من طرف زمزم الثلاثاء 15 يونيو 2010, 8:27 pm
لقد استلهمت هذا التساؤل من تنبؤ الله تعالي الذي أتي علي لسان رسوله الأمين في قوله تعالي:
(يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان 30).
وفعل هجر التي منها الهجر والهجرة والهجران التي تعني في العربية ترك شئ
وتبديله بشئ آخر، بأن تقول مثلاً: (هاجر الرجل من الريف إلي المدينة)،
تعني أن الرجل قد ترك مكان إقامته أو موطنه الأصلي ليكون في مكان آخر.
ولما كنا نعرف من القرآن الكريم أن الخلاف الأساسي بين المؤمنين من أصحاب
الرسول الكريم، وبين المشركين بزعامة أبي سفيان في رسالة الله الأخيرة
كانت علي النصوص التي تقرر في القرآن بوجود حقوق للفقراء في أموال
الأغنياء، ومنع ظلم الأقوياء للضعفاء، والأمر بالعدل بين الناس دون تمييز
بين غني أو فقير، وطالبت الفئة الغنية التي بقيت علي الإشراك من قريش
بزعامة رئيسها بتبديل آيات القرآن تلك بأخرى تناسب الأغنياء.
لكن الله تعالي الذي سمع طلبهم أنزل علي رسوله الكريم وحياً بلسانه رافضاً
مطالبهم (راجع الآية التي تبدأ ب (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ
مِن تِلْقَاء نَفْسِي) "يونس 15") نتج عنه ما نعلم من كتب السيرة من
اضطهاد المشركين للمؤمنين كانت نتيجته اضطرارهم للهجرة الأولي التي كانت
إلي الحبشة ثم أجبروا علي الهجرة الثانية التي انتهت بهجرة الرسول بنفسه
هذه المرة إلي المدينة المنورة، ثم ما تبع ذلك من غزوات وحروب نشبت بعدها
بينهم، وانتهت أخيراً بفتح مكة وتسليم المشركين بالأمر الواقع وهم
مقهورون.
الصراع بين الخير والشر موجود علي هذه الأرض منذ أيام آدم وسيبقي مستمراً
إلي يوم يرث الله تعالي الأرض وما عليها، لذا علينا إن كنا مؤمنين ألا
ننسي عداء الشيطان لنا وأن الشيطان الأول هو النفس الأمارة بالسوء في كل
منا، لكن الله تعالي يبشر المؤمنين الصادقين أن الغلبة في النهاية علي هذه
الأرض ستكون لجانب الخير مع وجود حزب الشيطان وعدائه المستتر بقوله تعالي:
(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة 21).
وكما نعلم من التاريخ الإسلامي أن حزب الشيطان لم يهدأ حتي في عصر الرسول
ولم يتوقف عن الكيد للمؤمنين، بل كاد وخطط كما نعلم، ونجح في قتل ثلاثة من
الخلفاء الراشدين، كما تمكن من بعد معركة صفين الفاصلة بين أهل الحق وأهل
الباطل نتيجة ضعف نفوس أهل الحق وميلهم نحو الباطل أمام مغريات الدنيا،
فعمل الكثير منهم في مخطط تهجير المسلمين عن كتاب الله تعالي الحاوي علي
الحق والعلم والنور، القرآن العظيم إلي البديل الذي كانوا قد مكروه سراً
تحت اسم (أحاديث الرسول الشريفة والقدسية) التي قالوا عنها أنها نزلت علي
الرسول بوحي آخر من السماء صدقاً وآمن به – مع الأسف الشديد عامة المسلمين
بدعم من علماء الدين المحترفين كما لم يتوقف ذلك الدعم ولا إيمان العامة
به إلي هذا اليوم.
بعد معركة صفين بدأ حزب الشيطان ببناء قواعد الدين البديل الذي ابتدعوه
بمكر عظيم تزول منه الجبال، ونسبوا أغلب رواياتها ظلماً وافتراء للرسول
الأمين، ولربه الكريم، وسموها: (الأحاديث النبوية الشريفة) التي أوجدوا
بها دين أهل السنة، لكنهم لم ينتهوا من بناء هذا الدين إلا في العصر
العباسي علي يد الأئمة الأربعة الذين ساهموا بشكل مباشر في تفريق أهل
السنة إلي أربعة مذاهب تشريعية بتأييد من خلفاء بني العباس ابتاعاً لمبدأ
ميكافيللي القديم في العلوم السياسية (فرق تسد).!!
فدين أهل السنة هذا مع مذاهبها الشرعية الأربعة تلك ما زال مستمراً في
عملية التطبيق رغم تناقضه الصريح مع دين الله تعالي المبين في القرآن
والمتناقض بشكل علني للوصية الأخيرة من وصايا الله العشر الواردة في
الآيات (151-153 من سورة الأنعام) التي تقول في آخرها
(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام 153).
ودعم دين السنة البرئ أصلاً من دين الله تعالي القرآني ما زال مستمراً من
جميع السلطات الحاكمة في البلاد الإسلامية وبتأييد من كل رجال الدين
المحترفين إلي يومنا هذا.
ومن حق القارئ الكريم أن يتساءل قائلاً (إذا كان هذا ما حدث في تاريخ كل
الرسالات بما فيها رسالة الإسلام الأخيرة التي ما زالت رسالتها الأساسية
التي بلغها الرسول بأمانة مطلقة محفوظة في الكتاب المحفوظ، وفي صدور
المسلمين الذين لم يعودوا يقرأونه إلي في مناسبات الموت وفي الجنازات بعد
أن أنسوا مع الزمن تدبره الذي هو تطبيقه في حياة المؤمنين، فمتي ستكون إذن
غلبة الحق للباطل؟..... ومن هم رسل الله تعالي الموعودون بالغلبة علي الشر
والباطل والشيطان؟...
في قول الله الكريم الذي قرأناه قبل قليل:
(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة 21).
طبعاً إن سنة الله في خلقه لن تتبدل كما سبق أن أخبرَنا سبحانه، ومن مات
من رسله لن يعودوا أبداً إلي الأرض لينصر المؤمنين، لكن ما دامت الرسالة
التي أنزلت للناس كافة ما زالت كاملة ومحفوظة في كتاب القرآن، فكل من يؤمن
به دون أن يشرك به شيئاً من أقوال أو أحاديث يمكن أن يتحول إذا تطوع لنشر
الدعوة إلي دين الله تعالي جهاداً في سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة،
وبيده كتاب الله الكريم وحده من دون إشراك أي كتاب آخر لا برهان لديه علي
صحته.
أقول عندها يتحول مثل ذلك المتطوع إلي رسول لله مادامت مهمة أي رسول هي
تبليغ ما معه من رسالة (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل 125).
لكن ذلك التحول لن يجعل منه نبياً بالطبع ما دمنا قد علمنا أن شرط النبوة
لن يتحقق إلا باتصال النبي عن طريق الوحي بالله تعالي، وهذا كان قد انتهي
كما علمنا ربنا أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) كان آخر الأنبياء في الأرض، وأن رسالته كانت
خاتمة الرسالات.
وتلك الرسالة القرآنية ما زالت محتفظة بالحقيقة كاملة بلا تحريف أو تبديل من أي شيطان رجيم، وستبقي موجهة كافة إلي يوم الدين.
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (سبأ 28).
تلك الرسالة التي ما تزال حافظة وبشكل سليم لكل الرسالات السابقة بشهادة
الله تعالي فيها، كما أصبحت الرسالة الوحيدة التي وجهت للناس كافة مبينة
علي احتوائها علي دين الله الواحد الذي كان عليه أصلاً كل أنبياء الله
ورسله المكرمين السابقين من الذين بلّغوا، كما أُمِروا رسالات ربهم من نوح
وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وموسي وعيسي ومحمد عليهم الصلاة
والسلام أجمعين.
علينا نحن المؤمنين المتطوعين اليوم أن نعمل رسلاً لله تعالي من أجل تبليغ
تلك الرسالة للعالمين أن نحسن تبليغها للناس بالحكمة والموعظة الحسنة وأن
نجادلهم بالتي هي أحسن، ونحن علي علم مسبق أن علمنا السلمي هذا هو وحده
المسمي بالجهد والجهاد في سبيل الله، والذي قَلَب معناه حكام ما بعد
الراشدين عند المسلمين لعلمهم بأن الجهاد فرض عين علي كل مؤمن ومؤمنة،
بينما القتال في سبيل الله فرض كفاية فقط، وله شروط محددة من أهمها عدم
جواز الاعتداء، ولا يكون إلا دفاعاً عن النفس أو الوطن.
الله تعالي أرسل رسالة السلم والسلام للعالمين ليعم الخير والعدل والسلام
في الأرض بدلاً من الشر والظلم والحروب والدمار الذي عممه غير الراشدين من
الأمويين والعثمانيين كما نقرأ في تاريخهم الموصوف تحت اسم "الفتوحات
الإسلامية".
وأحب أن أنوه هنا إلي حروب الرسول الكريم مع مشركي الجزيرة العربية وحربي
الروم والفرس التي بدأها الرسول في مؤتة وتبوك وخطط لها سبحانه في سورة
الحشر، تلك الحروب كانت بقيادة الله تعالي المباشرة، كما كانت لها ظروف
وأهداف استراتيجية خاصة، فأحكم سبحانه وتعالي آياته حسب تلك الظروف وجعلها
بطابع خاص في صيغة الخطاب لتسهيل تمييزه عن الخطاب العام الذي سماه سبحانه
بالمتشابه أو الآيات المتشابهات، وأحب أن أنبه القارئ الكريم أنه من دون
التمييز بين المحكم والمتشابه في القرآن الكريم لا يمكن فهم القرآن الكريم
علماً بأن كل ما نقرأ عن المحكم والمتشابه في كتب التراث ليس له علاقة بها
من قريب أو بعيد، ولا أعتقد أن هذا قد حدث عن سوء فهم من كهنة السلاطين
الكبار بل عن قصد منهم وأمثالهم من الناس يطلق عليهم سبحانه لقب شياطين
الإنس لعلمه سبحانه أن هدفهم الأول كان وما زال إبعاد فهم القرآن عن عقول
المسلمين بصفة عامة حتي يعيشوا في نعيم الدنيا مع الحكام وينالوا نعيم
الآخرة بالحج والتوبة قبل موتهم، وليعيش عامة الناس في ظلام الجهل مع قبول
ظروف القهر والفقر ظناً منهم أن تلك كانت إرادة الله ومشيئته، وهذا هو
نصيبهم من الرزق في الحياة الدنيا الذي قسمه لهم سبحانه من قبل أن يولدوا
وهكذا عاشوا وما زالوا يعيشون وهم ينتظرون لقاء ربهم لينعموا هناك في جنة
الآخرة.
ليس المهم بعد أن نعلم هذه الحقيقة اليوم أن نجلس بعدها لنلوم السابقين،
أو لنبكي علي الماضي الذي ذهب بحلوه ومره ومضي بحسناته وسيئاته، بل المهم
إن كنا مؤمنين حقاً أن نبدأ الآن وبلا تأجيل العمل في العمل في مجال إصلاح
ديننا الذي هو في الأصل دين الله تعالي علي المبادئ التي بينها الله تعالي
في القرآن العظيم وحده الحاوي علي كتب الأولين التي أنزلت عن طريق الوحي
إلي أنبيائه ورسله السابقين عليهم صلوات الله تعالي وسلامه أجمعين،
والجامع للدين كله أخرجه سبحانه ليتلاءم مع كل المجتمعات الإنسانية إلي
يوم يبعثون.
وكما نوهت قبل قليل فإن مهمة فرز الآيات المحكمات عن الآيات المتشابهات ما
زالت من أهم المهام الملقاة علي عاتق المؤمنين من العلماء التفكرين في سبل
الهدي والرشد والإصلاح في الدين، ولكن ليس بالسير في عملية الفرز تلك علي
خطي آبائنا الذين أضلوا عن الحق قبل أن يجف قبر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) بسواعد
شياطين الإنس المتعاونين مع الخلفاء غير الراشدين، ومن الذين فضلوا اسلوب
الإستبداد والتسلط مع الظلم، فأبعدوا القرآن عن الناس قصداً وجعلوه كتاباً
مهجوراً لا يجوز لمسه إلا للمطهرين أمثالهم!!.... وعودوا الناس علي ألا
يتلي إلي في مناسبات الموت أو يتلي علي الأموات في القبور، فأصبحوا
يتشاءمون من سماع تلاوته في المنازل بعد أن قربوا من أيدي الناس وحببوا
إلي أسماعهم أحاديث ما أنزل الله بها من سلطان ويستحب لمسها وقراءتها في
كل حين بنوا عليه دين السلطان المعظم تحت اسم هدي الرسول ظلماً، وكأن الله
تعالي كان قد جعل لغيره من عباده هدي ليشاركوه في الدين.
(قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَىَ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام 71).
(وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا) (الفرقان 31).
(شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ) (البقرة 185).
(ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة 2).
لذا وللأهمية هذين الموضوعين فإنني سأشير إليهما في بحثين متتاليين بعنوان:
1- ما هي السورة المحكمة والآيات المحكمات؟؟
2- ما هي السبع المثاني والآيات المتشابهات؟؟
حيث نعلم بالتفصيل في حينه أن الآيات المحكمات فقط هي الآيات التي كانت
تخاطب الرسول والذي عاصروه، وخلال استمرار نزول الوحي عليه فقط من أجل
إرشادهم إلي سبيل الهدي والرشاد لحل مشاكلهم الدنيوية بأيديهم بعد تغيير
ما في نفوسهم من جهل وتخلف، من رواسب العصور السابقة إلي علم وتقدم، ومن
تبديل أوضاعهم العامة من ضعف إلي قوة، ومن ذل إلي رفعة، مع تنظيم علاقاتهم
من جديد من ربهم الحقيقي الذي هو الرحمان الرحيم.
وسبب تركيزي علي هذا الموضوع هو كونه السبب الرئيس المباشر لبقاء المسلمين
اليوم علي حاله لم تعد مقبوله في الخلط بين المحكم والمتشابه من الآيات لا
يعود ضرره إلي علي المسلمين وحدهم بل علي كل من يجاورهم خاصة بعد ظن
المسلمين أن آيات القتال التي كلف بها نفس الرسول (ص) تكون مقصورة علي
حياته وحدها فقط!!!
(فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ) (النساء 84).
تلك الآيات المحكمات التي أنزلها الله تعالي علي رسوله الكريم من أجل
معالجة أوضاع كان يجب أن تعالج لإرساء قواعد دين الله تعالي علي الأرض من
جديد بعد سيطرة العقلية الكافرة مع من اتبعهم من المشركين فيها.
آيات كانت ترشد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأتباعه لما يجب عليهم أن يفعلوه في كل موقف،
وتدعو الفئة المستضعفة إلي التقوي بالإيمان ومحاربة الفساد بشكل منظم تحت
إشراف رب السماوات بذاته العلية الذي دام خلال حياة الرسول وتوقف بموته.
وقد كان الرسول الكريم علي علم مسبق بهذا، وكان يعلم من ربه أن منيته
قريبة، فأعلن نهاية هروب الرسول في الجزيرة العربية في خطبة حجة الوداع
التي نقرأها في تاريخ السيرة النبوية.
بعد وفاة الرسول الكريم انتهت تلك الحالة الخاصة وعادت إلي سنتها الأولي
التي سنها سبحانه للناس جميعاً في تبديل الأوضاع التي تردت نتيجة التطور
الطبيعي مع تبدل الظروف حسب مبدأ (ساعد نفسك علي الخروج من الحفرة التي
سقطت فيها نيتجة للظروف المستجدة بإرشاد الله وهديته ولكن دون توقع تدخله
المباشرة في تبديل الأوضاع كما يفعل مشايخ اليوم في المساجد بعد صلاة
الجمعة طالبين من الله تعالي أن يدمر أعداءهم وهم في نعيمهم يمرحون.
لقد أعلن الله تعالي لنا أنه لن يتدخل في شئوننا ولن يغير أحوالنا
المتردية إن لم نبادر نحن بتغيير ما بأنفسنا من الأسباب الداعية لذلك
التردي، وإن ذهبنا نحارب عدواً احتل بلادنا فلن ينصرنا سبحانه عليه إن لم
ننصر أنفسنا قبل ذلك بتجاوز خلافاتنا التي أوصلناها مع الزمن إلي مستوي
العداوة والحقد إلي وفاق ومحبة واتحاد الصفوف لندعوا بعدها ربنا بالنصر
علي عدونا الذي أتي ليحتلنا بعد أن رأي ضعفنا من خلال تفرقنا.
(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد 11).
لذلك فإنني أدعو إلي التأكيد مرة أخري أن بقاءنا اليوم علي حالة الهجر
للقرآن مع حالة الخلط الملازمة لها بين المحكم والمتشابه من الآيات ما
زالت المشكلة الكبري التي تلازم تفكيرنا كمسلمين يعاني منها أبناؤنا
وبناتنا لهذا اليوم أيضاً.
أرجو من القارئ الكريم عند قراءته موضوعي المحكم والمتشابه حول آيات
القتال الخاصة بعصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) ألا يظن أن الله تعالي يستنجد بقوي
المؤمنين للدفاع عنه في قتال الكافرين أو المشركين عن ضعف منه سبحانه
وتعالي.
وألا يظن أن الأمويين أو العباسيين أو الفاطميين أو العثمانيين من الذين
استمروا علي رفع راية الحرب علي الشعوب المجاورة تحت شعار الجهاد في سبيل
الله كانوا في دعوة صادقة، بل كانت دعوة إلي إمبراطورية جديدة باسم السلام
والإسلام، تماماً كما نري اليوم طموحات باسم الديمقراطية ومحاربة الإرهاب.
إذ لو كانت غاية الله تعالي قتل الكافرين والمشركين لأماتهم جميعاً بكلمة
كان فيكون، أو لخلقهم من المؤمنين بالأمر ومن دون خيار كما فعل مع
الملائكة أجمعين.
هذه التصورات الخاطئة عن الله تعالي وعن دينه القويم أتتنا نتيجة هجرنا
لنصوص الداعية إلي دين المحبة والأخوة والسلام في العالم أجمع، كما نستطيع
أن نري ومضاتها الباهتة التي ما زالت في زوايا التوراة والإنجيل التي لعبت
فيها مع الزمن أصابع التحريف والتبديل باعتراف المتدينين الأتقياء منهم.
لكن مع كل هذا فإن الله تعالي يعلم بوجود أقلية صادقة في إيمانها بالحق
وبالله تعالي بين اليهود والمسيحيين والمسلمين بدليل قوله سبحانه:
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة62
يتبع