( وإن الرجل ليكذب )) وفي لفظ (( لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا))(166) الكذب من الأمور المحرمة ، بل قال بعض العلماء : إنه من كبائر الذنوب ؛

    لأن الرسول صلى الله عليه وسلم توعده بأنه يكتب عند الله كذابا .
    ومن أعظم الكذب : ما يفعله بعض الناس اليوم ، يأتي بالمقالة كاذبا يعلم أنها كذب ، لكن من أجل أن يضحك الناس ، وقد جاء في الحديث الوعيد على هذا ، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : (( ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ، ويل له ، ويل له ))(167) ، وهذا وعيد على أمر سهل عند كثير من الناس .

    فالكذب كله حرام ، وكله يهدي إلى الفجور
    أنه يستثنى من ذلك ثلاثة أشياء : في الحرب ، والإصلاح بين الناس ، وحديث المرأة زوجها وحديثه إياها .
    ولكن بعض أهل العلم قال : إن المراد بالكذب في هذا الحديث التورية وليس الكذب الصريح .
    وقال التورية قد تسمى كذبا ، كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليه وسلم قال : (( لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات :.........

    قوله ( إِنِّي سَقِيمٌ)(الصافات: 89) وقوله : ( بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا )(الانبياء: 63)
    وواحدة في شأن سارة . . . )) الحديث(169)، وهو لم يكذب ، وإنما ورى تورية هو فيها صادق .
    وسواء كان هذا أو هذا ؛ فإن الكذب لا يجوز إلا في هذه الثلاث على رأي كثير من أهل العلم
    وبعض العلماء يقول : الكذب لا يجوز مطلقا : لا مزحا ، ولا جدا ، ولا إذا تضمن أكل مال أو لا .

    وأشد شيء من الكذب أن يكذب ويحلف ليأكل أموال الناس بالباطل ، مثل أن يدعي عليه بحق ثابت فينكر ويقول : والله ما لك علي حق ،
    أو يدعي ما ليس له فيقول : لي عندك كذا وكذا ، وهو كاذب ،
    فهذا إذا حلف على دعواه وكذب ؛ فإن ذلك هو اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ، ثم تغمسه في النار والعياذ بالله .
    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 004K052GD-4





    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه XGP05322

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس العاشر( الصدق) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأربعاء 21 أكتوبر 2009, 10:42 am

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 0812091143241fyflu8



    55 ـ عن أبي محمد الحسن بن على بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ؛ فإن الصدق طمأنينة ، والكذب ريبة )) (171) رواه الترمذي وقال : حديث صحيح .

    قوله : (( يريبك )) هو بفتح الياء وضمها ؛ ومعناه : اترك ما تشك في حله
    واعدل إلى ما لا تشك فيه .

    الشرح

    قوله : (( دع )) أي : اترك . (( ما لا يريبك ) بفتح الياء ،
    أي : إلى الشيء الذي لا ريب فيه .

    وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية ، وهو حديث جامع مهم ، وهو باب من أبواب الورع والاحتياط .

    وقد سلك أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في أبواب الفقه هذا المسلك ، وهو الأخذ بجانب الاحتياط ، وذكروا لذلك أشياء كثيرة .

    منها : إنسان أصاب ثوبه نجاسة ، ولا يدري هل في مقدم الثوب أو في مؤخره ،
    إن غسل المقدم عنده ريبة لاحتمال أن تكون في مؤخرة الثوب ! فما هو الاحتياط ؟
    الاحتياط أن يغسل مقدمه ومؤخره ، حتى تزول ريبته ويطمئن .


    ومنها : لو شك الإنسان في صلاته : هل صلى ركعتين أو ثلاث ركعات ، ولم يترجح عنده شيء ؟ فهنا ، إن أخذ بركعتين صار عنده ريبه فلعله نقص ،

    وإن أخذ بالثلاث صار عنده ريبه ، فلعله لم ينقص ، لكن يبقى قلقا ؛ فهنا يعمل بما لا ريبة فيه فيعمل بالأقل ، فإذا شك هل هي ثلاث أو أربع ، فيجعلها ثلاثا ، وهكذا .


    فهذا الحديث أصل من أصول الفقه ، أن الشيء الذي تشك فيه اتركه إلى شيء لا شك فيه .
    لأن كثيرا من الناس إذا أخذ ما يشك فيه يكون عنده قلق إذا كان حي القلب ،
    فهو دائما يفكر : لعلي فعلت . . . لعلي تركت ، فإذا قطع الشك باليقين زال عنه ذلك .
    قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( فإن الصدق طمأنينة ))


    فالصدق طمأنينة ، لا يندم صاحبه أبدا ، ولا يقول : ليتني وليتني ؛
    لأن الصدق منجاة ، والصادقون ينجيهم الله بصدقهم ،
    وتجد الصادق دائما مطمئنا ؛
    لأنه لا يتأسف على شيء حصل أو شيء يحصل في المستقبل ؛
    لأنه قد صدق ، و (( من صدق نجا )) .


    أما الكذب ، فبين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه ريبة ،
    ولهذا تجد أول من يرتاب في الكاذب نفسه ،
    ولهذا تجد الكاذب إذا أخبرك بالخبر قام يحلف بالله أنه صدق ؛ لئلا يرتاب في خبره ، مع أنه محل ريبة .

    فالكذب لا شك أنه ريبة وقلق للإنسان
    فنأخذ من هذا الحديث أنه يجب على الإنسان أن يدع الكذب إلى الصدق ؛ لأن الكذب ريبة ، والصدق طمأنينة ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )) : والله الموفق .


    56 ـ عن أبي سفيان صخر بن حرب ـ رضي الله عنه ـ في حديثه الطويل في قصة هرقل ، قال هرقل : فماذا يأمركم ـ يعني النبي صلي الله عليه وسلم ـ قال أبو سفيان : قلت : يقول : (( اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة والصدق ، والعفاف ، والصلة ))(172) ( متفق عليه ) .

    الشرح

    قدم أبو سفيان ومعه جماعة من قريش إلى هرقل في الشام ،
    وهرقل كان ملك النصارى في ذلك الوقت النبي صلي الله عليه وسلم وكان قد قرأ في التوراة والإنجيل وعرف الكتب السابقة ، وكان ملكا ذكيا ، فلما سمع بأبي سفيان ومن معه وهم قادمون من الحجاز دعا بهم ،

    وجعل يسألهم عن حال النبي صلي الله عليه وسلم وعن نسبه ، وعن أصحابه ، وعن توقيرهم له ، وعن وفائه صلى الله عليه وسلم وكلما ذكر شيئا أخبروه عرف أنه النبي الذي أخبرت به الكتب السابقة ، ولكنه ـ والعياذ بالله ـ شح بملكه فلم يسلم للحكمة التي أرادها الله عز وجل .

    لكن سأل أبا سفيان عما كان يأمرهم به النبي صلي الله عليه وسلم فأخبره ، أنه يأمرهم ألا يعبدوا غير الله

    فهذه دعوة الرسل ، فجاء النبي صلي الله عليه وسلم بما جاءت به الأنبياء من قبله بعبادة الله وحده لا شريك له .

    ويقول : (( اتركوا ما كان عليه آباؤكم )) انظر كيف الصدع بالحق ! كل ما كان آباؤهم من عبادة الأصنام أمرهم النبي صلي الله عليه وسلم بتركه .وأما ما كان عليه آباؤهم من الأخلاق الفاضلة ؛ فإنه لم يأمرهم بتركه .

    كما قال الله تعالى :
    ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) فقال سبحانه مكذبا لهم :
    ( قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) (لأعراف: 28 ) .


    وقوله : (( وكان يأمرنا بالصلاة )) الصلاة صلة بين العبد وبين ربه ، وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين كما قال النبي عليه الصلاة والسلام :

    (( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر ))(173)
    أي : كفر كفرا مخرجا عن الملة ؛ وهذا حد فاصل بين المؤمنين وبين الكافرين .

    إذا الصلاة من بين سائر الأعمال إذا تركها الإنسان فهو كافر ،
    لو ترك الزكاة وصار لا يزكي ، يجمع الأموال ولا يزكي ، لم نقل إنه كافر ، لكن لو ترك الصلاة قلنا إنه كافر .

    قال عبد الله بن شقيق رحمه الله ، وهو من التابعين ، وهو مشهور :
    (( كان أصحاب محمد صلى الله عليه الصلاة والسلام لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ))(175) .

    وقوله : (( وكان يأمرنا بالصدق )) كان النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ يأمر أمته بالصدق ، وهذا كقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (التوبة:119) .

    والصدق خلق فاضل ، ينقسم إلى قسمين :

    صدق مع الله ، وصدق مع عباد الله ، وكلاهما من الأخلاق الفاضلة .
    وضد الصدق الكذب ، وهو الإخبار بخلاف الواقع ،
    والكذب ذميم من أخلاق المنافقين ، وبعض الناس ـ والعياذ بالله ـ مبتلى بهذا المرض ، فلا يستأنس ولا ينشرح صدره إلا بالكذب ، يكذب دائما ، إن جلس في المجلس جعل يفتعل الأفاعيل ليضحك بها الناس ،

    وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم (( ويل لمن حدث فكذب ليضحك بها القوم . . . ويل له ، ثم ويل له ، ثم ويل له )) ثلاث مرات .

    وقوله (( العفاف )) أي : العفة ، والعفة نوعان : عفة عن شهوة الفرج ،
    وعفة عن شهوة البطن .

    أما العفة الأولى : فهي أن يبتعد الإنسان عما حرم عليه من الزنى ووسائله وذرائعه ؛ لأن الله عز وجل يقول :
    (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الاسراء:32) .

    ومنع الله كل ما يوصل إلى الزنا ويكون ذريعة له ، فمنع المرأة أن تخرج متبرجة فقال : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)(الأحزاب: 33) ،

    فأفضل مكان للمرأة أن تبقي في بيتها ولا تخرج إلا إذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى ذلك

    ، فلتخرج كما أمرها الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ تفلة ، أي : غير متطيبة ولا متبرجة(177) .

    وكذلك أمر باحتجاب المرأة ـ إذا خرجت ـ ،
    والحجاب الشرعي هو أن تغطي المرأة جميع ما يكون النظر إليه ذريعة إلى الفاحشة ، وأهمه الوجه ،

    فإن الوجه يجب حجبه أكثر مما يجب حجب الرأس وحجب الذراع وحجب القدم .
    ولا عبرة بقول من يقول : إنه يجوز كشف الوجه ؛ لأن قوله هذا فيه شيء من التناقض .

    كيف يجوز للمرأة أن تكشف وجهها ، ويجب عليها عند هذا القائل أن تستر قدميها ؟

    أيهما أعظم فتنة وأيهما أقرب إلى الزنى : أن تكشف المرأة وجهها أو تكشف قدميها ؟

    كل إنسان عاقل يفهم ما يقول ، يقول : إن الأقرب إلى الزنى والفتنة أن تكشف وجهها .

    أما النوع الثاني: فهو العفاف عن شهوة البطن ، أي : عما في أيدي الناس ، كما قال تعالى

    ( يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)(البقرة: 273) ،

    يعني : من التعفف عن سؤال الناس ، بحيث لا يسأل الإنسان أحد شيئا ، لأن السؤال مذلة
    كما لو كان الإنسان مضطرا فحينئذ لا باس أن يسأل أما بدون حاجة ملحة أو ضرورة فإن السؤال محرم ،

    ثم إن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بايعوا النبي صلي الله عليه وسلم على أن لا يسألوا الناس شيئا ، حتى كان سوط أحدهم يسقط من على راحلته ولا يقول لأحد : ناولني السوط ، بل ينزل ويأخذ السوط .


    أما الخامس ، قوله : (( الصلة ))

    والصلة أن تصل ما أمر الله به أن يوصل من الأقارب الأدنى فالأدنى ،
    وأعلاهم الوالدان ، فإن صلة الوالدين بر وصلة . والأقارب لهم من الصلة بقدر ما لهم من القرب ،
    والصلة جاءت في الكتاب والسنة غير مقيدة ، وكل ما جاء في الكتاب والسنة غير مقيد فإنه يحمل على العرف ،


    وقد وردت النصوص الكثيرة في فضل صلة الرحم والتحذير من قطيعتها .


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 004K052GD-4

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الحادي عشر( المراقبة) كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الخميس 29 أكتوبر 2009, 6:37 am



    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه B20119kh

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Rosebutterflies


    5-باب المراقبة


    قال الله تعالي

    (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:218/219)
    وقال الله تعالي ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )(الحديد: من الآية4)
    وقال تعالي إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5
    وقال تعالي : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (غافر:19) ، والآيات في الباب كثيرة معلومة.

    الشرح


    المراقبة لها وجهان:

    الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل.

    والوجه الثاني: أن الله تعالي رقيب عليك (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً)(الأحزاب: من الآية52).


    أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله- تعالي- يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات ، كما قال الله تعالي: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ الذي يراك حين تقوم وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)
    (الشعراء:217/219) ،


    يراك حين تقوم، أي: في الليل حين يقوم الإنسان في مكان خال لا يطلع عليه أحد، فالله سبحانه وتعالي يراه.حتى ولو كان في أعظم ظلمة وأحلك ظلمة؛


    وقوله: (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) أي : وأنت تتقلب في الذين يسجدون في هذه الساعة

    وذكر القيام والسجود؛ لأن القيام في الصلاة أشرف من السجود بذكره وهو القرآن،

    والسجود أفضل من القيام بهيئته لأن الإنسان الساجد أقرب ما يكون من ربه عز وجل .

    ،كما ثبت ذلك عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال (( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)).ولهذا أمرنا أن نكثر من الدعاء في السجود،


    كذلك من مراقبتك لله، تعلم أن الله يسمعك، فأي قول تقوله؛ فإن الله تعالي يسمعك ؛ كما قال الله: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80) ، بلي: يعني نسمع ذلك.

    قال الله تبارك وتعالي : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18)


    اجعل دائما لسانك يقول الحق أو يصمت، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام
    (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقل خيراً أو ليصمت))


    الثالث: أن تراقب الله في سرك وفي قلبك، انظر ماذا في قلبك من الشرك بالله والرياء، والانحرافات، والحقد على المؤمنين،وبغضاء، وكراهية،ومحبة للكافرين ،
    وما اشبه ذلك من الأشياء التي لا يرضاها الله عز وجل


    راقب قلبك، تفقده دائماً؛ فإن الله يقول ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه)
    (قّ: من الآية16) ، قبل أن ينطق به.


    فراقب الله في هذه المواضع الثلاثة، في فعلك ، وفي قولك، وفي سريرتك، وفي قلبك، حتى تتم لك المراقبة،

    ولهذا لما سئل النبي صلي الله عليه وسلم عن الإحسان قال: (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).

    كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلي المرتبة الثانية: (( فإنه يراك)).
    فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبة وخوف،
    ولهذا قال: (( فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).


    و في قوله تعالي: ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)(الحديد: من الآية4) الضمير ( هو) يعود على الله، أي: الله سبحانه وتعالي مع عباده أينما كانوا: في بر أو بحر، أو جو، أو في ظلمة، أوفي ضياء.



    ولا نعني أنه سبحانه وتعالي معنا في نفس المكان الذي نحن فيه؛ لأن الله فوق كل شيء،

    كما قال الله تعالي: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) ، وقال تعالي: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)(الملك: من الآية16)
    وقال (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (الأعلى:1)،

    يجب أن نعلم أن الله ليس في الأرض، لأننا لو توهمنا هذا،
    لكان فيه إبطال لعلو الله سبحانه وتعالي

    الكرسي محيط بالسماوات والأرض كلها ، والكرسي هو موضع قدي الرحمن عز وجل، والعرش أعظم وأعظم وأعظم، كما جاء في الحديث
    (( إن السموات السبع والأرضيين السبع بالنسبة للكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض)).


    أن الله - سبحانه وتعالي- أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته
    (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم)(الحديد: من الآية4).



    واعلم أن المعية التي أضافها الله إلي نفسه تنقسم بحسب السياق والقرائن.
    فتارة يكون مقتضاها الإحاطة بالخلق علما وقدرة وسلطانا وتدبيراً وغير ذلك، مثل هذه الآية ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُم)


    وتارة يكون المراد بها التهديد والإنذار، كما في قوله تعالي: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (النساء:108)


    فإن هذا تهديد وإنذار لهم أن يبينوا ما لا يرضي من القول يكتمونه عن الناس، يظنون أن الله لا يعلم، والله- سبحانه - عليم بكل شيء.


    وتارة يراد بها النصر والتأييد والتثبيت وما أشبه ذلك،
    مثل قوله تعالي: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ،
    وكما في قوله تعالي: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) (محمد:35) ، والآيات في هذا كثيرة.


    وهذا القسم الثالث من أقسام المعية
    تارة يضاف إلي المخلوق بالوصف، وتارة يضاف إلي المخلوق بالعين.
    فقوله: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128) ، هذا مضاف إلي المخلوق بالوصف، فأي إنسان يكون كذلك فالله معه.


    وتارة يكون مضافاً إلي المخلوق بعين الشخص،
    مثل قوله تعالي: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)

    فهذا مضاف إلي الشخص بعينه، وهي للرسول - عليه الصلاة والسلام- وأبي بكر - رضي الله عنه- وهما في الغار، لما قال أبو بكر للرسول النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم : يا رسول الله، لو نظر أحدهم إلي قدميه لأبصرنا،



    فيقول له الرسول عليه الصلاة والسلام : (( لا تحزن إن الله معنا ، فما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ ))

    وكما في قوله ـ سبحانه ـ لموسى وهارون ، لما أمر الله موسى وأرسله إلى فرعون هو وهارون : (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) (45) (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طـه 45،46) .

    الله أكبر : ( إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) إذا كان الله معهما هل يمكن أن يضرهما فرعون وجنوده ؟

    لا يمكن ، فهذه معية خاصة مقيدة بالعين : (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) .
    المهم أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع الخلق ، لكنه فوق عرشه


    نقول : الله ـ عز وجل ـ لا يقاس بخلقه ، مع أن العلو والمعية لا منافاة بينهما حتى في لو سألنا سائل : اين موضع القمر ؟ لقلنا : في السماء ، وإذا قال : أين موضع النجوم ؟ قلنا في السماء ، نقول ما زلنا نسير والقمر معنا مع ان القمر في السماء والنجم في السماء ، لكن هو معنا ، لأنه ما غاب عنا . فالله ـ تعالى ـ وهو على عرشه ـ سبحانه ـ فوق جميع الخلق .



    وتقتضي هذه الآية بالنسبة للأمر المسلكي المنهجي بأنك إذا آمنت بأن الله معك ، فإنك تتقيه وتراقبه ؛ لأنه لا يخفى عليه ـ عز وجل ـ حالك مهما كنت ،
    فهومحيط بك ـ عز وجل ـ لا يخفى عليه شيء من أمرك . فتراقب الله ، وتخاف الله ، وتقوم بطاعته ، وتترك مناهيه .




    قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) (آل عمران:5) ،
    (شَيْءٌ ) نكرة في سياق النفي في قوله (لا يَخْفَى ) فتعم كل شيء ، فكل شيء لا يخفي على الله في الأرض ولا في السماء ،

    وقد فصل الله هذا في قوله تبارك وتعالى : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام:59) .


    أما قوله : ( وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ ) . (حَبَّةٍ ) : نكرة في سياق النفي المؤكد بمن .
    إذا يشمل كل ورقة صغيرة كانت أو كبيرة .

    ولنفرض أن حبة صغيرة منغمسة في طين البحر ، فهي في خمس ظلمات:

    الظلمة الأولي: ظلمة الطين المنغمسة فيه.
    الثانية: ظلمة الماء في البحر.
    الثالثة: ظلمة الليل.
    الرابعة: ظلمة السحاب المتراكم.
    الخامسة: ظلمة المطر النازل.
    خمس ظلمات فوق هذه الحبة الصغيرة؛ والله عز وجل يعلمها.


    إذا من كان هذا سعة علمه فعلي المؤمن أن يراقب الله سبحانه وتعالي، وأن يخشاه في السر كما يخشاه في العلانية، لأن خشية الله في السر أقوي في الإخلاص، لأنه ليس عندك أحد؛ لأن خشية الله في العلانية ربما يقع في قلبك الرياء ومراءاة الناس.

    قوله تعالي: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) (الفجر:14) ،
    وهذه الآية ختم الله بها ما ذكره من عقوبة عاد (إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)
    فبين، عز وجل- أنه بالمرصاد لكل طاغية ، وأن كل طاغية فإن الله تعالي يقصم ظهره ويبيده ولا يبقي له باقية.


    فعاد إرم ذات العماد، ذات البيوت العظيمة المبنية على العمد القوية، أعطاهم الله قوة شديدة وقالوا: من اشد منا قوة؟ ! فقال الله عز وجل ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّة)(فصلت: من الآية15)، فبين الله حيث قال ( الَّذِي خَلَقَهُمْ) ؛

    لأنه من المعلوم أن الخالق اقوي من المخلوق ، فالذي خلقهم هو اشد منهم قوة ، فأصابهم الله - سبحانه وتعالي - بالقحط الشديد، وأمسكت السماء ماءها فجعلوا يستقون، أي: ينتظرون أن الله يغيثهم،

    فأرسل الله عليهم الريح العقيم في صباح يوم من الأيام ، أقبلت ريح عظيمة تحمل من الرمال والأتربة ما صار كأنه سحاب مركوم.

    (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )(الاحقاف: من الآية24)،

    حكمة من الله عز وجل، لم تأتهم الريح هكذا، وإنما جاءتهم وهم يؤملون أنها غيث
    ليكون وقعها اشد،
    فظنوه ريحا تسقيهم فإذا هو ريح تدمرهم، فكون العذاب يأتي في حال يـتأمل فيها الإنسان كشف الضر يكون أعظم وأعظم.

    (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا )(الاحقاف: من الآية24) ، لأنهم كانون يتحدون نبيهم النبي صلي الله عليه وسلم يقولون: إن كان عندك عذاب فأت به إن كنت صادقاً، فجاءتهم ( رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(24) (تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ )

    والعياذ بالله هاجت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، ، حتى إنها تحمل الواحد منهم إلي عنان السماء، ثم ترمي به،
    فصاروا كأنهم أعجاز نخل خاوية، أي: مثل أصول النخل الخاوية والعياذ بالله - كهيئة السجود؛ لأنهم يريدون أن يتخلصوا من هذه الريح بعد أن تحملهم وتضرب بهم الأرض، ولكن لم ينفعهم هذا.

    قال الله تعالي ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)
    والعياذ بالله .


    وفي قول الله عز وجل (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)
    لابد أن نعلم أن للأعين خيانة، وذلك أن الإنسان ينظر إلي الشيء ولا تظن أنه ينظر إليه نظراً محرماً، ولكن الله عز وجل يعلم أنه ينظر نظراً محرماً.لكن الله عز وجل يعام أنه ينظر نظرا محرما

    ويعلم أيضاً ما تخفي الصدور أي: القلوب؛ لأن القلوب في الصدور، والقلوب هي التي يكون بها الفهم، ويكون بها التدبير

    فحقيقة الأمرأن العقل في القلب، وأن القلب في الصدر

    (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ) وقال( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)(الحج: من الآية46)

    ولم يقل الله القلوب التي في الأدمغة قال (الَّتِي فِي الصُّدُورِ) ، فالأمر فيه واضح جداً أن العقل يكون في القلب، ويؤيد هذا قول النبي صلي الله عليه وسلم

    (( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب)).


    إذا: القلب هو محل العقل ولاشك، ولكن الدماغ محل التصور ،
    ثم إذا تصورها وجهزها بعث بها إلي القلب ،
    فكأن الدماغ(سكرتير) يجهز الأشياء ثم يدفعها إلي القلب، ثم القلب يوجه، يأمر أو ينهي ،


    فليس بغريب أن الله- سبحانه وتعالي- يجعل التصور في الرأس ، فيتصور الدماغ وينظم الأشياء ، حتى إذا لم يبق إلا الأوامر أرسلها إلي القلب، ثم القلب يحرك، يأمر أو ينهي.
    ولهذا إذا اختل الدماغ فسد التفكير وفسد العقل! فهذا مرتبط بهذا، لكن العقل المدبر في القلب، والقلب في الصدر


    والله الموافق


    * * *



    وللمزيد


    http://www.dar-alhejrah.net/montada-f26/topic-t9462.htm#63664







    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Neqaby-300-70


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الثاني عشر( المراقبة) كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الأربعاء 04 نوفمبر 2009, 6:40 am



    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Aslamalikom2


    - عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: (( بينما نحن جلوس عند رسول الله صلي الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، لا يري عليه ار السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلي النبي صلي الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلي ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : الإسلام أن تشهد ان لا إله الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال : صدقت .فعجبنا يسأله ويصدقه! قال: أخبرني عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله وملائكته، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت : قال فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة. قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها. قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن تري الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان.
    ثم انطق فلبتث ملياً، ثم قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))(1) ( رواه مسلم).


    ومعني (( تلد الأمة ربتها)) أي: سيدتها ومعناه: أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها، وبنت السيد في معني السيد، وقيل غير ذلك.
    (( والعالة)) الفقراء وقوله (( مليا)) أي:وقت طويلاً،


    الشرح

    هذا الحديث العظيم، الذي قال فيه النبي صلي الله عليه وسلم لعمر في آخره
    (( أتدري من السائل)) قال: الله ورسوله أعلم. قال (( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم))
    إذا ديننا في هذا الحديث؛
    لأنه مشتمل على كل الدين، على الإسلام، والإيمان، والإحسان.


    وكان الصحابة- رضي الله عنهم- يجلسون عند النبي صلي الله عليه وسلم كثيراً، لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام- لا يغيب عن أصحابه أو أهله:
    إما في البيت: في شؤون بيته- صلوات الله وسلامه عليه- يحلب الشاة ويرقع
    الثوب ويخصف النعل.


    وإما مع أصحابه في المسجد، وإما ذاهبا إلي عيادة مريض، أو زيارة قريب، أو
    غير ذلك من الأمور التي لا يمضي منها لحظة إلا وهو في طاعة الله عليه الصلاة والسلام، قد حفظ الوقت، وليس مثلنا نضيع الأوقات. والغريب أن أغلي شيء عند الإنسان هو الوقت،


    وهو أرخص شيء عند الإنسان ، قال الله (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) (99) (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ )(المؤمنون: 99،100)،


    حتى لا يضيع على الوقت. ما يقول: لعلي أتمتع في المال، أو أتمتع بالزوجة، أو أتمتع في المركوب، أو أتمتع في القصور، بل يقول: لعلي اعمل صالحا فيما تركت.


    نمضي أوقاتنا كثيرة بغير فائدة، بل نمضي أوقاتنا كثيرة فيما يضر، ولست أتحدث عن رجل واحد، بل عن عموم المسلمين. اليوم- مع الأسف الشديد-
    أنهم في سهو ولهو وغفلة، ليسوا جادين في أمور دينهم، أكثرهم في غفلة وفي ترف، ينظرون ما يترف به أبدانهم وإن أتلفوا أديانهم.


    فبينما الصحابة عنده جلوس، إذا طلع عليهم رجل (( شديد بياض الثياب النبي صلي الله عليه وسلم شديد سواد الشعر، لا يري عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد))


    فتعجبوا منه، ثم هذا الرجل الذي جاء نظيفاً: شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر،
    لأن المسافر- لا سيما في ذلك الوقت- يكون أشعث أغبر؛

    حتى جاء وجلس إلي النبي- عليه الصلاة والسلام- وهذا الرجل هو جبريل- عليه الصلاة والسلام- أحد الملائكة العظام، بل هو أفضل الملائكة فيما نعلم؛ لشرف عمله؛ لأنه يقوم بحمل الوحي من الله إلي الرسل عليهم الصلاة والسلام، فهو ملك عظيم، رآه النبي صلي الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين:


    _ مرة في الأرض وهو في غار حراء، رآه وله ستمائة جناح، قد سد الأفق - كل الأفق _ أمام الرسول - عليه الصلاة والسلام- لا يري السماء من فوق، لأن هذا الملك قد سد الأفق؛ لأنه له ستمائة جناح.

    والمرة الثانية عند سدرة المنتهي قال تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (13) (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (لنجم:13/14) ،

    جلس هذه الجلسة ثم قال (( يا محمد أخبرني عن الإسلام)) - ولم يقل: يا رسول الله أخبرني- كصنيع أهل البادية الأعراب ؛ لأن الأعراب إذا جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وسلم يقولون: يا محمد.


    قال النبي صلي الله عليه وسلم : (( أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)).
    هذا الركن الأول: تشهد بلسانك نطقاً، وبقلبك إقراراً: أن لا إله إلا الله، يعني: لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالي.


    وألوهية الله فرع عن ربوبيته؛ لأن من تأله لله أقر بالربوبية ،

    فلا إله إلا الله وحده .هذه الكلمة إذا حققها الإنسان وقالها من قلبه ملتزماً بما تقضيه من الإيمان والعمل الصالح، فإنه يدخل الجنة بها، قال النبي صلي الله عليه وسلم (( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة))(1) ، جعلنا الله وإياكم منهم.


    وقوله: (( وأن محمداً رسول الله)) أي: تشهد بأن محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي
    فكل الأديان باطلة ببعثه الرسول عليه الصلاة والسلام، فدين اليهود باطل، ودين النصاري باطل غير مقبول عند الله ؛ لقول الله تعالي (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) .


    والمسيح بريء منهم، ولو جاء المسيح لقاتلهم، وسنزل في آخر الزمان ولا يقبل إلا الإسلام. فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فلا يقبلها من أحد ، لا يقبل إلا الإسلام.


    وقوله: (( وأن محمداً رسول الله))أي: إلي الخلق كافة ،
    كما قال الله ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) (الفرقان:1)
    فهو رسول إلي جميع الخلق.


    وقد أقسم صلي الله عليه وسلم : (( أنه لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به؛ إلا كان من أصحاب النار))(1).


    وقوله (( أن تشهد أن لا إله إلا الله)) مع قوله (( وأن محمداً رسول الله))
    هذان جمعا شرطي العبادة، وهما: الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلي الله عليه وسلم ؛
    لأن من قال : لا إله إلا الله أخلص لله، ومن شهد أن محمداً رسول الله اتبع رسول الله ولم يتبع سواه.


    ولهذا عد هذان ركنا واحدا من أركان الإسلام، لأنهما يعودان إلى شئ واحد،
    وهو تصحيح العبادات، لان العبادات لا تصح إلا بمقتضى هاتين الشهادتين: شهادة أن لا اله إلا الله التي يكون بها الإخلاص، وان محمد رسول الله التي يكون بها الاتباع.


    و يلزم من هذه الشهادة أن تتبعه في شرعيته و سنته، و أن لا تبتدع في دينه ما ليس منهن و لهذا نقول:
    أن أصحاب البدع الذين يبتدعون في شريعة الرسول صلى الله عليه و سلم ما ليس منها انهم لم يحققوا: شهادة أن محمدا رسول الله !


    و أن قالوا أننا نحبه و نعظمه، فانهم لو أحبوه تمام المحبة و عظموه تمام التعظيم ما تقدموا بين يديه، و لا ادخلوا في شريعته ما ليس منها.
    فالبدعة مضمونها حقيقة القدح برسول الله صلى الله عليه و سلم كأنما يقول هذا المبتدع: أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يكمل الدين و لا الشريعة،


    ثم في البدعة محذور آخر، وهو عظيم جدا، وهو انه يتضمن تكذيب قول الله تعالى:
    (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )(المائدة: من الآية3) لان الله تعالى إذا كان اكمل الدين، فمعناه انه لا دين بعدما جاء به الرسول عليه الصلاة و السلام، و هؤلاء المبتدعون شرعوا في دين الله ما ليس منه، من تسبيحات و تهليلات و حركات و غير ذلك،


    فهم في الحقيقة مكذبون لدين الله و كذلك قادحون برسول الله صلى الله عليه و سلم


    كذلك من تحقيق شهادة (( أن محمدا رسول الله)) إلا تغلو فيه و تنزله بمنزلة اكبر من المنزلة التي أنزله الله إياها ، مثل أولئك الذين يعتقدون أن الرسول صلى الله عليه و سلم يكشف الضر، حتى انهم عند قبره يسألون النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة أن يكشف الضر عنهم، وان يجلب النفع لهم.

    هذا غلو في الرسول _ عليه الصلاة والسلام _ وشرك بالله عز وجل !! لا يقدر أحد علي ذلك إلا الله سبحانه وتعالي. والنبي صلي اله عليه وسلم بعده موته لا يملك لنفسه شيئا أبدا.

    حتى الصحابة لما أصابهم القحط في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب _ رضي الله عنه_واستسقوا في مسجد الرسول_ عليه الصلاة والسلام_ ما جاءوا إلى القبر يسألون الرسول أو يقولون ادع لنا اله أو اشفع لنا عند الله حتى ينزل الغيث.

    قال عمر يدعو الله (( اللهم أنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلي الله عليه وسلم فتسقينا، وأنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا))

    [ثم أمر العباس أن يقوم ويدعوا الله تعالي بإنزال الغيث. لماذا؟
    لان النبي صلي الله عليه وسلم ميت لا عمل له بعد موته، هو الذي قال
    (( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله الآمن ثلاث: الآمن صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له ))[2].

    فالنبي صلي الله عليه وسلم بنفسه لا يملك شيئا، لا يملك أن يدعو لك وهو في قبره أبدا. فمن أنزله فوق منزلته التي أنزله الله فانه لم يحقق شهادة


    (( أن محمدا رسول الله)) معني كونه رسولا انه عبد لا يعبد ورسول لا يكذب،
    إذا نقول لهؤلاء الذين نجدهم يغلون برسول الله صلي الله عليه وسلم وينزلونه فوق منزلته التي أنزله الله،

    أنكم لم تحققوا لا شهادة أن لا اله إلا الله، ولا شهادة أن محمدا رسول الله.


    الركن الثاني: أقام الصلاة:

    الصلاة سميت صلاة لأنها صلة بين العبد وبين الله،
    فان الإنسان إذا قام يصلي فانه يناجي ربه ويحاوره، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن أبي هريرة_ رضي الله عنه _ عن النبي صلي الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قال: (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سال،

    فإذا قال (( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى: حمدني عبدي،
    وإذا قال ( الرحمن الرحيم ) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي،
    وإذا قال،( مالك يوم الدين ) قال مجدني عبدي،
    فإذا قال ( إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سال،


    فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم (6 ) صراط الذين أنعمت عليهم غير الغضوب عليهم ولا الضالين)
    قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سال))[3].


    فتأمل محاورة ومناجاة بين الإنسان وبين ربه، ومع ذلك فالكثير منا في هذه المناجاة معرض بقلبه، تجده يتجول يمينا وشمالا، مع انه يناجي من يعلم ما في الصدور عز وجل. وهذا من جهلنا وغفلتنا
    .

    فالواجب علينا_ و نسأل الله أن يعيننا عليه_ أن تكون قلوبنا حاضرة في حال الصلاة حتى تبرأ ذمتنا وحتى ننتفع بها،لان الفوائد المترتبة علي الصلاة إنما تكون علي صلاة كاملة،


    ولهذا كلنا يقرا قول الله عز وجل (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)(العنكبوت: من الآية45 ومع ذلك يأتي الإنسان ويصلي فلا يجد في قلبه إنكارا لمنكر،
    أو عرفا لمعروف زائدا عما سبق حين دخوله في الصلاة.يعني لا يتحرك القلب ولا يستفيد، لان الصلاة ناقصة،


    هذه الصلاة هي اعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. وقد فرضها الله_ عز وجل_ علي نبيه محمد صلي الله عليه وسلم بدون واسطة من الله إلى الرسول، وفرضها
    أربعة أمور:


    أولا: لم يكن فرضها كفرض الزكاة والصيام والحج، بل هو من الله تعالى مباشرة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.

    ثانيا: من ناحية المكانة فهو في اعلي مكان وصل إليه البشر، تفرض علي النبي صلي الله عليه وسلم وهو في الأرض.

    ثالثا: من ناحية الزمان في اشرف ليلة كانت لرسول الله صلي الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج.

    رابعا: في الكمية: لم تفرض صلاة واحدة، بل خمسون صلاة، مما يدل علي محبة الله لها، وانه يحب من عبده أن يكون مشغولا بها.


    جعلها الله خمسا، لكن الله بمنه وكرمه وله الحمد والفضل _ قال: هي خمس بالفعل، وخمسون في الميزان، وليس هذا من باب قبيل الحسنة بعشر أمثالها، بل من باب قبيل الفعل الواحد يجزئ عن خمسين فعلا،

    وهذا يدل علي عظم هذه الصلوات، ولهذا فرضها الله_ سبحانه وتعالى_ علي عباده في اليوم والليلة.خمس مرات لابد منها. لابد أن تكون مع الله خمس مرات تناجيه في اليوم والليلة.




    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Ovv12vlor2d1

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الثالث عشر( التقوى) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الثلاثاء 17 نوفمبر 2009, 11:04 am

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 392584

    6- باب التقوى


    التقوى اسم مأخوذ من الوقاية، وهو إن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله. والذي يقيك من عذاب الله هو فعل أوامر الله عز وجل، إن تأخذ أوامر الله وان تترك ما نهي عنه. واعلم إن التقوى أحيانا تقترن بالبر، فيقال بر وتقوي
    كما في قوله تعالى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة: من الآية2).

    وتارة تذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر واجتناب النواهي. وإذا أفردت صارت شاملة، تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي، وقد ذكر الله_ تعالى_ في كتابه إن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة_ جعلنا الله منهم_ ولذلك يجب علي الإنسان إن يتقي الله عز وجل، امتثالا لأمره وطلبا لثوابه والنجاة من عقابه.


    الشرح


    قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) فوجه الأمر إلى المؤمنين، إلى المؤمنين، لا المؤمن يحمله إيمانه علي تقوي الله. وقوله: ( اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ) وحق التقوى مفسرا بما عقبه المؤلف من قوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) بعد هذه الآية أي : إن معني قوله: ( حَقَّ تُقَاتِهِ) إن تتقي الله ما استطعت،

    لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها. وهذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) ليست آية يقصد بها التهاون بتقوى الله، ونما يقصد بها الحث علي التقوى بقدر المستطاع، أي: لا تدخر و سعى في تقوي الله ، ولك الله لا يكلف الإنسان شيئا لا يستطيعه، كما قال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(البقرة: من الآية286)،

    ويستفاد من قوله (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) إن الإنسان إذا لم يستطع القيام بأمر الله علي وجه الكمال، فانه يأتي منه بما قدر عليه، ومن ذلك قول النبي صلي الله عليه وسلم لعمران بن حصين: ((صل قائما فان لم تستطع فقاعدا، فان لم تستطع فعلي جنب))([1]


    وفي الحج أيضا: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(آل عمران: من الآية97) فإذا لم تستطع الوصول إلى البيت فلا حج عليك، لكن إن كنت قادرا بمالك دون بدنك، وجب عليك إن تقيم من يحج ويعتمر عنك،

    والحاصل إن التقوى كغيرها منوطة بالاستطاعة، فمن لم يستطع شيئا من أوامر الله فانه يعدل علي ما يستطيع، ومن اضطر إلى شئ من محارم الله، حل له ما ينتفع به في دفع الضرورة، لقوله تعالى: ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )(الأنعام: من الآية119)،

    حتى إن الرجل لو اضطر إلى أكل لحم الميتة، أو أكل لحم الخنزير، أو أكل لحم الحمار، أو غير ذلك من المحرمات، فانه يجوز له إن يأكل منه ما تندفع به ضرورته، فهذه هي تقوي الله! إن تفعل أوامر ما استطعت وتجنب نواهيه ما استطعت. وقوله تعالى
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )

    فأمر الله تعالى بأمرين، بتقوى الله،وان يقول الإنسان قولا سديدا، أي صوابا.
    وإنها فعل أوامر الله واجتناب نواهيه.\


    أما القول السديد، فهو قول الصواب وهو يشمل كل قول فيه خير سواء كان من ذكر الله، أو من طلب العلم، أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو من الكلام الحسن الذي يستجلب به الإنسان مودة الناس ومحبتهم، أو غير ذلك، ويجمعه قول النبي صلي الله عليه وسلم

    (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))([2]،)


    فإذا اتقي الإنسان ربه، وقال قولا سديدا، حصل علي فائدتين:

    (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ )(الأحزاب: من الآية71) فبالتقوى صلاح الإيمان ومغفرة الذنوب، وبالقول السديد صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب.

    وعلم من هذه الآية إن من لم يتق الله ويقل قولا سديدا، فانه حري بان لا يصلح الله له أعماله، ولا يغفر له ذنبه، ففيه الحث علي تقوي الله وبيان فوائدها.
    وقال تعالى_ وهي الآية الرابعة

    ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً)(2) (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) يتق الله بفعل ما أمر به، ويترك ما نهي عنه. يجعل له مخرجا من كل ضيق، فكلما ضاق عليه الشيء وهو متق لله_ عز وجل_ جعل له مخرجا، سواء كان في معيشة، أو في أموال، أو في أولاد، أو في مجتمع، أو غير ذلك.متي كنت متقيا الله فثق إن الله سيجعل لك مخرجا من كل ضيق ،


    الآية الخامسة قوله تعالى: ( إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(لأنفال: من الآية29)،

    هذه ثلاث فوائد عظيمة:

    الفائدة الأولى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم، بحيث يفتح الله علي الإنسان من العلوم ما لغا يفتحها لغيره، فان التقوى يحصل بها زيادة الهدي، وزيادة العلم ، وزيادة الحفظ،

    ولا شك إن الإنسان كلما ازداد علما، ازداد معرفة، وازداد فرقانا بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وكذلك يخل فيه ما يفتح الله علي الإنسان من الفهم، لان التقوى سبب لقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم،

    فانك فالتقوى سبب لزيادة الفهم، ويدخل في ذلك أيضا الفراسة،
    إن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يري الإنسان يعرف انه كاذب أو صادق، أو انه بر أو فاجر، حتى انه ربما يحكم علي الشخص وهو لم يعاشره ولم يعرف عنه شيئا، بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.

    ويدخل في ذلك أيضا: ما يحصل للمتقين من الكرامات التي لا تحصل لغيرهم، ومن ذلك: ما حصل لكثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم،


    الفائدة الثانية ( وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي صلي الله عليه وسلم
    (( الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر))([6]).

    فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني إن الإنسان إذا اتقي الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها عنه.

    الفائدة الثالثة: قوله( وَيَغْفِرْ لَكُمْ) بأن ييسركم للاستغفار والتوبة،

    فان هذا من نعمة الله علي العبد إن ييسره للاستغفار والتوبة. ومن البلاء للعبد، إن يظن إن ما كان عليه من الذنوب ليس بذنب، فيصر عليه والعياذ بالله،
    كما قال الله تعالى
    (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)(103) (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(الكهف:104،103)،

    فكثير من الناس لا يقلع عن الذنب، لأنه زين له_ والعياذ بالله_ فألفه وصعب عليه إن ينتشل نفسه منه، لكن إذا كان متقيا لله_ عز وجل_ سهل الله له الإقلاع عن الذنوب حتى يغفر له، وربما يغفر الله له بسبب تقواه،

    فتكون تقواه مكفرة لسيئاته، كما حصل لأهل بدر رضي الله عنهم، (( فان الله اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))([8])، فتقع الذنوب منهم مغفورة لما حصل لهم فيها، أي في الغزوة من الأجر العظيم.

    وقوله ( وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(لأنفال: من الآية29)، أي: صاحب الفضل العظيم الذي لا يعدله شئ ولا يواذيه شئ، فإذا كان الله موصوفا بهذه الصفة، فاطلب الفضل منه سبحانه وتعالى، وذلك بنقواه والرجوع إليه. والله اعلم.

    69_ وأما الأحاديث فالأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، من اكرم الناس، قال (( اتقاهم)) فقالوا: ليس عن هذا نسألك،
    قال (( فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله)) قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال (( فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا))([9]). متفق عليه. و (( فقهوا)) ، أي: اعلموا أحكام الشرع.

    الشرح

    قوله: من كرم الناس؟ قال (( اتقاهم)) يعني إن اكرم الناس اتقاهم لله عز وجل وهذا الجواب مطابق تماما لقوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)(الحجرات: من الآية13)،

    فالله_ سبحانه وتعالى_ لا ينظر إلى الناس من حيث النسب، ولا من حيث الحسب، ولا من حيث المال، ولا من حيث الجمال، و إنما ينظر سبحانه إلى إلا عمال، فاكرم الناس عنده اتقاهم له، و لهذا يمد أهل التقوى بما يمدهم به من الكرامات الظاهرة أو الباطنة،

    لانهم هم اكرم خلقه عنده، ففي هذا حث علي تقوي الله عز وجل، وانه كلما كان الإنسان اتقي لله فهو اكرم عنده، ولكن الصحابة لا يريدون بهذا السؤال الأكرم عند الله! (( قالوا: لسنا عن هذا نسألك)) ثم ذكر لهم إن اكرم الخلق يوسف ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله، فهو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فانه_ عليه الصلات والسلام_

    كان نبيا من سلالة الأنبياء، فكان من اكرم الخلق. (( قالوا: لسنا عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ )) معادن العرب يعني أصولهم وأنسابهم! (( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) يعني إن اكرم الناس من حيث النسب والمعادن والأصول، هم الخيار في الجاهلية، لكن بشرط إذا فقهوا.


    فإذا كنت تريد إن تكون كريما عند الله وذا منزلة عنده، فعليك بالتقوى، فكلما كان الإنسان لله اتقي كان عنده اكرم. أسال الله إن يجعلني وإياكم من المتقين.

    70_ الثاني: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال
    (( إن الدنيا حلوة خضرة، وان الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))([10]) رواه مسلم.

    الشرح

    هذا الحديث ساقه المؤلف_ رحمه الله_ لما فيه من أمر النبي صلي الله عليه وسلم بالتقوى، بعد إن ذكر حال الدنيا فقال (( إن الدنيا حلوة خضرة)) حلوة في المذاق خضرة في المرأي، والشيء إذا كان خضرا حلوا فان العين تطلبه أولا، ثم تطلبه النفس ثانيا،

    والشيء إذا اجتمع فيه طلب العين وطلب النفس، فانه يوشك للإنسان إن يقع فيه. فالدنيا حلوة في مذاقها، خضرة في مراها، فيغتر الإنسان بها وينهمك فيها ويجعلها اكبر همه، ولكن النبي صلي الله عليه وسلم بين إن الله_ تعالى_ مستخلفنا فيها فينظر كيف نعمل، فقال (( إن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون))

    هل تقومون بطاعته، وتنهون النفس عن الهوى، وتقومون بما أوجب الله عليكم، ولا تغترون بالدنيا، أو إن الأمر بالعكس؟ ولهذا قال (( فاتقوا الدنيا)) أي: قوموا بما أمركم به، واتركوا ما نهاكم عنه، ولا تغرنكم حلاوة الدنيا ونضرتها.

    كما قال تعالى ( فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(لقمان: من الآية33). ثم قال: (( فاتقوا الدنيا واتقوا النساء))،
    أي: احذروهن وهذا يشمل الحذر من المرأة في كيدها مع زوجها، ويشمل أيضا الحذر من النساء وفتنتهن، ولهذا قال: (( فان أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)).

    فافتتنوا في النساء، فضلوا وأضلوا_ والعياذ بالله_ ولذلك نجد أعداءنا وأعداء ديننا_ أعداء شريعة الله عز وجل_ يركزون اليوم علي مسالة النساء، وتبرجهن، واختلاطهن بالرجال،


    فهم يقحمون النساء الآن بالوظائف الرجالية ويدعون الشباب، ليفسد الشباب وليفسد النساء. أتدرون ماذا يحدث؟

    يحدث بتوظيفهن مع الرجال مفسدة الاختلاط، ومفسدة الزنا والفاحشة، سواء في زني العين، أو زني اللسان، أو زني اليد، أو زني الفرج، كل ذلك محتمل إذا كانت المرأة مع الرجل في الوظيفة.


    71_ الثالث: عن أبي مسعود رضي الله عنه إن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقول: اللهم أني أسألك الهدي والتقي والعفاف والغني))

    الشرح

    (( الهدي)) هنا بمعني العلم، والنبي صلي الله عليه وسلم محتاج إلى العلن كغيره من الناس، لان الله سبحانه وتعالى قال له ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).

    فهو عليه الصلاة والسلام محتاج إلى العلم، فيسال الله الهدي. والهدي إذا ذكر وحده يشمل العلم والتوفيق للحق، أما إذا قرن معه ما يدل علي التوفيق للحق فانه يفسر بمعني العلم، لان الأصل في اللغة العربية إن العطف يقتضي المغايرة، فيكون الهدي له معني، وما بعده مما يدل علي التوفيق له معني آخر.

    وأما قوله (( والتقي)) فالمراد بالتقي هنا: تقوي الله عز وجل، فسال النبي صلي الله عليه مسلم ربه التقي أي: إن يوفقه إلى تقوي الله، لان الله_ عز وجل_ هو الذي بيده مقاليد كل شئ، فإذا وكل العبد إلى نفسه ضاع ولم يحصل علي شئ، فإذا وفقه الله عز وجل، ورزقه التقي، صار مستقيما علي تقوي الله عز وجل.

    وأما قوله (( العفاف)) فالمراد به إن يمن الله عليه بالعفاف والعفة عن كل ما حرم الله عليه، فيكون عطفه علي التقوى من باب عطف الخاص علي العام،

    وأما (( الغني)) فالمراد به الغني عما سوي الله، أي: الغني عن الخلق، بحيث لا يفتقر الإنسان إلى أحد سوي ربه عز وجل.

    والإنسان إذا وفقه الله ومن عليه بالاستغناء عن الخلق، صار عزيز النفس غير ذليل، لان الحاجة إلى الخلق ذل ومهانة، والحاجة إلى الله تعالى عز وعبادة، فهو عليه الصلاة والسلام يسال الله عز وجل الغني.




    72_ الرابع: عن أبي طريف عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه
    وسلم يقول (( من حلف علي يمين ثم راء اتقي الله منها فليأت التقوى([13] )رواه مسلم


    الشرح

    اليمين هي الحلف بالله عز وجل، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، ولا يجوز الحلف بغير الله، لا بالنبي صلي الله عليه وسلم، ولا جبريل عليه الصلاة والسلام، ولا بأي أحد من الخلق، لقول النبي صلي الله عليه وسلم
    (( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت))([14]).

    وقال (( من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك))([15].) فمن حلف بغير الله فهو آثم، ولا يمين عليه، لأنها يمين غير منعقدة، لقول النبي صلي الله عليه وسلم:

    (( من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد))([16]). ولا ينبغي للإنسان إن يكثر من اليمين، فان هذا هو معني قوله تعالى: ( وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)(المائدة: من الآية89)، علي راء بعض المفسرين، قالوا: واحفظوا إيمانكم: أي لا تكثروا الحلف بالله، وإذا حلفت ينبغي إن تقيد اليمين بالمشيئة، فتقول: والله إن شاء الله، لتستفيد بذلك فائدتين عظيمتين:

    الفائدة الأولى: إن يتيسر لك ما حلفت عليه.

    والفائدة الثانية: انك لو حنثت فلا كفارة عليك، فمن حلف علي يمين وقال إنشاء الله لم يحنث، ولو خالف ما حلف عليه،

    ولكن اليمين التي توجب الكفارة هي اليمين علي شئ مستقبل، أما اليمين علي شئ ماضي فلا كفارة فيها، ولكن إن كان الحالف كاذبا فهو آثم، وان كان صادقا فلا شئ عليه،
    ومثال هذا لو قال قائل: والله ما فعلت كذا! فهنا ليس عليه كفارة صدق أو كذب، لكن إن كان صادقا انه لم يفعله فهو سالم من الإثم، وان كان كاذبا بان كان قد فعله فهو آثم.


    وأما اليمين التي فيها الكفارة فهي اليمين علي شئ مستقبل، فإذا حلفت علي شئ مستقبل فقلت: والله لا افعل كذا، فهنا نقول: إن فعلته فعليك الكفارة، وان لم تفعله فلا كفارة عليك،


    في هذا الحديث بين النبي عليه الصلاة والسلام: انك إذا حلفت علي يمين، ورأيت غيرها اتقي لله منها، فكفر عن يمينك، وات الذي هو اتقي.



    والله الموفق..


    وللمزيد

    http://www.dar-alhejrah.net/montada-f26/topic-t8952.htm


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 5820_1126897288


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27


    عدل سابقا من قبل حبيبه في الخميس 19 نوفمبر 2009, 1:09 pm عدل 1 مرات
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الرايع عشر ( اليقين والتوكل) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه الإثنين 23 نوفمبر 2009, 5:50 am

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 570067580wa



    7- باب اليقين والتوكل


    قال الله تعالى: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً)(الأحزاب:22)،

    وقال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(173)

    الشرح

    جمع المؤلف بين اليقين والتوكل، لأن التوكل ثمرة من ثمرات اليقين،
    فاليقين هو قوة الإيمان والثبات، حتى كان الإنسان يري بعينه ما اخبر الله به رسوله من شدة يقينه،

    فاليقين هو ثبات وإيمان ليس معه شك بوجه من الوجوه، فيري الغائب الذي اخبر الله_ تعالى_ عنه رسول الله صلي الله عليه وسلم كأنه حاضر بين يديه،

    وهو اعلي درجات الإيمان! هذا اليقين يثمر ثمرات جليلة، منها التوكل علي الله عز وجل، والتوكل علي الله اعتماد الإنسان علي ربه_ عز وجل_ في ظاهره وباطنه، في جلب المنافع ودفع المضار


    ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )(الطلاق: من الآية3). ففي هاتين المرتبتين_ اليقين والتوكل_ يحصل للإنسان مقصده في الدنيا والآخرة،
    ويستريح ويعيش مطمئنا سعيدا،

    لأنه موقن بكل ما اخبر الله به ورسوله ومتوكل علي الله عز وجل. ثم ذكر المؤلف آيات في هذا الباب، منها قوله تعالى

    (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).

    الأحزاب: طوائف من قبائل متعددة تألبوا علي رسول الله صلي الله عليه وسلم واجتمعوا علي حربه، وتجمع نحو عشرة آلاف مقاتل من قريش وغيرهم،

    وحاصروا المدينة، ليقضوا علي النبي صلي الله عليه وسلم، وحصل في هذه الغزوة أزمة عظيمة علي أصحاب الرسول صلي الله عليه وسلم قال الله تبارك وتعالي في وصفها:

    ( وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) من شدة الخوف ( وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا) الظنون البعيدة (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)

    فانقسم الناس في هذه الأزمة العصيبة العظيمة إلى قسمين، بينهما الله_ عز وجل_

    القسم الأول: قال الله عنهم (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)(الأحزاب:12)

    المنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، والذين في قلوبهم مرض من المؤمنين وعندهم نقص في يقينهم، قالوا: ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا، قالوا: كيف يقول محمد انه سيفتح كسري ويقصر وصنعاء، وهو الآن محاصر من هؤلاء الناس. كيف يمكن هذا؟
    فقالوا:(مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً)(الأحزاب: من الآية12).

    أما القسم الثاني:المؤمن، قال الله عنهم( وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)(الأحزاب: من الآية22)

    وانظر إلى الفرق بين الطائفتين، هؤلاء لما رأوا الأحزاب، ورأوا هذه الشدة، علموا انه سيعقبها نصر وفرج، وقالوا: هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، فسيكون النصر وستفتح ممالك قيصر وكسري واليمن، وهكذا كان ولله الحمد.
    و هذا غاية اليقين، إن يكون الإنسان عند الشدائد، وعند الكرب، ثابتا مؤمنا موقنا، عكس من كان توكله و يقينه ضعيفا، فانه عند المصائب و الكرب ربما ينقلب على وجهه، كما قال الله

    (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)(الحج: من الآية11) أي على طرف(فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)(الحج: من الآية11) .

    كثير من الناس ما دام على عافية فهو مطمئن، و لكن إذا ابتلي_ و العياذ بالله_ انقلب على وجهه، فربما يصل إلى حد الردة و الكفر، و يعترض على الله بالقضاء و القدر، و يكره تقدير الله، و بالتالي يكره الله_ و العياذ بالله،

    لأنه كان في الأول لم يصبه أذى و لا فتنة، و لكنه في الثاني أصابته الفتنة فانقلب على وجهه.

    و في هذه الآيات و أشباهها دليل على انه ينبغي للإنسان إن يخاف، و يوجل، و يخشى من زيغ القلب، و يسال الله دائما الثبات، فانه ما من قلب من قلوب بني آدم إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبه كيف يشاء، إن شاء أقامه، و إن شاء أزاغه و العياذ بالله.

    فنسال الله مقلب القلوب إن يثبت قلوبنا على طاعته، و إن يرزقنا الاستقامة على دينه و الثبات عليه.

    الآية الثانية: قوله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173) .

    هذه الآية نزلت في الصحابة_ رضي الله عنهم_ حيث حصل عليهم ما حصل في غزوة أحد، مما أصابهم من القرح و الجروح الشهداء، فقيل لهم: إن أبا سفيان كان قد عزم على الكرة عليكم، و جمع لكم الناس، فندبهم النبي عليه الصلاة و السلام إلى ملاقاته و مقابلته، فاستجابوا الله و الرسول من بعد ما أصابهم القرح،

    وأصيبوا بهذه النكبة العظيمة، فقتل منهم سبعون رجلا استشهدوا في سبيل الله، و حصل للنبي صلى الله عليه و سلم و لغيره من صحابته_ رضي الله عنهم_ ما حصل، و مع هذا استجابوا لله و للرسول.

    قال الله تعالى: (الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظم(ِ172الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)(آل عمران: من الآية173)

    يعني إن أبا سفيان ومن معه ممن بقي من كبراء قريش جمعوا للنبي صلى الله عليه و سلم يريدون استئصاله، و لكن يأبى الله إلا إن يتم نوره.

    قيل للصحابة: اخشوا هؤلاء، و لكنهم ازدادوا إيمانا لان المؤمن كلما اشتدت به الأزمات ازداد إيمانا بالله، لأنه يؤمن بان النصر مع الصبر و إن الفرج مع الكرب و إن مع العسر يسران

    و لهذا زادهم إيمانا هذا القول و قالوا: ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (حَسْبُنَا) أي كافينا في مهماتنا و ملماتنا(وَنِعْمَ الْوَكِيل) انه نعم الكافي جل و علا فانه نعم المولى و نعم النصير.

    و لكن الله يكون ناصرا لمن انتصر به و استنصر به، فانه_ عز وجل_ اكرم الاكرمين و أجود الاجودين، فإذا اتجه الإنسان إليه في أموره، أعانه و ساعده و تولاه، و لكن البلاء من بني ادم، حيث يكون الإعراض كثيرا في الإنسان، و يعتمد على الأمور المادية دون الأمور المعنوية.

    قال تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)
    ذهبوا و لكنهم لم يجدوا كيدا، و آبو سفيان ومن معه ولوا على أدبارهم، و لم يكروا على الرسول صلى الله عليه و سلم، فكتبت للصحابة رضي الله عنهم_ غزوة من غير قتال.

    قال الله تعالى : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174)


    ثم قال: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:175) .

    ( يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ) أي: يخوفكم انتم أولياءه، أي: يلقي في قلوبكم الخوف من أوليائه، فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين.

    فالشيطان يأتي إلى المؤمن، يقول: أحذر إن تتكلم في فلان، لأنه ربما يسجنكن و ربما يفعل كذا و كذا، فيخوفكن و لكن المؤمن لا يمكن إن يخاف أولياء الشيطان،

    لان الله قال: ( فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: من الآية76) بالنسبة للحق.

    فعلى الإنسان إن لا يخاف في الله لومة لائم، و إن لا يخاف إلا الله، و لكن يجب إن يكون سيره على هدى من الله عز وجل، فإذا كان سيره على هدى من الله، فلا يخاف أحدا.

    الآية الثالثة: قوله تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ)(الفرقان: من الآية58) وهو الله عز وجل، اعتمد عليه في أمورك كلها، دقيقها و جليلها، لان الله_ عز وجل_ إذا لم ييسر لك الأمور لم يتيسر لك، ومن أسباب تيسيره،

    أن تتوكل عليه، لا سيما إذا داهمتك الأمور، و كثرت الهموم، و ازدادت الخطوب، فانه لا ملجأ لك إلا الله عز وجل، فعليك بالتوكل عليه و الاعتماد عليه حتى يكفيك.



    و قال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )(الطلاق: من الآية3)

    أي: كافيه، فإذا توكلت على الله كفاك كل شئ، و إذا توكلت على غير الله و كلك الله عليه، و لكنك تخذل و لا تتحقق لك أمورك.

    و قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (:2) )الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً )(لأنفال: من الآية4)

    قوله: ( إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ) أي: إذا ذكرت عظمة الله و جلاله و سلطانه، خافت القلوب، و وجلتن و تأثر الإنسان، حتى إن بعض السلف إذا تليت عليه آيات الخوف يمرض أياما حتى يعوده الناس، أما نحن فقلوبنا قاسية، نسأل الله إن يلينهان فانه تتلى علينا آيات الخوف و تمر و كأنها شراب بارد، فلا نتأثر بذلك، و لا نتعظ إلا من رحم الله، نسأل الله العافية.

    لكن المؤمن: هو الذي إذا ذكر الله وجل قلبه و خاف.

    كان بعض السلف إذا قيل له: اتق الله ارتعد، حتى يسقط ما في يده. ( وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً )(لأنفال: من الآية2)


    إذا سمعوا كلام الله_ عز وجل_ ازدادوا إيمانا من وجهين:

    الوجه الأول: التصديق بما اخبر الله به من أمور الغيب الماضية و المستقبلة.

    الوجه الثاني: القبول و الإذعان لأحكام الله، فيمتثلون ما أمر الله به، فيزداد بذلك إيمانهم و ينتهون عما نهى الله عنه، تقربا إليه و خوفا منه،
    فيزداد أيمانهم فهم إذا تليت عليهم آياته ازدادوا إيمان من هذين الوجهين.

    و هكذا إذا رأيت من نفسك انك كلما تلوت القران ازددت إيمانا ، فان هذا من علامات التوفيق.

    أما إذا كنت تقرا القران و لا تتأثر به، فعليك بمداواة نفسك،

    عليك بمداواة القلب، فان القلب إذا لم ينتفع بالقران و لم يتعظ به، فانه قلب قاس مريض، نسأل الله العافية.

    داو نفسك من قبل إن يأتيك موت لا حياة بعده، وهو موت القلب، أما موت الجسد فبعده حياة، و بعده بعث و جزاء و حساب.

    و قوله عز وجل: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) على ربهم فقط يتوكلون!أي: يفوضون أمورهم كلها إلى مالكهم و مدبرهم خاصة، لا إلى أحد سواه،


    74_ الحديث الأول: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:

    (( عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد إذ رفع لي سواد عظيم فظننت انهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر، فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك، ومعهم سبعون ألف يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب)) ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب، فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا_ وذكروا أشياء_ فخرج عليهم رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: (( ما الذي تخوضون فيه؟ )) فاخبروه فقال: (( هم الذين لا يرون، ولا يسترقون ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون)) فقام عكاشة بن محصن فقال، ادع الله إن يجعلني منهم، فقال: (( أنت منهم)) ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله إن يجعلني منهم فقال: (( سبقك بها عكاشة))([2]) متفق عليه.

    (( الرهيط)) بضم الراء: وهم دون عشرة انفس. (( والأفق)) الناحية والجانب.

    الشرح
    هذا الحديث العظيم، الذي اخبر فيه النبي صلي الله عليه وسلم إن الأمم عرضت عليه، أي: أرى الأمم عليه الصلاة والسلام وأنبياءهم. يقول:

    أي: إن الأنبياء_ عليهم الصلاة والسلام_ ليسوا كلهم قد أطاعهم قومهم، بل بعضهم لم يطعه أحد من قومهم، وبعضهم أطاعه الرهط،
    وبعضهم أطاعه الرجل والرجلان، وانظر إن نوحا عليه الصلاة والسلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، يذكرهم بالله، ويدعوهم إلى الله،

    قال الله تعالى: ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)(هود: من الآية40)،

    كل هذه المدة ولم يلق منهم قبولا، بل ولا سلم من شرهم، قال نوح: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً)(نوح:7)،

    وكانوا يمرون به ويسخرون منه. يقول (( رفع لي سواد)) أي: بشر كثير فيهم جهمة من كثرتهم فظننت انهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه)) لان موسى من اثر الأنبياء اتباعا، بعث في بني إسرائيل، وانزل الله عليه التوراة التي هي أم الكتب الإسرائيلية.

    قال (( ثم قيل لي انظر! فنظرت إلى الأفق فإذا سواد عظيم_ وفي لفظ: قد سد الأفق_ فقيل: انظر الأفق الثاني! فنظرت إليه فإذا سواد عظيم، فقيل لي هذه أمتك))

    فالرسول صلي الله عليه وسلم اكثر الأنبياء تابعا، لأنه منذ بعث إلى يوم القيامة والناس يتبعونه، صلوات الله وسلامه عليه، فكان اكثر الأنبياء تابعا،
    قد ملا اتباعه ما بين الأفقين. (( ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب))

    أي: مع هذه الأمة سبعون ألفا يدخلون الجنة، لا يحاسبون، ولا يعذبون، من الموقف إلى الجنة بدون حساب ولا عذاب! اللهم اجعلنا منهم.

    وقد ورد إن مع كل واحد من السبعين ألف سبعين ألفا أيضا[3]. (( ثم نهض فدخل منزله فخاض الناس في أولئك... قال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلي الله عليه وسلم_

    يعني لعلهم الصحابة رضي الله عنهم_، وقال آخرون (( لعلهم الذين ولدوا في الإسلام، فلم يشركوا بالله شيئا وذكروا أشياء))
    وكل أتى بما يظن، فخرج عليهم النبي صلي الله عليه وسلم فسألهم عما يخوضون فيه فاخبروه فقال صلي الله عليه وسلم (( هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يكتبون ولا يتطيرون وعلي ربهم يتوكلون))

    هذا لفظ مسلم وفيه: (( لا يرقون)). والمؤلف رحمه الله قال: انه متفق عليه، وكان ينبغي إن يبين إن هذا اللفظ لفظ مسلم فقط دون رواية البخاري،

    وذلك إن قوله: (( لا يرقون)) كلمة غير صحيحة، ولا تصح عن النبي علبه الصلاة والسلام، لان معني (( لا يرقون)) أي لا يقرؤون علي المرضي، وهذا باطل، فان الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرقي المرضي.

    وأيضا القراءة علي المرضي إحسان فالمهم إن هذه اللفظة لفظة شاذة، وخطا لا يجوز اعتمادها، والصواب: (( هم الذين لا يسترقون))

    أي: لا يطلبون من أحد إن يقرا عليهم إذا أصابهم شئ، لانهم معتمدون علي الله، ولان الطلب فيه شئ من الذل، لأنه سؤال الغير،

    فربما تحرجه ولا يريد إن يقرا، وربما إذا قرا عليك لا يبرا المرض فتتهمه، وما أشبه ذلك، لهذا قال لا يسترقون. قوله: (( ولا يكتوون)) يعني: لا يطلبون من أحد إن يكويهم إذا مرضوا، لان الكي عذاب بالنار، لا يلجا إليه إلا عند الحاجة.

    وقوله: (( ولا يتطيرون)) يعني: لا يتشاءمون لا بمرئي، ولا بمسموع، ولا بمشموم، ولا بمذوق، يعني: لا يتطيرون أبدا.

    وقد كان العرب في الجاهلية يتطيرون، فإذا طار الطير وذهب نحو اليسار تشاءموا، وإذا رجع تشاءموا، وإذا تقدم نحو الإمام صار لهم نظر آخر، وكذلك نحو اليمين وهكذا. والطيرة محرمة،

    لا يجوز لاحد إن يتطير لا بطيور، ولا بأيام، ولا بشهور، ولا بغيرها، وتطير العرب فيما سبق بشهر شوال إذا تزوج الإنسان فيه، ويقولون: إن الإنسان إذا تزوج في شهر شوال لم يوفق،

    فكانت عائشة رضي الله عنها تقول (( سبحان الله، إن النبي صلي الله عليه وسلم تزوجها في شوال، ودخل بها في شوال، وكانت احب نسائه إليه)) كيف يقال إن الذي يتزوج في شوال لا يوفق.

    وكانوا يتشاءمون بيوم الأربعاء، ويوم الأربعاء يوم كأيام الأسبوع ليس فيه تشاؤم. وكان بعضهم يتشاءم بالوجوه، إذا راء وجها ينكره تشاءم، حتى إن بعضهم إذا فتح دكانه، وكان أول من يأتيه رجل اعور أو اعمي، اغلق دكانه، وقال اليوم لا رزق فيه.

    والتشاؤم ، كما انه شرك اصغر، فهو حسرة علي الإنسان، فيتألم من كل شئ يراه، لكن لو اعتمد على الله وترك هذه الخرافات،لسلم، ولصار عيشه صافيا سعيدا.

    أما قوله: ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فمعناه: انهم يعتمدون علي الله وحده في كل شئ، لا يعتقدون علي غيره، لأنه جل وعلا قال في كتابه: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)(الطلاق: من الآية3)،

    ومن كان الله حسبه فقد كفي كل شئ. هذا الحديث العظيم فيه صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب. فهذه أربع صفات: لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون. والشاهد للباب قوله ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2)).


    فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله(( ادع الله إن يجعلني منهم))، بادر إلى الخير وسبق إليه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم:
    (( أنت منهم))

    (( فقام رجل آخر فقال: ادع الله إن يجعلني منهم! قال: سبق بها عكاشة)) فرده النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه رد لطيف، لم يقل لست منهم، بل قال
    (( سبقك بها عكاشة)) .


    أورد بعض العلماء إشكالا علي هذا الحديث، وقال: إذا اضطر الإنسان إلى القراءة، أي إلى إن يطلب من أحد إن يقرا عليه، مثل إن يصاب بعين، أو بسحر، أو أصيب بجن واضطر، هل إذا ذهب يطلب من يقرا عليه، يخرج من استحقاق دخول الجنة بغير حساب ولا عذاب؟

    فقال بعض العلماء: نعم هذا ظاهر الحديث، وليعتمد علي الله وليتصبر ويسال الله العافية.
    وقال بعض العلماء: بل إن هذا فيمن استرقي قبل إن يصاب، أي: بان قال: أقرا علي إن لا تصيبني العين، أو إن لا يصيبني السحر أو الجن أو الحمي، فيكون هذا من باب طلب الرقية لامر متوقع لا واقع،

    وكذلك الكي. فإذا قال إنسان: الذين يكوون غيرهم هل يحرمون من هذا؟

    الجواب: لا! لان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( ولا يكتوون))

    أي: لا يطلبون من يكويهم، ولم يقل ولا يكوون،
    وهو عليه الصلاة والسلام قد كوي اكحل سعد بن معاذ رضي الله عنه، فسعد بن معاذ الاوسي الأنصاري_ رضي الله عنه_ أصيب يوم الخندق في أكحله فانفجر الدم، والأكحل إذا انفجر دمه قضي علي الإنسان، فكواه النبي صلي الله عليه وسلم في العرق حتى وقف الدم،

    والنبي صلي الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب. فالذين يكوون محسنون، والذين يقرؤون علي الناس محسنون، ولكن الكلام علي الذين يسترقون، أي يطلبون من يقرا عليهم، اويكتوون، أي: من يطلبون من يكويهم،

    والله الموفق.

    نسأل الله أن يجعلنا منهم


    وللمزيد في اليقين

    http://www.dar-alhejrah.net/montada-f26/topic-t9801.htm?highlight=%c7%e1%ed%de%ed%e4


    وللمزيد في التوكل
    http://www.dar-alhejrah.net/montada-f26/topic-t8785.htm?highlight=%c7%e1%ca%e6%df%e1+%e5%e6






    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Post-20628-1164969424

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس الخامس عشر( اليقين والتوكل ) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه السبت 12 ديسمبر 2009, 12:12 pm

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 0148
    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 2459541128b719d92ff7oj
    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 245833357939446e1af7o


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 12552008712دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 12552008712دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 12552008712
    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 245833357939446e1af7o




    76_ الثالث: عن ابن عباس رضي الله عنهما قالSad( حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم صلي الله عليه وسلم حين القي في النار وقالها محمد صلي الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل))([4] )رواه البخاري.

    وفي رواية له عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان آخر قول إبراهيم صلي الله عليه وسلم حين القي في النار: (( حسبي الله ونعم الوكيل)).

    الشرح

    وإبراهيم ومحمد_ علهما الصلاة والسلام_ هما خليلان لله عز وجل. قال الله تعالى:

    ( وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً)([5]) (النساء: من الآية125)،
    وقال النبي صلي الله عليه وسلم: (( إن الله قد اتخذ خليلا كما أتتخذ إبراهيم خليلا))

    والخليل: معناه الحبيب الذي بلغت محبته الغاية، ولا نعلم إن أحد وصف بهذا الوصف إلا محمدا صلي الله عليه وسلم وإبراهيم، فهما الخليلان. وانك تسمع أحيانا يقول بعض الناس: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله، وموسى كليم الله.

    والذي يقول: إن محمدا حبيب الله في كلامه نظر، لان الخلة ابلغ من المحبة، فإذا قال: محمد حبيب الله، فهذا فيه نوع نقص من حق الرسول عليه الصلاة والسلام،
    لان أحباب الله كثيرون، فالمؤمنون يحبهم الله، والمحسنون والمقسطون يحبهم الله، والأحباب كثيرون لله. لكن الخلة لا نعلم إنها ثبتت إلا لمحمد وإبراهيم عليهم الصلاة والسلام

    ، وعلي هذا فنقول: الصواب إن يقال: إبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله، وموسي كليم الله عليهم الصلاة والسلام. علي إن محمدا صلي الله عليه وسلم قد كلمه الله_ سبحانه وتعالى_ كلاما بدون واسطة، حيث عرج به إلى السماوات السبع.


    هذه الكلمة: (( حسبنا الله ونعم الوكيل)) قالها إبراهيم حينما القي في النار، وذلك إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأبوا، و أصروا علي الكفر والشرك. فقام ذات يوم علي أصنامهم فكسرها، وجعلهم جذاذا، إلا كبيرا لهم،
    فلما رجعوا وجدوا آلهتهم كسرت، فانتقموا_ والعياذ بالله_ لأنفسهم. فقالوا ما نصنع يا إبراهيم؟ (قَالُوا حَرِّقُوهُ )(الأنبياء: من الآية68) انتصارا لآلهتهم


    ( وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ)(الأنبياء: من الآية68) فأوقدوا نارا عظيمة جدا، ثم رموا إبراهيم في هذه النار. ويقال انهم لعظم النار لم يتمكنوا من القرب منها،
    وانهم رموا إبراهيم فيها بالمنجنيق من بعد، فلما رموه قال: (( حسبنا الله ونعم الوكيل)) فما الذي حدث؟ قال الله تعالى: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)(الأنبياء:69)،

    بردا: ضد حر، وسلاما: ضد هلاكا، لان النار حارة ومحرقة ومهلكة، فأمر الله هذه النار إن تكون بردا وسلاما عليه، فكانت بردا وسلاما.

    وقال العلماء : ولما قال الله ( كُونِي بَرْداً) قرن ذلك بقوله: ( وَسَلاماً ) لأنه لو اكتفي بقوله: ( بَرْداً) لكانت بردا حتى تهلكه، لان كل شئ يمتثل لامر الله عز وجل، انظر إلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً )(فصلت: من الآية11) فماذا قالتا: ( قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت: من الآية11)،


    ( قَالَتَا أَتَيْنَا) منفادين لامر الله عز وجل. أما الخليل الثاني الذي قال: ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فهو النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه، حين رجعوا من أحد، قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم، يريدون إن يأتوا إلى المدينة ويقضوا عليكم فقالوا: ( حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ). قال الله تعالى: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)(آل عمران:174)


    فينبغي لكل إنسان راء من الناس جمعا له، أو عدوانا عليه، إن يقول: (( حسبنا الله ونعم الوكيل)) فإذا قال هكذا كفاه الله شرهم، كما كفي إبراهيم ومحمدا عليهما الصلاة والسلام، فجعل هذه الكلمة دائما علي بالك، إذا رأيت من الناس عدوانا عليك فقل: (( حسبي الله ونعم الوكيل)) يكفك الله عز وجل شرهم وهمهم.
    والله الموفق.



    79_ السادس عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول اله صلي الله عليه وسلم يقول: (( لو إنكم تتوكلون علي الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدوا خماصا وتروح بطانا))([6] )رواه الترمذي، وقال: (( حديث حسن)).

    معناه: تذهب أول النهار خماصا: أي: ضامرة البطون من الجوع

    وترجع آخر النهار بطانا: أي: ممتلئة البطون.

    الشرح

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام حاثا أمته علي التوكل(( لو إنكم تتوكلون علي الله حق توكله)) أي: توكلا حقيقيا، تعتمدون علي الله _ عز وجل _ اعتمادا تاما في طلب رزقكم وفي غيره (( لرزقكم كما يرزق الطير)) الطير رزقها علي الله عز وجل، لانها طيور ليس لها مالك، فتطير في الجو، وتغدوا إلى أوكارها، وتستجلب رزق الله عز وجل. (( تغدوا خماصا)) تغدوا: أي تذهب أول النهار، لان الغدوة هي أول النهار. وخماصا يعني: جائعة كما قال الله تعالى

    ( فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المائدة: من الآية3مخمصة: يعني مجاعة. (( تغدوا خماصا)) يعني جائعة: ليس في بطونها شئ، لكنها متوكلة علي ربها عز وجل.

    (( وتروح)) أي ترجع في آخر النهار، لان الرواح هو آخر النهار.
    (( بطانا)) أي ممتلئة البطون، من رزق الله عز وجل. ففي هذا دليل علي مسائل:
    أولا: انه ينبغي للإنسان إن يعتمد علي الله_ تعالى_ حق الاعتماد.

    ثانيا: انه ما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها، حتى الطير في جو السماء، لا يمسكه في جو السماء إلا الله، ولا يرزقه إلا الله عز وجل. كل دابة في الأرض، من اصغر ما يكون كالذر، أو اكبر ما يكون، كالفيلة وأشباهها، فان علي الله رزقها، كما قال الله:

    (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا )(هود: من الآية6)، ولقد ضل ضلالا مبينا من أساء الظن بربه، فقال لا تكثروا الأولاد، تضيق عليكم الأرزاق! كذبوا ورب العرش، فإذا اكثروا من الأولاد اكثر الله في رزقهم،

    لأنه ما من دابة علي الأرض إلا علي الله رزقها، فرزق أولادك وأطفالك علي الله عز وجل، هو الذي يفتح لك أبواب الرزق من اجل إن تنفق عليهم، لكن كثير من الناس عندهم سوء ظن بالله، ويعتمدون علي الأمور المادية المنظورة، ولا ينظرون إلى المدى البعيد، والي قدرة الله عز وجل،

    وانه هو الذي يرزق ولو كثر الأولاد. اكثر من الأولاد تكثر لك الأرزاق، هذا هو الصحيح. وفي هذا دليل_ أيضا_ علي إن الإنسان إذا توكل علي الله حق التوكل فليفعل الأسباب.

    ولقد ضل من قال لا افعل السبب، وأنا متوكل، فهذا غير صحيح،
    المتوكل: هو الذي يفعل الأسباب متوكلا علي الله عز وجل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (( كما يرزق الطير تغدوا خماصا)) تذهب لتطلب الرزق، ليست الطيور تبقي في أوكارها، لكنها تغدوا وتطلب الرزق.

    فأنت إذا توكلت علي الله حق التوكل، فلا بد إن تفعل الأسباب التي شرعها الله لك من طلب الرزق من وجه حلال بالزراعة، أو التجارة، بأي شئ من أسباب الرزق،
    اطلب الرزق معتمدا علي الله، ييسر الله لك الرزق.

    ومن فوائد هذا الحديث: إن الطيور وغيرها من مخلوقات الله تعرف الله، كما قال الله تعالى:

    )تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(الإسراء: من الآية44)
    يعني: ما من شئ إلا يسبح بحمد الله )( وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ).



    80_ السابع: عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (( يا فلان، إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، والجات ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجي منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، فانك إن مت من ليلتك مت علي الفطرة، وان أصبحت أصبت خيرا))([7]) متفق عليه

    وفي رواية في الصحيحين([8]) عن البراء قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم(( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضؤك للصلاة، ثم اضطجع علي شقك الأيمن وقل: وذكر نحوه، ثم قال: واجعلهن آخر ما تقول)).

    الشرح

    وفي حديث البراء ابن عازب رضي الله عنهما، حيث أوصاه النبي صلي الله عليه وسلم إن يقول إذا أوى إلى فراشه، هذا الذكر، الذي يتضمن تفويض الإنسان أمره إلى ربه، وانه معتمد علي الله في ظاهره وباطنه، مفوض أمره إليه.
    وفيه إن النبي صلي الله عليه وسلم أمره إن يضجع إلى الجنب الأيمن، لان ذلك هو الأفضل، وقد ذكر الأطباء إن النوم علي الجنب الأيمن افضل للبدن، واصح من النوم علي الجنب الأيسر. وذكر أيضا بعض أرباب السلوك والاستقامة، انه اقرب في استيقاظ الإنسان،

    لان بالنوم علي الجنب الأيسر ينام القلب، ولا يستيقظ بسرعة، بخلاف النوم علي الجنب الأيمن، فانه يبقي القلب متعلقا، ويكون اقل عمقا في منامه فيستيقظ بسرعة.

    وفي هذا الحديث: إن النبي صلي الله عليه وسلم أمره إن يجعلهن آخر ما يقول، مع إن هناك ذكرا بل أذكار عند النوم تقال غير هذه، مثلا: التسبيح و التحميد، والتكبير، فانه ينبغي للإنسان إذا نام علي فراشه إن يقول: سبحان الله ثلاث وثلاثين، والحمد لله ثلاث وثلاثين، والله اكبر أربع وثلاثين،


    الشاهد من هذا الحديث قوله: (( وفوضت أمري إليك)) وقوله: (( لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك)) فان التوكل: تفويض الإنسان أمره إلى ربه، وانه لا يلجا ولا يطلب منجى من الله إلا إلى الله عز وجل،
    لأنه إذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له، فإذا أراد الله بالإنسان شيئا فلا مرد له إلا الله عز وجل، يعني: إلا إن يلجا إلى ربك_ سبحانه وتعالى_ بالرجوع إليه.
    والله الموفق.



    81_ الثامن: عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي رضي الله عنه_ وهو وأبوه وأمه صحابة، رضي الله عنهم_ قال: نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم علي رؤوسنا فقلت: يا رسول الله لو إن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال: (( ما أظنك يا أبا بكر باثنين علي الله ثالثهما))([9]) متفق عليه.

    الشرح


    قوله: (( ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما)) أي: ما ظنك، هل أحد يقدر عليهما أو ينالهما بسوء؟
    وهذه القصة كانت حينما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة،
    وذلك إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لما جهر بالدعوة، ودعا الناس، وتبعوه، وخاف المشركون، وقاموا ضد دعوته، وضايقوه، أذوه بالقول وبالفعل،


    فأذن الله له بالهجرة من مكة إلى المدينة ولم يصحبه إلا أبو بكر رضي الله عنه، والدليل، والخادم، فهاجر بأمر الله، وصحبه أبو بكر رضي الله عنه.
    ولما سمع المشركون بخروجه من مكة، جعلوا لمن جاء به مائتي بعير، ولمن جاء بابي بكر مائة بعير،

    حتى وقف المشركون علي الغار الذي فيه النبي صلي الله عليه وسلم وأبو بكر، وهو غار ثور الذي اختفيا فيه ثلاث ليال،
    فقال آبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدميه لأبصرنا، لأننا في الغار تحته، فقال: (( ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) وفي كتاب الله انه قال:

    (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )(التوبة: من الآية40)،

    فهل أحد يقدر عليهما بأذية أو غير ذلك؟ والجواب: لا أحد يقدر، لأنه لا مانع لما أعطى الله ولا معطي لما منع، ولا مذل لمن اعز ولا معز لمن أذل:

    وفي هذه القصة: دليل علي كمال توكل النبي صلي الله عليه وسلم علي ربه، وانه معتمد عليه، ومفوض إليه أمره، وهذا هو الشاهد من وضع هذا الحديث في باب اليقين والتوكل.


    وفيه دليل علي أن قصة نسج العنكبوت غير صحيحة، فما يوجد في بعض التواريخ، أن العنكبوت نسجت علي باب الغار، وانه نبت فيه شجرة، وانه كان علي غصنها حمامة، وان المشركين لما جاءوا إلي الغار قالوا هذا ليس فيه أحد، فهذه الحمامة علي غصن شجرة علي بابه، وهذه العنكبوت قد عششت علي بابه، كل هذا لا صحة له،

    لان الذي منع المشركين من رؤية النبي صلي الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر ليست أمورا حسية_ تكون لها ولغيرها_ بل هي أمور معنوية، وآية من آيات الله عز وجل، حجب الله أبصار المشركين عن رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبه آبي بكر رضي الله عنه، أما لو كان أمور حسية، مثل العنكبوت التي نسجت، والحمامة، والشجرة، فكلها أمور حسية، كل يختفي بها عن غيره، لكن الأمر آية من آيات الله عز وجل،

    83_ العاشر: عن انس رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلي الله عليه وسلم: (( من قال_ يعني إذا خرج من بيته_ بسم الله توكلت علي الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هديت وكفيت ووقيت، وتنحي عنه الشيطان))([11]) رواه أبو داود والترمذي، والنسائي وغيرهم. وقال الترمذي: حديث حسن، زاد أبو داود: (( فيقول: _يعني الشيطان _ لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟ )).

    الشرح

    الشاهد من هذا الحديث قوله:

    (( بسم الله توكلت علي الله)) فان في هذا دليلا علي أن الإنسان ينبغي له إذا خرج من بيته، أن يقول هذا الذكر، الذي منه التوكل علي الله والاعتصام به،
    لان الإنسان إذا خرج من بيته فهو عرضة لان يصيبه شئ، أو يعتدي عليه حيوان، من عقرب أو حية أو ما أشبه ذلك،

    وقوله: (( اللهم أني أعوذ بك أن أضل)) أي: أضل في نفسي (( أو أضل)) أي: يضلني أحد. (( أو أزل)) من الزلل: وهو الخطأ.

    (( أو أزل)) أي: أحد يتوصل لفعل الخطأ يصدر مني.
    (( أو اظلم)) او اظلم غيري. (( أو اظلم)) يظلمني غيري.
    (( أو اجهل)) اسفه. (( أو يجهل علي)) يسفه علي أحد، ويعتدي علي أحد.

    فهذا الذكر ينبغي أن يقوله الإنسان إذا خرج من بيته، لما فيه من اللجوء إلي الله سبحانه وتعالى والاعتصام به.

    والله والموفق.




    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 004K052GD-4

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس السادس عشر ( الإستقامة) شرح كتاب رياض الصالحين

    مُساهمة من طرف حبيبه السبت 19 ديسمبر 2009, 11:43 am

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 20hk4


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Image120


    8- باب الاستقامة



    قال الله تعالى (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)(هود: من الآية1121)،

    وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا

    تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون)َ(30) (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي

    الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)(31) )نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(فصلت:32،30)،


    وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)(13) (أُولَئِكَ أَصْحَابُ

    الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأحقاف:41،13).

    الشرح


    الاستقامة: هي أن يثبت الإنسان علي شريعة الله_ سبحانه وتعالى_ كما أمر الله، ويتقدمها الإخلاص لله عز وجل.


    ثم ذكر المؤلف عدة آيات في هذا، فذكر قول الله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) الخطاب هنا للنبي صلي الله

    عليه وسلم يكون له ولامته، إلا إذا قام دليل علي انه خاص به قوله تعالى:


    (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(1) (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ)(2) (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ)(الشرح:1_3)، فان هذا خاص بالنبي صلي الله عليه وسلم.


    ومثل قوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)(الحجر:87)، هذا أيضا خاص بالرسول صلي الله عليه وسلم. وأما إذا لم يقل الدليل علي أن الخطاب للخصوصية، فهو له ولامته،


    وعلي هذه القاعدة يكون قوله (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) عاما له ولامته، كل واحد يجب عليه أن يستقيم كما أمر، فلا يبدل في دين الله، ولا يزيد فيه ولا ينقص،






    ولهذا قال في آية أخرى ( وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ )(الشورى: من الآية15).


    الآية الثانية قوله تعالى) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا )(فصلت: من الآية30). (رَبُّنَا اللَّهُ)


    أي: خالقنا ومالكنا ومدبر أمورنا، فنحن نخلص له، ( ثُمَّ اسْتَقَامُوا) علي ذلك، علي قولهم ربنا الله، فقاموا بشريعة الله. هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين:


    ( قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ) ( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ ) ملكا بعد ملك
    (أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا ) لا تخافوا: فيما تستقبلون من أموركم، ولا تحزنوا علي ما مضي من أموركم،


    ( وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) لان كل من قال ربي الله، واستقام علي دين الله، فانه من أهل الجنة، ويقولن لهم أيضا:

    (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا،

    تسددهم وتساعدهم وتعينهم، وكذلك في الآخرة تتلقاهم الملائكة يوم البعث والحساب


    ( هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)(الأنبياء: من الآية103) فيبشروهم بالخير في مقام الخوف والشدة.

    قال الله عز وجل ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)(فصلت: من الآية31) (óلَكُمْ فِيهَا ) أي:في الآخرة ما تشتهي أنفسكم، وذلك في نعيم الجنة، لان الجنة فيه ما


    تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين. ( وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)(فصلت: من الآية31) أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك:


    (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)(قّ:35)، لهم زيادة علي ما يدعونه ويطلبونه ويتمنونه. (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)(فصلت:32) يعني: أن الجنة نزل لهم وضيافة من غفور رحيم.


    ( غَفُورٍ ) غفر لهم سيئاتهم( رَحِيمٍ) بهم، رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربنا الله ثم يستقيمون. وفي هذا دليل علي أهمية الاستقامة علي دين الله، بان يكون الإنسان ثابتا

    لا يزيد، ولا ينقص، ولا يبدل، ولا يغير، فأما من غلا في دين الله، أو جفا عنه، أو بدل فانه


    لم يكن مستقيما علي شريعة الله عز وجل، والاستقامة لا بد لها من الاعتدال في كل شئ، حتى يكون الإنسان مستقيما علي شريعة الله عز وجل.


    85_ وعن آبي عمرو، وقيل: آبي عمرة سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلت: يا

    رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحد غيرك؟ قال: (( قل: آمنت بالله، ثم استقم))([1]) رواه مسلم.

    الشرح


    قوله: (( قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا غيرك)) أي: قل لي قولا لا اسأل عنه أحدا غيرك، فيكون فصلا وحاسما، ولا يحتاج إلي سؤال أحد، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم (( قل: آمنت بالله ثم استقم)).


    فقوله عليه الصلاة والسلام: (( قل: آمنت)) ليس المراد بذلك مجرد القول باللسان، فان من الناس من يقول: آمنت بالله واليوم الآخر، وما هم بمؤمنين. ولكن المراد بذلك قول القلب


    واللسان أيضا. أي: أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يقر ذلك في قلبه، ويعتقده اعتقادا جازما لا شك فيه،


    لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب، ولا الإيمان باللسان، لا بد من الإيمان بالقلب واللسان،
    ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام_ يقول وهو يدعو الناس إلي الإسلام _ يقول:

    (( يا أيها الناس قولوا لا اله إلا الله تفلحوا))([2]) فقال: (( قولوا)) أي: بألسنتكم. كما انه لا بد من القول بالقلب.


    وقوله: (( آمنت بالله)) يشمل الإيمان بوجود الله عز وجل، وبربوبيته، وبألوهيته، وبأسمائه وبصفاته، وبأحكامه، وبأخباره، وكل ما يأتي من قبله_ عز وجل_ تؤمن به، فإذا


    آمنت بذلك فاستقم علي دين الله، ولا تحد عنه يمينا ولا شمالا، لا تقصر ولا تزد. فاستقم علي الدين، واستقم علي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله،



    وذلك بالإخلاص لله عز وجل، والمتابعة لرسول الله صلي الله عليه وسلم، واستقم علي الصلاة، وعلي الزكاة، والصيام والحج، وعلي جميع شريعة الله. وقوله (( قل آمنت بالله ثم)) دليل علي أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان،


    وان من شرط الأعمال الصالحة، أي: من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنية علي

    الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره علي ما ينبغي، ولكن باطنه خراب، وفي شك، أو في اضطراب، أو في إنكار وتكذيب، فان ذلك لا ينفعه،


    ولهذا اتفق العلماء_ رحمهم الله_ علي أن من شروط صحة العبادة وقبولها، أن يكون الإنسان مؤمنا بالله، أي: معترفا به، وبجميع ما جاء من قبله تبارك وتعالى.


    ويستفاد من هذا الحديث: انه ينبغي للإنسان_ إذا قام بعمل_ أن يشعر بأنه قام به لله، وانه يقوم به بالله، وانه يقوم به في الله،


    لأنه لا يستقيم علي دين الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل. فيشعر بأنه يقوم به لله، أي مخلصا، وبالله، أي مستعينا، وفي الله، أي متبعا لشرعه

    والله الموفق.




    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 464029



    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27




    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty رد: دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه

    مُساهمة من طرف حبيبه السبت 19 ديسمبر 2009, 11:46 am

    86_ وعن أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: (( قاربوا

    وسددوا، واعلموا انه لن ينجو أحد منكم بعمله)) قالوا: و لا انت يا رسول الله؟قال: ((و لا

    انا الا ان يتغمدني الله برحمة منه و فضل))([3]) رواه مسلم.


    و(( المقاربة)) القصد الذي لا غلو فيه ولا تقصير. و(( السداد)): الاستقامة والإصابة،
    و(( يتغمدني)) يلبسني ويسترني.


    قال العلماء: معني الاستقامة: لزوم طاعة الله تعالى، قالوا: وهي من جوامع الكلم، وهي نظام الأمور، وبالله التوفيق.

    الشرح

    هذا الحديث يدل علي أن الاستقامة علي حسب الاستطاعة، وهو قول النبي صلي الله عليه وسلم(( قاربوا وسددوا)) أي: سددوا علي الإصابة،


    أي: احرصوا علي أن تكون أعمالكم مصيبة للحق بقدر المستطاع، وذلك لان الإنسان مهما بلغ من التقوى، فانه لابد أن يخطئ، كما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال

    (( كل بني آدم خطاء، وخير الخطاءين التوابون))([4]) ، وقال عليه والصلاة السلام:


    (( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))([5]) فالإنسان مأمور أن يقارب ويسدد بقدر ما يستطيع. ثم قال عليه الصلاة والسلام:


    (( واعلموا انه لا ينجوا أحد منكم بعمله)) أي: لن ينجوا من النار بعمله. وذلك لان العمل لا يبلغ ما يجب لله_ عز وجل_ من الشكر، وما يجب له علي عباده من الحقوق،


    ولكن يتغمد الله_ سبحانه وتعالى_ العبد برحمته فيغفر له. فلما قال: (( لن ينجوا أحد منكم بعمله)) قالوا له: ولا أنت؟! قال (( ولا أنا)) (( إلا أن يتغمدني الله برحمة منه)). فدل ذلك


    علي أن الإنسان مهما بلغ من المرتبة والولاية، فانه لن ينجو بعمله،
    حتى النبي عليه الصلاة والسلام، لولا أن الله من عليه بان غفر له ذنبه ما تقدم منه وما تأخر، ما أنجاه عمله.


    فان قال قائل: هناك نصوص من الكتاب والسنة تدل علي أن العمل الصالح ينجي من النار

    ويدخل الجنة، مثل قوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(النحل:97)،


    فكيف يجمع بين هذا وبين الحديث السابق؟
    والجواب عن ذلك: أن يقال: يجمع بينهما بان المنفي دخول الإنسان الجنة بالعمل في المقابلة،

    أما المثبت: فهو أن العمل سبب وليس عوضا. فالعمل_ لا شك_ انه سبب لدخول الجنة والنجاة من النار،


    ولكن فضل الله ورحمته هما السبب في دخول الجنة وهما اللذان يوصلان الإنسان إلى الجنة وينجيانه من النار.

    وفي هذا الحديث من الفوائد:أن الإنسان لا يعجب بعمله، مهما عملت من الأعمال الصالحة لا تعجب بعملك، فعملك قليل بالنسبة لحق الله عليك.


    وفيه أيضا من الفوائد: انه ينبغي علي الإنسان أن يكثر من ذكر الله دائما: (( اللهم تغمدني برحمة منك وفضل)) لان عملك لن يوصلك إلي مرضاة الله،


    وفي دليل علي حرص الصحابة_ رضي الله عنهم_ علي العلم، ولهذا لما قال: (( لن ينجوا أحد منكم بعمله)) استفصلوا، هل هذا العموم شامل له أم لا؟ فبين لهم صلي الله عليه وسلم انه شامل له.


    و من تدبر أحوال الصحابة_ رضي الله عنهم_ مع النبي صلى الله عليه و سلم. وجد انهم

    احرص الناس على العلم، و انهم لا يتركون شئيا يحتاجون إليه في أمور دينهم و دنياهم إلا ابتدروه و سألوا عنه.


    والله الموفق




    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 464029



    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 27
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه Empty الدرس السابع عشر( باب المبادرة إلى الخيرات ) شرح كتاب رياض الصالحين 0

    مُساهمة من طرف حبيبه الأحد 14 مارس 2010, 1:25 pm

    دورة شرح رياض الصالحين للأستاذة \ حبيبه 100978_1210451651


    10ـ باب المبادرة إلى الخيرات




    وحث من توجه لخير على الإقبال عليه بالجد من غير تردد .

    قال الله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) (البقرة: 148)


    وقال تعالى ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران : 133) .
    الشرح

    المبادرة ، وضد المبادرة التواني والكسل ، وكم من إنسان توانى وكسل ؛ ففاته خير كثير ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير . احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ) .

    فالإنسان ينبغي له أن يسارع في الخيرات ، كل ذكر له شيء من الخير بادر إليه ،
    لأن الإنسان لا يدري ، فربما يتوانى في الشيء ولا يقدر عليه بعد ذلك ،
    إما بموت ، أو مرض ، أو فوات ، أو غير هذا ،

    وقد جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ( إذا أراد أحدكم الحج فليتعجل ؛ فإنه قد يمرض المريض ، وتضل الراحلة ، وتعرض الحاجة ) .

    فقد يعرض له شيءٌ يمنعه من الفعل . فسارع إلى الخير ولا تتوانى .
    ثم ذكر المؤلف قول الله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات ِ) واستبقوها : يعني اسبقوا إليها ، فالاستباق معناه : أن الإنسان يسبق إلي الخير ، ويكون من أول الناس في الخير

    ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أقواماً في مؤخرة المسجد ؛ لم يسبقوا ولم يتقدموا ، فقال ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله عز وجل ). فانتهز الفرصة واسبق إلى الخير .

    وقال تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ... ) (آل عمران :133،134)

    .قال: سارعوا إلى المغفرة والجنة .
    أما المسارعة إلى المغفرة : فأن يسارع الإنسان إلى ما فيه مغفرة الذنوب ؛ من الاستغفار ، كقول : أستغفر الله ، وما أشبه ذلك ،

    وكذلك أيضاً : الإسراع إلى ما فيه المغفرة ، مثل الوضوء ، والصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، فإن الإنسان إذا توضأ ، فأسبغ الوضوء ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ؛

    فإنه تفتح له أبواب الجنة الثمانية ؛ ويدخل من أيها شاء ، وكذلك إذا توضأ ؛ فإن خطاياه تخرج من أعضاء وضوئه ؛ مع آخر قطرة من قطر الماء ، فهذه من أسباب المغفرة .


    الأمر الثاني ( وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ) ، وهذا يكون بفعل المأمورات ، أي : أن تسارع للجنة بالعمل لها ، ولا عمل للجنة إلا العمل الصالح ، هذا هو الذي يكون سبباً لدخول الجنة ، فسارع إليه .


    الحديث القدسي ( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ) .

    ومن هم المتقون ؟

    هؤلاء هم المتقون (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ )

    يعني : يبذلون أموالهم (فِي السَّرَّاءِ ) يعني في حال الرخاء ، وكثرة المال ، والسرور ، والانبساط ،

    (وَالضَّرَّاءِ ) يعني في حال ضيق العيش والانقباض .
    ولكن ؛ لم يبين الله ـ سبحانه وتعالى ـ هنا مقدار ، ولكنه بينه في آيات كثيرة ، فقال تعالى ( وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة: 219) .


    العفو : يعني ما زاد عن حاجاتكم وضروراتكم فأنفقوه ،


    (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) أي : الذين إذا اغتاظوا ـ أي اشتد غضبهم ـ كظموا غيظهم ، ولم ينفذوه ، وصبروا على هذا الكظم ، وهذا الكظم من أشد ما يكون على النفس ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) .

    الصرعة : يعني يصرع الناس ، أي: يغلبهم في المصارعة ، فليس هذا هو الشديد ، ولكن الشديد : هو الذي يملك نفسه عند الغضب ؛

    ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) يعني الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم ، فإن من عفا وأصلح فأجره على الله ، وقد أطلق الله العفو هنا ، ولكنه بين في قوله تعالى ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) (الشورى:40)

    أن العفو لا يكون خيراً إلا إذا كان فيه إصلاح ، فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله ، فالأفضل ألا تعفو عنه ، وأن تأخذ بحقك ؛ لأنك إذا عفوت ازداد شره ، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ ، قليل العدوان ، لكن الأمر حصل على سبيل الندرة ، فهنا الأفضل أن تعفو ،

    (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) محبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ للعبد هي غاية كل إنسان ؛ فكل إنسان مؤمن غايته أن يحبه الله عز وجل ، وهي المقصود لكل مؤمن ؛ لقول الله تعالى ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ) (آل عمران:31) ،


    وأما المحسنون في قوله (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) فالمراد بهم المحسنون في عبادة الله ، والمحسنون إلى عباد الله .

    والمحسنون في عبادة الله ؛ بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرتبتهم في قوله حين سأله جبريل عن الإحسان فقال ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك )(13) يعني : أن تعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ كأنك ترى ربك ، فإن لم تفعل ؛ فاعلم أن الله يراك ، فاعبده خوفاً وخشية ، وهذه المرتبة دون المرتبة الأولى .

    فالمرتبة الأولى : أن تعبد الله طلباً ومحبة وشوقاً .
    والثانية : أن تعبده هرباً وخوفاً وخشية .

    أما الإحسان إلى عباد الله : فأن تعاملهم بما هو أحسن ؛ في الكلام ، والأفعال ، والبذل، وكف الأذى ، وغير ذلك ، حتى في القول ؛ فإنك تعاملهم بالأحسن ، قال الله تعالى ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) (النساء:86) ،



    ومن الإحسان : أنك إذا رأيت أخاك على ذنب ؛ أن تبين له ذلك وتنهاه عنه ؛ لأن هذا من أعظم الإحسان إليه ،
    قال النبي عليه الصلاة والسلام ( أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )

    (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ) الفاحشة : ما يستفحش من الذنوب ، وهي كبائر الذنوب ، مثل الزنا ، شرب الخمر ، وقتل النفس وما أشبهها ، كل مل يستفحش فهو فاحشة (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ )

    بما دون الفاحشة من المعاصي الصغار (ذَكَرُوا اللَّهَ ) أي : ذكروا عظمته وذكروا عقابه ، ثم ذكروا أيضاً رحمته وقبوله للتوبة وثوابها .
    فهم يذكرون الله من حيث العظمة ، والعقوبة ، والسلطان العظيم ،

    فيوجلون ويخجلون ومن حيث الرحمة وقبول التوبة ، فيرغبون في التوبة ويستغفرون الله ؛ ولهذا قال ( ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم )
    ومن أفضل ما يستغفر به سيد الاستغفار

    ( اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك علي ، وأبوء بذنبي فأغفر لي ، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ).

    قال الله تعالى ( ومن يغفر الذنوب إلا الله ) يعني : لا أحد يغفر الذنوب إلا الله عز وجل لو أن الأمة كلها من أولها إلى آخرها ، والجنة والملائكة اجتمعوا على أن يغفروا لك ذنباً واحداً ما غفروه

    قال تعالى ( وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون َ) يعني : لم يستمروا على معاصيهم وظلمهم ؛ وهم يعلمون أنها معاصي وظلم ، وفي هذا دليل على أن الإصرار مع العلم أمره عظيم ، حتى في صغائر الذنوب ؛

    ولهذا ذهب كثير من العلماء إلى أن الإنسان إذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة .

    ومن ذلك ما يفعله جهلة الناس اليوم من حلق اللحية ، تجدهم يحلقون اللحية ويصرون على ذلك ، ولا يرونها إلا زينة وجمالاً ، والحقيقة أنها شين ، وأنها قبح ؛ لأن كل شيء ينتج عن المعصية فلا خير فيه ، بل هو قبح ،


    قال الله تعالى ( أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) .





    اللهم اجعلنا من هؤلاء العاملين واجعل جزاءنا ذلك يا رب العالمين .


      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 07 مايو 2024, 6:28 am