معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


2 مشترك

    سماع حكايات العائدين إلى الله

    avatar
    ليلاس


    سماع حكايات العائدين إلى الله Empty سماع حكايات العائدين إلى الله

    مُساهمة من طرف ليلاس الإثنين 28 ديسمبر 2009, 5:01 pm

    ]من أحب الأشياء إلى قلبي: سماع حكايات العائدين إلى الله - تعالى - وكيف كانت عودتهم، وكيف جاءت توبتهم.

    وقبل أيام عرضت إحدى القنوات قصَّة إحدى التائبات، كانت قد امتهنت "التمثيل"، فجعلت تحكي - عبر الهاتف - قصة رجوعها إلى ربِّها، وكعادتي - مع حكايات التائبين - غلبتني عيناي أو كادتا.

    وكيف لا يبكي الإنسان وهو يسمع هذه التجارب التي - وإن تعدَّد أبطالُها - تكاد تكون قصة واحدة، وراءها سبب واحد، وتحمل دلالة واحدة ثابتة، لا ينازع فيها إلاَّ مكابر يُسَفْسِطُ في المسلَّمات، أو لا يفهم عن طبيعة النَّفس البشرية شيئًا.

    أمَّا السبب وراء هذه القصة التي يقوم ببطولتها أناس جُدُد كل يوم، فهو بُعد الناس عن الغاية التي خُلِقوا لها، وضربُهم ذات اليمين وذات الشمال عن طريق مستقيم ينبغي لهم أن يسلكوه، ليس فقط لكي يسعدوا، بل ليحسُّوا بإنسانيَّتهم التي يسلبها منهم جُنُوحهم عن هذه الغاية.

    إنَّ الناس جُبلوا وفطروا على حبِّ ربِّهم، وطلب التعرُّف عليه، والركون إليه، والأنس به، والتلذُّذ بمناجاته، وسماع كلامه، فإذا حيل بينهم وبين هذا الذي فطروا عليه باتِّباع الشهوات، وركوب المعاصي، والإعراض عن الله - تعالى - تعذَّبت قلوبهم وتألمت أرواحهم، فتراهم يقهقهون بالنَّهار مع الأصدقاء، ويبكون بالليل عند انفرادهم بأنفسهم في الفراش، وقد لا يفهمون السبب، وقد يرجعونه هُم أو مَن حولهم من المختصين إلى أسباب جانبيَّة وغير حقيقة، وقليل مَن يتفطَّن إلى أن السبب الرئيس هو عدم انسجام المرء مع فطرته التي فطر عليها، وجنوحه عن الوجهة التي ينبغي لنفسه أن تصمد إليها.

    أمَّا الدلالة التي تَحملها كل هذه الحكايات من التائبين يومًا بعد يوم، فهي أن سعادة الإنسان مرهونة بقُربه من خالقه وسعيه في مرضاته، وأنَّ أيَّ (وصفة) للسَّعادة بعيدًا عن هذه (الوصفة) لن تزيد المريض إلا مرضًا، والجرح إلا غورًا، وأن كل دعوة تحول بين الإنسان وربه تحت شعارات: العلم أو التحضر أو الحرية، إنَّما هي جناية حقيقية على الإنسان وعلى حقيقة وجوده وحقيقة تكوينه (السيكولوجي)، كما هي في نفس الوقت جناية على عقله وتفكيره وتراثه الثقافي.

    قبل أن أختم هذه الكلمة أنقل لكم حكاية أحد الإخوة التائبين كتبها بيده، يعبِّر فيها عن قصته في الرجوع إلى ربه:
    كتب يقول:
    "في حكايتي الشخصية هذه سأحاول أن أنقل صورة لواقع كان مَعِيشًا، وتجربة كانت قائمة، لم أدبجها كخطبة وعظيَّة، ولم أضمنها صورًا من الخيال، أو عالم الغيب، الذي يَعُدُّه سفهاء العصر ضربًا من الاستهزاء والسخرية بالعقل، كلاَّ، بل هي تجربة واقعية يُمكن للعلم التجريبي أنْ يدخلها تحت مبحث من مباحثه، ودراسة من دراساته.

    تجربتي ليس فيها (دراما) مؤثّرة، تبدأ الأحداثُ فيها صغيرة عادية، ثم ترتفع لتصلَ إلى قِمَّتها من الإثارة والتعقيد، ثم تنفرج عن مشهد مؤثر.

    كلا، بل حكايتي - بكل بساطة - أنِّي كنت أعيش حياة عادية كأيِّ شاب في الجامعة، يستمتع بقضاء أيَّامه مع أصدقائه، وينتظر تحقيق أحلامه الوردية في مستقبل فيه الشُّهرة والأضواء.

    غير أنَّ الشيء الوحيد الذي كان يكدر حياتي - بجانب مكدِّراتها التي يتشارك فيها الناس جميعًا - هو الإحساس العميق بالغربة وأنا مقيم في بيتي مع عائلتي، مع الخوف الشديد الذي لا أدري مصدره: ألم قلبي يصعب وصفه، معاناة روحية لا يقدرها إلا من عايشها، ضحك وقهقهة بالنَّهار، وسمر مع الخِلاَّن في أول الليل، وعندما يُؤويني الفراش، أشعر بتعاسة شديدة وخوف وقلق، وقد أبكي لأستريح، وقد تبخل عليَّ عيناي.

    أمَّا عندما يأتي الشِّتاء وتغطي الغيوم سماء بلادي، فذاك حديث آخر؛ إذ تهيج أحزاني، وتزداد غربتي، ويعظم خوفي وقلقي، ويتفطر قلبي مما يلاقيه؛ لذا كنت أبغض نهار الشتاء كل البغض، وأتمنَّى لو أن الدنيا كانت بلا شتاء.

    لم تكن هذه الحالة التي وصفتها وليدة دُخولي الجامعة، بل كانت قد لازمتني في مراحل دراستي: المتوسطة، والثانوية، والجامعية.

    كنت قد ربطت بقائي في الدُّنيا بتحقيق أحلامي، إن لم أصبح كاتبًا ومفكرًا مشهورًا، فلن أستطيع، ولن أستحق أنْ أعيشَ، بل الشهرة أو الانتحار، كان هذا التفكير السلبي لا يفارق مخيلتي، حتَّى بعد تعرُّضي لهزيمة صغيرة عندما لم يسمح مجموع درجاتي بدخولي كلية الإعلام، لكني لم أتخيل أن أستطيع الحياةَ بغير تحقيق أحلامي.

    سمحتُ لأحلام اليقظة أن تغزو أرضًا فسيحة من عقلي وقلبي؛ لأهرب عن هذا الجحيم الذي كنت أعيشه، لكنها لم تغن عني منه شيئًا، كما لم يكن ينفعني في علاجه متابعتي للأفلام والمسلسلات، ولا جنوني بمشاهدة كرة القدم، ولا سماع أغاني "أم كلثوم" والموسيقى، ولا سهري مع أصدقائي، ولا تجربتي العاطفية التي عشتُها من طرف واحد أيَّام الجامعة، ولا قراءتي النهمة في الكتب الأدبية والفكرية التي انتظمت وزادت بدخولي الجامعة، ولا ما كنت أنظمه من شعر عن آلامي، أو ما أسطره من قَصص في دفاتري، ولا غير ذلك مما كنت ألهو به كسائر الناس.

    وفي يوم قدره الله صليت العشاء في مسجد ما، وألقى الإمام درسًا عاديًّا لم تبكِ منه عيني، ولا ارتجف منه قلبي، ولكن الرجل ركَّز على الخشوع في الصلاة، وأنك لا بُدَّ أن تصلي صلاة تنسى فيها الدنيا بما فيها، وتقف خالي الذهن مناجيًا ربَّك، مستحضرًا أنك قائم بين يديه بعظمته وجلاله، ثم تكلم الرجل عن القواطع والعوائق بيننا وبين هذا الخشوع من معاصٍ وآثام وذنوب، نقيم عليها ليلاً ونهارًا.

    وبعد فراغه - ولا أدري السبب حتى الساعة - قرَّرت أن أصلي "ركعتي السنة" بهذه الطريقة التي ذكرها الرجل، صلاةً أستحضر فيها أنني واقف بين يدي الله أناجيه وهو يسمعني، وفعلت ما ذكره الرجل، فإذا بي كأنِّي لم أكن أصلي قطُّ، وجدت شعورًا لم أكن قد عرفته قط، خرجت من الدنيا، وحلَّقت في عالم آخر.

    ومنذ هاتين الركعتين تغيَّرت حياتي، أصبحتُ أحنُّ إلى الصلاة حنينًا، فأجد الراحة والسكينة والطمأنينة، تركت كثيرًا من العادات التي كنت أعتادها، ليس لأنِّي كنت أعدُّها ذنوبًا وقتها، ولكن لأنَّها كانت تحول بيني وبين صلاتي الخاشعة، بدأت أحافظ على الصلوات وفي جماعة بعد أن كنت أنام عن صلاة الفجر دائمًا، تعلَّمت بعض الأذكار، وواظبت على ترديدها، وشيئًا فشيئًا أخذت حياتي تتغير.

    أدركت أن الحياة على منهج الله فيها كل السعادة دون حاجة إلى الأغاني، أو المسلسلات، أو الأفلام، أو مباريات كرة القدم، أو غير ذلك مما يظنه كثير من الناس مقوماتٍ للسعادة والمتعة، لا يمكن أن توجد السَّعادة أو اللذة، أو تتصور الحياة بغيرها، غير مدركين أن السعادة تنبع من داخلنا لسنا نأخذها من الخارج، وما في داخلنا (قلوبنا) لا سعادة لها إلا بالقرب من ربِّها وخالقها، وأما هذه الأمور التي ظنوها سعادة إنَّما بمثابة "المسكِّن" يوقف الألم برهة من الزَّمن ولا يعالج المرض.

    لم يمرَّ هذا بسلام، فقد كان في عقلي وقلبي ركام سنين، من قراءة في كتب ثقافيَّة وأدبية مليئة بأفكار عملت عملها في عقلي وقلبي، فهي تجعل الدُّنيا كل شيء في تفكير الإنسان، يعيش لها ويموت لها.

    ولكن بازديادي في الطاعة، وابتعادي عن عاداتي التي علمت أن الشرع لا يسوِّغها، أخذ التفكير في الآخرة يحتل مساحة كبيرة من عقلي ووجداني، اكتشفت أنَّ إيماني السابق بالآخرة لم يكن يعدو الإيمان النظري، الذي لا يشغل إلا مساحة هامشية من تفكيري وسلوكي، وأهدافي وغاياتي.

    أمَّا أن يكون هذا الإيمان هو محورَ حركاتي وسكوني، وفعلي وتركي، ورضاي وسخطي - فهذا لم يكن لي عهد به قبل هذه التجربة الجديدة، ومن ثم حدث صراع شديد في رأسي أمام هذين الاتجاهين وهاتين الرُّؤيتين، حتى خشيت على عقلي، ولجأت إلى الله، وبفضله عافاني من الجنون أو الإلحاد.

    قررت أن أعيشَ الدنيا على حقيقتها: أيَّامًا يسيرة ننتقل بعدها إلى الآخرة إلى الحياة الحقيقيَّة السرمدية، أمَّا الدنيا فما أسرع زوالَها وانتهاءها! فلا تستحق البكاء عليها، ولا أن تكون الغاية القصوى والحلم الكبير الذي يعيش الإنسان من أجله.

    إذا آمنا بوجود الله وصدقنا بموعوده، من جنة ونار، ونعيم وعقاب، فكم تساوي لذَّات الدنيا في جنب نعيم الجنة! وكم تساوي شدائد الدُّنيا في جنب عذاب النار! فلا مناصَ للعاقل أن يعلق آماله وطموحاته بنعيم حقيقي كامل لا ينقطع (الجنة)، وأن يجعل مخاوفه وتوجساته من عذاب حقيقي لا ينقطع ولا يُمكن احتماله (النار).

    لم ألبس المُسُوحَ، ولم أترهبن معتزلاً في صومعة، لكنِّي حرصت في حياتي الجديدة أنْ تكون شهواتي في حدود ما سمح به الشرع، كثرتْ قراءاتي في الكتب الدينيَّة، ثم بدأت أطلب العلم الشرعي.

    تغيَّرت حالتي النفسية تمامًا؛ فارقتني أحلام اليقظة التي كنت أعيش أسيرًا لها، تعافيت من حالة الغربة والقلق والخوف التي وصفتها، أشعر الآن بأمان كبير جدًّا رغم كثرة التحديات، لم أصبح كاتبًا مشهورًا، ومع ذلك لست حزينًا، ولست أفكر في الانتحار.

    نعم، في حياتي الآن آلام وأحزان ومعاناة - ككل الناس - لكنِّي أشعر دائمًا بالأمان؛ إذ معي خالقي وفاطري القريب الرحيم الرحمن، الذي هو أرحم بي من كل النَّاس حتى والدايَّ، فكيف أشعر بالغربة؟! ولمَ أقلق؟! وكيف أخاف؟!

    إنَّ كل ما ألاقيه من معاناة وألم إنَّما هو من ذنوبي التي أكتسبها، وبتقصيري في حق ربي وحق نفسي، وينبغي عليَّ الاستغفار، ومع ذا فهذه الآلام الدنيويَّة فيها تكفير للذنوب ورفع للدرجات، فأنا رابح على كل الأحوال وجميع الجهات.

    وأخيرًا:
    فإنِّي أحمد الله ربي ذا الإنعام على ما أنعم على عبده غير المستحق، وأسأله متضرِّعًا أن يزيدني من فضله، وأن يثبتني على الهدى حتى الممات".

    انتهى كلام الأخ، وقد نقلته؛ لِيَعْتَبِرَ به من أعياه البحث عن السَّعادة الحقيقيَّة والراحة القلبية، فأخطأ سبيلهما مع وضوحه وقربه منه، ألا وهو عودته إلى ربِّه.


    الشيخ

    علي حسن فراج
    [/center]
    غراس السنابل
    غراس السنابل


    سماع حكايات العائدين إلى الله Empty رد: سماع حكايات العائدين إلى الله

    مُساهمة من طرف غراس السنابل الخميس 04 نوفمبر 2010, 12:00 pm

    سبحانك ربي


    الله يثبته


    جزيت خيرا

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 05 نوفمبر 2024, 12:57 am