قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا
وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } [سورة فصلت: 30]
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } . [سورة الأحقاف: 13]
عرف ابن القيم الاستقامة بأنها : القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق
والوفاء
بالعهد .
القاعدة الأولى :
أن الاستقامة منَة من
الله وهبة منه ، فيتضرع العبد لله عز وجل أن يرزقه الله إياها وأن يثبته
عليها .
القاعدة الثانية : أن حقيقة الاستقامة هي لزوم المنهج القويم
والصراط
المستقييم .
القاعدة الثالثة : أن أصل الاستقامة استقامة
القلب فقد روى الإمام أحمد في مسنده وابن أبي الدنيا عن أنس رضي الله عنه
قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه
، ولا
يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ، ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه )
حسنه
الألباني .
القاعدة الرابعة : أن الاستقامة المطلوبة من
العبد هي السداد ( وهو إصابة السنة ) فإن لم يستطع فالمقاربة . وذكر لطيفة
في قوله تعالى { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ
أَنَّمَا
إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ
وَوَيْلٌ
لِلْمُشْرِكِينَ } [سورة فصلت: 6] أنه سبحانه لما أمر بالاستقامة أمر
بالاستغفار بعدها لعدم حصول كمال الاستقامة كما أمر .
القاعدة الخامسة : أن الاستقامة تتعلق
بالأقوال والأفعال والنيات والأحوال وأشار إلى حديث أنس السابق ولما في
الصحيحين
من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه
وسلم ( ... ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد
الجسد كله ألا وهي القلب ) .
القاعدة السادسة : أن الاستقامة لا تكون إلا
لله ( خالصة له ) ، وبالله ( مستعان عليها به - حصولا وثباتا -) وعلى أمر
الله ( على صراطه الذي أمر به ) .
القاعدة السابعة : أن الواجب على العبد ألا
يتكل على عمله ويغتر به مهما صلح ذلك العمل . {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا
آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } [سورة المؤمنون:
60].
جاء عند الترمذي أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : سألت رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا
وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر ويسرقون. قال
: لا
يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا
يقبل منهم
أولئك الذين يسارعون في الخيرات ) صححه الألباني .
القاعدة الثامنة : أن من هُدي في الدنيا إلى
الصراط المستقيم وبقدر ثباته عليه تكون هدايته وثباته على الصراط المنصوب
على ظهر
جهنم يوم القيامة .
( وهذه القاعدة في نظري من أهم القواعد في الثبات على الاستقامة إذا
استحضرها
العبد في كل أحواله ) .
القاعدة التاسعة : أن الشبهات والشهوات
قواطع تصرف عن الاستقامة وذكر ههنا حديث عظيم ، عن ابن مسعود رضي الله
عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( ضرب الله مثلا صراطا مستقيما ،
وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة ، وعلى الأبواب ستور مرخاة ،
وعند رأس
الصراط داع يقول: استقيموا على الصراط ولا تعوجوا ، وفوق ذلك داع يدعو كلما
هم عبد
أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه . ثم
فسره
فأخبر أن الصراط هو الإسلام وأن الأبواب المفتحة محارم الله وأن الستور
المرخاة
حدود الله وأن الداعي على رأس الصراط هو القرآن وأن الداعي من فوقه واعظ
الله في
قلب كل مؤمن )
. رواه وأحمد والترمذي وصححه الألباني في المشكاة .
القاعدة العاشرة : أن مشابهة المغضوب عليهم
والضالين من أسباب الانحراف عن الصراط المستقيم .
وختم حفظه الله محاضرته بما نقله ابن القيم من كلام شيخ الإسلام : أعظم
الكرامة
لزوم الاستقامة .
رزقنا الله وإياكم الاستقامة والثبات عليها وأخلص نياتنا وأصلح أعمالنا
لفضيلة الشيخ الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر