بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير سورة الناس
سورة الناس مدنية عدد آياتها ستة
( قل أعوذ بربّ الناس ) أي ألجأ إليه و أستعين به , و " رب الناس " الذي يربيهم بقدرته و مشيئته و تدبيره , و هو رب العالمين كلهم و الخالق للجميع .
( ملك الناس ) أي الذي ينفذ فيهم أمره و حكمه و قضاؤه و مشيئته دون غيره .
( إله الناس ) أي معبودهم الحق و ملاذهم إذا ضاق بهم الأمر , دون كل شيء سواه , و الإله المعبود الذي هو المقصود بالإرادات و الأعمال كلها .
( من شر الوسواس الخناس )
" من شر الوسواس " الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس و ذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقي الشبه في القلب , و المخاوف و الظنون السيئة و يزين القبيح و يقبح الحسن و ذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى .
" الخناس " هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر و كأنه غاب و لم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة , لأنه لا يوسوس إلا مع الغفلة .
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قوله " الوسواس الخنّاس " , قال : الشيطان جاثم على قلب ابن آدم , فإذا سها و غفل وسوس , فإذا ذكر الله خنس , و كذا قال مجاهد و قتادة .
و قال المعتمر بن سليمان عن أبيه : ذُكر لي أن الشيطان , أو : الوسواس ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن و عند الفرح , فإذا ذكر الله خنس.
و قال العوفي عن ابن عباس في قوله " الوسواس " قال : هو الشيطان يأمر , فإذا أطيع خنس .
( الذي يوسوس في صدور النّاس ) هل يختص هذا ببني آدم - كما هو ظاهر - أو يعم بني آدم و الجن ؟ فيه قولان , و يكونون - أي الجن - قد دخلوا في لفظ الناس تغليبا . قال ابن جرير : و قد استعمل فيهم " رجال من الجن " فلابدع في إطلاق الناس عليهم .
( من الجنّة و الناس ) هل هو تفصيل لقوله " الذي يوسوس في صدور الناس " ثم بينهم فقال " من الجنّة و الناس " و هذا يقوي القول الثاني , و قيل قوله " من الجنة و الناس " تفسير للذي يُوسوس في صدور الناس , من شياطين الإنس و الجن , كما قال تعالى " و كذلك جعلنا لكل نبي عدوّا شياطين الإنس و الجن يُوحي بعضهم إلى بعض زُخرف القول غرورا " , فالموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس , و الإنسان يوسوس بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر و تحسين القبيح و إلقاء الشبه في النفس , و إثارة الهواجس و الخواطر بالكلمات الفاسدة و العبارة المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان , إذ الشيطان من الجن يطرد بالإستعاذة و شيطان الإنس لا يطرد بها و إنما يصانع و يُدارى للتخلص منه