أ.د محمود حمدي زقزوق
قالوا إنه صلى الله عليه وسلم:
· تزوج زوجة ابنه بالتبني (زيد بن حارثة).
· أباح لنفسه الزواج من أي امرأة تهبه نفسها (الخلاصة أنه شهواني).
الرد على الشبهة
الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج إلا بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر.
والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع الجاهلي رغبة في الاستكثار من البنين خاصة ليكونوا للقبيلة عِزًّا ومنعة بين القبائل.
ومن الثابت كذلك في سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم اشتهاره بالاستقامة والتعفف عن الفاحشة والتصريف الشائن الحرام للشهوة، رغم امتلاء المجتمع الجاهلي بشرائح من الزانيات اللاتي كانت لهن بيوت يستقبلن فيها الزناة ويضعن عليها " رايات " ليعرفها طلاب المتع المحرمة.
ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب الانحراف والسقوط في الفاحشة في مجتمع مكة ـ لم يُعرَف عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلا التعفف والطهارة بين جميع قرنائه؛ ذلك لأن عين السماء كانت تحرسه وتصرف عنه كيد الشيطان.
ويُرْوَى في ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد مواقع المعازف واللهو فغشَّاه الله بالنوم فما أفاق منه إلا حين أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم.
هذه واحدة..
أما الثانية فهي أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب في الزواج لم يبحث عن "البكر" التي تكون أحظى للقبول وأولى للباحثين عن مجرد المتعة. وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالي خمسة عشر عامًا، ثم إنها ليست بكرًا بل هي ثيب، ولها أولاد كبار أعمار أحدهم يقترب من العشرين؛ وهي السيدة خديجة وفوق هذا كله فمشهور أنها هي التي اختارته بعد ما لمست بنفسها ـ من خلال مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب شمائله صلى الله عليه وسلم.
والثالثة أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى مضت عن دنياه إلى رحاب الله. وقضى معها - رضي الله عنها - زهرة شبابه وكان له منها أولاده جميعًا إلا إبراهيم الذي كانت أمه السيدة "مارية" القبطية.
والرابعة أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها - رضي الله عنها - محبًّا لها يحفظ لها أطيب الذكريات ويعدد مآثرها وهي مآثر لها خصوص في حياته وفي نجاح دعوته فيقول في بعض ما قال عنها: [ صدقتني إذ كذبني الناس وأعانتني بمالها ]. بل كان صلى الله عليه وسلم لا يكف عن الثناء عليها والوفاء لذكراها والترحيب بمن كن من صديقاتها، حتى أثار ذلك غيرة السيدة عائشة - رضي الله عنها.
أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من الأنبياء له أسبابه منها:
أولاً: كان عُمْرُ محمد صلى الله عليه وسلم في أول زواج له صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز الخمسين وهي السنّ التي تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا، وتقل فيها الحاجة الجنسية إلى الأنثى وتعلو فيها الحاجة إلى من يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الأولاد والبنات اللاتي تركتهم خديجة - رضي الله عنها -.
وفيما يلي بيان هذا الزواج وظروفه.
الزوجة الأولى: سودة بنت زمعة: كان رحيل السيدة خديجة - رضي الله عنها - مثير أحزان كبرى في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي محيط الصحابة - رضوان الله عليهم - إشفاقًا عليه من الوحدة وافتقاد من يرعى شئونه وشئون أولاده. ثم تصادف فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره وسُمِّىَ العام الذي رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام الحزن.
في هذا المناخ.. مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون الرسول وشئون أولاده سعت إلى بيت الرسول واحدة من المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت: له يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلّة لفقد خديجة فأجاب صلى الله عليه وسلم: [ أجل كانت أم العيال وربة البيت]، فقالت يا رسول الله: ألا أخطب عليك ؟.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ولكن – من بعد خديجة ؟! فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول: لكنها ما تزال صغيره فقالت: تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج.. قال الرسول ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟ فقالت خولة: إنها سودة بنت زمعة، وعرض الأمر على سودة ووالدها: فتم الزواج ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن عمرو وتوفي عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وكان ذلك في رمضان سنة عشر من النبوة.
وعجب المجتمع المكي لهذا الزواج لأن "سودة" هذه ليست بذات جمال ولا حسب ولا تصلح أن تكون خلفًا لأم المؤمنين خديجة التي كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها جميلة وضيئة وحسيبة تطمح إليها الأنظار.
وهنا أقول للمرجفين الحاقدين: هذه هي الزوجة الأولى للرسول بعد خديجة، فهي مؤمنة هاجرت الهجرة الأولى مع من فرّوا بدينهم إلى الحبشة وقد قَبِلَ الرسول زواجها حماية لها وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما من الحبشة.
وليس الزواج بها سعارَ شهوة للرسول ولكنه كان جبرًا لخاطر امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة الأولى إلى الحبشة ولما عادا توفي زوجها وتركها امرأة تحتاج هي وبنوها إلى من يرعاهم
.يتبع