محمدا لا مذمما
{وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ *وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ}[i]... {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}[ii] سبحانك يا عظيم، يا خلاق يا عليم...
اصطفيت من عبادك من اخترته بعلمك، واصطنعته بعينك، وجملته بخلق عظيم، وجعلته رحمة للعالمين، فأبى أكثر الناس إلا كفورا، فحسدوه على ما أوليته، وشنؤوه على ما فضلته: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}[iii]، ويحكم يا قريش، أأعظم من محمد؟! أأكرم من محمد؟!
كالبدر في شرف والزهر في ترف،،، والبحر في كرم والدهر في همم
كأنه وهو فرد من جلالته،،، في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكون في صدف،،، من معدني منطق منه ومبتسم
ما أجهلكم، وما أشد سفهكم، حقدتم حتى أعماكم الحقد، وجهلتم حتى أغواكم السفه، ألم تصفوه بالأمين، ألم تشهدوا بخلقه الكريم، ألم تحكموه في دمائكم يوم بنيتم البيت، ألم يلبث فيكم عمرا من قبله؟ ألم تستقوا بوجهه الغمام؟ ألم يقل شاعركم:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه،،، ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهلاك من آل هاشم،،، فهم عنده في رحمة وفواضل
من هذا الذي فضلتموه عليه؟ وزعمتم أنه أولى بهذا القرآن منه؟ آلوليد بن المغيرة؟ ! والله إنه لا يساوي ذرة تراب وطئ عليها محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
بأبي أنت وأمي يا سيد العظماء، وما ذا يساوي أن أفديك بأبي وأمي، بل فديتك بالطريف والتالد، بالمال والأهل، بالأقارب والأباعد، فما أعظم قدرك، وما أعلى شأنك، فحق لشانئك أن يموت حسدا، وحق لمبغضك أن يذوب كمدا، فما أنت إلا شمس متربعة على كبد السماء.
إن هذا لهو شأن العظماء، يشغلون المحبين والمبغضين، في الحياة وبعد الممات، هؤلاء بالذكر والثناء، وأولئك بالهمز واللمز، فهم لعظمهم يملؤون العالمَين، عالم الحب وعالم الكراهية. وكما قال الشاعر
لكل كريم من ألائم قومه،،، على كل حال حاسدون وحقد
إن قريشا قد وصفت بالحلم والعقل في القرآن الكريم، إذ قال تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا}[iv] ووصفت بشدة الخصام الذي يدل على قوة المنة وشدة العارضة فقال تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}[v]، كما أنهم سادات العرب وأرباب الفصاحة والبيان، لهذا استحقوا الرد...
أما رعاة البقر وعباد الصليب، الذين لا يدري أحدهم ما إلهه، ولا يعرف من معبوده، الصم البكم، عباد الشهوات، ناكحو البهائم، الهمج الرعاع، فضول الناس، وبقايا الأمم، ورفاث البشرية، فلا حاجة لنا في أن نرد عليهم...
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا،،، لأصبح الصخر مثقالا بدينار
والله لا يضر رسولنا ما رسموه، ولا ينقص منه ما نشروه، فما يسوؤون إلا أنفسهم، وما يضرون رسولنا في شيء.
ولولا مراعاة عواطف المسلمين الجياشة، لما كلفت أحدهم قراءة هذه الكلمات، فليس يشرفني أن أرد على أمثالهم، بل ليس فيهم من يعدو قدر ذبابة حطت على ربى جبل شامخ، لا تلبث أن تطير أو تهلك في الهالكين.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو من صوروه، وليس هو ما رسموه، فما أبعد تلك الصورة الخبيثة عن جماله، وعن كريم صفاته، وهذا من كيد الله لرسوله الكريم، وهذا ما كان يقوله صلى الله عليه وآله وسلم لصحابته متعجبا مغتبطا من فعل الله له:
"ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد".
فلتعل يا محمد... ولتذهب تلك الصور وأصحابها إلى الجحيم: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[vi]
المصدر