الاستقامة
"قل آمنتُ بالله ثم استقم"
الاستقامة، وما أدراك ما الاستقامة، إنها أس الديانة، وسبيل السلامة، إذ هي أكبر كرامة في الدنيا، المفضية إلى الكرامة الأبدية وهي الجنة: "فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ
".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "أعظم الكرامة لزوم الاستقامة"، فلو مشى المرء على الماء، أوطار أوتربع في الهواء، ما دل ذلك على قبول الله له حتى يستقيم على أمر الله ونهيه، إذ هو الضابط الوحيد للكرامة
أمر بهذه الخطورة والأهمية فيه فلاح الدنيا والآخرة، ينبغي لكل مسلم عاقل أن يسعى لتحقيقه في نفسه، ويحرص على أن ينال منه حظه، فما لا يدرك كله لا يترك جله
فالكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، كما أخبر الصادق المعصوم
.
والعاقل من حاسب نفسه قبل أن تُحاسب، ووزن أعماله بميزان الشرع قبل أن توزن عليه، وتزيَّن ليوم العرض الأكبر، كما قال عمر بن الخطاب، الناصح البصير
وبعد
فما حقيقة الاستقامة؟ وما دليلها؟ وبِمَ تنال؟ وما ثمرتها؟
تعريف الإستقامة
لأئمة الدين في تعريف الاستقامة
قال عمر رضي الله عنه: "أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب
وقال الحسن البصري رحمه الله: "استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته
وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "الزهد في الفانية، والرغبة في الباقية".
مفاد هذه التعريفات، وحقيقتها، ومدلولها
الاستقامة من الكلمات الجامعة المانعة، كالبر، والخير، والعبادة، فلها تعلق بالقول، والفعل، والاعتقاد.
قال الإمام القرطبي رحمه الله: (هذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها: اعتدلوا على طاعة الله، عقداً، وقولاً، وفعلاً، وداوموا على ذلك
.
وقال ابن القيم رحمه الله: فالاستقامة كلمة جامعة، آخذه بمجامع الدين، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق والوفاء
.
والاستقامة تتعلق بالأقوال والأفعال، والأحوال، والنيات، فالاستقامة فيها، وقوعها لله، وبالله، وعلى أمر الله).
فحقيقة هذه التعريفات تُتَرجم في الآتي
أولاً: الإيمان الصادق بالله عز وجل
ثانياً: الاتباع الكامل والاقتداء التام بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الفضيل بن عياض رحمه الله في تفسير قوله تعالى: "خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"3، قال: أخلصه وأصوبه؛ قيل له: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: أن يكون العمل خالصاً لله عز وجل، وموافقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أوكما قال
ثالثاً: أداء الواجبات:"ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبُّ إليَّ مما افترضته عليه" الحديث،وفعل الواجبات أفضل من ترك المحرمات
رابعاً: الانتهاء عن المحرمات والمكروهات
خامساً: الإكثار من النوافل والتطوعات:"لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به" الحديث
سادساً: المداومة على أعمال الخير:"أحب العمل إلى الله أدومه" الحديث،
وقالت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان عمله ديمة
سابعاً: التوسط والاعتدال، فخير الأمور الوسط، وعمل قليل في سبيل الله وسنة خير من كثير في بدعة، والاعتدال لا يعني التسيب والانفلات، فبين التشدد، والالتزام، والتفلت فروق دقيقات
ثامناً: حفظ الجوارح وسجن اللسان
تاسعاً: السعي لتزكية النفس: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
عاشراً: الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، وفي نيل مرضاته قدر الطاقة، إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
أدلة الاستقامة
- قوله: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ
- تُوعَدُونَ
- وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
- وقال مخاطباً الرسول وأمته: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".
- وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا
- أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم
- زاد الترمذي: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، وقال
- "هذا"