أخطاء في تربية الأبناء
تربية الأولاد من المسؤوليات العظيمة التي سوف يسأل عنها الإنسان يوم القيامة ، ولقد أمرنا الله تعالى بأن نقي أنفسنا وأهلينا من المخاطر والمهالك ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.
وقال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : \" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْىَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ\". أَخْرَجَهُ أحمد 2/121(6026) و\"البُخَارِي\" 2/6 و4/6(2751) و\"مسلم\" 6/8(4755) .
وقال : \" كَفَى بِالْمَرْءَ إِثْمًا ، أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ\". رواه أحمد\" 2/160(6495) قال الأرنؤوط : صحيح لغيره وهذا إسناد حسن.
وتربية الأولاد علم له أصوله وقواعده، والأخطاء في التربية تكون لها نتائجها الوخيمة والسيئة على الفرد والمجتمع؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
قال الشاعر :
قَدْ يَنْفَعُ الأَدَبُ الأَحْدَاثَ في مَهَلٍ ... وَلَيْسَ يَنْفَعُ بَعْدَ الكَبْرَةِ الأَدَبُ
إِنَّ الغُصُونَ إِذا قَوَّمْتَهَا اعْتَدَلَتْ ... وَلَنْ تَلِينَ إِذَا قَوَّمْتَها الَخشُبُ
وقال عبد الملك بن مروان لاعب ولدك سبعاً وأدبه سبعاً واستصحبه سبعاً فإن أفلح فألق حبله على غاربه
ولا عبرة بقول من قال:
قولاً لمن ينصح ابناً له ... يردّد القول لتهذيبه
ضيع الوقت بلا طائل ... فيكثر القول ويهزي به
له إلى اللّه وتدبيره ... ثم إلى الدهر وتجريبه
فإنما الأقدار لا بدّ أن ... تأتي بما خط وتجري به
فهناك أخطاء كثيرة يقع فيها الآباء في تربية الأبناء ومنها:
1- انعدام الاتصال بين الآباء والأبناء :
كثير من الآباء لا يدركون أهمية التواصل والحوار مع الأبناء ، بل وينظرون إلى هذا الحوار وذاك التواصل على إنه ليس ذو قيمة ، متناسين أن ذلك قد يؤدي إلى تفكك العلاقات بين الأسرة الواحدة ، بل وإلى انتشار البغض والحقد بين أفرادها ، وقد يؤدي كذلك إلى انعدام الثقة بين أفراد الأسرة وانقطاع صلة الرحم في الكبر.
وإن عدم وجود الإذن الصاغية للطفل في المنزل ، تجعل منه فريسة سهلة لرفاق السوء لبحثه عن من يستمع له ويعبر عن قيمته وذاته ، والتنفيس عما بداخله .
والاتصال هنا يحتاج إلى وعي وإدراك ، فالحوار مع الكبير غير الحوار مع الصغير ، والحوار مع الولد غير الحوار مع البنت ، فهناك بعض الآباء يفرضون آراءهم بالقوة والقسر على أبنائهم ، متناسين أن لكل جيل ثقافته وفكره واحتياجاته ،
وما أجمل قول الإمام علي في ذلك :\" لا تقصروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم\" . لباب الآداب ، لأسامة بن منقذ 70 .
2- عدم مراعاة الفروق الفردية:
اقتضت حكمة الله تعالى أن يخلق الناس مختلفين في الميول والاتجاهات والأمزجة ، قال تعالى : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) سورة : هود.
ومن هنا فقد حث الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون ، قال ابن مسعود رضي الله عنه : \" ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة \" . رواه مسلم ( 1 / 9 ) .
فلإسلام قد أقر بالفروق الفردية بين الأشخاص والأفراد ، وإن كان هذا الكلام ينطبق على المجتمع المسلم كله فهو كذلك ينطبق على الأسرة المسلمة ، فعلى الوالدين أن يعلما أن هناك فروقاً فردية بين الأبناء ، فمنهم سريع الاستجابة ومنهم بطيء الاستجابة , ومنهم الهادئ ومنهم كثير الحركة , فلا يعامل الأبناء كلهم معاملة واحدة ولا يخاطبون بأسلوب واحد
قيل لأحد الحكماء : أي الأولاد أحب إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود . محاضرات الأدباء , للحموي 1/ 165.
3- عدم مراعاة المرحلة السنية للطفل:
على الوالدين أن يراعيا المراحل التي يمر بها ولدهما ؛ فلا يعاملان ولدهما معاملة واحدة منذ أن كان في مهد الطفولة حتى يتخرج من الجامعة، بل يعاملانه في كل مرحلة بما يصلح له. ويترتب على هذه المراحل: تقدير العقاب الذي يصلح للولد إذا أخطأ.
فالضرب مثلاً يصلح مع الصغير ويؤدبه، وقد يؤدب أحياناً بمجرد رفع الصوت عليه ونهره وتهديده. أما المراهق فمن أكثر ما يؤدبه الكلام العاطفي، كأن يقول له الأب أو الأم: يا ولدي أنت قد كبرت، أو أنا قد كبرت سني وأريدك أن تكون رجلاً لأزوجك وأرى أولادك قبل أن أموت. ونحو ذلك. أما الكبير فقد يفيد معه الهجر أحيانًا والغضب منه.
ومن هنا فقد جعل الإسلام الضرب للصغير إذا تهاون في الصلاة ، عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ ، وَإِذَا أَنْكَحَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ , أَوْ أَجِيرَهُ , فَلا يَنْظُرَنَّ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَوْرَتِهِ ، فَإِنَّ مَا أَسْفَلَ مِنْ سُرَّتِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ , مِنْ عَوْرَتِهِ .أخرجه أحمد 2/180(6689) و\"أبو داود\" 495 .
4- المقارنة بالغير :
من الأخطاء التي يقع فيها بعض الآباء في تربية الأولاد المقارنة بين الابن وبين غيره من الأولاد سواء من إخوته أو من غيرهم ,
فلا ننس أن لكل طفل قدرات ومهارات تختلف عن غيره ومقارنته بغيره قد تؤدى إلى إحباط الطفل, والى شعوره بالدونية , مما يخلق لديه نوعا من العنف لإثبات الذات ، بل إن مقارنته دائما بالآخرين قد يجعله يفقد الثقة بنفسه , مما يؤثر على تكوينه ويجعل منه إمعة لا يحسن إلا تقليد الآخرين في كل شيء .
فنفسية الطفل كذلك مثل نفسية الكبير يغضب ويتوتر حين تقارنه بأخيه الأسرع منه أو الأذكى منه أو الأهدأ منه ، إن مثل هذه المقارنة تخلق عند الطفل اضطراباً في نفسيته وضعفا في شخصيته لأنه قد يكون عاجزاً أو غير قادر على القيام بنفس ما يقوم به أخوه ولكنه بالتأكيد يستطيع القيام بشيء لا يستطيع أخوه القيام به لأنه لم يخلق نسخة عن أخيه فهو شخصية مستقلة ومن الخطأ مقارنته مع الآخرين.
قد هيَّأوكَ لأمرٍ لو فطنت له *** فاربأ بنفسِك أن ترعى مع الهَمَلِ
5- عدم العدل بين الأبناء:
عدم العدل بين الأولاد يؤدي إلى الغيرة ويوجد روح العداء بينهم ويكون سبباً للعقوق ، وسبب لكراهية بعضهم لبعض ، وكم من المآسي والأحزان التي تعج بها بعض البيوت نتيجة للظلم والتمييز ، والتفريق بين الأبناء ، وعدم العدل بينهم.
قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } (90) سورة النحل.
وقال:{ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (152) سورة الأنعام.
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما ، أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهوبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ، ثم بدا له ، فقالت : لا أرضى حتى تُشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي ، وأنا غلام فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله إن أم هذا ، بنت رواحة أعجبها أن أشهدك على الذي وهبت لابنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ قال : نعم ، فقال : \" أكلهم وهبت له مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : \" فلا تشهدني إذاً ، فإني لا أشهد على جور \" [ أخرجه مسلم ] .
وعند البخاري والنسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" فكل بنيك نحلت مثل الذي نحلت النعمان ؟ قال : لا ، قال : فأشهد على هذا غيري ، قال : \" أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : بلى ، قال فلا إذاً \" .
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" لا أشهد ، إني لا أشهد إلا على حق \" . وفي رواية عند البخاري : \" اعدلوا بين أولادكم في العطية \" ، وفي رواية أخرى أيضاً عند البخاري : \" أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ قال : لا ، قال : \" فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم \" قال : فرجع فرد عطيته .
وروى ابن أبي الدنيا بسنده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" اعدلوا بين أولادكم في النحل ، كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف \" [ حديث صحيح 1 172 ] .
و قال صلى الله عليه وسلم : \" اعدلوا بين أبنائكم ، اعدلوا بين أبنائكم \" [ أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والبيهقي وغيرهم بسند صحيح ، وصححه الألباني ] .
وقد يكون الظلم للبنت أكثر , بسبب رواسب الجاهلية عند البعض , فيحرم ابنته ن الميراث ويفاضل الذكور من أبنائه عليها ، وينسى قول النبي صلى الله عليه وسلم : \" من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها ـ يعني الذكر ـ أدخله الله الجنة \" [ أخرجه أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد ].
وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ضم ابناً له ، وكان يحبه ، فقال : يا فلان ، والله إني لأحبك ، وما أستطيع أن أوثرك على أخيك بلقمة .
يقول يزيد بن معاوية : أرسل أبي إلى الأحنف بن قيس ، فلما وصل إليه قال له : يا أبا بحر ، ما تقول في الولد : قال يا أمير المؤمنين : ثمار قلوبنا ، وعماد ظهورنا ، ونحن لهم أرض ذليلة ، وسماء ظليلة ، وبهم نصول على كل جليلة ، فإن طلبوا فأعطهم ، وإن غضبوا فأرضهم ، يمنحوك ودهم ، ويحبونك جهدهم ، ولا تكن عليهم ثقلاً ثقيلاً ، فيملوا حياتك ، ويودوا وفاتك ، ويكرهوا قربك ، فقال له معاوية : لله أنت يا أحنف ، لقد دخلت علي وأنا مملوء غضباً وغيظاً على يزيد ، فلما خرج الأحنف من عنده ، رضي عن يزيد وبعث إلى يزيد بمائتي ألف درهم ، ومائتي ثوب . [ إحياء علوم الدين 2/295 ] .