الحاسة التي لا تنام
عندما ينام الإنسان فإن الحاسة الوحيدة التي يمكن أن توقظه هي حاسة السمع ولذلك
فإن أي إنسان يستطيع أن يتجول بجوار الشخص النائم كما يشاء دون أن يوقظه أو ينبهه
إلا إذا صدر منه صوت فإنه يكون كفيلا أن يوقظ النائم. و في سوره الكهف يخبرنا جل
جلاله بأن سبب نوم الفتية هذه السنين الطويلة هو أنه تعالى ضرب على آذانهم ..
فأصبح النهار كالليل بلا ضجيج ... قال تعالى:
( فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً) الآيه11سورة الكهف.
والأذن هى أول حاسة تعمل منذ الولادة وهى أداة الاستدعاء عند البعث.
حتى أن الجنين عمر ثلاثة أشهر يملك حاسة سمع كاملة.
وقد أثبتت الأبحاث أن الطفل فى بطن أمه يستطيع أن يميز الأصوات كما
أنه يتأثر بالأصوات الخارجية حتى أن سرعة دقات قلبه تتغير حسب نوع
الصوت وشدته. وبذلك يولد الطفل بحاسة سمع كاملة على عكس حاسة النظر
الذى يولد بها الطفل ناقصة حتى أن الطفل لمدة عدة أيام لا يرى ثم يبدأ فى الرؤية
بدون ألوان (أي أبيض وأسود) ثم يتطور بعد ذلك.
وتنام كل الحواس ماعدا الأذن , فإذا قربت يدك من شخص نائم فانه لا يستيقظ
وإذا ملأت الغرفة عطرا أو حتى غازا ساما فانه يستنشقه و يموت دون أن يستيقظ,
ولكن إذا أحدثت صوتا عاليا فانه يقوم من النوم.
و الأذن هي الحاسة الوحيدة التي لا تستطيع أن تعطلها بإرادتك ..
فأنت تستطيع أن تغمض عينيك أو تشيح بوجهك بعيدا إذا لم ترد رؤية شخص
معين .. وتستطيع أن لا تأكل .... فلا تتذوق ... و أن تغلق أنفك عن رائحة معينه
... أو لا تلمس شيئا معينا لا ترغب بلمسه ... و لكن الأذن لا تستطيع تعطيلها
حتى لو وضعت يديك عليها ... حتماً فسيصلك الصوت
( فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين )
الروم52
( افأنت تسمع الصم أو تهدى العمى ومن كان في ضلال مبين )
الزخرف40
هنا شبه الله الذين لا ينصاعون لأمره بالموتى والصم .. ولله في خلقه شؤون
ولما كانت الأذن الداخلية هي الحاسة الوحيدة المكتملة لدي المولود ،
فهذا يفسر لماذا توجهنا السنة الى أن نؤذن في أذن المولود؟
وهناك سؤال يطرح نفسه لماذا لم يوجهنا الرسول صلي الله عليه وسلم الى أن
نؤذن في المكان الذي يوجد فيه المولود وليس في أذنه مباشرةً طالما أن الأذن
تكون مكتملة تشريحيا ووظيفياً؟
والجواب أنه من المعروف وجود السائل الأمنيوسى amniotic fluid
عند الولادة والذى يملأ تجاويف الجنين ومنها الأذن الخارجية والوسطي
ومن ثم يحدث ضعف في السمع من 20 إلي 40 ديسيبل فربما لو أذن
في المكان لا يسمع المولود.
عندما يولد الطفل فاقدا لحاسة النظر، فإنها لا تؤثر على باقي الحواس على
عكس حاسة السمع. فعندما يولد الطفل فاقدا لحاسة السمع ، أو إذا افتقدها فى
سنوات عمرة الأولى فإن الطفل يكبر دون أن يستطيع الكلام أي أن اللغة
لا تتكون بدون حاسة سمع سليمة.
و بالفعل فكم سمعنا عن أدباء و فلاسفة فاقدين لحاسة البصر مثل الشاعر
أبو العلاء المعري والأديب طه حسين و غيرهم كثيرون .... لكن العلماء
و الأدباء الصم أقل بكثير من العلماء الضريرين ... صحيح أن الموسيقار
الكبير بيتهوفن أشتهر بأنه كان أصم هذا صحيح ولكنه لم يكن أصم منذ الولادة.
يستطيع أي إنسان أن يمنع نفسه أو غيره من الإبصار بمجرد إغماض العين،
بينما لا يستطيع أحد أن يلغى حاسة السمع نهائيا حتى لو ربط على الأذن وحتى
لو ثقبت طبلة الأذن فإن الإنسان يستمر في السمع ولكن بقوة أقل.
كل إنسان يستطيع أن يراقب ما حوله عن طريق حاسة السمع من جميع الاتجاهات
حتى وإن كانت خارج مجال رؤيته بينما لا يستطيع أن يرى غير ما هو واقع أمامه.
لا تعمل حاسة النظر إلا في وجود درجة معقولة من الإضاءة على عكس حاسة
السمع ، فلا حاجة إلى وضع خارجي معين كي تعمل.
فيا أخي المسلم كرم هذه الحاسة بترك سمع المعاصي ...
فهناك أناس محرومون من هذه الحاسة ويتمنون لو يستطيعوا أن يسمعوا ولو ليوم واحد ،
فاحفظ سمعك يا أخي المؤمن واستخدمه في ما يرضي الله وليس السمع فقط .
" رب أوزعني ان أشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه"
سورة الأحقاف "15"