تقْديم محبَّة الله على غيره ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون ، عالمٌ جليل ألَّفَ كتاباً أوْدَعَ فيه بعض الفوائِد ، وهذه الفوائِدُ قيِّمَةٌ جداً ،
سأخْتارُ لكم في هذه الدروس إن شاء الله تعالى بعضاً من هذه الفوائِد ونعيشُ في معانيها لَعَلَّ الله سبحانه وتعالى ينْفَعُنا بها.
فالفائِدَةُ التي رُقِّمَت بالتاسَعة عشرة يقول فيها مُؤَلِّفُ الكتاب : من أعْجَب الأشْياء أنْ تعرِفَهُ ثمَّ لا تُحِبُّه ،
يقولون إنَّ في الدنيا عجائِبٌ ، وعجائِبُ الدنيا سبْعٌ لكنّ أعْجَبَ العجائِب ؛ أنْ تعْرِفَ أنَّ الله بِيَدِهِ كُلُّ شيء
، وأنَّهُ رحْمنٌ رحيم ، وأنَّهُ على كُلِّ شيء قدير، وأنَّ الأمر كُلَّهُ راجِعٌ إليه ، وأنَّهُ بِيَدِهِ مقاليدُ السماوات والأرض ،
وأنَّ أسْماءَهُ حُسْنى وصِفاتِه فُضْلى ، ومع ذلك لا تُحِبُّه وتُحِبُّ سِواه ؛ هذا من العَجَبِ العُجاب ، من أعْجَب الأشْياء
أنْ تعرِفَهُ ثمَّ لا تُحِبُّه ، فالإنسانُ يُحِبُّ الكمال والجمال والنوال ، إنسان إن أعْطاكَ بيْتاً يمتلىءْ قلبك حُباً له - بِصَرْف النظر عن شكْله ،
ولو كان دميماً - وذاك إنسان وقف مَوْقِفاً كاملاً ولو لم يُصِبْك من كماله شيء ، مَوْقِفٌ فيه شهامة ومُروءة ورُجولة ومُؤاثرة فإنك تحبه ،
وكذا من أوْدَعَ الله فيه مسْحَة من الجمال تُحِبُّهُ أيْضاً فالنَّفْسُ البَشَرِيَّةُ مَفْطورةٌ على حُبِّ الجمال، وحُبِّ الكمال ، وحُبِّ النوال وهي لا تجْتَمِعُ في إنْسان ،
لكِنَّها مجْموعَةٌ في الواحد الدَيان ؛ كمال وجمال ونوال . وأنت حَسَنة من حسنات الله تعالى ، وُجودُكَ مِنْحة ، وإمْدادُك بما تحْتاج فضْل ،
هِدايَتُك إليه فضْلٌ كبير ، ولكن نحن من ضيقِ أُفقنا نرى الشيء المألوف وهو عظيم ثم ننْساه، هناك زوجة وأولاد في البيت يمْلؤون البيت فرْحَةً ؛
من صَمَّمَهم ، ومن أبْدَعَهُم بهذا الشكْل اللطيف ، وبهذا الشَّكل المُحَبَّب ؟ الله جل جلاله ، أوْدَعَ في طعامك لَذَّة ، من الذي أذاقك إياها ؟
أوْدَعَ في الطعام قُوَّة فمن منَحَكَ إياها ؟ وجعل في الكَوْن أماكن جميلة جداً لِتَسْتَمْتِعَ بها ، فالله جميل وكامل، وستار العُيوب وغفارالذنوب،
يُقيل عثرات العاثرين ويقبل توبة التائِبين ، ويتجاوز عن سيِّئات عباده المُصلحين ، فمن أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ولا تُحِبُّه ، إذاً تُحِبُّ من ؟
تحِبُّ مَخْلوقاً دونه ، تُحِبُّ من يفْنى ، تحب من يُقابل الكرم باللؤم ، هناك أُناسٌ كثيرون تُحْسِنُ إليهم الدَّهْر كُلَّهُ ثمَّ يُقابلون إحْسانك بالإساءة ،
قال سيدنا عليٌّ كَرَّم وَجْهه : والله ثمَّ والله - مرَّتَين - لَحَفْرُ بئرين بِإبْرَتَين ، وكَنْسُ أرْض الحِجاز بِريشَتَين، ونَقْل بَحْرَين بِمِنْخَلَين ،
وغَسْلُ عَبْدَين أسْوَدَين حتى يصيرا أبْيَضَيْن أَهْوَنُ عَلَيَّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لِوَفاء دَيْن ! قال تعالى :
العلماء قالوا : المُضْطر والمظْلوم مُسْتَثْنيان من شروْط الدعاء لأنّ الله تعالى يُجيبُ المُضْطَر لا بِحَسَبِ حال الداعي بل بِحَسَب حال المَدْعو ؛
رَحْمَتُه تقتضي أنْ يُجيبهُ ، ويُجيب دعاء المظْلوم لا بِحَسَبِ حاله فقد يكون كافِراً بل بِحَسَبِ عَدْلِه سبحانه.
فقال (عليه رحْمةُ الله): من أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ، قال تعالى :
ويا أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو قَبيحٌ بالإنسان أنْ يُحِبَّ غير الله ، بل مَغْبونٌ من أَحَبَّ غير الله ،
لأنَّ الله تعالى أهل التَّقْوى وأهْلُ المَغْفرة ، فهُوَ أهْلٌ أنْ تُفْنِيَ شبابك في سبيله وهو أهْلٌ أنْ تمضي عُمرك في طاعته ،
وهو أهل أن تَهَبَهُ قلْبَك ، المؤمن مُحِبٌّ لله بِوَقْتِهِ وماله وجُهْدِه وعِلْمُه وخِبراتُه وطاقاتُه ، قَضِيَّة سيِّدنا عثمان لما جَهَّز جَيْشُ العُسْرة
مئة ناقة مُحَمَّلة ، ومئة ناقة أخرى ومئة ناقة ثالثة ؛ جَيْشٌ بِأكْمَلِه ، فقال عليه الصلاة والسلام :" اللهمَّ إني أمْسَيْتُ راضِياً عن عثمان فارْضَ عنه ،
وما ضَرَّ عُثْمان ما فعلهُ بعد اليوم ، لماذا ؟! لِوَجْهِ الله . لقد زارني شَخْص مرةً يُجْري دِراسة حوْل بعض عُلماء دِمَشْق -
وهو بعيدٌ عن جَوِّ العِلْم الدِّيني - فسَألني عن الدروس وأوْقاتِها فَوَجَدَها كثيرة فقال لي : ماذا تأخذ عليها؟ فقلتُ : لا شيء !
فكأنَّهُ اتَّهَمَني بِعَقْلي ، التعامل بالمِقياس المادي يجعل تعاملك مع الناس صعْب ، أما المؤمن فصَلاتُه ونُسكُه
وحياته ومَوْتُه وماله وجُهْدُه وخِبْراته وطاقاته في سبيل الله.
إذاً كما قال عليه رحْمةُ الله : من أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ، ومن أعْجَب الأشياء أيْضاً أنْ تسْمَعَ داعيهِ ثمَّ تتأخَّرُ عن الإجابة
أحْياناً يدْعوك الله عن طريق خطيب مسْجِد ، أوعن طريق دَرْس عِلْم أوعن طريق شريط أوعن طريق كتاب ، فالإنسانُ يُدْعى إلى طاعة الله ،
وإلى الصُّلْح مع الله ، وإلى التوبة وإلى تعْديل مساره لِيَكن وَفْق منهج الله ، يُنْصح ، فالعجيب أنَّكَ تُدْعى إلى رحْمة الله ،
تدعى إلى التوفيق والتأييد والنصْر وإلى سعادة الدارَيْن ولكنَّك لا تسْتجيب ، وأعْجب من هذا أنْ تسْمع داعيهِ يَحُثُّك على طاعَتِه
وعلى التوبة والصلح معه ثم لا تستجيب له ،
فالحياة الحقيقية هي حياة معرفة بالله ، أو حياة القلب وطاعته والإقبال عليه وأن تكون في ظِلِّه ، في سَفري مرةً وقع تحت يدي كتابٌ لمُؤلِّف
جليل قرأتُ فيه كلمة والله الذي لا إله إلا هو كأنَّها وصلت إلى العظْم ، يقول : لا شُعور أسعد للمرْء من أنْ يرى نفْسه في طاعة الله ،
وأتَحَدى من أن يكون هناك شُعور أسْعد من أنْ يسعد الإنسان بطاعة الله ، إذا الإنسان اقْتَرف معْصِيَة يشْعر بِكآبة ووَحْشة وضيقٍ ويُعْصر قلبه ،
أما إذا كان في طاعة الله فإنَّهُ يشعر وكأنه في ظِلِّ الله .
قال : وأنْ تسْمع داعيهِ ثمَّ تتأخَّر عن الإجابة ؛ فهذا شيءٌ عجيب أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ،
ومن أعْجَب الأشياء أيْضاً أنْ تسْمَعَ داعيهِ ثمَّ تتأخَّرُ عن الإجابة ، وأن تعرف قدْر الرِّبْح في مُعامَلَتِه ،
تضعُ مالك بِجِهَة يقولون لك ربحنا ثمانية عشرة بالمئة ، فإذا ضَحْكَتُك ملْء فمك حتى بدت جميع نواجذك ، وأحياناً ثمانية وعشرون
، قال : وأن تعرف قدْر الرِّبْح في مُعامَلَتِه ثمَّ تُعامل غيره ، فالله تعالى خلقنا لِنَرْبح عليه ، سنوات معدودة
تضبط لسانك وتغضّ بصرك ولك جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض ، لا عطاءَ يُقابل عطاء الله ، الواحد يُقابل ألف ملْيار ،
بل أكثر، فَهُوَ أَعْطاك الأبد ، أَطَعْتَهُ مُدَّةً محْدودة ، ومنَحَك الأبد ، هكذا يُعامل الله عباده ، قال وأن تعرف قدْر الرِّبْح
في مُعامَلَتِه ثم تعامل غيره ، وأقول لكم مرَّةً ثانية وثالثة ورابعة : حينما تكون لِغَيْر الله تَحْتَقِرُ ذاتك ،
هل يُمكن أنْ تشْتري حاسوباً ثمنه ثلاثون مليوناً يُؤدي وظيفة مُعَيَّنة أفتسْتخدمهُ طاولة؟ وهل يمكن أن تسْتعمل آلة في
المطبخ لِجَمْع القُمامة وهي من ذَهَبٍ خالص ؟! فالإنسان خُلِقَ لِطاعة الله ومعْرِفَتِه ، الماء للأرض
والأرض للنبات والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لِمَن ؟! للواحد الدَيان ، لذلك لا يليق بك أنْ تكون لِغَيْر الله ،
أحْياناً يكون إنسانٌ ما مَحْسوباً على إنْسانٍ آخر ، هذا الذي أنت مَحْسوبٌ عليه ضعيفٌ مثلك ويخاف مثلك ،
وفقير مثلك، وقد يكون لئيماً ، سمِعْتُ مرَّةً عالماً جليلاً أحْسِبُه كذلك - وهو من بلد إسلامي آخر -
أُصيب بِمَرض فذَهَب إلى بلد أجْنبي للمُعالجَة فجاءَت هواتف بِعَدد غير معْقول ؛ برْقيات وفاكْسات وكانت هناك
إذاعة لَفَتَ نَظَرَها هذا الشأن الكبير لهذا العالم ؟! فأجْرَوا معه مُقابلة : وقالوا له لمَ أنت بِهذه المكانة الكبيرة جداً ،
إذْ ما تَمَتَّعَ بها ملِك ! فأجاب إجابَةً رائِعَة فقال : لأنَّني مَحْسوبٌ على الله ، وهذه العبارة فيها أدَب إذْ إِنَّهُ ليس
أهْلاً ولكن مَحْسوبٌ على الله ، فأنت كإنسان مؤمن مَحْسوبٌ على الله
المؤمن عجيبٌ حالهُ يشْتغل عشرين ساعة لِوَجْه الله بِلا مُقابل ، ويتمنى أنْ يرضى الله عنه :
فَلَيْتَكَ تَحْلو والحيــاةُ مريرةٌ ولَيْتَك تَرْضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بينك وبيني عامـرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صَحَّ منك الوصْل فالكُلُّ هَيِّنٌ وكُلُّ الذي فوق التراب تراب
لا يكْفي أنْ يكون الدِّين فِكْر ومنْطق وعقيدة سليمة ؛
الدِّينُ حُبٌّ ومشاعر وإخلاص في أنْ تُحِبَّ الله،
منقول
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الإخوة المؤمنون ، عالمٌ جليل ألَّفَ كتاباً أوْدَعَ فيه بعض الفوائِد ، وهذه الفوائِدُ قيِّمَةٌ جداً ،
سأخْتارُ لكم في هذه الدروس إن شاء الله تعالى بعضاً من هذه الفوائِد ونعيشُ في معانيها لَعَلَّ الله سبحانه وتعالى ينْفَعُنا بها.
فالفائِدَةُ التي رُقِّمَت بالتاسَعة عشرة يقول فيها مُؤَلِّفُ الكتاب : من أعْجَب الأشْياء أنْ تعرِفَهُ ثمَّ لا تُحِبُّه ،
يقولون إنَّ في الدنيا عجائِبٌ ، وعجائِبُ الدنيا سبْعٌ لكنّ أعْجَبَ العجائِب ؛ أنْ تعْرِفَ أنَّ الله بِيَدِهِ كُلُّ شيء
، وأنَّهُ رحْمنٌ رحيم ، وأنَّهُ على كُلِّ شيء قدير، وأنَّ الأمر كُلَّهُ راجِعٌ إليه ، وأنَّهُ بِيَدِهِ مقاليدُ السماوات والأرض ،
وأنَّ أسْماءَهُ حُسْنى وصِفاتِه فُضْلى ، ومع ذلك لا تُحِبُّه وتُحِبُّ سِواه ؛ هذا من العَجَبِ العُجاب ، من أعْجَب الأشْياء
أنْ تعرِفَهُ ثمَّ لا تُحِبُّه ، فالإنسانُ يُحِبُّ الكمال والجمال والنوال ، إنسان إن أعْطاكَ بيْتاً يمتلىءْ قلبك حُباً له - بِصَرْف النظر عن شكْله ،
ولو كان دميماً - وذاك إنسان وقف مَوْقِفاً كاملاً ولو لم يُصِبْك من كماله شيء ، مَوْقِفٌ فيه شهامة ومُروءة ورُجولة ومُؤاثرة فإنك تحبه ،
وكذا من أوْدَعَ الله فيه مسْحَة من الجمال تُحِبُّهُ أيْضاً فالنَّفْسُ البَشَرِيَّةُ مَفْطورةٌ على حُبِّ الجمال، وحُبِّ الكمال ، وحُبِّ النوال وهي لا تجْتَمِعُ في إنْسان ،
لكِنَّها مجْموعَةٌ في الواحد الدَيان ؛ كمال وجمال ونوال . وأنت حَسَنة من حسنات الله تعالى ، وُجودُكَ مِنْحة ، وإمْدادُك بما تحْتاج فضْل ،
هِدايَتُك إليه فضْلٌ كبير ، ولكن نحن من ضيقِ أُفقنا نرى الشيء المألوف وهو عظيم ثم ننْساه، هناك زوجة وأولاد في البيت يمْلؤون البيت فرْحَةً ؛
من صَمَّمَهم ، ومن أبْدَعَهُم بهذا الشكْل اللطيف ، وبهذا الشَّكل المُحَبَّب ؟ الله جل جلاله ، أوْدَعَ في طعامك لَذَّة ، من الذي أذاقك إياها ؟
أوْدَعَ في الطعام قُوَّة فمن منَحَكَ إياها ؟ وجعل في الكَوْن أماكن جميلة جداً لِتَسْتَمْتِعَ بها ، فالله جميل وكامل، وستار العُيوب وغفارالذنوب،
يُقيل عثرات العاثرين ويقبل توبة التائِبين ، ويتجاوز عن سيِّئات عباده المُصلحين ، فمن أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ولا تُحِبُّه ، إذاً تُحِبُّ من ؟
تحِبُّ مَخْلوقاً دونه ، تُحِبُّ من يفْنى ، تحب من يُقابل الكرم باللؤم ، هناك أُناسٌ كثيرون تُحْسِنُ إليهم الدَّهْر كُلَّهُ ثمَّ يُقابلون إحْسانك بالإساءة ،
قال سيدنا عليٌّ كَرَّم وَجْهه : والله ثمَّ والله - مرَّتَين - لَحَفْرُ بئرين بِإبْرَتَين ، وكَنْسُ أرْض الحِجاز بِريشَتَين، ونَقْل بَحْرَين بِمِنْخَلَين ،
وغَسْلُ عَبْدَين أسْوَدَين حتى يصيرا أبْيَضَيْن أَهْوَنُ عَلَيَّ من طلب حاجةٍ من لئيمٍ لِوَفاء دَيْن ! قال تعالى :
العلماء قالوا : المُضْطر والمظْلوم مُسْتَثْنيان من شروْط الدعاء لأنّ الله تعالى يُجيبُ المُضْطَر لا بِحَسَبِ حال الداعي بل بِحَسَب حال المَدْعو ؛
رَحْمَتُه تقتضي أنْ يُجيبهُ ، ويُجيب دعاء المظْلوم لا بِحَسَبِ حاله فقد يكون كافِراً بل بِحَسَبِ عَدْلِه سبحانه.
فقال (عليه رحْمةُ الله): من أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ، قال تعالى :
ويا أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو قَبيحٌ بالإنسان أنْ يُحِبَّ غير الله ، بل مَغْبونٌ من أَحَبَّ غير الله ،
لأنَّ الله تعالى أهل التَّقْوى وأهْلُ المَغْفرة ، فهُوَ أهْلٌ أنْ تُفْنِيَ شبابك في سبيله وهو أهْلٌ أنْ تمضي عُمرك في طاعته ،
وهو أهل أن تَهَبَهُ قلْبَك ، المؤمن مُحِبٌّ لله بِوَقْتِهِ وماله وجُهْدِه وعِلْمُه وخِبراتُه وطاقاتُه ، قَضِيَّة سيِّدنا عثمان لما جَهَّز جَيْشُ العُسْرة
مئة ناقة مُحَمَّلة ، ومئة ناقة أخرى ومئة ناقة ثالثة ؛ جَيْشٌ بِأكْمَلِه ، فقال عليه الصلاة والسلام :" اللهمَّ إني أمْسَيْتُ راضِياً عن عثمان فارْضَ عنه ،
وما ضَرَّ عُثْمان ما فعلهُ بعد اليوم ، لماذا ؟! لِوَجْهِ الله . لقد زارني شَخْص مرةً يُجْري دِراسة حوْل بعض عُلماء دِمَشْق -
وهو بعيدٌ عن جَوِّ العِلْم الدِّيني - فسَألني عن الدروس وأوْقاتِها فَوَجَدَها كثيرة فقال لي : ماذا تأخذ عليها؟ فقلتُ : لا شيء !
فكأنَّهُ اتَّهَمَني بِعَقْلي ، التعامل بالمِقياس المادي يجعل تعاملك مع الناس صعْب ، أما المؤمن فصَلاتُه ونُسكُه
وحياته ومَوْتُه وماله وجُهْدُه وخِبْراته وطاقاته في سبيل الله.
إذاً كما قال عليه رحْمةُ الله : من أعْجَب الأشياء أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ، ومن أعْجَب الأشياء أيْضاً أنْ تسْمَعَ داعيهِ ثمَّ تتأخَّرُ عن الإجابة
أحْياناً يدْعوك الله عن طريق خطيب مسْجِد ، أوعن طريق دَرْس عِلْم أوعن طريق شريط أوعن طريق كتاب ، فالإنسانُ يُدْعى إلى طاعة الله ،
وإلى الصُّلْح مع الله ، وإلى التوبة وإلى تعْديل مساره لِيَكن وَفْق منهج الله ، يُنْصح ، فالعجيب أنَّكَ تُدْعى إلى رحْمة الله ،
تدعى إلى التوفيق والتأييد والنصْر وإلى سعادة الدارَيْن ولكنَّك لا تسْتجيب ، وأعْجب من هذا أنْ تسْمع داعيهِ يَحُثُّك على طاعَتِه
وعلى التوبة والصلح معه ثم لا تستجيب له ،
فالحياة الحقيقية هي حياة معرفة بالله ، أو حياة القلب وطاعته والإقبال عليه وأن تكون في ظِلِّه ، في سَفري مرةً وقع تحت يدي كتابٌ لمُؤلِّف
جليل قرأتُ فيه كلمة والله الذي لا إله إلا هو كأنَّها وصلت إلى العظْم ، يقول : لا شُعور أسعد للمرْء من أنْ يرى نفْسه في طاعة الله ،
وأتَحَدى من أن يكون هناك شُعور أسْعد من أنْ يسعد الإنسان بطاعة الله ، إذا الإنسان اقْتَرف معْصِيَة يشْعر بِكآبة ووَحْشة وضيقٍ ويُعْصر قلبه ،
أما إذا كان في طاعة الله فإنَّهُ يشعر وكأنه في ظِلِّ الله .
قال : وأنْ تسْمع داعيهِ ثمَّ تتأخَّر عن الإجابة ؛ فهذا شيءٌ عجيب أنْ تعرفه ثمَّ لا تُحَبَّهُ ،
ومن أعْجَب الأشياء أيْضاً أنْ تسْمَعَ داعيهِ ثمَّ تتأخَّرُ عن الإجابة ، وأن تعرف قدْر الرِّبْح في مُعامَلَتِه ،
تضعُ مالك بِجِهَة يقولون لك ربحنا ثمانية عشرة بالمئة ، فإذا ضَحْكَتُك ملْء فمك حتى بدت جميع نواجذك ، وأحياناً ثمانية وعشرون
، قال : وأن تعرف قدْر الرِّبْح في مُعامَلَتِه ثمَّ تُعامل غيره ، فالله تعالى خلقنا لِنَرْبح عليه ، سنوات معدودة
تضبط لسانك وتغضّ بصرك ولك جنَّةٌ عرضها السماوات والأرض ، لا عطاءَ يُقابل عطاء الله ، الواحد يُقابل ألف ملْيار ،
بل أكثر، فَهُوَ أَعْطاك الأبد ، أَطَعْتَهُ مُدَّةً محْدودة ، ومنَحَك الأبد ، هكذا يُعامل الله عباده ، قال وأن تعرف قدْر الرِّبْح
في مُعامَلَتِه ثم تعامل غيره ، وأقول لكم مرَّةً ثانية وثالثة ورابعة : حينما تكون لِغَيْر الله تَحْتَقِرُ ذاتك ،
هل يُمكن أنْ تشْتري حاسوباً ثمنه ثلاثون مليوناً يُؤدي وظيفة مُعَيَّنة أفتسْتخدمهُ طاولة؟ وهل يمكن أن تسْتعمل آلة في
المطبخ لِجَمْع القُمامة وهي من ذَهَبٍ خالص ؟! فالإنسان خُلِقَ لِطاعة الله ومعْرِفَتِه ، الماء للأرض
والأرض للنبات والنبات للحيوان ، والحيوان للإنسان ، والإنسان لِمَن ؟! للواحد الدَيان ، لذلك لا يليق بك أنْ تكون لِغَيْر الله ،
أحْياناً يكون إنسانٌ ما مَحْسوباً على إنْسانٍ آخر ، هذا الذي أنت مَحْسوبٌ عليه ضعيفٌ مثلك ويخاف مثلك ،
وفقير مثلك، وقد يكون لئيماً ، سمِعْتُ مرَّةً عالماً جليلاً أحْسِبُه كذلك - وهو من بلد إسلامي آخر -
أُصيب بِمَرض فذَهَب إلى بلد أجْنبي للمُعالجَة فجاءَت هواتف بِعَدد غير معْقول ؛ برْقيات وفاكْسات وكانت هناك
إذاعة لَفَتَ نَظَرَها هذا الشأن الكبير لهذا العالم ؟! فأجْرَوا معه مُقابلة : وقالوا له لمَ أنت بِهذه المكانة الكبيرة جداً ،
إذْ ما تَمَتَّعَ بها ملِك ! فأجاب إجابَةً رائِعَة فقال : لأنَّني مَحْسوبٌ على الله ، وهذه العبارة فيها أدَب إذْ إِنَّهُ ليس
أهْلاً ولكن مَحْسوبٌ على الله ، فأنت كإنسان مؤمن مَحْسوبٌ على الله
المؤمن عجيبٌ حالهُ يشْتغل عشرين ساعة لِوَجْه الله بِلا مُقابل ، ويتمنى أنْ يرضى الله عنه :
فَلَيْتَكَ تَحْلو والحيــاةُ مريرةٌ ولَيْتَك تَرْضى والأنامُ غِضابُ
وليتَ الذي بينك وبيني عامـرٌ وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صَحَّ منك الوصْل فالكُلُّ هَيِّنٌ وكُلُّ الذي فوق التراب تراب
لا يكْفي أنْ يكون الدِّين فِكْر ومنْطق وعقيدة سليمة ؛
الدِّينُ حُبٌّ ومشاعر وإخلاص في أنْ تُحِبَّ الله،
منقول