من طرف لـؤلـؤة إيمانية الأربعاء 04 فبراير 2009, 3:19 am
نكمل .........
أول ليلة في القبر .
أتي بأحد الصالحين وهو في سكرات الموت لدغته حية .
وكان في سفر ، نسي أن يودع أمه وأباه وأطفاله وإخوانه ، فقال قصيدة يلفظها مع أنفاسه هي أم المراثي العربية في الشعر العربي . يقول وهو يزحف إلى القبر :
فلله دري يوم أترك طائعا
بني بأعلى الرقمتين وداريا
يقول لا تبعد وهم يدفنونني
وأين مكان البعد إلا مكانيا
يقول : كيف أفارق أطفالى في لحظة ؟
لماذا لا أستأذن أبوي ؟
أهكذا تختلس الحياة ، أهكذا أذهب ؟
أهكذا أفقد كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة ؟
ويقول عن نفسه :
يقول لي أصحابي والذين يتولون دفني ، لا تبعد أي أبعدك الله .
وأين مكان البعد إلا هذا المكان ؟
وأين الوحشة إلا هذا المنقلب ؟
وأين المكان المظلم إلا هذا المكان ؟
فهل تصور متصور هذا ؟
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعلى أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) .
كلا ، الآن تراجع حساب ، الآن تتوب ، الآن تنتهي عن المعاصي .
يا مدبرا عن المساجد ما عرفت الصلاة .
يا معرضا عن القرآن ، يا متهتكا في حدود الله .
يا نشئا في معاصي الله .
يا مقتحما لأسوار حرمها الله .
الآن تتوب ، أين أنت قبل ذلك ؟
أول ليلة في القبر .
قال مؤرخو الإسلام :
مات الحسن ابن الحسين من أولاد على ابن ابي طالب رضي الله عنه وأرضاه .
كان عنده زوجة وأطفال وكان في الشباب .
والموت لا يستأذن شابا ولا غنيا ولا فقيرا ولا أميرا ولا ملكا ولا وزيرا ولا سلطان .
الموت يقصم الظهور ويخرج الناس الدور وينزلهم من القصور ويسكنهم القبور بلا استئذان .
الحسن ابن الحسين مات فجأة ، نقلوه إلى المقبرة .
فوجدت عليه امرأته وحزنت حزنا لا يعلمه إلا الله .
أخذت أطفالها وضربت خيمة حول القبر .
( وهذا ليس من عمل الإسلام ولولا أن مؤرخو الإسلام ذكروه ما ذكرته ) .
ضربت خيمة حول القبر وأقسمت بالله لتبكيا هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة .
هلع عظيم وحزن بائس .
وبقيت تبكي فلما وفت سنة أخذت إطناب الخيمة وحملتها وأخذت أطفالها في الليل .
فسمعت هاتفا يقول لصاحبه في الليل :
هل وجدوا ما فقدوا ؟ هل وجدوا ما فقدوا ؟
فرد عليه هاتف آخر قال :
لا ، بل يئسوا فانقلبوا .
ما وجدوا ما فقدوا ، ما وجدوا ضيعتهم ، ولا وديعتهم :
كنز بحلاون عند الله نطلبه
خير الودائع من خير المؤدينا
قال : لا بل يئسوا فانقلبوا .
ما كلمهم من القبر ، ما خرج إليهم ولو في ليلة واحدة ، ما قبل أطفاله ، ما رأى فتاته ، لا .
ولذلك هذه أول ليلة ولكن لها ليالى أخرى إذا أحسن العمل .
قل الله ، جل الله :
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) .
أتي أبو العتاهية يقول لسلطان من السلاطين غرته قصوره ، وما تذكر أول ليلة ينزل فيها إلى القبر .
ونحن نقول لكل عظيم ولكل متكبر ، متجبر أما تذكر أول ليلة ؟
هذا السلطان بنى قصورا في بغداد ، فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور يقول له :
عش ما بدأ لك سالما في ظل شاهقة القصور .
عش ما بدا لك سالما عش ألف سنة ، عش مليون سنة سالما معافا مشافا .
يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور .
ما تريد من طعام ، ما تريد من شراب هو عندك ، ولكن اسمع ماذا يقول :
فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور
فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور
فبكى السلطان حتى أغمي عليه : فهناك تعلم موقنا ما كنت إلا في غرور .
أول ليلة في القبر .
وأنا أطالب نفسي وإياكم آيا معاشر المسلمين أن نهيئ لنا نورا في القبور أول ليلة .
ووالله لا ينور لنا القبر إلا العمل الصالح بعد الإيمان .
لنقدم لنا ما يؤنسنا في القبر يوم ننقطع عن الأهل ، والمال ، الولد والأصحاب .
خرج عليه الصلاة والسلام إلى تبوك :
وفي ليلة من الليالي نام هو والصحابة ، وكانوا في غزوة في سبيل الله .
قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه :
قمت آخر الليل فنظرت إلى فراش الرسول صلى الله عليه وسلم فلم أجده في فراشه . فوضعت كفي على فراشه فإذا هو بارد .
وذهبت إلى فراش أبي بكر فلم أجده على فراشه .
فالتفت إلى فراش عمر فما وجدته .
قال : وإذا بنور في أخر المخيم وفي طرف المعسكر ، فذهبت إلى ذلك النور ونظرت .
فإذا قبر محفور ، والرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل في القبر .
وإذا جنازة معروضة ، وإذا ميت قد سجي في الأكفان .
وابو بكر وعمر حول الجنازة، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمر (( دليا لي صاحبكما)).
فلما أنزلاه ، نزله صلي الله عليه وسلم في القبر، ثم دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ثم التفت إلى القبلة ورفع يديه وقال:
(( اللهم إني امسيت عنه راض فأرض عنه))، (( اللهم إني أمسيت عنه راض فأرض عنه)).
قال: قلت من هذا؟
قالوا : هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أول الليل.
قال ابن مسعود: فوددت والله أني أنا الميت : (( اللهم إني أمسيت عنه راض فأرض عنه)).
وإذا رضي الله عن العبد أسعده.