مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ ؟
وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ ؟
***************************
خلال تصفحي لمجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية تعالى وجدت كلاماً مفيداً أعجبني كثيراً ـ وما أكثر كلامه الطيب المفيد ـ وكان جواباً على سؤال هذا نصه :
مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ ؟ ،
فأحببت نشره لتعم الفائدة .
قال ( 10 / 331 ـ 336 ) :
سَبَبُ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ : " تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ " و " تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ " . " فَتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ " أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ فَلَا يَسْتَقِلُّ شَيْءٌ سِوَاهُ بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ؛ بَلْ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ؛ فَكُلُّ مَا سِوَاهُ إذَا قُدِّرَ سَبَباً فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ مُعَاوِنٍ وَضِدٍّ مُعَوِّقٍ ، فَإِذَا طُلِبَ مِمَّا سِوَاهُ إحْدَاثُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ طُلِبَ مِنْهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ ، حَتَّى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ لَهُ ، كَأَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَهَا بِمَا يَخْلُقُهُ فِيهِ مِنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَيَخْلُقُهُ لَهُ مِنْ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمَقْدُورِ .
فَمَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ مُسْتَلْزَمَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَمَا سِوَاهُ لَا تَسْتَلْزِمُ إرَادَتُهُ شَيْئًا ، بَلْ مَا أَرَادَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِأُمُورِ خَارِجَةٍ عَنْ مَقْدُورِهِ ، إنْ لَمْ يُعِنْهُ الرَّبُّ بِهَا لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُهُ ، وَنَفْسُ إرَادَتِهِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ
وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
وَقَالَ تَعَالَى : فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا
وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَقَالَ : فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .
وَالرَّاجِي لِمَخْلُوقِ طَالِبٌ بِقَلْبِهِ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ ، وَذَلِكَ الْمَخْلُوقُ عَاجِزٌ عَنْهُ .
ثُمَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ ، فَمِنْ كَمَالِ نِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْ يَمْنَعَ حُصُولَ مَطَالِبِهِمْ بِالشِّرْكِ حَتَّى يَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ إنْ وَحَّدَهُ الْعَبْدُ تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِ :
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
وَفِي قَوْلِهِ : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا
كَانَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ وَحْدَانِيِّتِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ ، كَمَا احْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ثُمَّ يُشْرِكُونَ وَلَا يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، قَالَ تَعَالَى :
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ وَقَالَ تَعَالَى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ .
وَهَذَا قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ الشِّدَّةَ وَالضُّرَّ ، وَمَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ لا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ ، وَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ ، وَذَوْقِ طَعْمِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ أَوْ الْجَدْبِ أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ وَزَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّاتٌ بَدَنِيَّةٌ وَنِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ ، قَدْ يَحْصُلُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ .
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ ؛ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كُنْهِهِ مَقَالٌ ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَك فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْت فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِك .
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ :
إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَأَدْعُوهُ ، فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ ، وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ ، مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي ، خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قُضِيَ انْصَرَفَتْ .
وَفِي بَعْضِ الإسرائيلِيَّاتِ :
يَا ابْنَ آدَمَ الْبَلَاءُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَك ، وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَك وَبَيْنَ نَفْسِك .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مَذُوقٌ ، مَحْسُوسٌ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الذَّوْقِ وَالْحِسِّ ، لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ وَحِسٌّ بِذَلِكَ .
وَلَفْظُ " الذَّوْقِ " وَإِنْ كَانَ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُخْتَصٌّ بِذَوْقِ اللِّسَانِ ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ بِالْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ .
كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْإِحْسَاسِ " فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَامٌّ فِيمَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، بَلْ وَبِالْبَاطِنِ .
وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَأَصْلُهُ " الرُّؤْيَةُ " كَمَا قَالَ :
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ .
وَ ( الْمَقْصُودُ ) لَفْظُ " الذَّوْقِ " قَالَ تَعَالَى :
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
فَجَعَلَ الْخَوْفَ وَالْجُوعَ مَذُوقًا ؛ وَأَضَافَ إلَيْهِمَا اللِّبَاسَ ، ليشعرَ أَنَّهُ لَبِسَ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ فَشَمِلَهُ وَأَحَاطَ بِهِ إحَاطَةَ اللِّبَاسِ بِاللَّابِسِ ؛
بِخِلَافِ مَنْ كَانَ الْأَلَمُ لَا يَسْتَوْعِبُ مَشَاعِرَهُ ، بَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ .
وَقَالَ تَعَالَى : فَذُوقُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [ 1 ]
وَقَالَ تَعَالَى : ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
وَقَالَ تَعَالَى : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ
وَقَالَ : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ
وَقَالَ تَعَالَى : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَاباً . إلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا وَقَالَ : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا )) .
فَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الذَّوْقِ " فِي إدْرَاكِ الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ كَثِيرٌ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ )) ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ .
فَوُجُودُ الْمُؤْمِنِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ ، وَذَوْقُ طَعْمِ الْإِيمَانِ أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْوَجْدُ .
وَهَذَا الذَّوْقُ أَصْحَابُهُ فِيهِ يَتَفَاوَتُونَ ، فَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ تَوْحِيدِ قُلُوبِهِمْ إلَى اللَّهِ ، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ ، بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، لَا يُحِبُّونَ شَيْئًا إلَّا لَهُ ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ إلَّا عَلَيْهِ ، وَلَا يُوَالُونَ إلَّا فِيهِ ، وَلَا يُعَادُونَ إلَّا لَهُ ، وَلَا يَسْأَلُونَ إلَّا إيَّاهُ ، وَلَا يَرْجُونَ إلَّا إيَّاهُ ، وَلَا يَخَافُونَ إلَّا إيَّاهُ ، يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ لَهُ وَبِهِ ، ِحَيْثُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْحَقِّ بِلَا خَلْقٍ وَعِنْدَ الْخَلْقِ بِلَا هَوًى ؛ قَدْ فَنِيَتْ عَنْهُمْ إرَادَةُ مَا سِوَاهُ بِإِرَادَتِهِ ، وَمَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ ، وَخَوْفُ مَا سِوَاهُ بِخَوْفِهِ ، وَرَجَاءُ مَا سِوَاهُ بِرَجَائِهِ ، وَدُعَاءُ مَا سِوَاهُ بِدُعَائِهِ .
هُوَ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ بِالذَّوْقِ وَالْوَجْدِ إلَّا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ .
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ ، وَهُوَ قُطْبُ الْقُرْآنِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ . اهـ
[ 1 ] ليس في القرآن آية بهذا التمام (( فذوقوا العذاب الأليم ))
وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ ؟
***************************
خلال تصفحي لمجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية تعالى وجدت كلاماً مفيداً أعجبني كثيراً ـ وما أكثر كلامه الطيب المفيد ـ وكان جواباً على سؤال هذا نصه :
مَا السَّبَبُ فِي أَنَّ الْفَرَجَ يَأْتِي عِنْدَ انْقِطَاعِ الرَّجَاءِ عَنْ الْخَلْقِ؟ وَمَا الْحِيلَةُ فِي صَرْفِ الْقَلْبِ عَنْ التَّعَلُّقِ بِهِمْ وَتَعَلُّقِهِ بِاَللَّهِ ؟ ،
فأحببت نشره لتعم الفائدة .
قال ( 10 / 331 ـ 336 ) :
سَبَبُ هَذَا تَحْقِيقُ التَّوْحِيدِ : " تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ " و " تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ " . " فَتَوْحِيدُ الرُّبُوبِيَّةِ " أَنَّهُ لَا خَالِقَ إلَّا اللَّهُ فَلَا يَسْتَقِلُّ شَيْءٌ سِوَاهُ بِإِحْدَاثِ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ ؛ بَلْ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ؛ فَكُلُّ مَا سِوَاهُ إذَا قُدِّرَ سَبَباً فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ شَرِيكٍ مُعَاوِنٍ وَضِدٍّ مُعَوِّقٍ ، فَإِذَا طُلِبَ مِمَّا سِوَاهُ إحْدَاثُ أَمْرٍ مِنْ الْأُمُورِ طُلِبَ مِنْهُ مَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ وَحْدَهُ عَلَيْهِ ، حَتَّى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ الْأَفْعَالِ الِاخْتِيَارِيَّةِ لَا يَفْعَلُهَا إلَّا بِإِعَانَةِ اللَّهِ لَهُ ، كَأَنْ يَجْعَلَهُ فَاعِلًا لَهَا بِمَا يَخْلُقُهُ فِيهِ مِنْ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَيَخْلُقُهُ لَهُ مِنْ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ وَالْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ يَجِبُ وُجُودُ الْمَقْدُورِ .
فَمَشِيئَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ مُسْتَلْزَمَةٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ ، فَمَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ ، وَمَا سِوَاهُ لَا تَسْتَلْزِمُ إرَادَتُهُ شَيْئًا ، بَلْ مَا أَرَادَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِأُمُورِ خَارِجَةٍ عَنْ مَقْدُورِهِ ، إنْ لَمْ يُعِنْهُ الرَّبُّ بِهَا لَمْ يَحْصُلْ مُرَادُهُ ، وَنَفْسُ إرَادَتِهِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ
وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
وَقَالَ تَعَالَى : فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا
وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا . يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وَقَالَ : فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ . وَمَا يَذْكُرُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ .
وَالرَّاجِي لِمَخْلُوقِ طَالِبٌ بِقَلْبِهِ لِمَا يُرِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ ، وَذَلِكَ الْمَخْلُوقُ عَاجِزٌ عَنْهُ .
ثُمَّ هَذَا مِنْ الشِّرْكِ الَّذِي لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ ، فَمِنْ كَمَالِ نِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْ يَمْنَعَ حُصُولَ مَطَالِبِهِمْ بِالشِّرْكِ حَتَّى يَصْرِفَ قُلُوبَهُمْ إلَى التَّوْحِيدِ ، ثُمَّ إنْ وَحَّدَهُ الْعَبْدُ تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ حَصَلَتْ لَهُ سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِ :
وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
وَفِي قَوْلِهِ : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا
كَانَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ وَحْدَانِيِّتِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ ، كَمَا احْتَجَّ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ثُمَّ يُشْرِكُونَ وَلَا يَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، قَالَ تَعَالَى :
قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ . قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ . قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ وَقَالَ تَعَالَى : وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ .
وَهَذَا قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
فَمِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِمْ الشِّدَّةَ وَالضُّرَّ ، وَمَا يُلْجِئُهُمْ إلَى تَوْحِيدِهِ فَيَدْعُونَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، وَيَرْجُونَهُ لا يَرْجُونَ أَحَدًا سِوَاهُ ، وَتَتَعَلَّقُ قُلُوبُهُمْ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ ، فَيَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ، وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ ، وَحَلَاوَةِ الْإِيمَانِ ، وَذَوْقِ طَعْمِهِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الشِّرْكِ ، مَا هُوَ أَعْظَمُ نِعْمَةً عَلَيْهِمْ مِنْ زَوَالِ الْمَرَضِ وَالْخَوْفِ أَوْ الْجَدْبِ أَوْ حُصُولِ الْيُسْرِ وَزَوَالِ الْعُسْرِ فِي الْمَعِيشَةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَذَّاتٌ بَدَنِيَّةٌ وَنِعَمٌ دُنْيَوِيَّةٌ ، قَدْ يَحْصُلُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا أَعْظَمُ مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ .
وَأَمَّا مَا يَحْصُلُ لِأَهْلِ التَّوْحِيدِ الْمُخْلِصِينَ لِلَّهِ الدِّينَ ؛ فَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ كُنْهِهِ مَقَالٌ ، أَوْ يَسْتَحْضِرَ تَفْصِيلَهُ بَالٌ ، وَلِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ ذَلِكَ نَصِيبٌ بِقَدْرِ إيمَانِهِ ، وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ :
يَا ابْنَ آدَمَ لَقَدْ بُورِكَ لَك فِي حَاجَةٍ أَكْثَرْت فِيهَا مِنْ قَرْعِ بَابِ سَيِّدِك .
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ :
إنَّهُ لَيَكُونُ لِي إلَى اللَّهِ حَاجَةٌ فَأَدْعُوهُ ، فَيَفْتَحُ لِي مِنْ لَذِيذِ مَعْرِفَتِهِ ، وَحَلَاوَةِ مُنَاجَاتِهِ ، مَا لَا أُحِبُّ مَعَهُ أَنْ يُعَجِّلَ قَضَاءَ حَاجَتِي ، خَشْيَةَ أَنْ تَنْصَرِفَ نَفْسِي عَنْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُرِيدُ إلَّا حَظَّهَا فَإِذَا قُضِيَ انْصَرَفَتْ .
وَفِي بَعْضِ الإسرائيلِيَّاتِ :
يَا ابْنَ آدَمَ الْبَلَاءُ يَجْمَعُ بَيْنِي وَبَيْنَك ، وَالْعَافِيَةُ تَجْمَعُ بَيْنَك وَبَيْنَ نَفْسِك .
وَهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مَذُوقٌ ، مَحْسُوسٌ بِالْحِسِّ الْبَاطِنِ لِلْمُؤْمِنِ ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا وَقَدْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الذَّوْقِ وَالْحِسِّ ، لَا يَعْرِفُهُ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ ذَوْقٌ وَحِسٌّ بِذَلِكَ .
وَلَفْظُ " الذَّوْقِ " وَإِنْ كَانَ قَدْ يُظَنُّ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مُخْتَصٌّ بِذَوْقِ اللِّسَانِ ، فَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِحْسَاسِ بِالْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ .
كَمَا أَنَّ لَفْظَ " الْإِحْسَاسِ " فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ عَامٌّ فِيمَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ الْخَمْسِ ، بَلْ وَبِالْبَاطِنِ .
وَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَأَصْلُهُ " الرُّؤْيَةُ " كَمَا قَالَ :
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ .
وَ ( الْمَقْصُودُ ) لَفْظُ " الذَّوْقِ " قَالَ تَعَالَى :
فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ
فَجَعَلَ الْخَوْفَ وَالْجُوعَ مَذُوقًا ؛ وَأَضَافَ إلَيْهِمَا اللِّبَاسَ ، ليشعرَ أَنَّهُ لَبِسَ الْجَائِعَ وَالْخَائِفَ فَشَمِلَهُ وَأَحَاطَ بِهِ إحَاطَةَ اللِّبَاسِ بِاللَّابِسِ ؛
بِخِلَافِ مَنْ كَانَ الْأَلَمُ لَا يَسْتَوْعِبُ مَشَاعِرَهُ ، بَلْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمَوَاضِعِ .
وَقَالَ تَعَالَى : فَذُوقُوا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [ 1 ]
وَقَالَ تَعَالَى : ذُقْ إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ
وَقَالَ تَعَالَى : ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ
وَقَالَ : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ
وَقَالَ تَعَالَى : لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَاباً . إلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا وَقَالَ : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدِ نَبِيًّا )) .
فَاسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الذَّوْقِ " فِي إدْرَاكِ الْمُلَائِمِ وَالْمُنَافِرِ كَثِيرٌ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ )) ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحَدِيثِ .
فَوُجُودُ الْمُؤْمِنِ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ فِي قَلْبِهِ ، وَذَوْقُ طَعْمِ الْإِيمَانِ أَمْرٌ يَعْرِفُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ هَذَا الْوَجْدُ .
وَهَذَا الذَّوْقُ أَصْحَابُهُ فِيهِ يَتَفَاوَتُونَ ، فَاَلَّذِي يَحْصُلُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ عِنْدَ تَجْرِيدِ تَوْحِيدِ قُلُوبِهِمْ إلَى اللَّهِ ، وَإِقْبَالِهِمْ عَلَيْهِ دُونَ مَا سِوَاهُ ، بِحَيْثُ يَكُونُونَ حُنَفَاءَ لَهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، لَا يُحِبُّونَ شَيْئًا إلَّا لَهُ ، وَلَا يَتَوَكَّلُونَ إلَّا عَلَيْهِ ، وَلَا يُوَالُونَ إلَّا فِيهِ ، وَلَا يُعَادُونَ إلَّا لَهُ ، وَلَا يَسْأَلُونَ إلَّا إيَّاهُ ، وَلَا يَرْجُونَ إلَّا إيَّاهُ ، وَلَا يَخَافُونَ إلَّا إيَّاهُ ، يَعْبُدُونَهُ وَيَسْتَعِينُونَ لَهُ وَبِهِ ، ِحَيْثُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْحَقِّ بِلَا خَلْقٍ وَعِنْدَ الْخَلْقِ بِلَا هَوًى ؛ قَدْ فَنِيَتْ عَنْهُمْ إرَادَةُ مَا سِوَاهُ بِإِرَادَتِهِ ، وَمَحَبَّةُ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ ، وَخَوْفُ مَا سِوَاهُ بِخَوْفِهِ ، وَرَجَاءُ مَا سِوَاهُ بِرَجَائِهِ ، وَدُعَاءُ مَا سِوَاهُ بِدُعَائِهِ .
هُوَ أَمْرٌ لَا يَعْرِفُهُ بِالذَّوْقِ وَالْوَجْدِ إلَّا مَنْ لَهُ نَصِيبٌ ، وَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ إلَّا لَهُ مِنْهُ نَصِيبٌ .
وَهَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ ، وَأَنْزَلَ بِهِ الْكُتُبَ ، وَهُوَ قُطْبُ الْقُرْآنِ الَّذِي تَدُورُ عَلَيْهِ رَحَاهُ .
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ . اهـ
[ 1 ] ليس في القرآن آية بهذا التمام (( فذوقوا العذاب الأليم ))
منقوول