الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله، أما بعد:
في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها، ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أن كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فغدا لليهود وبعد غد للنصارى».
وفي صحيح مسلم عن ابى هريره، وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال صلى الله عليه وسلم: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» [رواه مسلم].
الخاصة الأولى عن خصائص يوم الجمعة:
كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (ألم تنزيل) و(هل أتى على الإنسان).
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها, فإنهما اشتملتا على خلق أدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان قرائتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قرائتها حيث اتفقت، فهذه خاصة من خاصة يوم الجمعة".
الخاصة الثانية:
استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة» [حسنه الألباني].
الخاصة الثالثة:
صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاونا بها، طبع الله على قلبه.
الخاصة الرابعة:
الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكد جدا، وجوبه أقوى من وجوب الوتر وقراءة البسملة في الصلاة وغيرها مما أختلف فيه.
الخاصة الخامسة:
التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب فى غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة:
السواك فيه، وله مزية على السوك في غيره.
الخاصة السابعة:
التبكير للصلاة.
الخاصة الثامنة:
أن يشتغل بالصلاة والذكر، والقراءة حتى يخرج الإمام.
الخاصة التاسعة:
الإنصات للخطبة اذا سمعها وجوبا في أصح القولين، فإن تركه كان لاغيا، ومن لغا فلا جمعة له، وفي المسند مرفوعا والذي يقول لصاحبه: أنصت، فلا جمعة له.
الخاصة العاشرة:
قراءة سورة الكهف في يومها.
الخاصة الحادية عشرة:
أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعى رحمة الله ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية، وفي الحديث الصحيح: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».
الخاصة الثانية عشرة:
قراءة (سورة الجمعة) و (المنافقون)، أو (الأعلى والغاشية) في صلاة الجمعة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في (الجمعة) و(هل أتاك حديث الغاشية ) ثبت عنه ذلك كله.
الخاصة الثالثة عشرة:
أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع، وفى المسند وسنن وابن ماجة من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الاضحى ويوم الفطر» [ضعفه الألباني].
الخاصة الرابعة عشرة:
أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها، وفي سنن أبي داود:
«ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته» [صححه الألباني].
الخاصية الخامسة عشرة:
أنه يستحب فيه تجمير المسجد (تبخيره), فقد ذكر سعيد بن منصور, عن نعيم بن عبدالله المجمر, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
الخاصة السادسة عشرة:
أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد أحدهما:
(لايجوز)، والثانى : (يجوز)، والثالث: (يجوز للجهاد خاصة)، هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا؛ لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة.
الخاصة السابعة عشرة:
أن للماشي الى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، عن أوس بن اؤس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ صيامها وقيامها» [رواه النسائي في صحيحه].
الثامنة عشرة:
أنه يوم تكفير السيئات كما في الخاصة الحادية عشر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ صيامها وقيامها» [رواه النسائي في صحيحه].
التاسعة عشرة:
أن فيه ساعة الإجابة؛ وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يسأل الله خيرا، إلا أعطاه إياه»، وقال بيده يقللها، يزهدها [رواه مسلم].
وقد اختلف الناس في هذه الساعة, وأرجح هذه الأقوال: قولان:
القول الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبى بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت اباك يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا؟، قال: "نعم سمعته يقول: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة».
القول الثانى: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، روى أبو داود والنسائي, عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم، يسأل الله شيئا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر».
العشرون:
أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع, والعدد المخصوص, واشتراط الإقامة, والإستيطان, والجهر بالقراءة .
وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر؛ ففي السنن الأربعة, من حديث أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها، طبع الله على قلبه».
الحادية العشرون:
أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده, والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكر العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنانه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.
الثانية والعشرون:
أنه اليوم الذى يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة.
الثالثة والعشرون:
أنه لما كان فى الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان، وقائما مقاما، فيتجمع للرائح فيه إلى المساجد الصلاة والقربان كما في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن» [رواه البخاري].
الرابعة والعشرون:
أن للصدقة فيه مزية عليها فى سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع، كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. وشاهدت شيخ الاسلام ابن تيمية – قدس الله روحه- إذا خرج الى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سرا وسمعته يقول: "إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصدقة بين يدى مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة".
الخامسة والعشرون:
أنه قد فسر الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه؛ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه» [صحيح الجامع (8200،8201].
السادسة والعشرون:
أنه اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض، والجبال والبحار، والخلائق كلها الإنس والجن، وفى حديث أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم افضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس» وهذا حديث صحيح.
السابعة والعشرون:
أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة، وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم، كما في الصحيح.
الثامنة والعشرون:
أنه خيرة الله من أيام الأسبوع، كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام، وليلة القدر خيرته من الليالي، ومكة خيرته من الأرض، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه.
التاسعة والعشرون:
أنه يكره إفراد الجمعة بالصوم؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده» واللفظ للبخاري.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم».
الثلاثون:
أنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من باسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، فمما حفظ من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة (ق)، قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ما حفظت (ق) إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخطب بها على المنبر.
الحادية والثلاثون:
في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته
كانت خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة, يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبحكم ومساكم». وفى لفظ: يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله، ثم يقول: «من يهد الله، فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وخي رالحديث كتاب الله». وفي لفظ للنسائي «وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».
وكان يقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصرة خطبته مئنة من فقهه».
وكان يعلم اصحابه فى خطبتة قواعد الاسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم فى خطبته اذا عرض له، أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين. ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس. وكان يقطع خطبته للحاجه تعرض، أو إرسال من أحد من أصحابه فيجيبه ثم يعود الى خطبته فيتمها. وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود فيتمها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضى الله عنهما فأخذهما، ثم رقى بهما المنبر، فأتم خطبته.
وكان يدعو الرجل فى خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان.
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فاذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها. وكان يشير بأصبعة السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.
وكان يستسقي بهم إذا قحط بهم المطر في خطبته.
وكان يقوم فيخطب، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم، فيخطب الثانية، فاذا فرغ منها، أخذ بلال في الإقامة. وكان يأمر الناس بالدونو منه، ويأمرهم بالإنصات، ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه: أنصت فقد لغا.
الثانية والثلاثون:
لا سنة راتبه لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في آذان الجمعة، فإذا أكمله، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟!، ومن ظن أنهم كانو إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الآذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين، فهو أجمل الناس بالسنة، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنه قبلها، هو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
الثالثة والثلاثون:
في الصحيحين: عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين فى بيته. وفي صحيح مسلم: عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصل بعدها أربعا» والله أعلم.
المصدر
في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها، ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أن كل أمة أوتوا الكتاب من قبلنا، وأوتينا من بعدهم، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه، فغدا لليهود وبعد غد للنصارى».
وفي صحيح مسلم عن ابى هريره، وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال صلى الله عليه وسلم: «أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق» [رواه مسلم].
الخاصة الأولى عن خصائص يوم الجمعة:
كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (ألم تنزيل) و(هل أتى على الإنسان).
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها, فإنهما اشتملتا على خلق أدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان قرائتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قرائتها حيث اتفقت، فهذه خاصة من خاصة يوم الجمعة".
الخاصة الثانية:
استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة وليلة الجمعة» [حسنه الألباني].
الخاصة الثالثة:
صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاونا بها، طبع الله على قلبه.
الخاصة الرابعة:
الأمر بالاغتسال في يومها، وهو أمر مؤكد جدا، وجوبه أقوى من وجوب الوتر وقراءة البسملة في الصلاة وغيرها مما أختلف فيه.
الخاصة الخامسة:
التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب فى غيره من أيام الأسبوع.
الخاصة السادسة:
السواك فيه، وله مزية على السوك في غيره.
الخاصة السابعة:
التبكير للصلاة.
الخاصة الثامنة:
أن يشتغل بالصلاة والذكر، والقراءة حتى يخرج الإمام.
الخاصة التاسعة:
الإنصات للخطبة اذا سمعها وجوبا في أصح القولين، فإن تركه كان لاغيا، ومن لغا فلا جمعة له، وفي المسند مرفوعا والذي يقول لصاحبه: أنصت، فلا جمعة له.
الخاصة العاشرة:
قراءة سورة الكهف في يومها.
الخاصة الحادية عشرة:
أنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعى رحمة الله ومن وافقه، وهو اختيار شيخنا أبي العباس بن تيمية، وفي الحديث الصحيح: «لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى».
الخاصة الثانية عشرة:
قراءة (سورة الجمعة) و (المنافقون)، أو (الأعلى والغاشية) في صلاة الجمعة؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في (الجمعة) و(هل أتاك حديث الغاشية ) ثبت عنه ذلك كله.
الخاصة الثالثة عشرة:
أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع، وفى المسند وسنن وابن ماجة من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن يوم الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله، وهو أعظم عند الله من يوم الاضحى ويوم الفطر» [ضعفه الألباني].
الخاصة الرابعة عشرة:
أنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها، وفي سنن أبي داود:
«ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته» [صححه الألباني].
الخاصية الخامسة عشرة:
أنه يستحب فيه تجمير المسجد (تبخيره), فقد ذكر سعيد بن منصور, عن نعيم بن عبدالله المجمر, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار.
الخاصة السادسة عشرة:
أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها، وأما قبله، فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد أحدهما:
(لايجوز)، والثانى : (يجوز)، والثالث: (يجوز للجهاد خاصة)، هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته، فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا؛ لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة.
الخاصة السابعة عشرة:
أن للماشي الى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها، عن أوس بن اؤس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ صيامها وقيامها» [رواه النسائي في صحيحه].
الثامنة عشرة:
أنه يوم تكفير السيئات كما في الخاصة الحادية عشر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غسل واغتسل، وغدا وابتكر، ودنا من الإمام، ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة؛ صيامها وقيامها» [رواه النسائي في صحيحه].
التاسعة عشرة:
أن فيه ساعة الإجابة؛ وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائم يصلي، يسأل الله خيرا، إلا أعطاه إياه»، وقال بيده يقللها، يزهدها [رواه مسلم].
وقد اختلف الناس في هذه الساعة, وأرجح هذه الأقوال: قولان:
القول الأول: أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبى بردة بن أبي موسى، أن عبد الله بن عمر قال له: أسمعت اباك يحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا؟، قال: "نعم سمعته يقول: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة».
القول الثانى: أنها بعد العصر، وهذا أرجح القولين، روى أبو داود والنسائي, عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد فيها عبد مسلم، يسأل الله شيئا إلا آتاه إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر».
العشرون:
أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع, والعدد المخصوص, واشتراط الإقامة, والإستيطان, والجهر بالقراءة .
وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر؛ ففي السنن الأربعة, من حديث أبي الجعد الضمري وكانت له صحبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك ثلاث جمع تهاونا بها، طبع الله على قلبه».
الحادية العشرون:
أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده, والشهادة له بالوحدانية، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وتذكر العباد بأيامه، وتحذيرهم من بأسه ونقمته، ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنانه، ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره، فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها.
الثانية والعشرون:
أنه اليوم الذى يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة، وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة.
الثالثة والعشرون:
أنه لما كان فى الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان، وقائما مقاما، فيتجمع للرائح فيه إلى المساجد الصلاة والقربان كما في الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن» [رواه البخاري].
الرابعة والعشرون:
أن للصدقة فيه مزية عليها فى سائر الأيام، والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع، كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور. وشاهدت شيخ الاسلام ابن تيمية – قدس الله روحه- إذا خرج الى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سرا وسمعته يقول: "إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالصدقة بين يدى مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة".
الخامسة والعشرون:
أنه قد فسر الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة، عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه؛ فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله بخير إلا استجاب الله له، ولا يستعيذ من شر إلا أعاذه الله منه» [صحيح الجامع (8200،8201].
السادسة والعشرون:
أنه اليوم الذي تفزع منه السماوات والأرض، والجبال والبحار، والخلائق كلها الإنس والجن، وفى حديث أبي هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم: «لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم افضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس» وهذا حديث صحيح.
السابعة والعشرون:
أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة، وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم، كما في الصحيح.
الثامنة والعشرون:
أنه خيرة الله من أيام الأسبوع، كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام، وليلة القدر خيرته من الليالي، ومكة خيرته من الأرض، ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه.
التاسعة والعشرون:
أنه يكره إفراد الجمعة بالصوم؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده» واللفظ للبخاري.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم».
الثلاثون:
أنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدأ والمعاد، ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من باسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم، فمما حفظ من خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة (ق)، قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ما حفظت (ق) إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخطب بها على المنبر.
الحادية والثلاثون:
في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبته
كانت خطبة النبى صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة, يحمد الله ويثني عليه، ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبحكم ومساكم». وفى لفظ: يحمد الله ويثنى عليه بما هو أهله، ثم يقول: «من يهد الله، فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وخي رالحديث كتاب الله». وفي لفظ للنسائي «وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار».
وكان يقصر الخطبة، ويطيل الصلاة، ويكثر الذكر، ويقصد الكلمات الجوامع، وكان يقول: «إن طول صلاة الرجل وقصرة خطبته مئنة من فقهه».
وكان يعلم اصحابه فى خطبتة قواعد الاسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم فى خطبته اذا عرض له، أمر أو نهي، كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين. ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك، وأمره بالجلوس. وكان يقطع خطبته للحاجه تعرض، أو إرسال من أحد من أصحابه فيجيبه ثم يعود الى خطبته فيتمها. وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود فيتمها، كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضى الله عنهما فأخذهما، ثم رقى بهما المنبر، فأتم خطبته.
وكان يدعو الرجل فى خطبته: تعال يا فلان، اجلس يا فلان، صل يا فلان.
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فاذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها. وكان يشير بأصبعة السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.
وكان يستسقي بهم إذا قحط بهم المطر في خطبته.
وكان يقوم فيخطب، ثم يجلس جلسة خفيفة، ثم يقوم، فيخطب الثانية، فاذا فرغ منها، أخذ بلال في الإقامة. وكان يأمر الناس بالدونو منه، ويأمرهم بالإنصات، ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه: أنصت فقد لغا.
الثانية والثلاثون:
لا سنة راتبه لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء، وعليه تدل السنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقى المنبر أخذ بلال في آذان الجمعة، فإذا أكمله، أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل، وهذا كان رأي عين، فمتى كانوا يصلون السنة؟!، ومن ظن أنهم كانو إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الآذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين، فهو أجمل الناس بالسنة، وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنه قبلها، هو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنه، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي.
الثالثة والثلاثون:
في الصحيحين: عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين فى بيته. وفي صحيح مسلم: عن أبى هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصل بعدها أربعا» والله أعلم.
المصدر