بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد, فهذا على بركة الله تفريغ للحصة الرابعة و الأخيرة من شرح كتاب الإتقان في نطق بعض ألفاظ القرآن برواية حفص بن سليمان من طريق الشاطبية
للشيخ توفيق ضمرة - حفظه الله -
مع بعض التصرف حتى يكون في شكل ملخص يُستفاد منه إن شاء الله
____
// مواصلة لشرح الكلمات:
بسم الله الرحمان الرحيم
إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالًاْ وَسَعِيرًا. الإنسان: 4.
---
كلمة: سَلَاسِلَا,
وصلا: هنالك وجه واحد, و هو أن تُقرأ بحذف الألف,
وقفا: هنالك وجهان: الوقف على الألف: مد طبيعي مقداره حركتان: سَلاَسِلاَ, وهو الوجه المقدّم
الوقف على اللام, سَلاَسِلْ
::::::
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ. الإنسان: 15.
قَوَارِيرَاْ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا. الإنسان: 16.
---
كلمتي ''قَوَارِيرَ'' في آخر الآية الأولى و أول الآية الثانية.
ماهو الفرق بينهما؟
الأولى : ثابتة وقفا, و ساقطة وصلا,
و الثانية: ساقطة وقفا ووصلا,
نلاحظ في رسم المصحف, أن الألف الأولى فوقها الصفر المستطيل القائم, و أن الألف الثانية فوقها الصفر المستدير.
الصفر المستطيل يدل على أن الألف ساقطة وصلا, و ثابتة وقفا, و أما الصفر المستدير, يدل على أن الألف ساقطة وصلا ووقفا.
و مثل "قواريراْ" الأولى هنالك كلمات معدودة, منها: " أناْ " حيث ما وُجدت في القرآن الكريم. و " لَكِنَّاْ " في سورة الكهف, و " الظُّنُونَاْ " في سورة الأحزاب و " الرَّسُولاْ " في سورة الأحزاب أيضا و " السّبيلاْ " أيضا في سورة الأحزاب,
هذه نسمّيها الكلمات السبعة: الست الكلمات التي ذكرناها وهي تثبت وقفا و تسقط وصلا, و إذا زدناها كلمة " سَلاَسِلَاْ " ( في حال إثبات الألف ), تصبح بأمر الله سبعة.
::::::
أَلَمْ نَخْلُقْكُّمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ. المرسلات: 20.
---
كلمة: نَخْلُقْكُّمْ
القاف يخرج من أقصى اللسان مع سقف الحنك الأعلى, و الكاف كذلك من أقصى اللسان, أسفل من مخرج القاف قليلا, مع سقف الحنك الأعلى
القاف و الكاف تقاربا مخرجا و اختلفا صفة, الأول ساكن و الثاني متحرك, فهما متقاربان صغير, و الحكم فيهما هو الإدغام الكامل, المتقاربان الصغير حكمهما الإدغام الصغير على الوجه الصحيح و الراجح, و هنالك
وجه آخر عند بعض العلماء وهو الإدغام الناقص. الذي رجّحتُهُ في هذا الكتاب هو أن فيها وجها واحدا, وهو الإدغام الكامل, في رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية.
و قد ذهب جمهور الأداء إلى أن الإدغام هنا هو إدغاما كاملا ( القاف مع الكاف). و ذهب الإمام مكّي بن أبي طالب في كتابه " الرعاية " , صفحة: 246, و ذهب كذلك ابن مهران في كتابيه " المبسوط في القراءات العشر " , الصفحة 50 و " الغاية في القراءات العشر " الصفحة 47 , إلى أن إدغام القاف مع الكاف هنا هو إدغام ناقص, بحيث تبقى صفة الإستعلاء في القاف
فنأتي أولا بصفة الإستعلاء ثم ننطق الكاف المشدّدة. وقال الدّاني في جامع البيان في الجزء الأول, الصفحة: 424: " و أجمعوا على إدغام القاف في الكاف و قلبها كافا خالصة, من غير إظهار صوت لها. يعني من غير إبقاء صفة الإستعلاء في القاف. و ذهب إلى ذلك أيضا و ذكره صاحب النّشر ابن الجزري في الجزء الثاني من كتابه في الصفحة 16 و قال الشيخ الضّبّاع رحمه الله تعالى في " صريح النقل " ,
صفحة 26: " و ليس مكّي و ابن مهران من من طرقنا ( أي طرق حفص, سواءا من الطّيبة أو من الشّاطبية ) فكل ما ذكره المحررون من التفريع ( من أنّ فيها وجهان ) لا داعي له . لأن مكّي و ابن مهران لا يوجد لهما طرق من حفص من الطّيبة. كذلك لما ذكرت هذه الكلمة برواية حفص عن عاصم من طريق الطّيبة ذكرت أن فيها فقط الإدغام الكامل و لذلك لم أضعها في المفردات التي اختُلف فيها في رواية حفص
أي في الفرق بينها و بين الشاطبية. إذا عندي أن هذه الكلمات فيها إدغام كامل فقط و لكن ذهب بعض المحررين و بعض المشايخ إلى أنّ فيها الوجهان الإدغام الكامل و الإدغام الناقص, و ممّن نصّ على ذلك: ' اِبن يالوشة ' في ' الأوجه المقدّمة ' و ' بن بنّا ' في ' إتحاف فضلاء البشر ' و ' القاضي ' في ' الوافي في شرح الشاطبية ' و غيرهم الكثير.
::::::
عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ. النبأ: 1.
---
كلمة: عَمَّ.
إذا وقفنا على هاته الكلمة فإننا ننطق بالميم المشدّدة و نقف عليها دون. فتحة ولا هاء ( عَمَّهْ ) أو غير ذلك
كذلك لكمة "ثُمّ" إذا وقفنا عليها و أي كلمة في آخرها ميم مشدّدة.
::::::
كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.المطفّفين: 14.
في : "بَلْ رَانَ", علينا أن ننتبه إلى السكت بين الكلمتين. و هي من تفردات حفص وغيره من الرواة و القراء لا يسكتون على هذه الكلمة
و في حفص من الطّيبة على حسب الطّرق, إمّا السكت أو الإدغام.
---
::::::
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. العلق: 1.
خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. العلق: 2.
اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. العلق: 3.
---
ننتبه عند وصل البسملة بأول سورة العلق إلى أن الهمزة في كلمة "اِقرأ" هي همزة وصل و ليست همزة قطع.
و في الوصل بين الآيتين الثانية و الثالثة, لدينا التقاء ساكنين, إذن يُكسر الساكن الأول ( عَلَقَنِ ) و كذلك الهمزة في كلمة "اقرأ" في بداية الآية الثالثة, هي همزة وصل.
::::::
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. الهمزة: 1.
الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ. الهمزة: 2.
---
عند وصل الآيتين, لدينا أيضا التقاء ساكنين فنحرّك الساكن الأول لتصبح الكلمة ( هُمَزَتِنِ ).
::::::
تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ. الفيل: 4.
---
تكلمت على الإخفاء الشفوي عندما تكون لدينا ميم ساكنة بعدها باء و مسألة هل نطبق الشفتين أو تبقى بينهما فرجة و هذه منتشرة في هذا الزمان, كثير من الطلاب يسأل عنها, و في الأردن لدينا المشايخ بعضهم يُقْرئ بالكيفية الأولى و بعضهم الآخر يُقْرئ بالثانية.
و في وزارة الأوقاف لدينا يقولون بترك فرجة بسيطة جدا بين الشفتين بمقدار 1 مم و طبعا هذا رأي جديد و قوي لكنّي آخذ برأي شيخ القرّاء في سوريا وهو الشيخ 'محمد كريم راجح' و كذلك شيخ قرّاء مصر 'أحمد عيسى المعصرواي' و صدر من قبل مشايخ القراء في سوريا فتوى بأن الأصل و القديم وما تلقاه العلماء في الشام عند النطق بالميم الساكنة و بعدها باء أن يكون هناك إطباق شفتين و لكن بدون تشديد و بدون كزّ.
أي يكون هنالك إطباق و تلامس بين الشفتين بدون ضغط عليهما.
ولو تصفح الإنسان الأنترنات, يجد إن شاء الله كلاما كثيرا في هذا الموضوع, فمنهم من يرجّح هذا القول و منهم من يرجّح ذاك و ينتصر أصحاب هذا القول أو ذاك بذكر مجموعة من كتب العلماء في العصر الحديث و في العصور القديمة و كتاباتهم و أقوالهم و غير ذلك.
المهم عندي إذا قرأ الطالب أمامي بأيّ من الطريقتين أجيزه و لكن لو سألني عن رأيي الشخصي أقول بما تلقيته عن السادة العلماء و المشايخ بأن الإخفاء الشفوي بإطباق الشفتين, و طبعا هو غير ملزم باتّباعه لأن الرأي الشخصي يجب أن ينساه.
::::::
وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ. الكافرون: 3.
كذلك تكلمت عن الإخفاء الحقيقي إذا جاءت النون الساكنة أو التنوين و بعدها حرف من حروف الإخفاء خاصة بحروف مقدّمة اللسان , فهنا الإخفاء لا عمل للسان به أي عند النطق بالنون المخفاة لا نضع طرف اللسان عند الحرف الموالي للنون , إنما يبقى اللسان تحت و لا عمل للسان به.
::::::
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. الإخلاص: 1.
اللَّهُ الصَّمَدُ. الإخلاص: 2.
---
عند وصل الآيتين, لدينا التنوين ساكن ( أَحَدُنْ ) و لام لفظ الجلالة ساكن, نحرّك الساكن الأول هنا بالكسر , نكسر نون التنوين ( أَحَدُنِ الله ), الدال تكون مضمومة و النون تكون مكسورة و بما أن ما قبل لام لفظ الجلالة مكسور فإنها ( لام لفظ الجلالة ) تُرقّق.
::::::
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إبراهيم: 36.
بعد ذلك تكلّمت عن الفرق بين الضاد و الظاء في كلمة 'أضللن' و ما يشبهها, لأنه من السادة و العلماء من يتساهل في هذا الموضوع, بعضهم يقول أن الضاد تشابه وتخرج قريب من مخرج الظاء.
و لكن عندنا أن مخرج الضاد هو من إحدى حافتي اللسان مع أصول الأضراس العليا سواءا كان من اليمين أو من اليسار وهي تتميز بالمخرج و بالصفات عن الظاء. فبالتالي لا تشابهها لا صوتا و لا مخرجا و لا صفةً, إلا ما تشابه في بعض الصفات.
::::::
كثير من السادة العلماء كانوا يتكلمون عن كيف وصل لنا القرآن الكريم إلى هذا الزمان, كما أن طلبة العلم كانوا يسألون من قرأ بهذه القراءة و كيف وصل لنا بهذه الكيفية القرآن الكريم.
فقمت بعمل ملخص في كيفية وصول القرآن الكريم, فذكرت أن القرآن الكريم نزل على النبي صلى الله عليه و سلم في تطوال بعثة النبي صلى الله عليه و سلم في الفترة المكية و الفترة المدنية و رجحت أنه
نزل في الفترة المكية على حرف واحد, ثم لما هاجر النبي صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة و انتشر القرآن الكريم بين القبائل العربية. و إن كانت كلها
عربية إلا أنها كانت هنالك بعض القبائل تختلف عن البعض الآخر في اللهجات و في طريقة نطق بعض الكلمات كتسهيل الهمزات و إدخالها و التقليل و الإمالة إلى غير ذلك.
فهذه كلها لهجات عربية صحيحة قوية, و بعضها افصح من بعض و لكن هذه اللهجات أُذِن للنبي صلى الله عليه و سلم أن يقرئ الصحابة وفقها, فدعا النبي صلى الله عليه و سلم ربه أن يسهّل على الناس فأنزل الله سبحانه و تعالى القرآن على سبعة أحرف
ممّا يوافق اللهجات العربية مما أُّذن بقراءة القرآن الكريم وِفقها. فقرأ النبي صلى الله عليه و سلم و أقرأ الصحابة وفق هذه الأحرف السبعة,
و قد لاحظ الصحابة الكرام هذا الإختلاف في عصر النبي صلى الله عليه و سلم و الأحاديث في ذلك كثيرة كيف أنهم قرؤوا أمام بعضهم البعض, و اختلفوا ثم عادوا إلى النبي صلى الله عليه و سلم
و ذكروا هذا الاختلاف بأن فلانا قد قرأ السورة الفلانية و الآية الفلانية على غير ما أقرأتني إياه, فيقرّ النبي صلى الله عليه و سلم كلا الطرفين و يخبرهم بأن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما عُلِّمتُم,
و هذا ما ورد عن علي بن أبي طالب,
حيث قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يأمركم أن تقرؤوا كما عُلّمتم. فأنت تقرأ كما عُلّمتَ و كما أخذت على النبي صلى الله عليه و سلم. و هكذا أخذ الصحابة على النبي,
ثم بعد ذلك الصحابة علموا القرآن للتابعين و التابعين إلى تابعيهم, و لا يأخذ القرآن بالقراءة مباشرة من المصحف, إذ لا بُدّ فيه من التّلقّي, فلو جئنا بأكثر الناس علما في اللغة العربية و طلبنا منه أن يقرأ " بسم الله مجراها و مرساها " أو " مالك لا تأمنّا على يوسف " أو غيرها, لما اِستطاع أن يقرأها على حسب الرسم إنما لا بد فيها من التلقي , لذلك قال عمر بن الخطاب و زيد بن ثابت
و محمد بن منكدر و عروة بن الزبير و عمر بن عبد العزيز و عامر الشعبي و غيرهم من السادة العلماء و الصحابة و التابعين, قالوا : "القرآن سنّة متّبعة فاقرؤوا كما عُلِّمتُموه". إذن القرآن سنّة يأخذ الآخر عن الأوّل, المتأخر عن المتقدم, فيقرأه كما سمعه من شيخه أو كما قرأه الطالب على شيخه و أقرّه على هذه الكيفية.
إذن نزل القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه و سلم على سبعة أحرف كما في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:" أَقْرَأَنِي جِبِْريلُ عَلَى حَرْفٍ فَرَاجَعْتُه فَلَمْ أَزَلْ أَسْتَزِيُدهُ وَيزِيدُنِي حََّتى انْتَهَى إلَِى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ ". مما سهل التلاوة عل القبائل العربية و خاصة ممن لا يستطيع أن يرحل للتلقي عن النبي صلى الله عليه و سلم و لسانه قد اِعتاد لهجة معينة وهي لهجة قبيلته و طبعا كانت الآيات تنزل على النبي صلى الله عليه و فيأمر النبي صلى الله عليه و سلم
النبي صلى الله عليه و سلم كتبة الوحي بكتابتها و كُتب القران الكريم كاملا في عهد النبي صلى الله عليه و سلم بين يديه.
و لكن لم يكن القرآن مجموع بين دفّتين في حياة النبي صلى الله عليه و سلم, لأسباب عدة منها و من أهمها أن القران الكريم لم يكن ينزل بترتيبه في المصحف ( الفاتحة - البقرة - .. ) إنما كان ينزل مفرّقا منجّما حسب الواقع و الأحداث فتنزل السورة الكاملة أو بعض الآيات, بعضها متأخر عن بعض
و إذا نظرت إلى نهاية المصحف و اِستعرضت أسماء السور لوجدت السور المكية و المدنية, و ربما السور السبع الطوال التي في البداية كالبقرة و آل عمران و النساء و المائدة هذه نزلت في المدينة,
الأنعام نزلت في مكة, البقرة معظمها يتحدث عن التشريعات, نزلت في المدينة, أيضا آل عمران في المدينة, و هكذا .. و آخر ما نزل من المصحف, آية في البقرة مع أن ترتيبها السورة الثانية.
لاحظنا أن النزول كان ينزل مفرقا منجما قد يكون في البقرة أو في آل عمران أو في سورة الفتح أو في سورة محمد و غيرها من السور ليست على ترتيب المصحف فلم يكن في عهد النبي صلى الله عليه و سلم مجموع بين دفّتين كما أن بعض الآيات نُسخت في عهد النبي صلى الله عليه و سلم.
ولكن بعد وفاة النبي صلى الله عليه و سلم أصبح بالإمكان جمع القرآن الكريم و هذا ما حصل في عهد الصّدّيق رضي الله عنه و أرضاه صاحب النبي صلى الله عليه و سلم , فبعد مقتل كثير من القراء في معركة اليمامة
أشار عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنه على الصديق رضي الله عنه بجمع القرآن الكريم و جمعه زيد بن ثابت كاتب الوحي في عهد النبي صلى الله عليه و سلم حيث توفرت فيه الشروط المُعتبرة, و قال له أبو بكر " إنك شاب عاقل لا نتّهمك و قد كنت تكتب القرآن الكريم للنبي صلى الله عليه و سلم فاجمع القرآن الكريم "
و جمعه زيد على أقصى درجات الحيطة و التحرّي و التدبر و كتب القران الكريم كاملا بين دفتين لأول مرة. فجمعوا الصحف ووضعوا بعضها فوق بعض و سموه المصحف, و هكذا جمع زيد بن ثابت القرآن الكريم
و أثبت فيه ألفاظ القرآن الكريم و أصبحت الآن محفوظة في الصدور و في السطور و بقي الناس يعلمون القران الكريم و انتشر الاسلام في ارجاء المعمورة و فتحت مصر
و فتحت بلاد الشام و العراق و ازدهرت الكوفة و البصرة و طلب الناس من عمر بن الخطاب أن
يرسل إليهم من يعلمهم القرآن, فأرسل القراء إلى الأمصار و علموا وفق ما تعلموه من النبي صلى الله عليه و سلم.
الان الصحابة عندهم علم بأن هناك اِختلاف في الأحر ف السبعة, و لكن من تلقاه من التابعين عن الصحابة لم يكونوا لديهم سماع إلا لطريقة واحدة للقران الكريم من هذا الصحابي الذي جاء معلما لهذا القطر,
فلذلك لما التقى في فتح ارمينيا و جربيجان, جيش العراق مع جيش الشام و صلّى بعضهم خلف بعض, وجدوا أن هنالك اختلافا في قراءة القران الكريم
فهذا يقول : 'سارعوا'. و ذاك قد حفظها : 'و سارعوا'. و هكذا, اختلاف في زيادة و نقص و اختلاف في نطق بعض الألفاظ, فاختلفوا بينهم فسارع حذيف بن اليمان إلى أمير المؤمنين في ذلك الوقت " ذو النّوران ",
عثمان بن عفان صاحب النبي صلى الله عليه و سلم و له مآثره و مناقبه لا نستطيع أن نذكرها الآن,
فجمع الصحابة الكرام و خرج بنتيجة واحدة أنه لا بد من نسخ القرآن الكريم و أمر بتشكيل لجنة و أمر
بنسخ هذا المصحف الذي كان عند أمّنا أمّ المؤمنين حفصة بنت عمر و زوجة النبي صلى الله عليه و سلم, فأُحضر من عندها ثم نُسخ في ستة مصاحف و الآن عثمان بن عفان رضي الله عنه يعرف
أن القران لا يؤخذ إلا بالتلقي فأرسل مع كل نسخة من المصاحف قارئا يقرئُ وفق هذا المصحف , فأرسل مثلا أبا عبد الرحمان السُّنني الذي كان قد قرأ عليه و قرأ على عليّ و قرأ على زيد و أُبيّ و ابن مسعود,
أرسله ليقرئ وفق المصحف الذي بيده فحمل مصحفا ثم ذهب إلى الكوفة و جلس في المسجد الجامع المسجد الكبير و أخذ يقرئ الناس القرآن, فممن تتلمذ على يديه الحسن و الحسين ابنا علي رضي الله عنهم جميعا و عاصم بن أبي النّجود الكوفي و غيرهم الكثير
و جلس يقرئ القرآن مطبّقا لحديث واحد من أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم وهو : " خيركم من تعلّم القرآن و علّمه " , و قال هذا الذي أجلسني مجلسي هذا و أرسل مصحفا إل البصرة و آخر إلى الشام و آخر إلى مكة
و أعطى لزيد بن ثابت يقرئ به الصحابة و التابعين في المدينة و أخذ هو مصحفا لنفسه, وردّ المصحف الأول إلى أمّنا حفصة بنت عمر
قد يقول قائل هل جميع المصاحف نسخة واحدة لا تختلف؟ كلاَّ. هناك ضبطة في هذه المصاحف و في ألفاظها, فثبّت الكلمات و الأحرف و الحركات بقي فيها مجال. فو اختلفت الحركات مثلا في كلمة يَحْسَبون و يَحْسِبون, كتبها بشكل واحد لان المصحف لم يكن فيه حركات الإعراب. و كذلك لو كان فيها خلاف في النقاط
مثل 'تعملون' و 'يعملون' , كتبها كتابة واحدة لأنها تحتمل الوجهين فالمصحف لم يكن منقط و لا مشكلا. لكن إذا كان هنالك زيد أو نقص في بعض الأحرف, فأثبته في مصحف و لم يثبته في مصحف آخر, مثل
'سارعوا' و 'و سارعوا' بالإضافة الواو أو بحذفها, فمن كان في مصحفه بالواو قرأها قولا واحدا بالواو 'و سارعوا' و من كان في مصحفه بدون واو قرأها بدون واو 'سارعوا' و هكذا في 'يقول' و 'تقول'.. 'تجري من تحتها الأنهار' و 'تجري تحتها الأنهار' و غير ذلك ممّا هو مُوضّح في ما كتبته في كتاب حفص أحسن البيان في شرح طرق حفص بن سليمان من طريق الطيبة
فقرأ هؤلاء السادة العلماء و أقرؤوا وفق هذا المصحف و هنا نشأة القراء الكبار, فأخذ عن أبي عبد الرحمان السلمي عاصم بن أبي النجود الكوفي, و غيرهم من القرّاء في الأمصار
و كثر القراء في العالم الاسلامي, إلى أن جاء اِبن مجاهد و تتبّع و اِختار سبعا من القراء في كتابه " السبعة في القراءات "و هم: في المدينة: نافع المدني , في مكة: اِبن كثير , في الشام اِبن عامر الشامي , في البصرة: أبو عمر البصري
و عاصم و حمزة و الكسائي في العراق.
و اِختار لكل قارئ راويان , مثلا عاصم اِختار له حفص و شعبة و هكذا. و طبعا كانت طرق عديدة لهم, وجاء بعده مجموعة من العلماء فكتبوا و زادوا عن السبعة و نقصوا.
فكتب مثلا 'الطاهر بن غلبون' كتب 'التذكرة في القراءات الثمان' حيث له ثمانية قراء, و غيرهم نقص و غيرهم زاد, كصاحب كتاب 'الكامل' وهو 'الهُذَلي', جمع عشر قراءات و الأربعين الزائدة عليها يعني خمسين قراءة و غيرها مصنف في قراءة واحدة فقط
كقراءة (( مفردات )) يعقوب لأكثر من مؤلف (( نفرد )) فيها قراءة واحدة.
إذن أصبحت لدينا القراءات السبعة و الروايات الأربعة عشر و لكن لدينا الطرق كثيرة.. فجاء أبو عمروا الداني في كتابه التيسير و كَتَبَ القراءات السبع بأربعة عشر رواية باِختيار طريق واحد فقط لكل رواية
ثم جاء الشاطبي و نظم كتاب التيسير المنثور نثرا, نظمه نظما بقصيدته المشهورة 'حرز الاماني ووجه التهاني'
نحن نسمّيها بالشاطبية .كونه خرج من شاطبة من الأندلس وسهل علينا اسم الشاطبية و لاقت هذه القصيدة القبول
حيث اِنتشرت في مصر و حفظها القراء و كان له الكثير من الطلاب النجباء. و هنا اِنتشرت القصيدة و اِنتشر طلاب الشاطبي الذين نقلوا القصيدة
ثم شرحوها شروحا كثيرة, فلها ما يزيد عن خمسين شرحا إلى زماننا هذا و لذلك اشتهر طريق الشاطبية على غيرها من الطرق, و صار الناس
لا يعرفون شيئا أكثر من الشاطبية. ثم جاء شيخ القراء محمد بن محمد الجزري الذي وجد أنّ القراءات السبعة منثورة نثرا في كتاب التيسير و منظومة نظما
في كتاب حرز الاماني فزاد على كتاب التيسير ثلاثة من القراء وهم أبو جعفر و يعقوب و خلف بروايين لكل قارئ و تم هذا الكتاب 'تحبِير التيسير' , فصارت القراءات العشرة منثورة نثرا
ثم نظم هذه القراءات الثلاثة بقصيدة الدرّة المضيئة فصارت القراءات العشر الصغرى منثورة نثرا و منظومة نظما
لماذا سميناها العشر الصغرى؟
لأنه لدينا عشر من القراء و عشرون من الرواة, كل قارئ له راويان, فلدينا عشرون راوي, كل راوي له
طريق, فلدينا عشرون طريقا. العشرون نسميها صغرى لأنها صغيرة العدد ثم بعد ذلك جمع كل كتب القراءات التي في عصره و اختار منها - أي من هذه القراءات العشر للعشرين راوي - معظم الطرق المحتملة الصحيحة و بلغت طرق النشر كما ذكر هو, 980 طريقا و عدّها البعض و زادها حتى وصل
إلى الزيادة عن الألف كما فعل الدكتور أيمن سويد.
إذن 980 طريق مذكورة في كتاب النشر عدد كبير و من هنا سميت العشر الكبرى أي العشر الموجودة في كتاب النشر و قد نظم هذه الطرق في القصيدة المشهورة 'طيّبة النشر' فأصحبت القراءات العشر الكبرى كذلك منثورة نثرا في كتاب النشر و منظومة نظما في طيّبة النشر.
طبعا قد يكون بعض الكتب قبل بعض تاريخا و لكنني ذكرتها تسلسلا لسهولة تعلم هذا الأمر. فصارت لدينا القراءات العشر الصغرى لعشرين راوي بعشرين طريق, و القراءات العشر الكبرى لعشرين راوي و بـ 980 طريقا
ثم إنّ اِبن الجزري درّس عددا كبيرا من الطلاب و بعضهم قرأ عليه ختمة كاملة برواية أو قراءة أو أكثر و بعضهم قرأ بعض القرآن الكريم و أجازه في الباقي
ولذلك معظم الأسانيد في هذا الزمان ترجع إلى اِبن الجزري لأن معظم الناس في عصره من الذين اشتهروا قد أخذوا عنه.
و هكذا أخذ عنه مثلا أحمد بن أسد الأنبوطي و عنه السنديسي و عنه علي بن محمد الخزرجي و عنه عبد الرحمان بن شحاتة اليمني و هكذا إلى أن وصل إلى قراء هذا الزمان الذين على قيد الحياة و الذين هم
بدورهم نقلوا هذا العلم بهذه الكيفيات إلى طلابهم حتى وصل إلينا القرآن الكريم.
نسأل الله أن يوفقنا سبحانه و تعالى أن يوفقنا لقراءة القرآن آناء الليل و أطراف النهار و أن ينفعنا به و أن يجعلنا من الذين يحلون حلاله و يحرمون حرامه ويؤمنون بمحكمه و متشابهه و يقيمون حروفه و حدوده و أن يجعلنا من الذين يتخلقون بأخلاقه.
::::::
//ملاحظة: يُرجى الرجوع دائما في رسم الكلمات لكتاب الشيخ, حيث نجدها مرسومة بدقة, مثلما نجدها في المصحف.
كذلك كلمتان ملوّنتان بالرمادي غير متأكدة من سماعي لهما بصورة جيدة.
أعتذر كل الإعتذار عن أي تقصير أو خطئ, و أرجو من مشايخنا الكرام أن يتفضلوا بمراجعة المكتوب حتى و إن كان هنالك خطئ, أصلحوه بارك الله فيكم و أن يشيروا على ذلك حتى ننتبه لأخطائنا.
أحسن الله إلى الشيخ توفيق ضمرة و بارك الله في عمره و علمه.
و الحمد لله رب العالمين
كتبه الأخت أم الشهداء
انتهى بفضل الله