كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده
حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ قَالَ (أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قُلْتُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظيمٌ، قلْتُ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: وَأَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ تَخافُ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ، قُلْتُ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: أَنْ تُزانِيَ حَليلَةَ جارِكَ).
الشرح:
*فيه حرص الصحابة على معرفة أخطر الشرور ليحذروها وهذا يدل على كمال الفقه فإن العاقل لا يخفى عليه معرفة الشر وإنما يخفى عليه معرفة أشد الشرين فينبغي أن يتكلف البحث والنظر والسؤال ليعرفه.
- وفيه أن الشرك بالله من أعظم الذنوب لأنه ظلم محض في حق الله تبارك وتعالى وليس فيه حظ من حظوظ النفس كسائر ذنوب الشهوات.
والشرك هو تسوية الخالق بالمخلوق في شيء من خصائص الله سواء كان في الربوبية أو في الألوهية أو في الأسماء والصفات فكل من صرف العبادة لغير الله أو اعتقد اعتقادا بمخلوق لا يليق إلا بالله فهو مشرك والمشرك من أشد الظالمين والمفسدين في الأرض لأنه تذلل وخضع ورجا حصول النفع واندفاع الضر في المخلوق العاجز الذي لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا لنفسه فكيف بغيره.
والمشرك قد انتقص الرب وأساء لجنابه ونسب له الشرور وما قدره حق قدره. ولذلك شدد الله في هذا الذنب وعظم جزائه.
قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ). فالشرك محبط للأعمال ومخرج من الملة ومخلد في النار ولا يغفره الله تعالى.
والشرك قسمان:
1- شرك أكبر: وهو صرف كل عبادة لغير الله.
2- شرك أصغر: وهو كل عمل أو اعتقاد سماه الشارع شركا ولم يصل إلى معنى صرف العبادة. وهو وسيلة غالبا للشرك الأكبر وهو أنواع وصور كثيرة.
*وفيه أن قتل الولد من أعظم الذنوب لشدة حرمة الولد وعظيم الظلم لمن حقه متأكد والتسخط للقضاء وسوء الظن بالله من الخوف من الفقر في المستقبل وهذا فيه ترك للتوكل على الله.
* وفيه شدة جرم الزنا بامرأة الجار لما في ذلك من الخيانة والغدر وهتك حرمة الجوار التي عظمها الشارع وشدد في أمرها ولأن النفوس الكريمة تأنف من التشوف لهذا المنكر مع سهولة ارتكابه فالداعي إلى الشهوة ضعيف والمانع عنه ضعيف أيضا.
*وفيه أن الذنوب تتفاوت في الجرم والعقوبة في الآخرة بحسب ما يقترن بها من المعاني والمقاصد والأحوال فالشارع شدد في الشرك لأنه كفر بنعمة الله وصفاته وتفرده فهو المستحق وحده للعبادة وشدد في قتل الولد لما في ذلك من اتباع الشيطان وترك التوكل الشرعي وشدد في الزنا بالجارة لما في ذلك من الغدر والخيانة.
وهذا يبين أن الناس يتفاوتون في درجة فعل المنكر المعين من حيث العقوبة والذنب بحسب الغرض والمقصد والحال كما يتفاوتون في فعل الطاعة من حيث المدح والثواب بحسب مقاصدهم وأحوالهم وإخلاصهم وتجردهم لله.
خالد بن سعود البليهد