الكثير منا يحصل عنده لبس في حديث
( كُـلَّ مُحدَثَـةٍ بدعَةٌ )
وحديث
( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً فَـلَهُ أجْرُها وأجرُ مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة )
ويتساءل ويحتار كيف يجمع بينهما ولكن من رحمة الله بنا أنعم علينا بعلماء كالنجوم في الظلماء يهتدى
بهم ويستنار بعلمهم فلا يضل من اتبع آثارهم ونهل من علمهم ورجع إليهم ..
ولقد وفـّق فضيلة الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - بين الحديثين اللذين ذكرا آنفا وبيّـن المعنى بأسلوب واضح وبسيط حيث قال :
فالجواب من وجهين :
الوجه الأول :
أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) أي :
من ابتدأ العمل بالسنة ، ويدل لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكره بعد أن حث على الصدقة للقوم
الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها ، فجاء الصحابة كلٌّ بما تيسر له ، وجاء رجل من الأنصار بصرّة قد أثقـلت يده فوضعها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم - :
(( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً فَـلَهُ أجْرُها وأجرُ مَن عَمِلَ بها إلى يوم القيامة )) أي : ابتدأ العمل بسنة ثابتة ،
وليس أنه يأتي هو بسنة جديدة ، بل يبتدئ العمل لأنه إذا ابتدأ العمل سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل .
الوجه الثاني :
أن يقال : (( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) أي :
سن الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة - رضي الله عنهم - المصاحف على مصحف واحد ،
فهذا سنة حسنة لا شك ؛ لأن المقصود من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل بعضهم بعضاً .
كذلك أيضاً جمع السنة وتبويبها وترتيبها ، فهذه سنة حسنة يتوصل بها إلى حفظ السنة .
إذاً يُحمل قوله : (( مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَـةً )) على الوسائل إلى أمور ثابتة شرعاً ،
ووجه هذا أننا نعلم أن كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتناقض ونعلم أنه لو فُـتِحَ الباب لكل شخص
أو لكل طائفة أن تبتدع في الدين ما ليس منه لتمزقت الأمة وتفرقت ، وقد قال الله عز وجل :
{ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }
الأنعام159 انتهى كلامه رحمه الله .