إن كبير الهمة كائن متميز في كل خصائصه..
حتى في ندمه..!!
فبينما يندم خسيس الهمة لفوات لذاته..
أو يتحسر لفراق شهواته..
فإن لكبير الهمة شأناً آخر حتى وهو يندم ..
كما تنبيء عنه المواقف التالية..
فهو يتحسر على ساعة مرت به في الدنيا..
لا لأنه عصى الله فيها ، وإنما لأنه لم يعمرها بذكر الله عز وجل ؛
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ليس يتحسر أهل الجنة على شيء ، إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها..
وكان قد أخذ ابن عمر قبضة من حصى بالمسجد يقلبها في يده ..
فلما بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ضرب بالحصى الذي كان في يده الأرض
ثم قال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة..
وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يصلي على الجنازة ثم ينصرف،
فلما بلغه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهدها حتى تدفن،
وفي رواية حتى يفرغ منها فله قيراطان من الأجر
قيل: يا رسول الله وما القيراطان؟
قال: مثل الجبلين العظيمين
وفي رواية، كل قيراط مثل أحد
وهذا سيف الله المسلول..
خالد بن الوليد رضي الله عنه..
يتحسر لموته على فراشه
فقد قال لما حضرته الوفاة: لقد شهدت كذا وكذا زحفاً ،
وما في جسدي موضع إلا وفيه ضربة سيف،
أو طعنة رمح ، أو رمية سهم ،
ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير،
فلا نامت أعين الجبناء..
وكان أبو محجن الثقفي مولعا بالشراب..مشتهرا به
وكان سعد بن أبي وقاص حبسه فيه،
فلما كان يوم القادسية وبلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين
وهو عند أم ولدٍ لسعدٍ
قال: كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا..
وأترك مشدوداً عليّ وثاقيا..
إذا قمتُ عناني الحديد وغلقـــت..
مغاليق من دوني تصم المناديا..
وقد كنت ذا أهل كثير وإخـــــوة..
فقد تركوني واحدا لا أخا ليا..
هلم سلاحي..لا أبا لك ..إننـي
أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا..
فقالت له أم ولد سعد:
أتجعل لي إن أنا أطلقتك أن ترجع حتى أعيدك في الوثاق؟
قال: نعم
فأطلقته
وركب فرسا لسعد بلقاء ،وحمل على المشركين
فجعل سعد يقول:
لولا أن أبا محجن في الوثاق لظننت أنه أبو محجن وأنها فرسي..
وانكشف المشركون ..
وجاء أبو محجن فأعادته في الوثاق،
وأتت سعدا فأخبرته
فأرسل إلى أبي محجن فأطلقه
وقال: والله لاحبستك فيها أبدا
قال أبو محجن: وأنا والله لا أشربها بعد اليوم أبدا..
وعن قتادة أن عامر بن قيس لما حضر جعل يبكي..
فقيل له: ما يبكيك؟
قال: ما أبكي جزعا من الموت..
ولا حرصا على الدنيا ..
ولكن أبكي على ظمإ الهواجر..
وعلى قيام ليالي الشتاء!
وذكروا لشعبة حديثا لم يسمعه
فجعل يقول: واحزناه
وكان يقول: إني لأذكر الحديث ، فيفوتني ، فأمرض
كم فرصة ذهبت فعادت غصة..
تشجي بطول تلهف وتندم..
وقال القاسم بن سلام:
دخلت البصرة لأسمع من حماد بن زيد
فإذا هو ميت..
فشكوت ذلك إلى ابن مهدي
فقال لي: مهما سبقت
فلا تسبقن بتقوى الله
وكان مالك بن يخامر السكسكي من تلاميذ معاذ بن جبل رضي الله عنه
وقد عاش ما عاش ناقلا من روح معاذ إلى روحه
ومن قلب معاذ إلى قلبه
ومن عقل معاذ وإيمانه إلى عقله وإيمانه
فلما حضرت معاذا الوفاة بكى
فقال له معاذ: ما يبكيك؟
قال: والله ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك
ولكن أبكي على العلم والإيمان اللذين كنت أستفيدهما منك
فأجابه معاذ وهو يجود بروحه:
إن العلم والإيمان مكانهما
من ابتغاهما وجدهما
منقول