د. راغب السرجاني
تلقيت أمس الاثنين 17 أكتوبر 2011م اتصالاً أحسبه من أسعد الاتصالات التي استقبلتها في حياتي، وهو اتصال من الأخ الكريم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية! وليس مصدر سعادتي أن الاتصال جاء من شخصية سياسية مرموقة، ولا لأنه جاء من رئيس وزراء له وزنه، ولكن سعادتي -في المقام الأول- لأن الاتصال جاء من مجاهد يفهم معنى الجهاد، وهو يمثل حركه جهادية راقية، أعتبرها دُرَّة على جبين الأمة الإسلامية، وهي حركه حماس..
لقد سعدتُ باتصاله حتى عددت المكالمة راحة لقلبي، وبشارة من ربي لي، وأطلقت على المكالمة "عاجل بُشرى المؤمن"[1].
ويزيد من هذه السعادة أن هذا الاتصال جاء في أعتاب نصر تاريخي حققه أهلنا في غزة بنجاح مفاوضاتهم الخاصة بإطلاق الأسرى نجاحًا منقطع النظير، فكانت المكالمة وكأنها لون من ألوان الاحتفال بهذا النصر البهيج..
الله أكبر ولله الحمد!!
شرح لي الأخ الحبيب إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني أبعاد الصفقة الناجحة وتحليله لها، وهي -بحق- صفقة تدعو إلى رفع الرأس وسعادة النفس..
لقد دامت المفاوضات بين الفريق الحمساوي الجاد والمسئولين في الكيان الصهيوني قُرابة السنوات الخمس، ما لانت فيها لإخواننا الفلسطينيين قناة، وما كُسرت لهم شوكة، مع أن هذه المفاوضات مرت بأزمات هائلة كان من أبرزها الحرب الإجرامية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة في 27 ديسمبر 2008م، وكان من أبرزها أيضًا الانحياز الحكومي العربي للصف اليهودي في المفاوضات على مدار السنوات الخمس تقريبًا؛ مما دعا بنيامين اليعازر وزير التجارة والصناعة الصهيوني أن يعتبر الرئيس المصري السابق حسنى مبارك "كنزًا إستراتيجيًّا لإسرائيل"، وذلك وفق تصريحه الصحفي الذي أطلقه يوم الثلاثاء 4 مايو سنة 2010م!!
يضيف إلى صعوبة الموقف حالة الانشقاق التي يعانيها الصف الفلسطيني، ورفض حركه فتح الاستجابة لخيار الشعب الفلسطيني الذي أعلنه واضحًا عندما انتخب حماس لقيادة الشعب سنة 2006م.
وفوق كل ما سبق حالة الحصار القاتلة التي فرضها العدو والصديق على القطاع الفلسطيني المقاوِم "غزة"، وما حدث لسفينة الحرية من تعدٍّ صهيوني سافر..
لقد كان الظلام شديدًا، لكنْ شاء الله عز وجل أن يُخرِج المؤمنين من هذه الظلمات إلى النور.. فتمت الصفقة بشكل لا يتوقعه أكثر المتفائلين..
يقول إسماعيل هنية تعليقًا على هذه الصفقة: "إن المعطيات المادية المتاحة لنا لم تكن تشير إلى نجاح الصفقة بهذه الصورة، لكن هذا فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء".
فلله الفضل والمنة، وله الحمد في الأولى والآخرة!
تلقيت أمس الاثنين 17 أكتوبر 2011م اتصالاً أحسبه من أسعد الاتصالات التي استقبلتها في حياتي، وهو اتصال من الأخ الكريم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية! وليس مصدر سعادتي أن الاتصال جاء من شخصية سياسية مرموقة، ولا لأنه جاء من رئيس وزراء له وزنه، ولكن سعادتي -في المقام الأول- لأن الاتصال جاء من مجاهد يفهم معنى الجهاد، وهو يمثل حركه جهادية راقية، أعتبرها دُرَّة على جبين الأمة الإسلامية، وهي حركه حماس..
لقد سعدتُ باتصاله حتى عددت المكالمة راحة لقلبي، وبشارة من ربي لي، وأطلقت على المكالمة "عاجل بُشرى المؤمن"[1].
ويزيد من هذه السعادة أن هذا الاتصال جاء في أعتاب نصر تاريخي حققه أهلنا في غزة بنجاح مفاوضاتهم الخاصة بإطلاق الأسرى نجاحًا منقطع النظير، فكانت المكالمة وكأنها لون من ألوان الاحتفال بهذا النصر البهيج..
الله أكبر ولله الحمد!!
شرح لي الأخ الحبيب إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني أبعاد الصفقة الناجحة وتحليله لها، وهي -بحق- صفقة تدعو إلى رفع الرأس وسعادة النفس..
لقد دامت المفاوضات بين الفريق الحمساوي الجاد والمسئولين في الكيان الصهيوني قُرابة السنوات الخمس، ما لانت فيها لإخواننا الفلسطينيين قناة، وما كُسرت لهم شوكة، مع أن هذه المفاوضات مرت بأزمات هائلة كان من أبرزها الحرب الإجرامية التي شنها العدو الصهيوني على قطاع غزة في 27 ديسمبر 2008م، وكان من أبرزها أيضًا الانحياز الحكومي العربي للصف اليهودي في المفاوضات على مدار السنوات الخمس تقريبًا؛ مما دعا بنيامين اليعازر وزير التجارة والصناعة الصهيوني أن يعتبر الرئيس المصري السابق حسنى مبارك "كنزًا إستراتيجيًّا لإسرائيل"، وذلك وفق تصريحه الصحفي الذي أطلقه يوم الثلاثاء 4 مايو سنة 2010م!!
يضيف إلى صعوبة الموقف حالة الانشقاق التي يعانيها الصف الفلسطيني، ورفض حركه فتح الاستجابة لخيار الشعب الفلسطيني الذي أعلنه واضحًا عندما انتخب حماس لقيادة الشعب سنة 2006م.
وفوق كل ما سبق حالة الحصار القاتلة التي فرضها العدو والصديق على القطاع الفلسطيني المقاوِم "غزة"، وما حدث لسفينة الحرية من تعدٍّ صهيوني سافر..
لقد كان الظلام شديدًا، لكنْ شاء الله عز وجل أن يُخرِج المؤمنين من هذه الظلمات إلى النور.. فتمت الصفقة بشكل لا يتوقعه أكثر المتفائلين..
يقول إسماعيل هنية تعليقًا على هذه الصفقة: "إن المعطيات المادية المتاحة لنا لم تكن تشير إلى نجاح الصفقة بهذه الصورة، لكن هذا فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء".
فلله الفضل والمنة، وله الحمد في الأولى والآخرة!
صفقة تبادل الأسرى
يتم بموجب هذه الصفقة إطلاق سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًّا من السجون اليهودية! وهذا يشمل إطلاق سراح 27 أسيرة فلسطينية هن كل الفلسطينيات الأسيرات، فلا تبقى في السجون اليهودية امرأة مسلمة واحدة..
وسيتم إطلاق سراح الأسرى على مرحلتين: المرحلة الأولى في 18 أكتوبر 2011م، ويتم فيها إطلاق 450 أسيرًا وكل الأسيرات، والمرحلة الثانية بعد شهرين ويتم فيها إطلاق الـ 550 أسيرًا المتبقين.
وليس الإنجاز في عدد الأسرى فقط، ولكن في نوعيتهم كذلك، فمِن هؤلاء الأسرى مَن هم محكوم عليه بأحكام مؤبدة متعددة، تجعل سجنه مدى الحياة، فكان الأمل في خروجه معدومًا لولا فضل الله عز وجل، مثل عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي، الذي أمضى 33 سنة في السجون اليهودية، وكان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة. ومنهم إبراهيم جابر الذي أمضى 29 سنة في السجون، وكان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة كذلك (ثلاثة مؤبدات)، بل إن منهم أحلام التميمي التي كان محكومًا عليها بـ 16 مؤبدًا!!
ولقد ذكر لي إسماعيل هنية أن أهم مميزات هذه الصفقة -من وجهة نظره- أنها تميزت بأمرين في غاية الأهمية:
أما الأمر الأول فهي أنها شملت كل الفصائل الفلسطينية، ولم يكن فيها انحياز لحركة حماس على حساب بقية الفصائل، بل حرَّرت الصفقة رجالاً من حماس وفتح والجهاد وغيرها من الفصائل الفلسطينية.
وأما الأمر الثاني فأنها شملت كل الجغرافيا الفلسطينية، ولم تقتصر على أسرى قطاع غزة فقط، ولكنها شملت أسرى من الضفة الغربية أيضًا، بل وشملت أسرى من فلسطين المحتلة المعروفة بالداخل أو بـ 48، وهي إشارة مهمة -كما يقول إسماعيل هنية- إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة لم ينسوا شعبهم في 48. كما شملت الصفقة تحرير مُواطِن من الجولان المحتل.
وأضاف إسماعيل هنية: إن هذه الصفقة كسرت حواجز كان العدو الصهيوني يعتبرها خطوطًا حمراء، ومنها التفاوض على أسرى 48، الذين يعتبرهم العدو الصهيوني مواطنين إسرائيليين لا يحق لحماس أن تتفاوض عنهم، ومنها التفاوض على تحرير أسرى المؤبدات المتعددة، ومنها التفاوض على بعض الأسماء الكبرى التي يعتبر الكيان الصهيوني خروجها من السجن إثارة للرأي العام الصهيوني.
لقد كانت الصفقة ناجحة بكل المقاييس..
والسؤال لماذا تحقَّق هذا النصر الكبير؟ وكيف تحقق؟
وكان تبرير إسماعيل هنية للنجاح رائعًا.. فقد قال: إن الأمر كله مردُّه إلى الله عز وجل، وأنه هو الذي سخَّر الظروف لتؤدي إلى هذه النتائج. وذكر من هذه الظروف ثلاثة أمور؛ أما الأول فهو إحباط اليهود نتيجة فشلهم في الخيار العسكري، وعدم قدرتهم على غزو غزة أو تحرير أسيرهم. والثاني هو طول النَّفس عند الشعب الفلسطيني المحاصَر في غزة، وقدرته على التضحية والبذل، وثباته على المبدأ. وأما الأمر الثالث فهو الربيع العربي وما له من آثار هائلة، خاصة في مصر. ولا شك أن ذهاب الحكومة المصرية السابقة كان له أثر كبير في تغيير قناعات اليهود؛ لأن الوضع صار ملتهبًا جدًّا، وقد تُفتح ساحات صدام مع مصر أو غيرها من الشعوب العربية، ومن ثَمَّ لا بد من تهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ومن هنا تمت الصفقة الكبيرة.
وقد أعجبني تحليل الأخ الحبيب إسماعيل هنية، أما أنا فأضيف إليه بُعدًا أراه مهمًّا جدًّا في هذا الحدث، وهو إحساسي أن إخلاص المجموعة التي أسرت الجندي الصهيوني جلعاد شاليط كان سببًا في كل هذه النتائج الإيجابية المترتبة على هذه العملية النوعية، ولعله لم يكن يخطر ببالهم يوم نفَّذوا العملية أن يحدث كل هذا النجاح، ولكن هذا فضل الله عز وجل يهبه للمخلصين من عِباده. كما أن هذه المجموعة التي أسرت جلعاد شاليط تميزت بشيء آخر في منتهى الأهمية، وهو وحْدتها وتماسكها على الرغم من اختلاف انتمائهم الفصائلي، فهم شُركاء النجاح من ألوية صلاح الدين وكتائب عز الدين القسام، وهذه بشارة للأمة أنه لو حدث ائتلاف ووحدة بين الفصائل المختلفة تحققت نتائج أكبر بكثير من توقعاتنا؛ فقد تحرِّر حماس بمفردها عشرة أسرى، وتحرِّر جماعة الجهاد عشرة آخرين، أما الاثنان معًا فيحرران أكثر من ألف من الأُسارى!!
وقد سعدتُ أثناء اتصال الأخ إسماعيل هنية بأمرين لاحظتهما في كلامه؛ أما الأول فظهور قناعته وقناعة إخواننا في حماس بأن خيار المقاومة هو الخيار الأمثل في التعامل مع الكيان الصهيوني المحتل للبلاد، وأنهم حققوا بهذا الخيار ما لم تحققه وفود المفاوضين التي لم تنتهج هذا الخيار.
وأما الأمر الثاني فهو أدب إسماعيل هنية في التعليق على الفصائل الفلسطينية الأخرى، بما فيها فتح، فلم يعلِّق سلبًا عليهم مع أنهم يملئون الصحف والشاشات بالنقد والتجريح، واتهام حركة حماس بالفشل في هذه الصفقة التاريخية، فأعجبني ترفُّعه عن الخوض في أعراض الفلسطينيين، وأدبه في الحوار والتعبير، وهي سمات رئيسة لوليِّ الأمر المسلم.
ثم طلب السيد رئيس الوزراء الفلسطيني نُصحي له ولأهل غزة، فقلتُ: لي نصيحتان لكم؛ أما الأولى فهي عدم نسيان أن الفضل يرجع لله عز وجل في هذه الصفقة، وألاَّ تغرينا وفود المهنئين ولحظات النصر، فننسى الله عز وجل وننسبه إلى أنفسنا.. ولنتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة المكرمة فاتحًا، ورأسه تكاد تمسُّ ظهر دابته تواضعًا لله عز وجل. وأما النصيحة الثانية فكانت أن تعتبروا هذا النصر التاريخي خطوة على الطريق، وما زال الطريق طويلاً، ولا نرضى في طموحاتنا بأقل من تحرير كل أرض فلسطين.
وفي آخر المكالمة طلب مني أن أقدِّم كلمة إلى الشعب الفلسطيني في احتفال استقبال الأسرى، فقلتُ له: بلِّغ شعب فلسطين كامل تحياتي العميقة، وقُلْ له: لا ينبغي لكم أبدًا أن تشعروا بشعور المحاصَرين السجناء، فأنتم -والله- الأحرار، وكم من أُناس في العالم ينتقلون من بلد إلى بلد، ويتحركون -فيما يبدو للناس- بحرية، وواقع الأمر أنهم سجناء داخل نفوسهم، وعبيد لشهواتهم ومصالحهم! أمَّا أنتم فقد ضربتم للمسلمين -وللعالم أجمع- أروع أمثلة حريَّة النفس، وعزَّة الدين، فجزاكم الله خيرًا كثيرًا..
فختم إسماعيل هنية كلامه معي بقوله: وأنت جزاك الله عنَّا وعن أهل فلسطين خير الجزاء، ونسعد بوجودك معنا في غزة. فقلتُ له: هذا أحد أحلامي, وسأسعى في القريب العاجل لتحقيقه بإذن الله.
جزى الله خيرًا أخي إسماعيل هنية وإخوانه الكرام في غزة وفلسطين، وأسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالهم كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يسدِّد رميتهم، ويرشدهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
وسيتم إطلاق سراح الأسرى على مرحلتين: المرحلة الأولى في 18 أكتوبر 2011م، ويتم فيها إطلاق 450 أسيرًا وكل الأسيرات، والمرحلة الثانية بعد شهرين ويتم فيها إطلاق الـ 550 أسيرًا المتبقين.
وليس الإنجاز في عدد الأسرى فقط، ولكن في نوعيتهم كذلك، فمِن هؤلاء الأسرى مَن هم محكوم عليه بأحكام مؤبدة متعددة، تجعل سجنه مدى الحياة، فكان الأمل في خروجه معدومًا لولا فضل الله عز وجل، مثل عميد الأسرى الفلسطينيين نائل البرغوثي، الذي أمضى 33 سنة في السجون اليهودية، وكان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة. ومنهم إبراهيم جابر الذي أمضى 29 سنة في السجون، وكان محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة كذلك (ثلاثة مؤبدات)، بل إن منهم أحلام التميمي التي كان محكومًا عليها بـ 16 مؤبدًا!!
ولقد ذكر لي إسماعيل هنية أن أهم مميزات هذه الصفقة -من وجهة نظره- أنها تميزت بأمرين في غاية الأهمية:
أما الأمر الأول فهي أنها شملت كل الفصائل الفلسطينية، ولم يكن فيها انحياز لحركة حماس على حساب بقية الفصائل، بل حرَّرت الصفقة رجالاً من حماس وفتح والجهاد وغيرها من الفصائل الفلسطينية.
وأما الأمر الثاني فأنها شملت كل الجغرافيا الفلسطينية، ولم تقتصر على أسرى قطاع غزة فقط، ولكنها شملت أسرى من الضفة الغربية أيضًا، بل وشملت أسرى من فلسطين المحتلة المعروفة بالداخل أو بـ 48، وهي إشارة مهمة -كما يقول إسماعيل هنية- إلى أن الفلسطينيين في قطاع غزة لم ينسوا شعبهم في 48. كما شملت الصفقة تحرير مُواطِن من الجولان المحتل.
وأضاف إسماعيل هنية: إن هذه الصفقة كسرت حواجز كان العدو الصهيوني يعتبرها خطوطًا حمراء، ومنها التفاوض على أسرى 48، الذين يعتبرهم العدو الصهيوني مواطنين إسرائيليين لا يحق لحماس أن تتفاوض عنهم، ومنها التفاوض على تحرير أسرى المؤبدات المتعددة، ومنها التفاوض على بعض الأسماء الكبرى التي يعتبر الكيان الصهيوني خروجها من السجن إثارة للرأي العام الصهيوني.
لقد كانت الصفقة ناجحة بكل المقاييس..
والسؤال لماذا تحقَّق هذا النصر الكبير؟ وكيف تحقق؟
وكان تبرير إسماعيل هنية للنجاح رائعًا.. فقد قال: إن الأمر كله مردُّه إلى الله عز وجل، وأنه هو الذي سخَّر الظروف لتؤدي إلى هذه النتائج. وذكر من هذه الظروف ثلاثة أمور؛ أما الأول فهو إحباط اليهود نتيجة فشلهم في الخيار العسكري، وعدم قدرتهم على غزو غزة أو تحرير أسيرهم. والثاني هو طول النَّفس عند الشعب الفلسطيني المحاصَر في غزة، وقدرته على التضحية والبذل، وثباته على المبدأ. وأما الأمر الثالث فهو الربيع العربي وما له من آثار هائلة، خاصة في مصر. ولا شك أن ذهاب الحكومة المصرية السابقة كان له أثر كبير في تغيير قناعات اليهود؛ لأن الوضع صار ملتهبًا جدًّا، وقد تُفتح ساحات صدام مع مصر أو غيرها من الشعوب العربية، ومن ثَمَّ لا بد من تهدئة الأوضاع في قطاع غزة، ومن هنا تمت الصفقة الكبيرة.
وقد أعجبني تحليل الأخ الحبيب إسماعيل هنية، أما أنا فأضيف إليه بُعدًا أراه مهمًّا جدًّا في هذا الحدث، وهو إحساسي أن إخلاص المجموعة التي أسرت الجندي الصهيوني جلعاد شاليط كان سببًا في كل هذه النتائج الإيجابية المترتبة على هذه العملية النوعية، ولعله لم يكن يخطر ببالهم يوم نفَّذوا العملية أن يحدث كل هذا النجاح، ولكن هذا فضل الله عز وجل يهبه للمخلصين من عِباده. كما أن هذه المجموعة التي أسرت جلعاد شاليط تميزت بشيء آخر في منتهى الأهمية، وهو وحْدتها وتماسكها على الرغم من اختلاف انتمائهم الفصائلي، فهم شُركاء النجاح من ألوية صلاح الدين وكتائب عز الدين القسام، وهذه بشارة للأمة أنه لو حدث ائتلاف ووحدة بين الفصائل المختلفة تحققت نتائج أكبر بكثير من توقعاتنا؛ فقد تحرِّر حماس بمفردها عشرة أسرى، وتحرِّر جماعة الجهاد عشرة آخرين، أما الاثنان معًا فيحرران أكثر من ألف من الأُسارى!!
وقد سعدتُ أثناء اتصال الأخ إسماعيل هنية بأمرين لاحظتهما في كلامه؛ أما الأول فظهور قناعته وقناعة إخواننا في حماس بأن خيار المقاومة هو الخيار الأمثل في التعامل مع الكيان الصهيوني المحتل للبلاد، وأنهم حققوا بهذا الخيار ما لم تحققه وفود المفاوضين التي لم تنتهج هذا الخيار.
وأما الأمر الثاني فهو أدب إسماعيل هنية في التعليق على الفصائل الفلسطينية الأخرى، بما فيها فتح، فلم يعلِّق سلبًا عليهم مع أنهم يملئون الصحف والشاشات بالنقد والتجريح، واتهام حركة حماس بالفشل في هذه الصفقة التاريخية، فأعجبني ترفُّعه عن الخوض في أعراض الفلسطينيين، وأدبه في الحوار والتعبير، وهي سمات رئيسة لوليِّ الأمر المسلم.
ثم طلب السيد رئيس الوزراء الفلسطيني نُصحي له ولأهل غزة، فقلتُ: لي نصيحتان لكم؛ أما الأولى فهي عدم نسيان أن الفضل يرجع لله عز وجل في هذه الصفقة، وألاَّ تغرينا وفود المهنئين ولحظات النصر، فننسى الله عز وجل وننسبه إلى أنفسنا.. ولنتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل مكة المكرمة فاتحًا، ورأسه تكاد تمسُّ ظهر دابته تواضعًا لله عز وجل. وأما النصيحة الثانية فكانت أن تعتبروا هذا النصر التاريخي خطوة على الطريق، وما زال الطريق طويلاً، ولا نرضى في طموحاتنا بأقل من تحرير كل أرض فلسطين.
وفي آخر المكالمة طلب مني أن أقدِّم كلمة إلى الشعب الفلسطيني في احتفال استقبال الأسرى، فقلتُ له: بلِّغ شعب فلسطين كامل تحياتي العميقة، وقُلْ له: لا ينبغي لكم أبدًا أن تشعروا بشعور المحاصَرين السجناء، فأنتم -والله- الأحرار، وكم من أُناس في العالم ينتقلون من بلد إلى بلد، ويتحركون -فيما يبدو للناس- بحرية، وواقع الأمر أنهم سجناء داخل نفوسهم، وعبيد لشهواتهم ومصالحهم! أمَّا أنتم فقد ضربتم للمسلمين -وللعالم أجمع- أروع أمثلة حريَّة النفس، وعزَّة الدين، فجزاكم الله خيرًا كثيرًا..
فختم إسماعيل هنية كلامه معي بقوله: وأنت جزاك الله عنَّا وعن أهل فلسطين خير الجزاء، ونسعد بوجودك معنا في غزة. فقلتُ له: هذا أحد أحلامي, وسأسعى في القريب العاجل لتحقيقه بإذن الله.
جزى الله خيرًا أخي إسماعيل هنية وإخوانه الكرام في غزة وفلسطين، وأسأل الله عز وجل أن يجعل أعمالهم كلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يسدِّد رميتهم، ويرشدهم إلى ما فيه خير البلاد والعباد.
وأسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.