قال صلي الله عليه وسلم : (( يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون , ولا يكتوون , وعلى ربهم يتوكلون )) رواه مسلم .
وفي رواية البخاري، وذلك إن قوله: (( لا يرقون)) كلمة غير صحيحة، ولا تصح عن النبي علبه الصلاة والسلام،إن هذه اللفظة لفظة شاذة، وخطا لا يجوز اعتمادها،
والصواب: (( هم الذين لا يسترقون)) أي: لا يطلبون من أحد
إن يقرا عليهم إذا أصابهم شئ، لانهم معتمدون علي الله، ولان الطلب فيه شئ
من الذل، لأنه سؤال الغير، فربما تحرجه ولا يريد إن يقرا، وربما إذا قرا عليك لا يبرا
المرض فتتهمه، وما أشبه ذلك، لهذا قال لا يسترقون.
قوله: (( ولا يكتوون)) يعني: لا يطلبون من أحد إن يكويهم إذا
مرضوا، لان الكي عذاب بالنار، لا يلجا إليه إلا عند الحاجة.
وقوله: (( ولا يتطيرون)) يعني: لا يتشاءمون لا بمرئي، ولا
بمسموع، ولا بمشموم، ولا بمذوق، يعني: لا يتطيرون أبدا.
وقد كان العرب في الجاهلية يتطيرون، فإذا طار الطير وذهب نحو اليسار تشاءموا،
وإذا رجع تشاءموا، وإذا تقدم نحو الإمام صار لهم نظر آخر، وكذلك نحو اليمين وهكذا.
والطيرة محرمة، لا يجوز لاحد إن يتطير لا بطيور، ولا بأيام، ولا بشهور، ولا بغيرها، وتطير
العرب فيما سبق بشهر شوال إذا تزوج الإنسان فيه، ويقولون: إن الإنسان إذا تزوج
في شهر شوال لم يوفق، فكانت عائشة رضي الله عنها تقول: (( سبحان الله، إن
النبي صلي الله عليه وسلم تزوجها في شوال، ودخل بها في شوال، وكانت احب
نسائه إليه)) كيف يقال إن الذي يتزوج في شوال لا يوفق.
وكانوا يتشاءمون بيوم الأربعاء، ويوم الأربعاء يوم كأيام الأسبوع ليس فيه تشاؤم.
وكان بعضهم يتشاءم بالوجوه، إذا راء وجها ينكره تشاءم، حتى إن بعضهم إذا فتح
دكانه، وكان أول من يأتيه رجل اعور أو اعمي، اغلق دكانه، وقال اليوم لا رزق فيه.
والتشاؤم ، كما انه شرك اصغر، فهو حسرة علي
الإنسان، فيتألم من كل شئ يراه، لكن لو اعتمد علي الله وترك هذه الخرافات، لسلم،
ولصار عيشه صافيا سعيدا.
أما قوله: ( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) فمعناه: انهم يعتمدون علي الله
وحده في كل شئ، لا يعتقدون علي غيره، لأنه جل وعلا قال في كتابه: ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ
عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)(الطلاق: من الآية3)،
ومن كان الله حسبه فقد كفي كل شئ.
هذا الحديث العظيم فيه صفات من يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب.
فهذه أربع صفات: لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلي ربهم يتوكلون.
أورد بعض العلماء إشكالا علي هذا الحديث، وقال: إذا اضطر الإنسان إلى القراءة، أي
إلى إن يطلب من أحد إن يقرا عليه، مثل إن يصاب بعين، أو بسحر، أو أصيب بجن
واضطر، هل إذا ذهب يطلب من يقرا عليه، يخرج من استحقاق دخول الجنة بغير حساب
ولا عذاب؟
فقال بعض العلماء: نعم هذا ظاهر الحديث، وليعتمد علي الله وليتصبر ويسال الله العافية.
وقال بعض العلماء: بل إن هذا فيمن استرقي قبل إن يصاب،
أي: بان قال: أقرا علي إن لا تصيبني العين، أو إن لا يصيبني السحر أو الجن أو الحمي،
فيكون هذا من باب طلب الرقية لامر متوقع لا واقع،
وهنا استرقى؛ أي: طلب الرقية، أي لا يطلبون من أحد أن يقرأ عليهم، لما يلي:
1 ـ لقوة اعتمادهم على الله.
2 ـ لعزة نفوسهم عن التذلل لغير الله.
3 ـ ولما في ذلك من التعلق بغير الله.
ثم مما قال عند تعليقه على المسألة السابعة عشرة ما يلي: فالإنسان إذا أتاه من
يرقيه ولم يمنعه؛ فإنه لا ينافي قوله: " ولا يسترقون"، لأن هذا على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يطلب من يرقيه، وهذا قد فاته الكمال.
المرتبة الثانية: أن لا يمنع من يرقيه، وهذا لم يفته الكمال؛ لأنه لم يسترق ولم يطلب.
المرتبة الثالثة: أن يمنع من يرقيه، وهذا خلاف السنة؛ فإن النبي
صلى الله عليه وسلم لم يمنع عائشة أن ترقيه، وكذلك الصحابة لم يمنعوا أحدا يرقيهم؛
لأن هذا لا يؤثر على التوكل.
وكذلك الكي. فإذا قال إنسان: الذين يكوون غيرهم هل يحرمون من هذا؟
الجواب: لا! لان الرسول صلي الله عليه وسلم يقول: (( ولا يكتووون))
أي: لا يطلبون من يكويهم، ولم يقل ولا يكوون، وهو عليه الصلاة والسلام قدكوي اكحل سعد بن معاذ رضي الله عنه .