رسالة في صفاء القلوب ونقائها
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخير البشر الغافرين، وأكثر الناس حلماً وإعراضاً عن الجاهلين. وأظهرهم صبراً على أذى السفهاء الغاشمين وعلى آله وأصحابه أجمعين
إنه لا يخفي على كل عاقل بصير مدرك للأمور حوله فشو وانتشار الشحناء والبغضاء بين المسلمين الذين سماهم الله إخْوةٌ، والإخْوةُ يتحابون ويتوافقون ويأتلفون ولا يتباغضون أو يتهاجرون بأدنى مسبب وأتفه سبب فترى منه فشو العداوات واستطراد الفجوات عند أدنى الإساءات.
وترى انعدام واضمحلال جانب العفو عند وقوع الإساءة ..والحلم عن السفاهة والكظم قدر الاستطاعة .. وما ذاك إلا للجهالة ولكن الأكثر كان عما شُحن في القلب من قساوة، وما هو والله بصلابة، كما قد يخطأُ البعضَ اعتقاده، وإنه مما يتحسر له المؤمن ألماً ..ويتفطر له الكبد كمداً.. وتدمى له القلوب حرقة وأسفاً ..حينما نجد أو نسمع مقالةً بأن أخت الإسلام تهجر أختا بسبب اعتقادٍ أبعد في صوابه ،
تجد الكثير من المسلمين اليوم من يهجر أخاه أياماً عديدة وأزمنة مديدة ، والله جل وعلا قد امتن على عباده بالمودة والإلفة والإخاء فقال تعالى:
}وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{
وقال تعالى: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ{
وإن مما يمنع الكثير من الناس عن العفو والحلم وكف الغضب هو أنه يعتقد أن في سكوته ذلاً وإهانةً لنفسه، وأن ذلك يستبين ضعفه، وهذا كله من تسويل الشيطان الرجيم،
فأقولُ مستعينةً بالرحمن الرحيم، اعلمي أخيتي الحبيبة أنك بعفوك ومغفرتك لزلل غيرك وكظم غيظك تزيد لنفسك الرفعة في دنياك وآخرتك، وتزيدها متانة وصلابة وقوة فإن الشديد ليس بالصرعة، لكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
وبلا ريب أختي الغالية أن هذين الخلقين يحبهما الله ورسوله
كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم
«إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة» .
ألا تحبي أخيتي أن يغفر الله ذنبك ويمحو خطأك
}وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ {
أسأل الله أن يكون ذلك بلسان حالنا ومقالنا وتذكري ياغالية قوله تعالى واصفاً عباده المتقين
}وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {
وقوله تعالى: }وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ{
والكيس العاقل هو الفطن المتغافل، كما قال الشافعي رحمه الله ـ : واعلم أخي الحبيب أن كل إنسان كائن من كان معرض للأذية من غيره إما بالفعل أو بالقول ، فإذا كان خير البشرية وسيد البرية قد أوذي بكلا الأمرين فكيف بمن دونه ..
ومن المعلوم أن من حقوق الإخوة فيما بينهم مغفرة زلة الأخ، وقبول عذره، يقول ابن مفلح رحمه الله:
((ومما للمسلم على المسلم أن يستر عورته، ويغفر زلته، ويرحم عبرته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته..)) .
هذا مما للمسلم على المسلم فكيف مما للأخ على أخيه .
وللموضوع بقية