هل يغار الله سبحانه ؟!!
أولاً:
منهجأهل السنَّة والجماعة في باب صفات الله تعالى قائم على أمور ، من أهمها :
1. أنها صفات توقيفية لا يجوز لأحد أن يُثبتها من غير الكتاب والسنَّة ، فلا يوصف اللهتعالى إلا بما وصف به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم .
2. أن لهامن المعاني ما يليق بجلال الله تعالى وعظمته ، فتُعلم معانيها ويُجهل كيفياتها .
3. أنه يؤمن بمعانيها من غير تحريف ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل .
وانظرجوابي السؤالين ( 72318 ) و ( 39803 ) .
ثانياً:
ثبتت صفة " الغيْرة " لله تعالى في صحيح السنّة ، ومماجاء في ذلك :
1. عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
( إِنَّ اللَّهَ يَغَارُوَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ) رواه البخاري ( 4925 ) ومسلم ( 2761 ) .
2. عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ : قَالَ سَعْدُ بْنُعُبَادَةَ : لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِغَيْرَ مُصْفَحٍ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ فَقَالَ
( أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ ، وَاللَّهِ لَأَنَاأَغْيَرُ مِنْهُ ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِحَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)رواه البخاري ( 6980 ) ومسلم ( 1499 ) وعنده زيادة بلفظ ( وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ(
3. عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ
( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْاللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍوَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْكَثِيراً( .رواه البخاري ( 1044 ) ومسلم ( 901 ) .
قال شيخ الإسلام ابنتيمية – رحمه الله - :
" وغيْرة الله أن يأتي العبد ما حرمعليه ، وغيْرته أن يزني عبدُه أو تزني أمَتُه ... .
الغيْرة التي وصف الله بهانفسه : إمَّا خاصة وهو أن يأتي المؤمن ما حرَّم عليه ، وإما عامة وهي غيرته منالفواحش ما ظهر منها وما بطن" . انتهى من " الاستقامة " ( 2 / 9 – 11 ).
وقال ابن القيم – رحمه الله - : " الغيرة تتضمن البغضوالكراهة ، فأخبر أنه لا أحدَ أغير منه ، وأن من غيْرته حرَّم الفواحش ، ولا أحدأحب إليه المِدْحة منه ، والغيْرة عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية ،كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية ؛ فيستحيل وصفه عندهم بذلك ، ومعلومأن هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ، وأضدادهامذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً ؛ فإن الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشةوتركها : مذموم غاية الذم مستحق للذم القبيح " انتهى من " الصواعق المرسلة " ( 4 / 1497 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
"المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق ، وأماالغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى فلا يستحيل وصفه بها ، كما دل عليه هذا الحديثوما جاء في معناه ، فهو سبحانه يوصف بالغيْرة عند أهل السنَّة على وجه لا يماثل فيهالمخلوقين ، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلا هو سبحانه ، كالقول في الاستواء والنزولوالرضا والغضب وغير ذلك من صفاته سبحانه ، والله أعلم " . انتهى من تعليقالشيخ ابن باز على " فتح الباري " لابن حجر ( 2 / 531 ) .
وقال الشيخ عبد اللهالغنيمان – حفظه الله –
في التعليق على حديث ( وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرمالله ) - : " ومعناه : أن الله يغار إذا انتهكت محارمه ، وليسانتهاك المحارم هو غيرة الله ؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد ، ووقوع ذلك من المؤمنأعظم من وقوعه من غيره .
وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها ، فهيليست مماثلة لغيرة المخلوق ، بل هي صفة تليق بعظمته ، مثل الغضب ، والرضا ، ونحوذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها ، وقد تقرر أنه تعالى ليس كمثله شيء فيذاته ، فكذلك في صفاته ، وأفعاله " . انتهى من " شرح كتاب التوحيد من صحيحالبخاري " ( 1 / 287 ) .
ثالثاً:
إذا عُلم معنىالصفة العظيمة المتصف بها ربنا تعالى وهي الغيرة : يتبين أن استعمالها فيما سأل عنهالأخ السائل صحيح ، وفي سياق حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه فإن الغيرة " تتضمن الغضب لانتهاك الحرمة ، والله سبحانه يبغض ما حرم ، ويغضب إذاانتهكت حرماته " – كما جاء في " تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك علىالمخالفات العقدية في فتح الباري " رقم ( 55 ) - ،
ومما لا شك فيه أن التعرض للنبيصلى الله عليه وسلم في عرضه بالطعن بقذف زوجته الصدِّيقة عائشة رضي الله عنها ، هومن أعظم الذنوب التي يغار الله تعالى لأجلها ، والله تعالى يغار على رسله الكرامعليهم السلام ولذا لم يتعرض لهم أحد إلا خُذل وقُصم ، ويغار على أوليائه وأصفيائهولذا فإنه تعالى قال ( مَن عَادى لي وَلِيّاً فَقَد آذَنْتُه بِالحَرْب ) ، ويغارالله تعالى على شرعه وعلى محارمه أن تُنتهك ولذا فإنه تعالى توعد العصاة بالعذابوتعجل عقوبة بعضهم في الدنيا ليكونوا عبرة لغيرهم ، وكل ذلك من الغيرة اللائقةبجلاله سبحانه وتعالى .
وقول الشاعر " غار فيها " هو بمعنى " غار لها " ، وحروفالجر تتناوب عند طائفة من أئمة العربية ، وقد استعمل مثلها أئمة الإسلام من أهلالسنَّة .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
" ولما تكلمفيها أهل الافك بالزور والبهتان غار الله لها فأنزل براءتها في عشر آيات من القرآنتتلى على تعاقب الزمان " انتهى من " البداية والنهاية " ( 8 / 99 ) ، وينظر : ( 3 / 334 ) .
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب