التّعريف :
1 - الملائكة جمع المَلَك بفتحتين , وهو واحد الملائكة , قيل : مخفّف من مالك , قال الكسائي : أصله مألك بتقديم الهمزة من الألوك وهي الرّسالة , ثمّ قلبت وقدّمت اللّام وقيل : أصله الملك بفتح ثمّ سكون : وهو الأخذ بقوّة , وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال وظهرت في الجمع , وزيدت الهاء إمّا للمبالغة وإمّا لتأنيث الجمع .
وفي الاصطلاح : المَلَك جسم لطيف نورانيّ يتشكّل بأشكال مختلفة , ومسكنها السّماوات . الألفاظ ذات الصّلة :
أ - الإنس :
2 - الإنس في اللغة : جماعة النّاس , والواحد إنسيّ وأنسيّ بالتّحريك , وهم بنو آدم , والإنسي يقتضي مخالفة الوحشيّ , والنّاس يقولون : إنسيّ ووحشيّ .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
والفرق بين الملائكة والإنس : أنّ الملائكة خلقوا من نور , ولا يأكلون ولا يشربون , ويعبدون اللّه ويطيعونه , قال اللّه تعالى : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } , وليس كذلك الإنس .
ب - الجن :
3 - الجن في اللغة : خلاف الإنس , والجان : الواحدة من الجنّ , وكان أهل الجاهليّة يسمون الملائكة جناً لاستتارهم عن العيون , يقال : جنّ اللّيل : إذا ستر .
ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغويّ .
والصّلة بين الملائكة والجنّ أنّ كلاً منهما له قوّة التّشكل بأشكال مختلفة .
الحكم الإجمالي للملائكة :
وردت في الملائكة أحكام منها :
أوّلاً - الإيمان بالملائكة :
4 - من أركان العقيدة الإسلاميّة الإيمان بالملائكة , قال اللّه تعالى : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } , وقال اللّه تعالى : { وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } .
وفي حديث عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عندما سأل جبريل عليه السلام عن الإيمان , قال صلى الله عليه وسلم : « أن تؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشرّه » .
فوجود الملائكة ثابت بالدّليل القطعيّ الّذي لا يمكن أن يلحقه شك , ومن هنا كان إنكار وجودهم كفراً بإجماع المسلمين , بل ينص على ذلك القرآن الكريم كما دلّت عليه الآية السّابقة .
ثانياً - صفاتهم الخلقيّة :
5 - أخبرنا ربنا سبحانه أنّ الملائكة خلقوا قبل آدم عليه السلام , قال اللّه تعالى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } .
كما أخبرنا النّبي صلى الله عليه وسلم أنّ اللّه خلق الملائكة من نور , فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « خُلقت الملائكة من نور , وخلق الجان من مارج من نار , وخلق آدم ممّا وصف لكم » .
فتدل النصوص في مجموعها على أنّ الملائكة مخلوقات نورانيّة ليس لها جسم مادّيّ يدرك بالحوّاس الإنسانيّة , وأنّهم ليسوا كالبشر فلا يأكلون ولا يشربون ولا ينامون ولا يتزوّجون, مطهّرون من الشّهوات الحيوانيّة , ومنزّهون عن الآثام والخطايا , ولا يتّصفون بشيء من الصّفات المادّيّة الّتي يتّصف بها ابن آدم غير أنّ لهم القدرة على أن يتمثّلوا بصور البشر بإذن اللّه تعالى .
ثالثاً - عبادة الملائكة للّه وما وكّل إليهم من أعمال :
6 - علاقة الملائكة باللّه هي علاقة العبوديّة الخالصة والطّاعة والامتثال والخضوع المطلق لأوامره عزّ وجلّ , قال تعالى : { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } , وقد وصفهم اللّه بأنّهم لا يستكبرون عن عبادته , قال اللّه تعالى : { لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ } .
وهم منقطعون دائماً لعبادة اللّه وطاعة أمره , كما ورد في الآيتين السّابقتين .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : « ما في السّماوات السّبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلّا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد , فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً : سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك إلّا أنَّا لم نشرك بك شيئاً » .
7 - قال ابن القيّم : دلّ الكتاب والسنّة على أصناف الملائكة , وأنّها موكّلة بأصناف المخلوقات , وأنّه سبحانه وكّل بالجبال ملائكةً , ووكّل بالسّحاب ملائكةً , ووكّل بالرّحم ملائكةً تدبّر أمر النطفة حتّى يتمّ خلقها , ثمّ وكّل بالعبد ملائكةً لحفظه , وملائكةً لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته , ووكّل بالموت ملائكةً , ووكّل بالسؤال في القبر ملائكةً , ووكّل بالأفلاك ملائكةً يحرّكونها , ووكّل بالشّمس والقمر ملائكةً , ووكّل بالنّار وإيقادها وتعذيب أهلها وعمارتها ملائكةً , ووكّل بالجنّة وعمارتها وغراسها وعمل الأنهار فيها ملائكةً , فالملائكة أعظم جنود اللّه تعالى , ومنهم : { وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفاً، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا ، وَالنَّاشِرَاتِ نَشْراً ، فَالْفَارِقَاتِ فَرْقاً ، فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً } ومنهم : { وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً، وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً ، وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً، فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً ، فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً } ,
ومنهم : { وَالصَّافَّاتِ صَفّاً ، فَالزَّاجِرَاتِ زَجْراً ، فَالتَّالِيَاتِ ذِكْراً } .
ومنهم : ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب , وملائكة قد وكّلوا بحمل العرش , وملائكة قد وكّلوا بعمارة السّماوات بالصّلاة والتّسبيح والتّقديس , إلى غير ذلك من أصناف الملائكة الّتي لا يحصيها إلّا اللّه تعالى .
ولفظ الملك يشعر بأنّه رسول منفّذ لأمر غيره , فليس لهم من الأمر شيء , بل الأمر كله للّه الواحد القهّار , وهم ينفّذون أمره { لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } , { يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } , { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } .
ولا تتنزّل الملائكة إلّا بأمر اللّه , ولا تفعل شيئاً إلّا من بعد إذنه .
ورؤساؤهم الأملاك الثّلاث : جبريل , وميكائيل , وإسرافيل , وكان النّبي يقول : « اللّهمّ ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل , فاطر السّماوات والأرض , عالم الغيب والشّهادة , أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون , اهدني لما أختلف فيه من الحقّ بإذنك , إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم » .
فتوسّل إليه سبحانه بربوبيّته العامّة والخاصّة لهؤلاء الأملاك الثّلاثة الموكّلين بالحياة . فجبريل موكّل بالوحي الّذي به حياة القلوب والأرواح , وميكائيل وكّل بالقطر الّذي به حياة الأرض والنّبات والحيوان , وإسرافيل موكّل بالنّفخ في الصور الّذي به حياة الخلق بعد مماتهم .
رابعاً - تفضيل الملائكة :
8 - قال ابن عابدين من الحنفيّة نقلاً عن الزّندوستيّ : أجمعت الأمّة على أنّ الأنبياء أفضل الخليقة , وأنّ نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم أفضلهم , وأنّ أفضل الخلائق بعد الأنبياء الملائكة الأربعة وحملة العرش والروحانيون ورضوان ومالك , وأنّ الصّحابة والتّابعين والشّهداء والصّالحين أفضل من سائر الملائكة .
واختلفوا بعد ذلك , فقال الإمام أبو حنيفة : سائر النّاس من المسلمين أفضل من سائر الملائكة , وقال محمّد وأبو يوسف : سائر الملائكة أفضل .
خامساً - سب الملائكة :
9 - اتّفق الفقهاء على أنّ من سبّ أنبياء اللّه تعالى أو ملائكته - الوارد ذكرهم في الكتاب الكريم والسنّة الصّحيحة - أو استخفّ بهم أو كذّبهم فيما أتوا به أو أنكر وجودهم وجحد نزولهم قتل كفراً .
واختلفوا هل يستتاب أم لا ؟
فقال الجمهور : يستتاب وجوباً أو استحباباً على خلاف بينهم .
وعند المالكيّة : لا يستتاب على المشهور .
قال الدسوقي : قتل ولم يستتب - أيّ بلا طلب أو بلا قبول توبة منه - حداً إن تاب وإلّا قتل كفراً , إلّا أن يسلم الكافر فلا يقتل لأنّ الإسلام يجب ما قبله .
قال الموّاق : وهذا كله فيمن تحقّق كونه من الملائكة والنّبيّين كجبريل وملك الموت والزّبانية ورضوان ومنكر ونكير , فأمّا من لم تثبت الأخبار بتعيينه ولا وقع الإجماع على كونه من الملائكة أو الأنبياء , كهاروت وماروت , ولقمان وذي القرنين ومريم وأمثالهم فليس الحكم فيهم ما ذكرنا إذ لم تثبت لهم تلك الحرمة , لكن يؤدّب من تنقّصهم .
وأمّا إنكار كونهم من الملائكة أو النّبيّين فإن كان المتكلّم من أهل العلم فلا حرج , وإن كان من عوامّ النّاس زجر عن الخوض في مثل هذا , وقد كره السّلف الكلام في مثل هذا ممّا ليس تحته عمل .
( ر : ردّة ف / 16 - 17 , 35 ) .