بســم الله الـرحمــن الرحيــم
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه
السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه
كيف يعدل الأب بين أولاده مع وجود الفوارق الفردية بينهم ؟
السؤال:
لا شك أن لكل إنسان شخصيته التي أعطاه الله إياها ، وإن كانت هنالك أخلاق
مشتركة بين البشر إلا أن البشر يختلفون ويتفاوتون في اجتماع تلك الأخلاق ،
وسؤالي في الأبناء ، كيف يمكن للأب أن يتعامل مع تلك الفوارق وأن يعدل بين
أولاده - ذكوراً وإناثاً - مع ما يحملونه من أخلاقيات وطبائع متباينة تجعل
النفس الأبوية منجذبة لبعضهم أكثر من بعض ؟ .
الجواب : الحمد لله
1.
خَلَق الله تعالى خلْقَه وجعل بينهم تفاوتاً في الصفات والطباع والأخلاق ،
وهو أمر واقع ومشاهد ، ويتسع ذلك في العالَم كله ، وينحصر حتى يُرى في
الأسرة الواحدة بين أولادها ، ولله تعالى في هذا الحكَم الجليلة ، وهو يدل
على عظيم قدرته تعالى .
2. لا يُنكر ميل نفس الأب نحو الولد الذي
يتصف بصفات حسنة ، سواء في خِلقته ، أو خلُقه ، أو يكون له طباع تجذب
الناس نحوه كمرحه ، وخفة دمه ، ولطافته ، وليس كون الولد ذكراً يجعل الميل
نحوه باللزوم ، بل إننا نجد تعلق كثير من الآباء ببناتهم ، والعكس .
3.
ومثل هذا الميل لا يلام عليه الأب ، لكن ليس من الحكمة إظهار ذلك أمام
أولاده ؛ لما يترتب عليه من مفاسد ، وأما من لم يكن له إلا ولد واحد
فليظهر له كل شعوره ولن يلومه أحد .
4. لا يعلم كثير من الآباء أن
تمييز أحد أولاده ممن يتصف بصفات طيبة جاذبة قد يضر ذلك الولد المميَّز !
وذلك بجعله مغروراً أو متكبراً ، كما قد يجعله مصاباً بداء الكسل والبطالة
والاعتماد على غيره في قضاء حاجاته ، ولا شك أن مثل هذا الولد لن يكون
نافعاً لنفسه ، ولا لأبيه ، ولا لباقي أسرته .
5. والأسرة التي يميِّز فيها الوالدان – وخاصة الأب – أحد أولادهم عن الباقين يتسببون في مفاسد كثيرة ، منها :
أ. إصابة باقي الأولاد بالإحباط من النجاح والتقدم في دينهم ودنياهم .
ب. التسبب لهم بأمراض نفسية أو بدنية .
ج. الكيد للأخ المميَّز ، وقد يصل الأمر لحد القتل ! .
فالآباء
المميِّزون في أسَرهم إنما يساهمون في تفرقة هذه الأسرة وتشتتها ؛ لما
يسببه ذلك التمييز من زرع العداوة والبغضاء والحسد بين أولادهم ، فيتحد
المبعدون ضد المميَّز عنهم ، بل وضد والديهم ، ومن تأمل قصة يوسف عليه
السلام ورأى ما جرى منهم تجاهه وتجاه أخيه الآخر تبين له صدق القول ، وقد
أخبرنا الله تعالى عن سبب فعلتهم تلك في يوسف أخيهم ، فقال تعالى : ( إِذْ
قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ
عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . اقْتُلُواْ يُوسُفَ
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن
بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ) يوسف/ 8 ، 9 ، ولا شك أن يعقوب عليه السلام
لم يكن ظالماً لأولاده أولئك ، وإنما حملهم على ذلك – فقط – محبته القلبية
لابنه يوسف عليهما السلام ، فماذا يُتوقع من إخوة ظلمهم والدهم بأن أعطى
أحد إخوانهم ما لم يعطهم ؟! .
6. ومن مظاهر التمييز بين الأولاد
المشتهرة بين الناس : التمييز في العطية ، وهو أمر محرَّم في شرع الله
تعالى المطهَّر ، ومن مساوئ ذلك التمييز : التسبب بالعقوق للوالدين ، وعدم
استواء الجميع في البر لوالديهم ، وقد نبَّه على ذلك نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ، مع تنصيصه على تسمية ذلك التمييز في العطية جوراً وظلماً .
عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ
مَالِي ، فَقَالَ : ( أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ
النُّعْمَانَ ؟ ) قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي
) ، ثُمَّ قَالَ : ( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ
سَوَاءً ؟ ) قَالَ : بَلَى ، قَالَ : ( فَلَا إِذًا ) .
رواه مسلم ( 3059 ) .
وكما
قطع الله تعالى هذا التمييز في العطية فكذا قطع أمراً آخر وهو الوصية
لأحدٍ منهم ، فحرَّم أن يوصى لوارث ، وكل تلك الأحكام إنما هي لإصلاح حال
الأسَر وإرساء قواعد اجتماع أفرادها وعدم تفرقهم .
7. وعلى الأب أن
يعلم أنه ليس أحد من أولاده كاملاً ، ومن كان مميزاً من أولاده عنده فلو
أنصف مع نفسه لوجد له صفات أخرى سلبية ، والعكس يقال فيمن لم يميزهم فقد
يكون عند كثير منهم صفات إيجابية كثيرة ، فالطفل المحبوب بحركاته وكلماته
قد لا يفيد الأسرة في شراء أغراض من البقالة ، وقد لا يكون كفؤاً في
القيام على الضيوف بخدمتهم ، فعلى الآباء مراعاة ذلك ، وتنمية ما عند
أولادهم من صفات حسنة ، وتشجيعهم عليها ، وعدم الطلب من الآخرين أن يكونوا
سواء ، فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له ، فقد يكون بعضهم عنده حب العمل ، وآخر
حب العلم ، وثالث حب التجارة ، كما قد توجد في بعضهم من الطباع ما ليس في
الآخر ، فيستثمر ذلك الأب العاقل فيجعل بعضهم مكمِّلاً للآخر ، فإذا أثنى
على الصفات الإيجابية في أحد من أولاده أثنى على صفات الآخرين ، فلا يحصل
بينهم من الحسد والعداوة شيء بإذن الله تعالى وتوفيقه .
8. وفي هذا
الباب فليحذر الوالدان من تقريع المخطئ من أولادهم والطلب منه أن يكون
كأخيه فلان ! بل يُذكر له من في سنه من الأقارب أو الجيران ، أو يحثّ على
خصال الخير ويُردع عن صفات الشر دون أن يُذكر له شخص بعينه ، وإن من شأن
المقارنة بينه وبين أخيه الأفضل منه في هذا الجانب أن يولِّد بينهما عداوة
وبغضاء .
9. وليس من العدل أن يجعل الأبُ العاقَّ من أولاده بدرجة
البارّ ، وإلا لم يكن للبرِّ ميزة ، فعليه أن يُعلم أولاده أن من أحسن –
كإعانة أمه في البيت ، أو حفظه للقرآن - فله الحسنى ، ومن أساء فيُحرم
منها أو يُعاقب – بحسب ما يقترفه الأولاد من معاصٍ - ، ولا نعني هنا –
بالطبع – أن يهبه هبة أو يعطيه عطية ، فقد سبق بيان تحريم ذلك ، وإنما
نعني به أن يثني عليه بالكلام الحسن ، وأن يزيد في مصروفه ، أو أن يمكنه
من اللعب بلعبة مباحة لوقت أطول ممن أساء ، وهكذا ، وهذا هو العدل الذي
ننشده من الآباء ، وليس أن يعاملوا الجميع معاملة واحدة ، المحسن منهم
والمسيء ، وإلا كان ظالماً للبارّ منهم .
فللأب أن يمنع العاصي
المتمرد من أولاده من المال الذي يفعل به المعاصي ، بل يجب على الأب ذلك
حتى يكف ولده عن فعل ما يسخط ربه تعالى .
قال الشيخ عبد الله الجبرين – رحمه الله - :
وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لاَ أَشْهَد عَلَى جَوْر ) ، بمعنى أنه
إذا مال مع أحدهم : فإنه يسمَّى جائراً ، ولكن يمكن أن يجوز ذلك إذا كان
هذا الذي مال معه صالحاً ، والآخر فاسداً وماجناً ، فإذا حاول إصلاح هذا
وعجز عنه بأن صار عاقّاً وعاصياً لأبويه ، وعاصياً لله ، ومعرضاً عن الله
، ومعرضاً عن العبادة ، ومنهمكاً في شرب المسكرات ، أو في المنكرات أو في
المعاصي ، ولم يستطع أبواه إصلاحه : فلا مانع ، بل يجوز لهم - والحال هذه
- التساهل، وعدم مساواته بغيره ، بل عليهم أن يشددوا في الأمر معه ، ولو
أن يحرموه من تربيتهم له أو نفقتهم عليه ، ولو أن يعاقبوه بما يكون سبباً
في استقامته إذا وفق الله .
" دروس الشيخ ابن جبرين " ( 1 / 23 ) – الشاملة - .
10.
ومما ننصح به الآباء أن يوحدوا مشاعر أولادهم تجاه من يستحق الحنان والعطف
من إخوانهم ، فمثلاً : قد يوجد أحد الأولاد مصاباً بإعاقة ، فلا ينبغي
للوالدين أن يغفلا أهمية أن يكون الحنان والعطف من أولادهم تجاه أخيهم قبل
أن يكون منهما ، وهما بذلك يضمنان إعطاء ذلك المصاب حقه من المشاعر ،
ويضمنان عدم وقوع العداوة بينهم وبين أخيهم .
11. ومهما اختلفت
صفات وطبائع الأولاد فإن العدل بينهم في الأمور الظاهرة واجب شرعي ، فإن
دفع تكاليف زواج أحدهم فليفعل ذلك مع كل من أراد التزوج ، وإذا عالَج
أحدهم لمرض ألمَّ به فليفعل الأمر نفسه مع من احتاج لعلاج ، وإن ساهم في
تعليم لأحدهم فعليه فعل الأمر نفسه مع الباقين – ضمن دائرة التعليم المباح
- ، وهكذا يقال في النفقة والكسوة ، فعليه أن يعدل بين أولاده فيهما - ولا
نقول يسوِّي؛ بل يعدل ، ونعني به : أن يُعطي كل واحد كفايته - بل قد ذهب
طائفة من السلف إلى أنه يستحب العدل بين الأولاد في " التقبيل " !
قال الإمام البغوي – رحمه الله – في شرح حديث النعمان السابق - :
وفي
هذا الحديث فوائد ، منها : استحباب التسوية بين الأولاد في النِّحَل، وفي
غيرها من أنواع البرِّ حتى في القُبَل ، ذكوراً كانوا أو إناثاً ، حتى لا
يعرِض في قلب المفضول ما يمنعه من برِّه .
" شرح السنة " ( 8 / 297 ) .
وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل .
" مصنف ابن أبي شيبة " ( 11 / 221 ) .
وهكذا
لا يكون منه تفضيل لأحدٍ على أحد ، ولا يعني هذا توحيد مشاعره تجاه الجميع
؛ فهذا أمرٌ لا يملكه الأب ، لكنه يملك أمر العدل في الأمور الظاهرة ، كما
هو الحال فيمن له أكثر من زوجة ، فإنه لا يُمنع من حب إحدى نسائه أكثر من
الأخريات، وفي الوقت نفسه هو مأمور بالعدل الذي يقدر عليه، وهو العدل في
الأمور الظاهرة كالنفقة والمبيت والكسوة .
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يعينك على تحقيق العدل بين أولادك .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
لا شك أن لكل إنسان شخصيته التي أعطاه الله إياها ، وإن كانت هنالك أخلاق
مشتركة بين البشر إلا أن البشر يختلفون ويتفاوتون في اجتماع تلك الأخلاق ،
وسؤالي في الأبناء ، كيف يمكن للأب أن يتعامل مع تلك الفوارق وأن يعدل بين
أولاده - ذكوراً وإناثاً - مع ما يحملونه من أخلاقيات وطبائع متباينة تجعل
النفس الأبوية منجذبة لبعضهم أكثر من بعض ؟ .
الجواب : الحمد لله
1.
خَلَق الله تعالى خلْقَه وجعل بينهم تفاوتاً في الصفات والطباع والأخلاق ،
وهو أمر واقع ومشاهد ، ويتسع ذلك في العالَم كله ، وينحصر حتى يُرى في
الأسرة الواحدة بين أولادها ، ولله تعالى في هذا الحكَم الجليلة ، وهو يدل
على عظيم قدرته تعالى .
2. لا يُنكر ميل نفس الأب نحو الولد الذي
يتصف بصفات حسنة ، سواء في خِلقته ، أو خلُقه ، أو يكون له طباع تجذب
الناس نحوه كمرحه ، وخفة دمه ، ولطافته ، وليس كون الولد ذكراً يجعل الميل
نحوه باللزوم ، بل إننا نجد تعلق كثير من الآباء ببناتهم ، والعكس .
3.
ومثل هذا الميل لا يلام عليه الأب ، لكن ليس من الحكمة إظهار ذلك أمام
أولاده ؛ لما يترتب عليه من مفاسد ، وأما من لم يكن له إلا ولد واحد
فليظهر له كل شعوره ولن يلومه أحد .
4. لا يعلم كثير من الآباء أن
تمييز أحد أولاده ممن يتصف بصفات طيبة جاذبة قد يضر ذلك الولد المميَّز !
وذلك بجعله مغروراً أو متكبراً ، كما قد يجعله مصاباً بداء الكسل والبطالة
والاعتماد على غيره في قضاء حاجاته ، ولا شك أن مثل هذا الولد لن يكون
نافعاً لنفسه ، ولا لأبيه ، ولا لباقي أسرته .
5. والأسرة التي يميِّز فيها الوالدان – وخاصة الأب – أحد أولادهم عن الباقين يتسببون في مفاسد كثيرة ، منها :
أ. إصابة باقي الأولاد بالإحباط من النجاح والتقدم في دينهم ودنياهم .
ب. التسبب لهم بأمراض نفسية أو بدنية .
ج. الكيد للأخ المميَّز ، وقد يصل الأمر لحد القتل ! .
فالآباء
المميِّزون في أسَرهم إنما يساهمون في تفرقة هذه الأسرة وتشتتها ؛ لما
يسببه ذلك التمييز من زرع العداوة والبغضاء والحسد بين أولادهم ، فيتحد
المبعدون ضد المميَّز عنهم ، بل وضد والديهم ، ومن تأمل قصة يوسف عليه
السلام ورأى ما جرى منهم تجاهه وتجاه أخيه الآخر تبين له صدق القول ، وقد
أخبرنا الله تعالى عن سبب فعلتهم تلك في يوسف أخيهم ، فقال تعالى : ( إِذْ
قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ
عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ . اقْتُلُواْ يُوسُفَ
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن
بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ ) يوسف/ 8 ، 9 ، ولا شك أن يعقوب عليه السلام
لم يكن ظالماً لأولاده أولئك ، وإنما حملهم على ذلك – فقط – محبته القلبية
لابنه يوسف عليهما السلام ، فماذا يُتوقع من إخوة ظلمهم والدهم بأن أعطى
أحد إخوانهم ما لم يعطهم ؟! .
6. ومن مظاهر التمييز بين الأولاد
المشتهرة بين الناس : التمييز في العطية ، وهو أمر محرَّم في شرع الله
تعالى المطهَّر ، ومن مساوئ ذلك التمييز : التسبب بالعقوق للوالدين ، وعدم
استواء الجميع في البر لوالديهم ، وقد نبَّه على ذلك نبينا محمد صلى الله
عليه وسلم ، مع تنصيصه على تسمية ذلك التمييز في العطية جوراً وظلماً .
عَنْ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ
اللَّهِ اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ
مَالِي ، فَقَالَ : ( أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ
النُّعْمَانَ ؟ ) قَالَ : لَا ، قَالَ : ( فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي
) ، ثُمَّ قَالَ : ( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ
سَوَاءً ؟ ) قَالَ : بَلَى ، قَالَ : ( فَلَا إِذًا ) .
رواه مسلم ( 3059 ) .
وكما
قطع الله تعالى هذا التمييز في العطية فكذا قطع أمراً آخر وهو الوصية
لأحدٍ منهم ، فحرَّم أن يوصى لوارث ، وكل تلك الأحكام إنما هي لإصلاح حال
الأسَر وإرساء قواعد اجتماع أفرادها وعدم تفرقهم .
7. وعلى الأب أن
يعلم أنه ليس أحد من أولاده كاملاً ، ومن كان مميزاً من أولاده عنده فلو
أنصف مع نفسه لوجد له صفات أخرى سلبية ، والعكس يقال فيمن لم يميزهم فقد
يكون عند كثير منهم صفات إيجابية كثيرة ، فالطفل المحبوب بحركاته وكلماته
قد لا يفيد الأسرة في شراء أغراض من البقالة ، وقد لا يكون كفؤاً في
القيام على الضيوف بخدمتهم ، فعلى الآباء مراعاة ذلك ، وتنمية ما عند
أولادهم من صفات حسنة ، وتشجيعهم عليها ، وعدم الطلب من الآخرين أن يكونوا
سواء ، فكلٌّ ميسَّر لما خُلق له ، فقد يكون بعضهم عنده حب العمل ، وآخر
حب العلم ، وثالث حب التجارة ، كما قد توجد في بعضهم من الطباع ما ليس في
الآخر ، فيستثمر ذلك الأب العاقل فيجعل بعضهم مكمِّلاً للآخر ، فإذا أثنى
على الصفات الإيجابية في أحد من أولاده أثنى على صفات الآخرين ، فلا يحصل
بينهم من الحسد والعداوة شيء بإذن الله تعالى وتوفيقه .
8. وفي هذا
الباب فليحذر الوالدان من تقريع المخطئ من أولادهم والطلب منه أن يكون
كأخيه فلان ! بل يُذكر له من في سنه من الأقارب أو الجيران ، أو يحثّ على
خصال الخير ويُردع عن صفات الشر دون أن يُذكر له شخص بعينه ، وإن من شأن
المقارنة بينه وبين أخيه الأفضل منه في هذا الجانب أن يولِّد بينهما عداوة
وبغضاء .
9. وليس من العدل أن يجعل الأبُ العاقَّ من أولاده بدرجة
البارّ ، وإلا لم يكن للبرِّ ميزة ، فعليه أن يُعلم أولاده أن من أحسن –
كإعانة أمه في البيت ، أو حفظه للقرآن - فله الحسنى ، ومن أساء فيُحرم
منها أو يُعاقب – بحسب ما يقترفه الأولاد من معاصٍ - ، ولا نعني هنا –
بالطبع – أن يهبه هبة أو يعطيه عطية ، فقد سبق بيان تحريم ذلك ، وإنما
نعني به أن يثني عليه بالكلام الحسن ، وأن يزيد في مصروفه ، أو أن يمكنه
من اللعب بلعبة مباحة لوقت أطول ممن أساء ، وهكذا ، وهذا هو العدل الذي
ننشده من الآباء ، وليس أن يعاملوا الجميع معاملة واحدة ، المحسن منهم
والمسيء ، وإلا كان ظالماً للبارّ منهم .
فللأب أن يمنع العاصي
المتمرد من أولاده من المال الذي يفعل به المعاصي ، بل يجب على الأب ذلك
حتى يكف ولده عن فعل ما يسخط ربه تعالى .
قال الشيخ عبد الله الجبرين – رحمه الله - :
وقد
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لاَ أَشْهَد عَلَى جَوْر ) ، بمعنى أنه
إذا مال مع أحدهم : فإنه يسمَّى جائراً ، ولكن يمكن أن يجوز ذلك إذا كان
هذا الذي مال معه صالحاً ، والآخر فاسداً وماجناً ، فإذا حاول إصلاح هذا
وعجز عنه بأن صار عاقّاً وعاصياً لأبويه ، وعاصياً لله ، ومعرضاً عن الله
، ومعرضاً عن العبادة ، ومنهمكاً في شرب المسكرات ، أو في المنكرات أو في
المعاصي ، ولم يستطع أبواه إصلاحه : فلا مانع ، بل يجوز لهم - والحال هذه
- التساهل، وعدم مساواته بغيره ، بل عليهم أن يشددوا في الأمر معه ، ولو
أن يحرموه من تربيتهم له أو نفقتهم عليه ، ولو أن يعاقبوه بما يكون سبباً
في استقامته إذا وفق الله .
" دروس الشيخ ابن جبرين " ( 1 / 23 ) – الشاملة - .
10.
ومما ننصح به الآباء أن يوحدوا مشاعر أولادهم تجاه من يستحق الحنان والعطف
من إخوانهم ، فمثلاً : قد يوجد أحد الأولاد مصاباً بإعاقة ، فلا ينبغي
للوالدين أن يغفلا أهمية أن يكون الحنان والعطف من أولادهم تجاه أخيهم قبل
أن يكون منهما ، وهما بذلك يضمنان إعطاء ذلك المصاب حقه من المشاعر ،
ويضمنان عدم وقوع العداوة بينهم وبين أخيهم .
11. ومهما اختلفت
صفات وطبائع الأولاد فإن العدل بينهم في الأمور الظاهرة واجب شرعي ، فإن
دفع تكاليف زواج أحدهم فليفعل ذلك مع كل من أراد التزوج ، وإذا عالَج
أحدهم لمرض ألمَّ به فليفعل الأمر نفسه مع من احتاج لعلاج ، وإن ساهم في
تعليم لأحدهم فعليه فعل الأمر نفسه مع الباقين – ضمن دائرة التعليم المباح
- ، وهكذا يقال في النفقة والكسوة ، فعليه أن يعدل بين أولاده فيهما - ولا
نقول يسوِّي؛ بل يعدل ، ونعني به : أن يُعطي كل واحد كفايته - بل قد ذهب
طائفة من السلف إلى أنه يستحب العدل بين الأولاد في " التقبيل " !
قال الإمام البغوي – رحمه الله – في شرح حديث النعمان السابق - :
وفي
هذا الحديث فوائد ، منها : استحباب التسوية بين الأولاد في النِّحَل، وفي
غيرها من أنواع البرِّ حتى في القُبَل ، ذكوراً كانوا أو إناثاً ، حتى لا
يعرِض في قلب المفضول ما يمنعه من برِّه .
" شرح السنة " ( 8 / 297 ) .
وعن إبراهيم النخعي قال : كانوا يستحبون أن يعدل الرجل بين ولده حتى في القُبَل .
" مصنف ابن أبي شيبة " ( 11 / 221 ) .
وهكذا
لا يكون منه تفضيل لأحدٍ على أحد ، ولا يعني هذا توحيد مشاعره تجاه الجميع
؛ فهذا أمرٌ لا يملكه الأب ، لكنه يملك أمر العدل في الأمور الظاهرة ، كما
هو الحال فيمن له أكثر من زوجة ، فإنه لا يُمنع من حب إحدى نسائه أكثر من
الأخريات، وفي الوقت نفسه هو مأمور بالعدل الذي يقدر عليه، وهو العدل في
الأمور الظاهرة كالنفقة والمبيت والكسوة .
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يعينك على تحقيق العدل بين أولادك .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب