صور من أدب الأنبياء والصالحين مع الله عزّ و جل
المسيح عليه السلام عندما يسأله الله سبحانه وتعالى يوم القيامة:
( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين ) ، فلم يكن جواب عيسى عليه السلام " لم أُقل ذلك "، وإنما
قال : ( إن كنت قلته فقد علمته ) ، فذلك من كمال أدبه مع ربه، ثم قال :
( تعلم ما في نفسي ولا اُعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب، ما قلت لهم إلا
ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم ..) إلى آخر الآيات [المائدة:116].
وكذلك أدب إبراهيم مع ربه لما قال :
( الذي خلقني فهو يهدين ، والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) [الشعراء:79 ] ..،
فنسب الهداية والطعام والسِّقا والشفاء إلى الله رب العالمين وعندما ذكر المرض ما قال والذي يمرضني
ويشفين، وإنما قال ( وإذا مرضتُ ) فنسب المرض إليه ، مع أن الله هو الذي يمرض ولا شك ،
وهو الذي يشفي ، لكن لم يرد أن ينسب المرض إليه عزوجل ، أدباً مع الله سبحانه وتعالى ،
وهذا من كمال أدب الخليل عليه السلام.
وكذلك الخضر عليه السلام الذي ورد ذكره في سورة الكهف
الآيات 79-82 (وهنا لفتة جميلة):
فلما ذكر السفينة قال: ( فأردت أن أعيبها )
ولما ذكر قتل الغلام قال: ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما )
ولما ذكر الجدار قال: ( فأراد ربك أن يبلغا أشدهما )
ففي الأولى ظاهر الأمر منكر وهو خرق السفينة فنسبه إلى نفسه (فأردت) ، وفي الثانية أمران ظاهر
الأول سيء وهو القتل والثاني حسن وهو الإبدال بالخير فنسب الإرادة إلى نفسه
وإلى الله بقوله (فأردنا) ، وفي الثالثة نسبها لله عز وجل (فأراد ربك) حيث دلالة الخير فيها
واضحة مع أن كل ذلك بأمر الله وحكمته ( وما فعلته عن أمري )
أيوب عليه السلام قال:
( إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ) فبنى فعل المس بالضر للمجهول رغم أن كل شيء
مرجعه إلى الله ولكن هذا أعظم أدباً من أن يقول فعافني واشفني ،
ثم قال ( وأنت أرحم الراحمين )
وكذلك الصالحون من الجن قالوا:
( وإنا لاندري أشرٌ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربٌّهم رشداً ) [الجنّ:10] ،
قالوا: " أشراً أريد بمن في الأرض " ما قالوا : "أشر أراده ربهم بهم، أم أرادبهم ربهم رشداً" ..
فجعلوا الفعل مبنياً للمجهول تأد بّاً مع الله عزّ و جلّ.
ومن أدب الأنبياء مع المخلوقين:
كان من أدب يوسف عليه السلام مع أبيه وإخوتِه حين قال لأبيه : ( قال هذا تأويل رؤياي من قبل
قد جعلها ربي حقا. وقدأحسن بي إذ أخرجني من السجن ) [يوسف:100]
فلم يقل أخرجني من الجبِّ مع أنه أخرجه من الجبِّ ! لأنه لا يريد أن يجرح مشاعر إخوانه تأدبًا معهم .
وكذلك فإنه لما جاء بإخوته وأهله ، قال : ( وجاء بكم من البدو ) ما قال مثلاً :
رفع عنكم الجهل والجوع والحاجه .. أوأنني فعلت ذلك لكم أوأنني أنقذتكم من الجوع ..والجهل . ثم
قال : ( من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ) فنسب الفعل إلى الشيطان، ولم يقل
من بعد أن فعل بي إخواني ما فعلوا وظلموني ونحوذلك ..
قيل في الأدب*
إن فاتك الأدب فالزم الصمت، فهو من أعظم الآداب
* أحسن الأدب ألا يفتخر المرء بأدبه.
*وضع المعتضد الخليفة العباسي رأسه يوما في حجر زوجته قطر الندى، ونام فتلطفت
في إزالة رأسه من حجرها ووسدته وخرجت. فلما استيقظ ذعر وناداها،
فقال: أسلمت نفسي إليك فذهبت عني، قالت: إن مما أدبني به أبي أن لا أجلس مع نيام،
وأن لا أنام مع جلوس. (المخلاة)
أجوبة مهذبة:
* قيل للعباس بن عبد المطلب: أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال: أنا أسن ورسول الله أكبر* وقال الحجاج للمهلب: أنا أطول أم أنت.
فقال المهلب: الأمير أطول وأنا أبسط قامة
* وقال المأمون للسيد بن أنس: أأنت السَّيُّد؟ قال: أنا ابن أنس، وأمير المؤمنين هو السيد.
(آداب الملوك للثعالبي)
* دخل المعتصم دار خاقان وزيره يعوده، فمازح ابنه الفتح، وكان عمره سبع سنين،
فقال له: يا فتح أيهما أحسن، داري أم داركم؟
فقال الفتح: يا أمير المؤمنين أيَّ الدارين كنت فيها فهي أحسن.
* دعا الرشيد خزيم بن أبي يحيى يوما إلى مائدته فلما توسط الأكل، رفع الرشيد رأسه
إلى رجل ليكلمه بالفارسية. فقال خزيم: يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تسر
إليه فإنني أعرف الفارسية، فمرني أن أتنحى لتكلمه بما تشاء.
فأعجب الرشيد بصدق خزيم وكرم أخلاقه.
﴿ أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه
ومن يضلل الله فما له من هاد* ومن يهد الله فما له من مضل
أليس الله بعزيز ذي انتقام ﴾
من أدب الأنبياء والصالحين مع الله عزّ و جل