بسم الله الرحمن الرحيم
(عن) حرف جر يأتي لمعان كثيرة أشهرها وأكثرها استعمالاً أنها تأتي للمجاوزة، فهو يقتضي مجاوزة المجرور نحو غيره.
قال سيبويه: ( وأما "عن" فلِما عدا الشيء وذلك قولك : أطعمه عن جوع ، جعل الجوع منصرفاً تاركاً له قد جاوزه). ( انظر: الكتاب لسيبويه: 2/308)
وكقولهم: (رمى السهم عن القوس) أي طرح وأبعد السهم عن القوس.
وهذا المعنى هو الأصل في (عن)، ولم يذكر البصريون غيره، حتى أنهم تكلفوا له المواضع التي لا تظهر فيها المجاوزة معنى يصلح لها.( انظر: ينظر: الجنى الداني للمرادي: 261، مغني اللبيب لابن هشام:1/157، شرح الاشموني: /295، حاشية الصبان: 2/223).
وذهب غير البصريين إلى أنها تفيد معاني أخر منها أن تجئ بمعنى (الباء)
قال تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (سورة النجم: 3). أي وما ينطق بالهوى.
غير أن بعضهم ذهب إلى أن (عن) في هذه الآية على حقيقتها والمعنى: وما يصدر قوله عن الهوى.
قال الشوكاني (ت 1250 هـ) في تفسيره فتح القدير:
" { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي: ما يصدر نطقه عن الهوى لا بالقرآن ولا بغيره، فعن على بابها. وقال أبو عبيدة: إنّ عن بمعنى الباء أي: بالهوى. قال قتادة: أي: ما ينطق بالقراءة عن هواه".
وذكر الكوفيون ووافقهم ابن السراج أن (عن) قد تأتي للتعليل؛ ويكون ذلك عندما تدخل على ما هو علة وسبب لما قبلها، ويحسن مكانها لفظة (بسبب) نحو: (لم أحضر إليك إلا عن طلب منك) أي: بسبب طلب منك".
( انظر: ينظر: الجنى الداني للمرادي : 261، مغني اللبيب لابن هشام :1/157، شرح الأشموني : /295 ، حاشية الصبان : 2/223).
والتعليل بـ(عن) – كما يظهر – تعليل بالسبب ؛ فالحضور متسبب عن الطلب ، والطلب سابق للحضور في الذهن والخارج . ومن ذلك قوله تعالى: ]وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه[ (سورة التوبة:114) فسبب استغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعده لأبيه به، والوعد بالاستغفار سابق له ذهناً وخارجاً.
ودلّ على هذا الوعد قوله: { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [سورة مريم: 47].
ومثله جاء التعليل بـ( عن ) في قوله تعالى: ]وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك [(سورة هود : 53) أي : بسبب قولك.
وتأتي (عن ) بمعنى البدل، كقوله تعالى: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} سورة البقرة :48. أي لا تجزئ نفس مؤمنة بدل نفس كافرة شيئاً.
قال ابن عادل (ت 880 هـ) في تفسيره اللباب في علوم الكتاب:
" قوله: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ }. التنكير في " نفس " و " شيئاً " معناه أن نفساً من الأنفس لا تجزي عن نفس مثلها شيئاً من الأشياء، وكذلك في " شَفَاعة " و " عَدْل ".
{ شَيْئاً} إيرادُ شيئاً منكراً مع تنكير النفسِين للتعميم والإقناطِ الكليّ.
وتأتي (عن) بمعنى الاستعلاءُ كقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} سورة محمد: 38 ، أي عليها.
قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير:
" وفعل (بخل) يتعدى بـ { عن } لما فيه من معنى الإمساك ويتعدى بـ (على) لما فيه من معنى التضييق على المبخول عليه. وقد عدي هنا بحرف { عن } ".
وتأتي مرادفة لحرف الجر (مِن) كقوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} سورة الشورى: 25.
قال ابن عاشور أيضاً في تفسيره:
" وفعل (قَبِلَ) يتعدى بـ (من) الابتدائية تارة كما في قوله:{ وما مَنَعَهم أن تقبل منهم نفقاتهم }[التوبة: 54] وقوله:{ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } [آل عمران: 91]، فيفيد معنى الأخذ للشيء المقبول صادراً من المأخوذ منه، ويعدَّى بـ { عن } فيفيد معنى مجاوزة الشيء المقبول أو انفصالِه عن معطيه وباذِلِه، وهو أشد مبالغةً في معنى الفعل من تعديته بحرف (من) لأن فيه كناية عن احتباس الشيء المبذول عند المبذول إليه بحيث لا يُردّ على باذلِه.
فحصلت في جملة { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } أربعُ مبالغات: بناء الجملة على الاسمية وعلى الموصولية وعلى المضارعية، وعلى تعدية فعل الصلة بـ { عن } دون (من)".
وتأتي ( عن ) مرادفة لـ (بَعْد) كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}سورة المؤمنون:40.
قال الالوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني:
" و{ عَنْ } بمعنى (بعد) هنا وهي متعلق بقوله تعالى: { لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ } وتعلقها بكل من الفعل والوصف محتمل، وجاز ذلك مع توسط لام القسم لأن الجار كالظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره".
وقال أبو السعود (ت 951 هـ) في تفسيره إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:
" { عَمَّا قَلِيلٍ } أي عن زمانٍ قليلٍ وما مزيدةٌ بـين الجارِّ والمجرورِ لتأكيدِ معنى القلَّةِ كما زِيدتْ في قوله تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ }[آل عمران: 159]
أو نكرةٌ موصوفةٌ أي عن شيءٍ قليلٍ ".
ا- يكون حرفاً جارًّا. ولها عشرة معان:
1- المجاوزة: سافرت عن البلد.
2- البدل: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}.
3- الاستعلاءُ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} ، أَى عليها.
4- والتعليل: {وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ}.
5- ومرادفة بَعْد: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}.
6- الظرفية. ولا تك عن حمل الرِّباعة وانياً
بدليل: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي}.
7- مرادفة مِن: {وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}.
8- مرادفة الباء: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ}.
9- الاستعانة: رميت عن القوس، أَى به، قاله ابن مالك.
10- الزائدة للتعويض عن أُخرى محذوفة، كقوله:
أَتجزع إِنْ نفسٌ أَتاها حِمامها فهلاَّ التى عن بين جَنْبَيْكَ تدفعُ
أَى تدفع عن الَّتى بين جنبيك. فحذفت (عن) من أَوّل الموصول وزيدت بعده.
ب- ويكون مصدرياً وذلك فى عنعنة تميم، يقولون / : فى أَعجبنى أَن تفعل: عن تفعلَ كذا.
جـ- ويكون اسما بمعنى جانب: من عن يمينى مرَّة وأَمامى
وكقول الآخر: عن يمينى مرّت الطَّير سُنَّحا
د.محمد كالو
(عن) حرف جر يأتي لمعان كثيرة أشهرها وأكثرها استعمالاً أنها تأتي للمجاوزة، فهو يقتضي مجاوزة المجرور نحو غيره.
قال سيبويه: ( وأما "عن" فلِما عدا الشيء وذلك قولك : أطعمه عن جوع ، جعل الجوع منصرفاً تاركاً له قد جاوزه). ( انظر: الكتاب لسيبويه: 2/308)
وكقولهم: (رمى السهم عن القوس) أي طرح وأبعد السهم عن القوس.
وهذا المعنى هو الأصل في (عن)، ولم يذكر البصريون غيره، حتى أنهم تكلفوا له المواضع التي لا تظهر فيها المجاوزة معنى يصلح لها.( انظر: ينظر: الجنى الداني للمرادي: 261، مغني اللبيب لابن هشام:1/157، شرح الاشموني: /295، حاشية الصبان: 2/223).
وذهب غير البصريين إلى أنها تفيد معاني أخر منها أن تجئ بمعنى (الباء)
قال تعالى : {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (سورة النجم: 3). أي وما ينطق بالهوى.
غير أن بعضهم ذهب إلى أن (عن) في هذه الآية على حقيقتها والمعنى: وما يصدر قوله عن الهوى.
قال الشوكاني (ت 1250 هـ) في تفسيره فتح القدير:
" { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } أي: ما يصدر نطقه عن الهوى لا بالقرآن ولا بغيره، فعن على بابها. وقال أبو عبيدة: إنّ عن بمعنى الباء أي: بالهوى. قال قتادة: أي: ما ينطق بالقراءة عن هواه".
وذكر الكوفيون ووافقهم ابن السراج أن (عن) قد تأتي للتعليل؛ ويكون ذلك عندما تدخل على ما هو علة وسبب لما قبلها، ويحسن مكانها لفظة (بسبب) نحو: (لم أحضر إليك إلا عن طلب منك) أي: بسبب طلب منك".
( انظر: ينظر: الجنى الداني للمرادي : 261، مغني اللبيب لابن هشام :1/157، شرح الأشموني : /295 ، حاشية الصبان : 2/223).
والتعليل بـ(عن) – كما يظهر – تعليل بالسبب ؛ فالحضور متسبب عن الطلب ، والطلب سابق للحضور في الذهن والخارج . ومن ذلك قوله تعالى: ]وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه[ (سورة التوبة:114) فسبب استغفار إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعده لأبيه به، والوعد بالاستغفار سابق له ذهناً وخارجاً.
ودلّ على هذا الوعد قوله: { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } [سورة مريم: 47].
ومثله جاء التعليل بـ( عن ) في قوله تعالى: ]وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك [(سورة هود : 53) أي : بسبب قولك.
وتأتي (عن ) بمعنى البدل، كقوله تعالى: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} سورة البقرة :48. أي لا تجزئ نفس مؤمنة بدل نفس كافرة شيئاً.
قال ابن عادل (ت 880 هـ) في تفسيره اللباب في علوم الكتاب:
" قوله: { لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ }. التنكير في " نفس " و " شيئاً " معناه أن نفساً من الأنفس لا تجزي عن نفس مثلها شيئاً من الأشياء، وكذلك في " شَفَاعة " و " عَدْل ".
{ شَيْئاً} إيرادُ شيئاً منكراً مع تنكير النفسِين للتعميم والإقناطِ الكليّ.
وتأتي (عن) بمعنى الاستعلاءُ كقوله تعالى: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} سورة محمد: 38 ، أي عليها.
قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير:
" وفعل (بخل) يتعدى بـ { عن } لما فيه من معنى الإمساك ويتعدى بـ (على) لما فيه من معنى التضييق على المبخول عليه. وقد عدي هنا بحرف { عن } ".
وتأتي مرادفة لحرف الجر (مِن) كقوله تعالى: {وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} سورة الشورى: 25.
قال ابن عاشور أيضاً في تفسيره:
" وفعل (قَبِلَ) يتعدى بـ (من) الابتدائية تارة كما في قوله:{ وما مَنَعَهم أن تقبل منهم نفقاتهم }[التوبة: 54] وقوله:{ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً } [آل عمران: 91]، فيفيد معنى الأخذ للشيء المقبول صادراً من المأخوذ منه، ويعدَّى بـ { عن } فيفيد معنى مجاوزة الشيء المقبول أو انفصالِه عن معطيه وباذِلِه، وهو أشد مبالغةً في معنى الفعل من تعديته بحرف (من) لأن فيه كناية عن احتباس الشيء المبذول عند المبذول إليه بحيث لا يُردّ على باذلِه.
فحصلت في جملة { وهو الذي يقبل التوبة عن عباده } أربعُ مبالغات: بناء الجملة على الاسمية وعلى الموصولية وعلى المضارعية، وعلى تعدية فعل الصلة بـ { عن } دون (من)".
وتأتي ( عن ) مرادفة لـ (بَعْد) كقوله تعالى: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}سورة المؤمنون:40.
قال الالوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني:
" و{ عَنْ } بمعنى (بعد) هنا وهي متعلق بقوله تعالى: { لَّيُصْبِحُنَّ نَـٰدِمِينَ } وتعلقها بكل من الفعل والوصف محتمل، وجاز ذلك مع توسط لام القسم لأن الجار كالظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره".
وقال أبو السعود (ت 951 هـ) في تفسيره إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم:
" { عَمَّا قَلِيلٍ } أي عن زمانٍ قليلٍ وما مزيدةٌ بـين الجارِّ والمجرورِ لتأكيدِ معنى القلَّةِ كما زِيدتْ في قوله تعالى:{ فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ }[آل عمران: 159]
أو نكرةٌ موصوفةٌ أي عن شيءٍ قليلٍ ".
ا- يكون حرفاً جارًّا. ولها عشرة معان:
1- المجاوزة: سافرت عن البلد.
2- البدل: {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً}.
3- الاستعلاءُ: {فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} ، أَى عليها.
4- والتعليل: {وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ}.
5- ومرادفة بَعْد: {عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ}.
6- الظرفية. ولا تك عن حمل الرِّباعة وانياً
بدليل: {وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي}.
7- مرادفة مِن: {وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}.
8- مرادفة الباء: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ}.
9- الاستعانة: رميت عن القوس، أَى به، قاله ابن مالك.
10- الزائدة للتعويض عن أُخرى محذوفة، كقوله:
أَتجزع إِنْ نفسٌ أَتاها حِمامها فهلاَّ التى عن بين جَنْبَيْكَ تدفعُ
أَى تدفع عن الَّتى بين جنبيك. فحذفت (عن) من أَوّل الموصول وزيدت بعده.
ب- ويكون مصدرياً وذلك فى عنعنة تميم، يقولون / : فى أَعجبنى أَن تفعل: عن تفعلَ كذا.
جـ- ويكون اسما بمعنى جانب: من عن يمينى مرَّة وأَمامى
وكقول الآخر: عن يمينى مرّت الطَّير سُنَّحا
د.محمد كالو