الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
إلى عموم إخواننا المسلمين في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلتعلم أخي المسلم أن الله تعالى قد أكمل الدين وأتم الرسالة، كما قال سبحانه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا )،
وأن الله قد ختم الشرائع ببعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يترك أمر خيرٍ إلا دلَّ الأمة عليه، ولا أمر شرٍ إلا حذرها منه وأمر بطاعته واتباع هديه
فقال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) , وقال تعالى : (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ), وقال صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ). [رواه البخاري, ومسلم] . وفي رواية لمسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
ولتعلم أن الله قد افترض علينا محبة نبيه صلى الله عليه وسلم فلا يقوم إيمان العبد حتى يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسه وماله وولده والناس أجمعين،
فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده لايؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري ،
ومن لوازم محبته طاعته واتباع هديه وعدم الخروج على شرعه بأي وجه كان.
وقد بين العلماء قديماً وحديثاً أن الاحتفال بمناسبة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة محدثة لم تكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا من سنة خلفائه،
ومن فعل شيئاً يتقرب به إلى الله تعالى لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به، ولم يفعله خلفاؤه من بعده، فقد تضمن فعلُه ذلك اتهامَ الرسول بأنه لم يبين للناس دينهم ، وتضمن تكذيبَ قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ).
وإذا كان البعض ينازع في بدعية المولد؛ فإن القاعدة الشرعية تقتضي رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وقال تعالى: ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) .
وقد رددنا هذه المسألة إلى كتاب الله سبحانه، فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا، وأمرنا باتباع الرسول فيه.
أخي المسلم: إن ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد مع المسلم في كل أوقاته، ويرتبط بها كلما ذُكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الأذان والإقامة والخطبة، وكلما ردد المسلم الشهادتين بعد الوضوء وفي الصلوات،
وكلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في صلواته وعند ذكره، وكلما عمل المسلم عملاً صالحاً واجباً أو مستحباً مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه بذلك يتذكره..
وهكذا المسلم دائماً يحيي ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتبط به في الليل والنهار طوال عمره بما شرعه الله ، لا في يوم المولد فقط ، ولا بما هو بدعة ومخالفة لسنته ، فإن البدعة تبعدك أخي المسلم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرسول صلى الله عليه وسلم غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره كما في قوله تعالى : (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) ، فلا يذكر الله عز وجل في أذان ولا إقامة ولا خطبة إلا ويذكر بعده الرسول صلى الله عليه وسلم وكفى بذلك تعظيماً ومحبة وتجديداً لذكراه وحثاً على اتباعه.
اللهم اجعلنا من اتباع دينك ظاهراً وباطناً ، اللهم اجعل حبّك وحبّ نبيك أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا والناس أجمعين، اللهم ارزقنا اتباع هدي رسولك الأمين صلى الله عليه وسلم واجعلنا من ورثة جنة النعيم ،،، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
...................................
إضـافـة للموضوع
...................................
حكم الإحتفال بالمولد النبوى
سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز
مفتى عام السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء
( 1 )
لا يجوز الإحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره لأن ذلك من البدع المحدثة فى الدين ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ولا التابعون لهم بإحسان فى القرون المفضلة ، وهم أعلم الناس بالسنة ، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم .
وقد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال ( من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أى : مردود عليه ، وقال فى حديث اَخر ( عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ) ففى هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها وقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه المبين ( وما اَتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) ( الحشر : 7 )
( 2 )
، وقال عز وجل ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ( النور : 63 ) ، وقال سبحانه ( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاَخر وذكر الله كثيرا ) ( الأحزاب : 21 ) ، وقال تعالى ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم ) ( التوبة : 100 ) ، وقال تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) ( المائدة : 3 ) . والاَيات فى هذا المعنى كثيرة . وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه : أن الله سبحانه وتعالى لم يكمل الدين لهذه الأمة ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ ما ينبغى للأمة أن تعمل به ، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا فى شرع الله ما لم يأذن به ، زاعمين : أن ذلك مما يقربهم إلى الله ، وهذا
( 3 )
بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم والله قد أكمل لعباده الدين ، وأتم عليهم النعمة .
ورسول الله قد بلغ البلاغ المبين ، ولم يترك طريقا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة ، كما ثبت فى الحديث الصحيح ، عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بعث الله من نبى إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم ) رواه مسلم فى صحيحه .
ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم ، وأكملهم بلاغا ونصحا ، فلو كان الاحتفال بالمولد من الدين الذى يرضاه الله سبحانه ، لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة ، أو فعله فى حياته ، أو فعل أصحابه رضى الله عنهم ، فلما لم يقع شىء من ذلك
( 4 )
عُلم أنه ليس من الإسلام فى شىء ، بل هو من المحدثات التى حذر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته ، كما تقدم فى ذكر الحديثين السابقين . وقد جاء فى معناهما أحاديث أخر ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم فى خطبة الجمعة ( أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ) رواه الإمام مسلم فى صحيحه . والاَيات والأحاديث فى هذا الباب كثيرة وقد صرح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها عملا بالأدلة المذكورة وغيرها . وذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة فى الحق وإنصاف فى طلبه : أن الإحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات التى أمر الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها ولا ينبغى لعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس
( 5 )
فى سائر الأقطار فإن الحق لا يُعرف بكثرة الفاعلين وإنما يُعرف بالأدلة الشرعية كما قال تعالى عن اليهود والنصارى ( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك امانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) ( البقرة 111 )
وقال تعالى ( وإن تطع أكثر من فى الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ( الأنعام 116 ) .
ثم إن غالب هذه الإحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى كاختلاط النساء بالرجال وإستعمال الأغانى والمعازف وشراب المسكرات والمخدرات وغير ذلك من الشرور وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر وذلك بالغلو فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأولياء ودعائه والإستغاثة به وطلب المدد منه واعتقاد أنه يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التى يتعاطاها الكثير من الناس حين إحتفالهم بمولد النبى صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم
( 6 )
بالأولياء . وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إياكم والغلو فى الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو فى الدين ) . وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تطرونى كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله ) .أخرجه البخارى فى صحيحه من حديث عمر رضى الله عنه . ومن العجائب والغرائب أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد فى حضور هذه الإحتفالات المبتدعة ويدافع عنها ويتخلف عما أوجب الله عليه من حضور الجُمع والجماعات ولا يرفع بذلك رأسا ولا يرى أنه أتى منكرا عظيما ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة ( سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز )
ملاحظات هامة :
إن الإحتفال بالمولد النبوى ليس من الدين فى شىء بل وفيه تشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى فى احتفالهم بأعيادهم .
( 7 )
فهم يحتفلون بمولد المسيح عليه السلام .
الاحتفال بالمولد النبوى لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سنة الخلفاء الراشدين ولا من هدى السلف الصالح ولكن أحدثه الشيعة الفاطميون الذين يطعنون فى الصحابة ويسبون عائشة وحفصة رضى الله عنهما زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم .
أنكر كثير من علماء الأزهر وعلماء مصر بدعة الإحتفال بالمولد النبوى مثل الشيخ على محفوظ والشيخ حسنين مخلوف مفتى مصر والشيخ المراغى شيخ الأزهر والشيخ رشيد رضا والشيخ محمد حامد الفقى والشيخ عبد الرحمن الوكيل والشيخ جميل غازى واَخرين .
واستكمالا للفائدة : من البدع المنكرة أيضا الإحتفال بعيد الأم وعيد شم النسيم فلا يجوز الإحتفال بعيد لم يأت به الشرع الحنيف .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى اَله وصحبه أجمعين