صوارف وعوارض تصُد الشباب عن طلب العلم الشرعي والدعوة إلى الله عزَّ وجل
ما أكثر الصوارف والشواغل عن تحصيل العلم الشرعي والدعوة إلى الله عزَّ وجل في هذا العصر.
يرجع ذلك إلى التعلق الزائد بالدنيا والحرص الشديد بمُتعها الفانية، والغفلة التامة عن ضرتها وهي الآخرة.
فالدنيا هي مطية الآخرة، وهي دار مِن جملة ثلاثة دور هي:
دار الدنيا، والبرزخ، والدار الآخرة. وهذه الدور مكملة ومتممة لبعضها البعض ولهذا قال تعالى: " وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً"
لقد ذمَّ الله وحذر من سلوك الغافلين الجاهلين البَّطالين قائلاً:
"وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"
ومدح وأثنى ورغّبَ في نهج المسابقين منهم في الخيرات الخاشعين المتضرعين إلى الله في كل الأحوال والأوقات " يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ "
لم يخلق الله الخلق سُدى وعبثاً، ولم يتركهم هملاً، إنما خلقهم لعبادته وحده لا شريك له فقال: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " وأرسل إليهم رسله وأمرهم بطاعتهم وأنزل عليهم كتبه وقيدهم بشرعتهم ومنهجهم،
فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، و الإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة، فإنها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع إنفصام لا موطن دوام.
فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد
قال الله تعالى: " إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
"
ولقد أحسن القائل:
إن لـــله عباداً فطنــاً طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيــها فلما علموا أنها ليست لحي وطنــاً
جعلوها لـــجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سُفن
ليس المطلوب من العبد العزوف عن كل متع الحياة الدنيا، ولذاتها، وإنما المتخوف منه غلبة الدنيا على الآخرة وهيمنة الفانية قبل الباقية كيف لا؟،
وقد قال عزَّ من قائل: "وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" ، وقال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "حُبب إليّ من الدنيا الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة
، وقال: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سنتي فليس مني" .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" اُختلف فيه،
فقال ابن عباس والجمهور: لا تضيع عمرك في ألاَّ تعمل عملاً صالحاً في دنياك، إذ الآخرة إنما يعمل لها، فنصيب الإنسان عمره وعمله الصالح فيها.
وقال الحسن وقتادة: معناه لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
وقال الشاعر
وهي القناعة لا تبغي بــها بدلاً فيهـا النعيم وفيها راحة البـدن
انظر لمن ملك الدنيا بأجمعــها هل راح منها بغير القطن والكفن
يتبع إن شاء الله