لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ
يعجب المرء عندما يقرأ حادث الإفك في القرآن الكريم من قول الله تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النور/11) إذ كيف يكون الخير في اتهام زوج رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ومن يقرأ التاريخ ويتتبع الأحداث يعلم أن الخير كل الخير في حادث الإفك فبسببه سجل الله سبحانه وتعالى في قرآنه براءة السيدة عائشة الطاهرة المطهرة من فوق سبع سماوات، وعلينا أن نتصور أن هذا الحدث لم يحدث وأن القرآن لم يسجل براءتها وجاء هذا الفاجر الهارب المسحوب الجنسية وقال ما قال من الكلام البذيء والفاجر في حق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ، وسبقه من قبل ذاك المصري الهارب أيضا الذي سمعناه يتطاول على عرض رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا كنا سنعمل؟ وكيف نرد على هذه الأباطيل والافتراءات؟ فشاء الله سبحانه وتعالى أن تقع فتنة حادث الإفك ويقودها المنافقون وينخدع بأكاذيبهم بعض السذج من المسلمين فيأتي الله تعالى ببراءة السيدة عائشة، رضي الله عنها، وبالمنهاج الرباني في مثل هذه الفتن، فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (النور/11 – 20(.
يفسر الشيخ عبدالرحمن بن السعدي الآيات السابقات فيقول: فقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ) أي الكذب الشنيع وهو رمي أم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها) (عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه لكنه اغتر بترويج المنافقين الجهلة وسذاجته وعدم تثبته ومنهم المنافق.
(لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ): لما تضمن ذلك من تبرئة (الله سبحانه وتعالى) لأم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها) ونزاهتها والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات (المحتاج) إليها العباد التي مازال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا، جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قَدْح بعضهم ببعض كقدح بأنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتعاطفهم واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد أن يقدح في (عرض) أخيه المؤمن الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نَقْص إيمانه وعدم نُصحه.
ثم قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) أي ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا، وهو السلامة مما رُمُوا به، وان ما معهم من الإيمان المعلوم يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، ثم قال تعالى (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي: لنظيره من رمي المؤمنين بالفجور فالله يعظكم وينصحكم من ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا، فيجب علينا مقابلتها، بالقبول والإذعان والتسليم والشكر له على ما بين لنا أن الله نعما يعظكم به.
(إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ): دل ذلك على أن الإيمان الصادق يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): أي كامل العلم عام الحكمة فمن علمه وحكمته أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) أي الأمور الشنيعة المستقبحة فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)؛ أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستخلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟
ثم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) أي، طرقه ووساوسه، وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن.( ومَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ) أي الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء): أي ما تستفحشه العقول والشرائع من الذنوب العظيمة مع ميل بعض النفوس إليه (وَالْمُنكَرِ) وهو ما تنكره العقول (الصريحة الصحيحة) ولا تعرفه، انتهى بتصرف.
وهكذا إخوتي كان حادث الإفك من الحوادثالعظيمة التي هزت كيان المجتمع المسلم ولم ينزل الله الوحي سريعا بل تركهم أياماوليالي يخوضون في الموضوع ليميز الله الخبيث من الطيب، ويتعلم الجاهل كيف يتصرف وقتالفتنة ويمسك عليه لسانه.ويعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف نظن بأنفسنا خيرا ولا نسارع إلى الاتهام من دون بينة لأن مآل صاحب ذلك إلى العذاب الأليم.
زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات المؤمنين قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب/6) فزوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات للمؤمنين فماذا يقول الطاعنون في عرض أم المؤمنين في هذه الآية الجامعة؟
المنهاج في هذه الفتن كما قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) (النور/12). وقال تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور/16).
هذا منهاج المؤمنين العقلاء في مثل هذه الفتن ويقابله منهاج المنافقين غير العقلاء أتباع كل ناعق، الجهلاء الذين لا يقرأون القرآن ولا يفهمون الآيات ويؤولونها بالهوى والتأويل الفاسد والعياذ بالله.
إن ما يحدث الآن فتنة إذا استمرت تؤدي إلى الهلاك والعياذ بالله، وتؤدي إلى التنازع والفشل، والإمام علي رضي الله عنه يقول: وقت الفتنة كن إبن لبون (الحيوان الصغير) لا ضرع يُحلب ولا ظهر يُركب، والله تعالى يقول: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46.
فالفتنة عمياء، والعياذ بالله، وعلى العقلاء منا أن يحاولوا قدر طاقتهم إخماد الفتنة حتى لا تستعر وتؤدي إلى هلاك الحرث والنسل وضياع هيبة المسلمين ووحدتهم وتماسكهم وتعاطفهم.
وعلينا أن نتنبه لأعداء الله حتى لا يجرونا إلى ما يخططون إليه من الفتنة والتنازع والفشل وضياع الدولة وهذا يحتاج إلى صبر و مصابرة كما قال تعالى : " وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " , ومن الخير في الفتنة الأخيرة أن أظهر المسلمون حبهم لرسول الله صلى الله علية وآله وسلم وزوجه الطاهرة المطهرة أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net
يعجب المرء عندما يقرأ حادث الإفك في القرآن الكريم من قول الله تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النور/11) إذ كيف يكون الخير في اتهام زوج رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؟!
ومن يقرأ التاريخ ويتتبع الأحداث يعلم أن الخير كل الخير في حادث الإفك فبسببه سجل الله سبحانه وتعالى في قرآنه براءة السيدة عائشة الطاهرة المطهرة من فوق سبع سماوات، وعلينا أن نتصور أن هذا الحدث لم يحدث وأن القرآن لم يسجل براءتها وجاء هذا الفاجر الهارب المسحوب الجنسية وقال ما قال من الكلام البذيء والفاجر في حق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ، وسبقه من قبل ذاك المصري الهارب أيضا الذي سمعناه يتطاول على عرض رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ماذا كنا سنعمل؟ وكيف نرد على هذه الأباطيل والافتراءات؟ فشاء الله سبحانه وتعالى أن تقع فتنة حادث الإفك ويقودها المنافقون وينخدع بأكاذيبهم بعض السذج من المسلمين فيأتي الله تعالى ببراءة السيدة عائشة، رضي الله عنها، وبالمنهاج الرباني في مثل هذه الفتن، فقال تعالى:
(إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ{11} لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ{12} لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ{13} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ{14} إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ{15} وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ{16} يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{17} وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{18} إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ{19} وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (النور/11 – 20(.
يفسر الشيخ عبدالرحمن بن السعدي الآيات السابقات فيقول: فقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ) أي الكذب الشنيع وهو رمي أم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها) (عُصْبَةٌ مِّنكُمْ) أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق في إيمانه لكنه اغتر بترويج المنافقين الجهلة وسذاجته وعدم تثبته ومنهم المنافق.
(لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ): لما تضمن ذلك من تبرئة (الله سبحانه وتعالى) لأم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها) ونزاهتها والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات (المحتاج) إليها العباد التي مازال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا، جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قَدْح بعضهم ببعض كقدح بأنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتعاطفهم واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد أن يقدح في (عرض) أخيه المؤمن الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نَقْص إيمانه وعدم نُصحه.
ثم قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً) أي ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرا، وهو السلامة مما رُمُوا به، وان ما معهم من الإيمان المعلوم يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، ثم قال تعالى (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً) أي: لنظيره من رمي المؤمنين بالفجور فالله يعظكم وينصحكم من ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا، فيجب علينا مقابلتها، بالقبول والإذعان والتسليم والشكر له على ما بين لنا أن الله نعما يعظكم به.
(إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ): دل ذلك على أن الإيمان الصادق يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات، (وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ): أي كامل العلم عام الحكمة فمن علمه وحكمته أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ) أي الأمور الشنيعة المستقبحة فيحبون أن تشتهر الفاحشة (فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)؛ أي: موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة واستخلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك من إظهاره ونقله؟
ثم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ) أي، طرقه ووساوسه، وخطوات الشيطان يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب واللسان والبدن.( ومَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ) أي الشيطان (يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء): أي ما تستفحشه العقول والشرائع من الذنوب العظيمة مع ميل بعض النفوس إليه (وَالْمُنكَرِ) وهو ما تنكره العقول (الصريحة الصحيحة) ولا تعرفه، انتهى بتصرف.
وهكذا إخوتي كان حادث الإفك من الحوادثالعظيمة التي هزت كيان المجتمع المسلم ولم ينزل الله الوحي سريعا بل تركهم أياماوليالي يخوضون في الموضوع ليميز الله الخبيث من الطيب، ويتعلم الجاهل كيف يتصرف وقتالفتنة ويمسك عليه لسانه.ويعلمنا الله سبحانه وتعالى كيف نظن بأنفسنا خيرا ولا نسارع إلى الاتهام من دون بينة لأن مآل صاحب ذلك إلى العذاب الأليم.
زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات المؤمنين قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) (الأحزاب/6) فزوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات للمؤمنين فماذا يقول الطاعنون في عرض أم المؤمنين في هذه الآية الجامعة؟
المنهاج في هذه الفتن كما قال تعالى: (لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ) (النور/12). وقال تعالى: (وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ) (النور/16).
هذا منهاج المؤمنين العقلاء في مثل هذه الفتن ويقابله منهاج المنافقين غير العقلاء أتباع كل ناعق، الجهلاء الذين لا يقرأون القرآن ولا يفهمون الآيات ويؤولونها بالهوى والتأويل الفاسد والعياذ بالله.
إن ما يحدث الآن فتنة إذا استمرت تؤدي إلى الهلاك والعياذ بالله، وتؤدي إلى التنازع والفشل، والإمام علي رضي الله عنه يقول: وقت الفتنة كن إبن لبون (الحيوان الصغير) لا ضرع يُحلب ولا ظهر يُركب، والله تعالى يقول: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }الأنفال46.
فالفتنة عمياء، والعياذ بالله، وعلى العقلاء منا أن يحاولوا قدر طاقتهم إخماد الفتنة حتى لا تستعر وتؤدي إلى هلاك الحرث والنسل وضياع هيبة المسلمين ووحدتهم وتماسكهم وتعاطفهم.
وعلينا أن نتنبه لأعداء الله حتى لا يجرونا إلى ما يخططون إليه من الفتنة والتنازع والفشل وضياع الدولة وهذا يحتاج إلى صبر و مصابرة كما قال تعالى : " وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " , ومن الخير في الفتنة الأخيرة أن أظهر المسلمون حبهم لرسول الله صلى الله علية وآله وسلم وزوجه الطاهرة المطهرة أمنا السيدة عائشة رضي الله عنها.
أ.د. نظمي خليل أبوالعطا موسى
www.nazme.net