بسم الله الرحمن الرحيم
في الفاتحة فتح عظيم على الموحّدين، وفي الفاتحة نور مبين للعابدين، وفي الفاتحة إيجاز لما أُجمل، أو لما فُصِّل في القرآن.
في هذه السورة توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
- {الْحَمْدُ لله}: {الله} يشير إلى توحيد الألوهية.
- {رَبِّ الْعَالَمِينَ}: توحيد الربوبية.
- {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: توحيد الأسماء والصفات.
في الفاتحة ردٌّ على الإمامية والمعتزلة، وعلى القدرية وعلى الجبرية.
القدرية والمعتزلة قالوا: العبد يخلق فعله، فردّ الله عليهم بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فإنه لا هادي إلا الله، ولا خالق للأفعال إلا الله.
الجبرية قالوا: العبد مجبور على فعله وعلى المعصية، فذكر الله عز وجل عباداً أنعم الله عليهم، وعباداً ضلّوا، وعباداً غضب عليهم؛ لأنهم هم الذين فعلوا المعاصي لكن بمشيئة الله.
وفي الفاتحة ردٌّ على المانوية الذين عبدوا الليل والنهار.
يقول أبو تمام: فكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدّث أن المانوية تكذب
وفي الفاتحة ردٌّ على المشركين: فإنهم ادّعوا كثيراً من الآلهة مع الله {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5].
فقال: {الْحَمْدُ لله}؛ فهو الواحد المعبود سبحانه وتعالى.
وفي الفاتحة ردٌّ على المجوس عبدة النار؛ فإن الله وحّد اسمه سبحانه وتعالى.
* {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ما أحسنها من لفظة!
ركب قوم البحر، فقال الله لهم: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:28]، وقال لهم: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41]. يأتي المسلم ليأكل الطعام فيُعلّمه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أن يبدأ بـ(بسم الله).
في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: "كنتُ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا غلام سَمِّ الله وكُل بيمينك وكل مما يليك". (متفق عليه).
ويذبح المسلم ذبيحته على اسم الله.
وإذا أتى الرجل أهله، أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: "بسم الله". (مسند أحمد بسند صحيح).
تغلق سقاءك فتقول: بسم الله، تغلق بابك، فتقول: بسم الله، تطفئ سراجك فتقول: بسم الله.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قِرَبَكُم واذكروا اسم الله، وخمّروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم". (صحيح مسلم).
أمورنا وحركاتنا على اسم الله، فبدأ الله كتابه بـ{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
أسلم أمريكي، فقال: ما عرفت من الإسلام إلا {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فأخذت أُردّدها فانشرح صدري، ثم أخذت أردّدها فوجدت لها طعماً ومذاقاً، فكنت أقرؤها وأنا نائم، وأقوم وهي على لساني.
{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هي آية من كل سورة؟
اختلف العلماء على ثلاثة مذاهب:
مالك إمام دار الهجرة يقول: ليست بآية من القرآن، لا من الفاتحة، ولا من غير الفاتحة.
ابن المبارك يقول: هي آية من كل سورة بما فيها الفاتحة.
وذهب الجمهور إلى أنها آية من الفاتحة، ولكنها ليست بآية من بقية السور، وهو الصحيح، فإذا أتيت لتقرأ الفاتحة في الصلاة السرية أو الجهرية، فلا بد أن تقرأ {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تُسِرُّ بها في السريّة، وتُسِرُّ بها في الجهرية غالباً، ولك أن تجهر بها في الجهرية.
{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الاسم: قيل: من السِّمة، وهي العلامة، وقيل: من السُّموّ والرفعة.
ولكن اسمه، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن التعريف، فالله أعرف المعارف.
رؤي (سيبويه) في المنام، فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. فقالوا: بماذا؟ قال: كتبت في كتابي: (الله) اسم غير مشتق، وهو أعرف المعارف، فغفر لي بذلك.
الله: له مدلولات عند المفسرين، لكن سوف أشير إلى الراجح، قيل: الله: مأخوذ من الوَله، وهو التحيُّر؛ لأن العقول تتحير في عظمته وقدرته سبحانه وتعالى.
وقيل: الله: الذي تُؤلهه القلوب وتحبه النفوس {أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وابن تيمية يرجح هذا؛ لأن القلوب لا تؤله إلا الله، ولا تسكن إلا لله.
وأعظم اسم لله هو (الله)، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى المقدَّم فقال: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
وقال:{الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:23]؛ فهو أعظم اسم لله.
* {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان مختلفان؛ أما الرحمن فرحمته عامة سبحانه وتعالى للمؤمنين وللكفار؛ هي على العموم فهو رحمن الدنيا والآخرة.
قال ابن المبارك: الرحمن إذا سُئل أعطى، والرحيم إذا لم يُسأل لا يغضب.
أما الرحمن هنا، فهو الواحد الأحد؛ الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو رحمن للمؤمن والكافر.
أما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43].
لكنك قد تقول: كيف يكون الله رحيماً بالكفار وقد أهلكهم وكذّبهم؟
فأقول: رحمة الله بالكفار على ثلاثة أوجه:
أولاً: أرسل الرسل إليهم، وهذه رحمة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15].
ثانياً: أنه أمهلهم حتى سمعوا البلاغ، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
ثالثاً: ومن رحمته سبحانه وتعالى بهم أنه أعطاهم ورزقهم وشافاهم وعافاهم.
بل العجيب: أن الكافر قد يُعطى من الدنيا أكثر من المؤمن، قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33-35].
والرحمن اشتقت منه الرحم، وفي الحديث: "أنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققتُ لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". (مسند أحمد بسند صحيح).
وأما الرحيم: فرحمته سبحانه وتعالى بالمؤمنين وهي خاصة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مع الصحابة وقوفاً عند سبي من الكفار، فأتت امرأة تبحث عن ولدها، فلما وجدته، وضعته على ثديها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟
قالوا: لا، يا رسول الله. فقال -صلى الله عليه وسلم-: فوالذي نفسي بيده، لله أرحم بهذه من ولدها". (صحيح البخاري).
وفي الحديث: "جعل الله الرحمة مئة جزء؛ فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق". (صحيح البخاري).
وأعظم رحمة للمؤمن هي الهداية، عن عمر -رضي الله عنه- قال: "أنه دخل مع مولى له عند إبل الصدقة، فرأى نوقاً لها لون أحمر فقال: مولاه: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] فالتفت إليه عمر وقال: كذبتَ! هذه ليست برحمة، رحمة الله: الاستقامة على أمر الله.
وقد كَفَرَ أهل قريش باسم الرحمن، ولم يعرفوه؛ قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60].
وفي قصة صلح الحديبية، قال بعضهم: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون بذلك: مسيلمة الكذاب؛ الذي لم يعرف أن أحداً تسمَّى بالرحمن من الناس غيره.
* ثم قال الله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ما أعظم الحمد لله في السراء والضراء! ولم يعلمنا الله الحمد إلا لمقاصد.
قيل لبعض العلماء: هل تكون الحمد ثناء، وتكون دعاء؟ قال: نعم، إذا أردتَ أن تثني على الله، فقل: الحمد لله، وإذا أردت أن تشكر الله، فقل: الحمد لله، وإذا أردت أن تدعو الله، فقل: الحمد لله؛ فأحسن المحامد: الحمد لله، والله يحب المدح سبحانه وتعالى فلا أحد أحب إلى المدح من الله..
أما العبد إذا مدح، أو أحب المدح فهو ناقص، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- لأحد الناس لما مدح أخاه: "قطعتَ عنق صاحبك". (صحيح البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب". (صحيح مسلم)؛ لأنهم يكذبون.. لكن الله -عز وجل- مَنْ مَدَحَه فقد صدق. ولذلك قال الأسود بن سريع: ركبتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دابة، فقال رسول الله: "أتقول شعراً؟ قال: نعم والله. قال: ماذا قلت؟ قال: قلت قصيدة أمدح بها ربي. قال: أما إن ربك يحب المدح". (الجامع الصغير للسيوطي بسند صحيح)، فمن كان مادحاً، يا معشر الأدباء والشعراء والأساتذة والخطباء، فليمدح الواحد الأحد؛ الذي مَدْحُه زَيْن وذَمُّه شَيْن، أما مدح البشر، فوالله، إنه كذب وهراء، ولا يمدح العبد عبداً إلا لمقاصد؛ لأنه إذا لم يُلَبِّ له مقاصده عاد فذمّه!
فمن كان منكم مادحاً فليمدح الله، وأحسن المدح الثناء عليه، فالله لما خلق السماوات والأرض قال: {الْحَمْدُ لله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1].
وجعفر الصادق بعد أن ضاع فرسه قال: والله، إن وجدت فرسي لأمدحن الله بمحامد لا يسمع مثلها، فوجد فرسه فقال: الحمد لله رب العالمين! قالوا: وأين المحامد؟
قال: وهل أبقت (الحمد لله) شيئاً؟
وهناك سؤال: ما الفرق بين الحمد والشكر؟
ولماذا لم يأت في القرآن الشكر لله رب العالمين، وإنما جاء الحمد لله رب العالمين؟
قال بعض أهل العلم: الشكر أعمُّ من الحمد، الشكر يكون بالأعضاء: الجوارح، ويكون باللسان، ويكون بالجَنان.
فلماذا لم يقل: الشكر لله؟
قالوا: الحمد أعمُّ من الشكر؛ لأن الحمد معناه المدح وزيادة الثناء.
والصحيح: أن الشكر لا يكون في الغالب إلا على شيء، على نعمة، على بذل، فأنت لا تشكر المخلوق إلا لأنه قدَّم لك شيئاً.
وأهل العلم قالوا: إن حمد الأعضاء يختلف، أما حمد القلب لله فهو الإقرار بالعبودية، وحمد العين غضُّها عن المحارم والتفكر في المكارم، وحمد اللسان بالثناء على الواحد الديان، وحمد اليد أن تكفّ عن المعاصي وتطلقها في الطاعات.
وحمد الفرج أن تحفظه عما حرم الله، فإذا فعلت ذلك فقد حمدت الله.
والحمد يشمل المدح والثناء على الواحد الديان.
أتى أمية بن الصلت إلى ابن جدعان فقال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرّضه الثناء
* {رَبِّ الْعَالَمِينَ}:
أولاً: دلالتها اللغوية: بمعنى الجابر والمالك والسيد، وإذا أُطلق هكذا قصد به الله غيرَه – سبحانه وتعالى–، كما قال تعالى في قصة يوسف -عليه السلام-: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42] يعني: عند سيدك.
ولكن إذا أريد به غير الله، فلا بد أن يُخصَّص، مثلاً يقول: "رب الدار" يعني: مالكها. وأما "الله" فرب العالمين بدون تخصيص.
وهنا سؤال: لماذا قرن {رَبِّ الْعَالَمِينَ} بالحمد؟ قيل: لأن الحمد لا يكون إلا على نعمة، والنعمة من الربوبية، والربوبية منه سبحانه وتعالى فضلٌ يتفضّل به على الناس، فأراد سبحانه وتعالى أن يذكر من حَمَد بنعمته؛ لأنه لو قال: الحمد لإله العالمين: ما كان هناك تناسب، ولو كان قال: الحمد لله القهار الجبار، ما كان هناك تناسب، فلما ذكر الحمد عرف أن هناك نعمة فقال: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
والرب: هو الذي يربّي الناس بنعمه سبحانه وتعالى، غذّاهم وفطرهم على نعمه سبحانه وتعالى فقال: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وهذا من توحيد الربوبية، ولم ينكر توحيد الربوبية أحد من الناس في المشركين، لكن فرعون كابَر وأنكره في الظاهر، فقال له موسى -عليه السلام-: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102].
والمشركون يعترفون بالربوبية، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت:61]، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65].
قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قرئت في قراءتين صحيحتين (مَلِك) و(مَالِك)، و(مَالِك) أظهر وأرجح، ولو أن بعض المفسرين رجحوا (ملك) ولكن (مالك) أظهر.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لماذا لم يقل: الدنيا؟ قيل: لأن الدنيا دار مزرعة يعمل فيها البَرُّ والفاجر، ويتملك فيها الجميع، ولكن الملك الحقيقي عندما يقول سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. وينادي الله عز وجل كما في الحديث: "لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه مَلَكٌ مُقَرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل، فيقول: لله الواحد القهار". (مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم).
{الدِّينِ}، مشتق من المداينة وهي المجازاة..
يا يوم وقفة زوراء وقد دنا الأعادي كما كانوا يدينونا
يعني: جازينا الأعداء كما كانوا يجازوننا.
وللفاتحة أنوار كثيرة، قد ذكرت بعضاً منها في رسالتي "الشافية الكافية" و"في ظلال إياك نعبد وإياك نستعين"..فارجع إليهما غير مأمور.
د.عائض القرني
في الفاتحة فتح عظيم على الموحّدين، وفي الفاتحة نور مبين للعابدين، وفي الفاتحة إيجاز لما أُجمل، أو لما فُصِّل في القرآن.
في هذه السورة توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.
- {الْحَمْدُ لله}: {الله} يشير إلى توحيد الألوهية.
- {رَبِّ الْعَالَمِينَ}: توحيد الربوبية.
- {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}: توحيد الأسماء والصفات.
في الفاتحة ردٌّ على الإمامية والمعتزلة، وعلى القدرية وعلى الجبرية.
القدرية والمعتزلة قالوا: العبد يخلق فعله، فردّ الله عليهم بقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فإنه لا هادي إلا الله، ولا خالق للأفعال إلا الله.
الجبرية قالوا: العبد مجبور على فعله وعلى المعصية، فذكر الله عز وجل عباداً أنعم الله عليهم، وعباداً ضلّوا، وعباداً غضب عليهم؛ لأنهم هم الذين فعلوا المعاصي لكن بمشيئة الله.
وفي الفاتحة ردٌّ على المانوية الذين عبدوا الليل والنهار.
يقول أبو تمام: فكم لظلام الليل عندك من يدٍ تحدّث أن المانوية تكذب
وفي الفاتحة ردٌّ على المشركين: فإنهم ادّعوا كثيراً من الآلهة مع الله {أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} [ص:5].
فقال: {الْحَمْدُ لله}؛ فهو الواحد المعبود سبحانه وتعالى.
وفي الفاتحة ردٌّ على المجوس عبدة النار؛ فإن الله وحّد اسمه سبحانه وتعالى.
* {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ما أحسنها من لفظة!
ركب قوم البحر، فقال الله لهم: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لله الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [المؤمنون:28]، وقال لهم: {بِسْمِ الله مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا} [هود:41]. يأتي المسلم ليأكل الطعام فيُعلّمه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- أن يبدأ بـ(بسم الله).
في حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: "كنتُ مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: يا غلام سَمِّ الله وكُل بيمينك وكل مما يليك". (متفق عليه).
ويذبح المسلم ذبيحته على اسم الله.
وإذا أتى الرجل أهله، أمره -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: "بسم الله". (مسند أحمد بسند صحيح).
تغلق سقاءك فتقول: بسم الله، تغلق بابك، فتقول: بسم الله، تطفئ سراجك فتقول: بسم الله.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قِرَبَكُم واذكروا اسم الله، وخمّروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تعرضوا عليها شيئاً، وأطفئوا مصابيحكم". (صحيح مسلم).
أمورنا وحركاتنا على اسم الله، فبدأ الله كتابه بـ{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
أسلم أمريكي، فقال: ما عرفت من الإسلام إلا {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فأخذت أُردّدها فانشرح صدري، ثم أخذت أردّدها فوجدت لها طعماً ومذاقاً، فكنت أقرؤها وأنا نائم، وأقوم وهي على لساني.
{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} هي آية من كل سورة؟
اختلف العلماء على ثلاثة مذاهب:
مالك إمام دار الهجرة يقول: ليست بآية من القرآن، لا من الفاتحة، ولا من غير الفاتحة.
ابن المبارك يقول: هي آية من كل سورة بما فيها الفاتحة.
وذهب الجمهور إلى أنها آية من الفاتحة، ولكنها ليست بآية من بقية السور، وهو الصحيح، فإذا أتيت لتقرأ الفاتحة في الصلاة السرية أو الجهرية، فلا بد أن تقرأ {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} تُسِرُّ بها في السريّة، وتُسِرُّ بها في الجهرية غالباً، ولك أن تجهر بها في الجهرية.
{بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الاسم: قيل: من السِّمة، وهي العلامة، وقيل: من السُّموّ والرفعة.
ولكن اسمه، سبحانه وتعالى، غنيٌّ عن التعريف، فالله أعرف المعارف.
رؤي (سيبويه) في المنام، فقالوا: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي. فقالوا: بماذا؟ قال: كتبت في كتابي: (الله) اسم غير مشتق، وهو أعرف المعارف، فغفر لي بذلك.
الله: له مدلولات عند المفسرين، لكن سوف أشير إلى الراجح، قيل: الله: مأخوذ من الوَله، وهو التحيُّر؛ لأن العقول تتحير في عظمته وقدرته سبحانه وتعالى.
وقيل: الله: الذي تُؤلهه القلوب وتحبه النفوس {أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وابن تيمية يرجح هذا؛ لأن القلوب لا تؤله إلا الله، ولا تسكن إلا لله.
وأعظم اسم لله هو (الله)، ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى المقدَّم فقال: {بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}.
وقال:{الله لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وقال سبحانه وتعالى: {هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ} [الحشر:23]؛ فهو أعظم اسم لله.
* {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} اسمان مختلفان؛ أما الرحمن فرحمته عامة سبحانه وتعالى للمؤمنين وللكفار؛ هي على العموم فهو رحمن الدنيا والآخرة.
قال ابن المبارك: الرحمن إذا سُئل أعطى، والرحيم إذا لم يُسأل لا يغضب.
أما الرحمن هنا، فهو الواحد الأحد؛ الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو رحمن للمؤمن والكافر.
أما الرحيم فهو خاص بالمؤمنين {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:43].
لكنك قد تقول: كيف يكون الله رحيماً بالكفار وقد أهلكهم وكذّبهم؟
فأقول: رحمة الله بالكفار على ثلاثة أوجه:
أولاً: أرسل الرسل إليهم، وهذه رحمة {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15].
ثانياً: أنه أمهلهم حتى سمعوا البلاغ، قال سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33].
ثالثاً: ومن رحمته سبحانه وتعالى بهم أنه أعطاهم ورزقهم وشافاهم وعافاهم.
بل العجيب: أن الكافر قد يُعطى من الدنيا أكثر من المؤمن، قال تعالى: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ . وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ . وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:33-35].
والرحمن اشتقت منه الرحم، وفي الحديث: "أنا الرحمن خلقتُ الرحم وشققتُ لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته". (مسند أحمد بسند صحيح).
وأما الرحيم: فرحمته سبحانه وتعالى بالمؤمنين وهي خاصة، والرسول -صلى الله عليه وسلم- كان مع الصحابة وقوفاً عند سبي من الكفار، فأتت امرأة تبحث عن ولدها، فلما وجدته، وضعته على ثديها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أترون هذه طارحة ولدها في النار؟
قالوا: لا، يا رسول الله. فقال -صلى الله عليه وسلم-: فوالذي نفسي بيده، لله أرحم بهذه من ولدها". (صحيح البخاري).
وفي الحديث: "جعل الله الرحمة مئة جزء؛ فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق". (صحيح البخاري).
وأعظم رحمة للمؤمن هي الهداية، عن عمر -رضي الله عنه- قال: "أنه دخل مع مولى له عند إبل الصدقة، فرأى نوقاً لها لون أحمر فقال: مولاه: {قُلْ بِفَضْلِ الله وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] فالتفت إليه عمر وقال: كذبتَ! هذه ليست برحمة، رحمة الله: الاستقامة على أمر الله.
وقد كَفَرَ أهل قريش باسم الرحمن، ولم يعرفوه؛ قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان:60].
وفي قصة صلح الحديبية، قال بعضهم: ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون بذلك: مسيلمة الكذاب؛ الذي لم يعرف أن أحداً تسمَّى بالرحمن من الناس غيره.
* ثم قال الله سبحانه وتعالى: {الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ}. ما أعظم الحمد لله في السراء والضراء! ولم يعلمنا الله الحمد إلا لمقاصد.
قيل لبعض العلماء: هل تكون الحمد ثناء، وتكون دعاء؟ قال: نعم، إذا أردتَ أن تثني على الله، فقل: الحمد لله، وإذا أردت أن تشكر الله، فقل: الحمد لله، وإذا أردت أن تدعو الله، فقل: الحمد لله؛ فأحسن المحامد: الحمد لله، والله يحب المدح سبحانه وتعالى فلا أحد أحب إلى المدح من الله..
أما العبد إذا مدح، أو أحب المدح فهو ناقص، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم- لأحد الناس لما مدح أخاه: "قطعتَ عنق صاحبك". (صحيح البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا رأيتم المدّاحين فاحثوا في وجوههم التراب". (صحيح مسلم)؛ لأنهم يكذبون.. لكن الله -عز وجل- مَنْ مَدَحَه فقد صدق. ولذلك قال الأسود بن سريع: ركبتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على دابة، فقال رسول الله: "أتقول شعراً؟ قال: نعم والله. قال: ماذا قلت؟ قال: قلت قصيدة أمدح بها ربي. قال: أما إن ربك يحب المدح". (الجامع الصغير للسيوطي بسند صحيح)، فمن كان مادحاً، يا معشر الأدباء والشعراء والأساتذة والخطباء، فليمدح الواحد الأحد؛ الذي مَدْحُه زَيْن وذَمُّه شَيْن، أما مدح البشر، فوالله، إنه كذب وهراء، ولا يمدح العبد عبداً إلا لمقاصد؛ لأنه إذا لم يُلَبِّ له مقاصده عاد فذمّه!
فمن كان منكم مادحاً فليمدح الله، وأحسن المدح الثناء عليه، فالله لما خلق السماوات والأرض قال: {الْحَمْدُ لله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1].
وجعفر الصادق بعد أن ضاع فرسه قال: والله، إن وجدت فرسي لأمدحن الله بمحامد لا يسمع مثلها، فوجد فرسه فقال: الحمد لله رب العالمين! قالوا: وأين المحامد؟
قال: وهل أبقت (الحمد لله) شيئاً؟
وهناك سؤال: ما الفرق بين الحمد والشكر؟
ولماذا لم يأت في القرآن الشكر لله رب العالمين، وإنما جاء الحمد لله رب العالمين؟
قال بعض أهل العلم: الشكر أعمُّ من الحمد، الشكر يكون بالأعضاء: الجوارح، ويكون باللسان، ويكون بالجَنان.
فلماذا لم يقل: الشكر لله؟
قالوا: الحمد أعمُّ من الشكر؛ لأن الحمد معناه المدح وزيادة الثناء.
والصحيح: أن الشكر لا يكون في الغالب إلا على شيء، على نعمة، على بذل، فأنت لا تشكر المخلوق إلا لأنه قدَّم لك شيئاً.
وأهل العلم قالوا: إن حمد الأعضاء يختلف، أما حمد القلب لله فهو الإقرار بالعبودية، وحمد العين غضُّها عن المحارم والتفكر في المكارم، وحمد اللسان بالثناء على الواحد الديان، وحمد اليد أن تكفّ عن المعاصي وتطلقها في الطاعات.
وحمد الفرج أن تحفظه عما حرم الله، فإذا فعلت ذلك فقد حمدت الله.
والحمد يشمل المدح والثناء على الواحد الديان.
أتى أمية بن الصلت إلى ابن جدعان فقال:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إنّ شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً كفاه من تعرّضه الثناء
* {رَبِّ الْعَالَمِينَ}:
أولاً: دلالتها اللغوية: بمعنى الجابر والمالك والسيد، وإذا أُطلق هكذا قصد به الله غيرَه – سبحانه وتعالى–، كما قال تعالى في قصة يوسف -عليه السلام-: {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} [يوسف:42] يعني: عند سيدك.
ولكن إذا أريد به غير الله، فلا بد أن يُخصَّص، مثلاً يقول: "رب الدار" يعني: مالكها. وأما "الله" فرب العالمين بدون تخصيص.
وهنا سؤال: لماذا قرن {رَبِّ الْعَالَمِينَ} بالحمد؟ قيل: لأن الحمد لا يكون إلا على نعمة، والنعمة من الربوبية، والربوبية منه سبحانه وتعالى فضلٌ يتفضّل به على الناس، فأراد سبحانه وتعالى أن يذكر من حَمَد بنعمته؛ لأنه لو قال: الحمد لإله العالمين: ما كان هناك تناسب، ولو كان قال: الحمد لله القهار الجبار، ما كان هناك تناسب، فلما ذكر الحمد عرف أن هناك نعمة فقال: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
والرب: هو الذي يربّي الناس بنعمه سبحانه وتعالى، غذّاهم وفطرهم على نعمه سبحانه وتعالى فقال: {رَبِّ الْعَالَمِينَ}، وهذا من توحيد الربوبية، ولم ينكر توحيد الربوبية أحد من الناس في المشركين، لكن فرعون كابَر وأنكره في الظاهر، فقال له موسى -عليه السلام-: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} [الإسراء:102].
والمشركون يعترفون بالربوبية، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت:61]، {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65].
قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قرئت في قراءتين صحيحتين (مَلِك) و(مَالِك)، و(مَالِك) أظهر وأرجح، ولو أن بعض المفسرين رجحوا (ملك) ولكن (مالك) أظهر.
{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لماذا لم يقل: الدنيا؟ قيل: لأن الدنيا دار مزرعة يعمل فيها البَرُّ والفاجر، ويتملك فيها الجميع، ولكن الملك الحقيقي عندما يقول سبحانه وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لله الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16]. وينادي الله عز وجل كما في الحديث: "لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه مَلَكٌ مُقَرَّب ولا نبيٌّ مُرسَل، فيقول: لله الواحد القهار". (مختصر الصواعق المرسلة، لابن القيم).
{الدِّينِ}، مشتق من المداينة وهي المجازاة..
يا يوم وقفة زوراء وقد دنا الأعادي كما كانوا يدينونا
يعني: جازينا الأعداء كما كانوا يجازوننا.
وللفاتحة أنوار كثيرة، قد ذكرت بعضاً منها في رسالتي "الشافية الكافية" و"في ظلال إياك نعبد وإياك نستعين"..فارجع إليهما غير مأمور.
د.عائض القرني