فن الكتابة العربية
تاريخها، نشأتها، واقعها، ومشكلاتها وطرق إصلاحها
جمع وترتيب : أبي عبيدالله البستاني
مصطفى بن أحمد بن إسماعيل
المقـدمة
اللغة العربية...
اللغة الباسلة...
ماضٍ مشرِق، وواقِع بئيس، ومستقبل مأمول...
تذكرة ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].
قال أ.د/ فتحي جمعة - حفظه الله -: "واللُّغة الباسِلة ليست عنوانًا دعا إليه داعي "التفنُّن" في التعبير، أو الرَّغبة في استثارة القارئ، وتهييج عواطفه مِن أجل استمالته، أو كسْب مودَّته!
كلاَّ! فليستْ "عبارتنا" مِن قبيل هذا ولا مِن ذاك، وإنَّما اللغة الباسلة:
حقيقة عرفْناها...
وتجرِبة عشناها...
ويَقين تيقنَّاه.
نعم بالله، لله دَرُّ قائل هذه الكلمات!
فاللُّغة الباسِلة - حقًّا - وصفٌ جدير بأن تُوصَف به اللُّغة العربية في عصْرٍ انحطَّت فيه كل معاني قِيم "الانتماء".
وهذا يتَّضح جليًّا في معادلة يسيرة: "فالانتماء" مِن أهم ما يفتخر به الإنسان في حياته كلها، ويرى كلُّ عاقل أنَّ خير ما يَنتمي إليه الإنسان هو ما يَتَعَبَّدَ به رَبَّه الذي فطرَه، وخلَقه، وسوَّاه، ونفَخ فيه من رُوحه، وخير ما يَتَعَبَّدُ به الإنسان دِينه، والدِّين الحق هو دِين الإسلام، وكتاب الإسلام وبيانه هو القرآن الكريم، فخير ما ينتمي إليه الإنسانُ هو كتاب ربِّ العالمين، الذي شرَّف الله - عزَّ وجلَّ - به العربيةَ إذ أنزلَه بلسانها؛ قال - تعالى -: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، وقال تعالي: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال سبحانه: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، فهو شرَف للعربيَّة والعرَب جميعًا؛ فلولاه ما كانتِ العربية ولا كان العرَب.
فإنَّ مسألةَ عدم الانتماء أضحتْ مِن أهم الآفات التي تُصدِّع جسدَ الأمة الإسلامية، ولا سيَّما العربية، فتجد الكلَّ مفتونًا بحضارات زائفة سريعًا سوف يطويها الزمان، ويعمُّها النِّسيان؛ لأنَّها بُنِيت على باطل، والباطل سريعًا ما يَنطوي ويُكتب في صفحات الذاهبين، فتجد الأب، والأم، والأخت، والأخ كلهم مشغوفين بتعليم الصَّغير - منذ حداثة سنِّه، ونُعومة أظفاره العُجْمة فيعلموه اللِّسان الأعجمي ﴿ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13]؛ وذلك لأنَّهم أناس نظروا إعجابًا وتعظيمًا للعالَم الغربي، ولم ينظروا نظرةً كتلك لتراثنا، وتاريخنا، وماضينا، وإنما نظروا نظرةَ المستحقِر والمستنكِف لواقعنا الذي "لا يسرُّ الناظرين"، فهؤلاء نَسوا أو نُسُّوا معنى كلمة أمَّة، وفي الواقع هؤلاء هم الذين نَمَّوا شعورَ عدم الاكتراث بهُويَّتنا وشخصيتنا؛ لأنَّهم قوم فاقدون أو مُفْقَدُون معنى الانتماء.
قال أ.د/ فتحي جمعة:"إنَّ شعورَ الإهمال وعدمَ الاكتراث - مهما كانتْ دوافعه - هو الذي أدَّى بصورة أو بأُخرى إلى ما انتهى إليه أمرُ العربية في بلادِ العرَب، وفي الوقت نفْسِه نراه نتيجةً لكل ما عرضناه من مظاهرَ ونماذج، تنتشر بين الأرجاء العربيَّة المختلة مثلاً لنوع فريد مِن الخصومة بين اللُّغة وأصحابها.
والذي يدلُّ الأمر عليه، وتُشير قرينةُ الحال إليه، أنَّ الموقف الشُّعوري للأمَّة العربيَّة من اللُّغة العربية غير ما هو ظاهرٌ لنا من مثله في الأمم المتحضِّرة.
إنَّ الانهزام النفسي الذي تَعيشه الأمَّة الآن ليس بدعًا من الأسباب التي تُورِث في أبنائنا كُرهَ العربية أو كُرهَ العرب، بل هو مِن أكبر الأسباب التي توقع بنا في هوَّة ضياع الهُويَّة والشخصية العربية، وإنَّ لهْثَ الأمة وراء العجمة الغربية إنما هو تمكينٌ لهذا الانهزام الطارئ على قلوب أبنائنا قبْل قلوبنا؛ يُخرج لنا جيلاً يحمل طِيَّات الانهزام النفسي الذي عاش فيه جيل الآباء، فيكون جيلٌ كسابقه، منهزِم النفس، مستكين القوة، ضعيف الشكيمة، هزيل البنيان، هش السنان؛ فلا يكون نصرٌ، ولا يكون عزٌّ، ولا تمكينٌ.
إنَّ تربية النشء الصِّغار على حبِّ الانتماء؛ يورث لديهم الشعورَ بشخصيتهم وهُويتهم التي ضاعتْ أو كادتْ أن تَضيع، ويورث في أعماقِ صدورهم عزًّا، وفخرًا، وتطلعًا إلى النهوض بهذه الأمَّة التي طال خمولها، وإن شئتَ فقُل ضياعها، فيَخرُج لنا بذلك جيلٌ يحمل في قلبه الأمَل فيما فشِل آباؤنا - وربما نحن - في تحقيقه، يحمِلوا الأمل الذي طالما سعينا إليه، وحفَوْنا عليه، وباسلْنا من أجله، ومضيْنا على طيفه؛ هو أمَلُ الرفعة والعِزَّة، النهوض والنُّبُوط، التمكين والرِّيادة، النُّصرة والقِيادة.
ورضِي الله عن أميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب؛ إذ قال: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فمَن اعتزَّ بغير الإسلام أذلَّه الله بما اعتزَّ به".
يتبع إن شاء الله.
تاريخها، نشأتها، واقعها، ومشكلاتها وطرق إصلاحها
جمع وترتيب : أبي عبيدالله البستاني
مصطفى بن أحمد بن إسماعيل
المقـدمة
اللغة العربية...
اللغة الباسلة...
ماضٍ مشرِق، وواقِع بئيس، ومستقبل مأمول...
تذكرة ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].
قال أ.د/ فتحي جمعة - حفظه الله -: "واللُّغة الباسِلة ليست عنوانًا دعا إليه داعي "التفنُّن" في التعبير، أو الرَّغبة في استثارة القارئ، وتهييج عواطفه مِن أجل استمالته، أو كسْب مودَّته!
كلاَّ! فليستْ "عبارتنا" مِن قبيل هذا ولا مِن ذاك، وإنَّما اللغة الباسلة:
حقيقة عرفْناها...
وتجرِبة عشناها...
ويَقين تيقنَّاه.
نعم بالله، لله دَرُّ قائل هذه الكلمات!
فاللُّغة الباسِلة - حقًّا - وصفٌ جدير بأن تُوصَف به اللُّغة العربية في عصْرٍ انحطَّت فيه كل معاني قِيم "الانتماء".
وهذا يتَّضح جليًّا في معادلة يسيرة: "فالانتماء" مِن أهم ما يفتخر به الإنسان في حياته كلها، ويرى كلُّ عاقل أنَّ خير ما يَنتمي إليه الإنسان هو ما يَتَعَبَّدَ به رَبَّه الذي فطرَه، وخلَقه، وسوَّاه، ونفَخ فيه من رُوحه، وخير ما يَتَعَبَّدُ به الإنسان دِينه، والدِّين الحق هو دِين الإسلام، وكتاب الإسلام وبيانه هو القرآن الكريم، فخير ما ينتمي إليه الإنسانُ هو كتاب ربِّ العالمين، الذي شرَّف الله - عزَّ وجلَّ - به العربيةَ إذ أنزلَه بلسانها؛ قال - تعالى -: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 195]، وقال تعالي: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 2]، وقال سبحانه: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [فصلت: 3]، فهو شرَف للعربيَّة والعرَب جميعًا؛ فلولاه ما كانتِ العربية ولا كان العرَب.
فإنَّ مسألةَ عدم الانتماء أضحتْ مِن أهم الآفات التي تُصدِّع جسدَ الأمة الإسلامية، ولا سيَّما العربية، فتجد الكلَّ مفتونًا بحضارات زائفة سريعًا سوف يطويها الزمان، ويعمُّها النِّسيان؛ لأنَّها بُنِيت على باطل، والباطل سريعًا ما يَنطوي ويُكتب في صفحات الذاهبين، فتجد الأب، والأم، والأخت، والأخ كلهم مشغوفين بتعليم الصَّغير - منذ حداثة سنِّه، ونُعومة أظفاره العُجْمة فيعلموه اللِّسان الأعجمي ﴿ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ [المائدة: 13]؛ وذلك لأنَّهم أناس نظروا إعجابًا وتعظيمًا للعالَم الغربي، ولم ينظروا نظرةً كتلك لتراثنا، وتاريخنا، وماضينا، وإنما نظروا نظرةَ المستحقِر والمستنكِف لواقعنا الذي "لا يسرُّ الناظرين"، فهؤلاء نَسوا أو نُسُّوا معنى كلمة أمَّة، وفي الواقع هؤلاء هم الذين نَمَّوا شعورَ عدم الاكتراث بهُويَّتنا وشخصيتنا؛ لأنَّهم قوم فاقدون أو مُفْقَدُون معنى الانتماء.
قال أ.د/ فتحي جمعة:"إنَّ شعورَ الإهمال وعدمَ الاكتراث - مهما كانتْ دوافعه - هو الذي أدَّى بصورة أو بأُخرى إلى ما انتهى إليه أمرُ العربية في بلادِ العرَب، وفي الوقت نفْسِه نراه نتيجةً لكل ما عرضناه من مظاهرَ ونماذج، تنتشر بين الأرجاء العربيَّة المختلة مثلاً لنوع فريد مِن الخصومة بين اللُّغة وأصحابها.
والذي يدلُّ الأمر عليه، وتُشير قرينةُ الحال إليه، أنَّ الموقف الشُّعوري للأمَّة العربيَّة من اللُّغة العربية غير ما هو ظاهرٌ لنا من مثله في الأمم المتحضِّرة.
إنَّ الانهزام النفسي الذي تَعيشه الأمَّة الآن ليس بدعًا من الأسباب التي تُورِث في أبنائنا كُرهَ العربية أو كُرهَ العرب، بل هو مِن أكبر الأسباب التي توقع بنا في هوَّة ضياع الهُويَّة والشخصية العربية، وإنَّ لهْثَ الأمة وراء العجمة الغربية إنما هو تمكينٌ لهذا الانهزام الطارئ على قلوب أبنائنا قبْل قلوبنا؛ يُخرج لنا جيلاً يحمل طِيَّات الانهزام النفسي الذي عاش فيه جيل الآباء، فيكون جيلٌ كسابقه، منهزِم النفس، مستكين القوة، ضعيف الشكيمة، هزيل البنيان، هش السنان؛ فلا يكون نصرٌ، ولا يكون عزٌّ، ولا تمكينٌ.
إنَّ تربية النشء الصِّغار على حبِّ الانتماء؛ يورث لديهم الشعورَ بشخصيتهم وهُويتهم التي ضاعتْ أو كادتْ أن تَضيع، ويورث في أعماقِ صدورهم عزًّا، وفخرًا، وتطلعًا إلى النهوض بهذه الأمَّة التي طال خمولها، وإن شئتَ فقُل ضياعها، فيَخرُج لنا بذلك جيلٌ يحمل في قلبه الأمَل فيما فشِل آباؤنا - وربما نحن - في تحقيقه، يحمِلوا الأمل الذي طالما سعينا إليه، وحفَوْنا عليه، وباسلْنا من أجله، ومضيْنا على طيفه؛ هو أمَلُ الرفعة والعِزَّة، النهوض والنُّبُوط، التمكين والرِّيادة، النُّصرة والقِيادة.
ورضِي الله عن أميرِ المؤمنين عمر بن الخطاب؛ إذ قال: "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، فمَن اعتزَّ بغير الإسلام أذلَّه الله بما اعتزَّ به".
يتبع إن شاء الله.