كنت عائدا من سفر طويل وقدر الله تعالى ان يكون مكاني في مقعد الطائرة بجوار ثلة من الشباب العابث اللاهي الذين تعالت ضحكاتهم وكثر ضجيجهم وامتلا بسحاب متراكم من دخان سجائرهم ومن حكمة الله تعالى ان الطائرة كانت ممتلئة تماما بالركاب فلم اتمكن من تغيير المقعد...
حاولت ان اهرب من هذا المأرق بالفرار الى النوم ولكن هيهات هيهات .. فلما ضجرت من ذلك الضجيج اخرجت المصحف ورحت اقرأ ماتيسر من القرآن الكريك بصوت منخفض ..
وماهي الا لحظات حتى هدأ بعض هؤلاء الشباب وراح بعضهم يقرأ جريدة كانت بيده ومنهم من استسلم للنوم..
وفجأة قال لي أحدهم بصوت مرتفع وكان بجواري تماما يكفي يكفي..!!! فظننت اني اثقلت عليه برفع الصوت فاعتذرت اليه ثم عدت للقراءة بصوت هامس لا اسمع به الا نفسي..
فرايته يضم راسه بين يديه ثم يتململ في جلسته ويتحرك كثيرا ثم رفع راسه الي وقال بانفعال شديد أرجوك يكفي يكفي لا استطيع الصبر!!
ثم قام من مقعده وغاب عني فترة من الزمن ثم عاد ثانية وسلم علي معتذرا متأسفا ..وسكت وأنا لا أدري ما الذي يجري!!
ولكنه بعد قليل من الصمت التفت الي وقد اغرورقت عيناه بالدموع وقال لي هامسا ثلاث سنوات او اكثر لم اضع فيها جبهتي على الارض ولم اقرا فيها آية واحدة قط!!
وهاهو ذا شهر كامل قضيته في هذا السفر ما عرفت منكراً الا ولغت فيه ثم رايتك تقرأ
فاسودت الدنيا في وجهي وانقبض صدري واحسست بالاختناق نعم احسست ان كل آيه تقرؤها تتنزل على جسدي كالسياط..!!
فقلت في نفسي الى متى هذه الغفلة؟! والى اين اسير في هذا الطريق ؟! وماذا بعد كل هذا العبث واللهو؟!
ثم ذهبت الى دورة المياة اتدري لماذا؟!!
احسست برغبة شديدة في البكاء ولم اجد مكانا استتر فيه عن اعين الناس الا ذلك المكان!!
فكلمته كلاما عاما عن التوبة والانابة والرجوع الى الله ... ثم سكت..
لما نزلت الطائرة على ارض المطار استوقفني وكأنه يريد ان يبتعد عن اصحابه وسالني وعلامات الجد بادية على وجهه اتظن ان الله يتوب علي؟!
فقلت له : ان كنت صادقا في توبتك عازما على العودة فإن الله تعالى يغفر
الذنوب جميعا ..فقال ولكني فعلت اشياء عظيمة .. عظيمة جدا..
فقلت له
الم تسمع قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر: 53-54].
فرايته يبتسم ابتسامة السعادة وعيناه مليئتان بالدموع ثم ودعني ومضى ..!
سبحان الله العظيم..!!
ان الانسان مهما بلغ فساده وطغيانه في المعاصي فإن في قلبه بذرة خير إذا استطعنا الوصول اليها ثم قمنا باستنباتها ورعايتها اثمرت واينعت بإذن الله تعالى..
ان بذرة الخير تظل تصارع في نفس الانسان وان علتها غشاوة الهوى ..
فإذا أراد الله بعبده خيرا اشرقت في قلبه انوار الهداية وسلكه في سبيل المهتدين .. قال تعالى : ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) ( 125 ) سورة الانعام
:
اسال الله تعالى ان ينفع به وان يجعله سببوسعادة في الدينا والاخرة والايحرمنا الاجر والمثوبة انه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد...
مصدر\ من كتيب حياة السعداء