معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


3 مشترك

    السـهر المجهـول

    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    السـهر المجهـول Empty السـهر المجهـول

    مُساهمة من طرف حبيبه الجمعة 29 أبريل 2011, 11:06 pm



    السـهر المجهـول
    تتحدث كتب النفس وبرامج الاستشارات التلفزيونية والنصائح الطبية ونحوها عن مشكلة يسمونها (مشكلة السهر) ..
    ويطرحون لها الحلول والعلاجات ويتكلمون عن أضرارها، لكن ثمة نوع آخر من السهر لا أرى له ذكراً بينهم .. إنه سهر من نوع خاص .. سهر يذكره القرآن ويتحدث عنه كثيرا ..

    وكلما مررت بتلك الآيات التي تتحدث عن هذا السهر شعرت بالخجل من نفسي..
    في أوائل سورة الذاريات لما ذكر الله أهوال يوم القيامة توقف السياق ثم بدأت الآيات تلوِّح بذكر فريقٍ حصد السعادة الأبدية واستطاع الوصول إلى

    (جناتٍ وعيون) .. ولكن ما السبب الذي أوصلهم إلى تلك السعادة بين مجاهل تلك الأهوال؟ إنه
    (السهر المجهول) .. تأمل كيف تشرح الآيات سبب وصول ذلك الفريق إلى الجنات والعيون:

    (إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)
    [الذاريات،16-17].


    تأمل كيف كان سبب سعادتهم
    أن نومهم بالليل "قليل"!
    إذن أين يذهب بقية ليلهم؟ يذهب بالسهر مع الله جل وعلا .. ذلك السهر المجهول.. ذكرٌ لله، وتضرعٌ وابتهالٌ بين يديه، وتعظيمٌ له سبحانه، وافتقارٌ أمام غناه المطلق سبحانه، وركوعٌ وسجودٌ وقنوت ..

    هذا غالب الليل.. أما القليل منه فيذهب للنوم القليل فقط بنص الآية (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون).. وفي سورة الزمر لما ذكر الله عدداً من الآيات الكونية عرض هذا السهر الإيماني بصيغة أخرى،
    لكن فيها من التشريف ما تتضعضع له النفوس .. لقد جعل الله هذا السهر الإيماني أحد معايير (العلم)،
    وهذا أمر لا تستطيع بتاتاً أن تستوعبه العقول المادية والمستغربة لأنها لم تتزكّ بعد بشكل تام وتتخلص من رواسب الجاهلية الغربية،

    لاحظ كيف دلت خاتمة الآية على التشريف العلمي لهذا السهر الإيماني، يقول تعالى:
    (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر، 9]

    فلاحظ في هذه الخاتمة كيف جعل الله من لم يقنت آناء الليل فهذا مؤشر على جهله، ومن قنت آناء الليل فهذا مؤشر على علمه.. وقد يقول قائل ..

    لكن كثيراً ممن لا يقنت آناء الليل نرى بالمقاييس المادية المباشرة أن لديه علماً؟

    فالجواب أن القرآن اعتبر العلم بثمرته لا بآلته، وثمرة العلم العبودية لله، فمن ضيع الثمرة لم تنفعه الآلة.. ثم لاحظ كيف وصفت الآيات تنوع العبادة (ساجداً وقائماً) .. بل وصفت الآيه أحاسيس ومشاعر ذلك الساهر ..

    فهو من جهة قد اعتراه الوجل من يوم الآخرة ومن جهة أخرى قد دفعه رجاء رحمة الله (يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه) .. تمتزج هذه المشاعر الإيمانية طوال الليل البهيم بينما الناس حوله هاجعون.. هل ترى الله تعالى بعظمته وقدسيته سبحانه يصوِّر هذا المشهد الإيماني الليلي بلا رسالة يريد تعالى إيصالها لنا؟

    أليس من الواضح أن الله يريدنا كذلك؟ يريدنا أن نكون قانتين آناء الليل ساجدين وقائمين نحذر الآخرة ونرجوا رحمة ربنا..؟ وتذكّر أن الله جعل ذلك معياراً من معايير (العلم)، ألا نريد أن نكون في معيار الله من (أهل العلم) ؟

    وفي ثنايا تلك المؤشرات صورت الآيات مشهد ذلك المؤمن الصادق، وهو في فراشه، تهاجمه ذكرى الآخرة فلا يستطيع جنبه أن يسترخي للنوم.. تأمل قوله تعالى:
    (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) [السجدة: 16].

    هناك آيات كثيرة صورت السهر الإيماني، لكن هذه الآية بخصوصها لها وقعٌ خاص، مجرد تخيل أولئك القوم وهم يتقلبون في فرشهم ثم يهبّون للانطراح بين يدي الله وتضرعه وهم بين الخوف من العقوبة على خطاياهم .. والرجاء الذي يحدوهم لبحبوحة غفران الله، ثم مقارنة ذلك بأحوالنا وليلنا البئيس يجعل الأمر في غاية الحرج،

    بل وتأمل في بلاغة القرآن كيف يجعل البيات قياماً كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان: 64]

    إنهم يبيتون .. لكنهم يبيتون لربهم في سجود وقيام..
    ومن ألطف مواضع السهر الإيماني أن الله جعله من أهم عناصر التأهيل الدعوي في بداية الطريق،

    الله سبحانه وتعالى لم يجعل أعظم السهر الإيماني في آخر الدعوة النبوية بعد استيفاء التدرج، كلا، بل جعله في أولها! فقال تعالى لنبيه في آياتٍ كادت تستغرق الليل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلا) [المزمل، 1-2]

    لاحظ معي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في بداية الدعوة، ومع ذلك يقول له
    (قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه)..

    وهل كان فعل ذلك مختص برسول الله؟ لا، بل كان أصحابه في أيام غربة الدعوة يصلون معه تلك الصلوات التي تستغرق الليل، يقول تعالى في آخر السورة:
    (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ)[المزمل، 20].

    السابقون الأولون من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خلّد الله قيامهم غالب الليل في كتابه العظيم، أي شرف أعظم من هذا الشرف لأصحاب رسول الله..

    أما نحن فمنا أقوامٌ ينامون الليل كله ويستثقلون دقائق معدودة ليتهجدوا فيها بين يدي الله، ومنا أقوامٌ يسهرون الليل كله لكن في استراحات اللهو ويستكثرون أن يتوقفوا لدقائق ليقفوا بين يدي الله،


    ومنا أقوامٌ يذهب ليلهم في تصفح شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة مقاطع اليوتيوب وتعليقاتٍ تافهة لا تقرب من الله ويمن على نفسه بركيعات في آخر الليل لله جل وعلا..

    بل هناك ماهو أتعس من ذلك، وهو أن بعضهم ينقضي الليل ويدخل وقت الفجر وتقام صلاة الفريضة والإمام يقرأ فوق رأسه بينما هو لازال كما قال تعالى (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء، 142].

    والله لو تدبرنا القرآن ونحن مستحضرين هذا السؤال: كيف نصوغ حياتنا في ليلنا ونهارنا؟ لفجعنا بشدة المفارقة بين فهم المؤمن لهذه الحياة الدنيا، وفهم غير المسلم لها..



    وبعض الشباب يقول: إنني لم أتعود على قيام الليل، وليس لي تجربة
    سابقة، وأشعر أنها صعبة،
    والجواب: يا أخي استعن بالله ولا تؤجل هذا المشروع أبداً، وصدقني ستجد لذةً يهبها الله من يقبل عليه ليعينه .

    ولكن ما وظيفة هذا السهر الإيماني؟ الحقيقة أن وظائفه كثيرة جداً، ولكن من أعظم وظائفه أن تلك اللحظات هي لحظات (الاستمداد) ..
    إذا تجافى جنب المؤمن عن المضجع وتوضأ ثم وقف بين يدي ربه ثم سجد بدأت دقائق الاستمداد .. فيستمد من خزائن رحمات الله.. من أرزاقه.. من العلم.. من التوفيق.. من الهداية.. إنها لحظة الدعم المفتوح..
    ورحمات الله إذا فتحت فلا تسل عن أمدائها (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) [فاطر، 2]
    اللهم يارب الليل البهيم .. اجلعنا من تتجافى جنوبهم عن المضاجع ندعوك خوفاً وطمعا..


    (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا)[السجدة، 16].
    مها صبحي
    مها صبحي
    الإدارة


    السـهر المجهـول Empty رد: السـهر المجهـول

    مُساهمة من طرف مها صبحي الجمعة 23 مارس 2012, 10:12 am

    ما شاء الله لا قوة إلا بالله
    موضوع أكثر من رائع
    سلمت يداكِ أستاذتي الحبيبة
    اللهم اجعلنا ممن يقومون لله بصدق و إخلاص
    حبيبه
    حبيبه
    هيئة التدريس


    السـهر المجهـول Empty رد: السـهر المجهـول

    مُساهمة من طرف حبيبه الأربعاء 25 أبريل 2012, 3:12 am


    آميييين
    أسعدني مرورك الطيب أستاذة مها
    avatar
    انتصار
    الادارة العامة


    السـهر المجهـول Empty رد: السـهر المجهـول

    مُساهمة من طرف انتصار الأربعاء 25 أبريل 2012, 7:59 am

    جزاك الله خيرا استاذتنا الفاضلة حبيبة موضوع اكثر من رائع نفع الله بك وبه امين





    ولكن ما وظيفة هذا السهر الإيماني؟ الحقيقة أن وظائفه كثيرة جداً، ولكن من أعظم وظائفه أن تلك اللحظات هي لحظات (الاستمداد) ..
    إذا تجافى جنب المؤمن عن المضجع وتوضأ ثم وقف بين يدي ربه ثم سجد بدأت دقائق الاستمداد .. فيستمد من خزائن رحمات الله.. من أرزاقه.. من العلم.. من التوفيق.. من الهداية.. إنها لحظة الدعم المفتوح..
    ورحمات الله إذا فتحت فلا تسل عن أمدائها (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا) [فاطر، 2]
    اللهم يارب الليل البهيم .. اجلعنا من تتجافى جنوبهم عن المضاجع ندعوك خوفاً وطمعا..



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 26 أبريل 2024, 6:33 pm