مسألة : يورد كثيرمن الناس أن أهل الغرب أحسن أخلاقًا في تعاملهم وبيعهم وشرائهم، بينما تجد الغش والكذب وإنفاق السلعة بالحلف الكاذب بين
صفوفنا نحن المسلمين فما سبب ذلك، وهل لحضارتهم الصناعية كبير أثر في تكوين أخلاقهم؟
الجواب : قال النبي عليه الصلاة والسلام : "لويعطى الناس بدعواهم لادعى رجال دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة على المدعي "، وما كان مشهورًا
بين الناس من أن الغرب عندهم حسن خلق في المعاملة فهذا ليس بصحيح، فإن عندهم من سوءالمعاملة ما يعرفه من ذهب إليهم،ونظر إليهم بعين
العدل والإنصاف، دون من نظر إليهم بعين الإجلال والإكبار،فقد قال الشاعر :
وعَيْنُ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ***كما أن عين السُّخْطِ تبدي المساويا
ولقد حدثني كثير من الشباب الذين ذهبوا إلى الغرب عن أفعالٍ من أسوأ الأخلاق، لكنهم هم إذا نصحوا فيما ينصحون فيه من البيع والشراء، فليس
لأنهم ذَوو أخلاق، لكن لأنهم عبّادُ مادة، والإنسان كلما كان أنصح في معاملته في هذه الأمور كان الناس إليه أكثرإقبالًا ، وإلى شراء سِلعِه وترويجها أسرع .
فهم لا يفعلون ذلك؛ لأنهم كاملو الأخلاق، لكن لأنهم أصحاب مادة، ويرون من أكبر الدِّعايات لتنمية أموالهم أن يحسنوا المعاملة، من أجل أن تكون هذه الأموال مقبولة، وإلا
فهم كما وصفهم الله عزَّ وجلَّ: (إن الذين كفروا من أهل والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أؤليك هم شر البرية).البينة.ولا أظنُّ أحدًا أصدق وصفًا من وصف الله عزَّ
وجلَّ للكافرين، فإنهم شرُّ البرية، وكيف يرجى خيرٌ مقصود لذاته من قوم وصفهم الله بأنهم شرُّالبرية، لا أعتقد أن ذلك يكون أبدًا، لكن ما يوجد فيهم من الصدق والبيان
والنصح في هذه المعاملات إنما هو مقصود لغيره عندهم، وهو الحصول على المادة والكسب، وإلا فمن رأى ظلمهم وغُشمهم واستطالتهم على الخلق في مواطن كثيرة،
عرف مصداق قوله تعالى : (أُؤليك هم شر البرية) وأما بالنسبة لما وقع من كثير من المسلمين، من الغش والكذب والخيانة في المعاملات، فإن هؤلاءالمسلمين نقص من إسلامهم وإيمانهم بقدر ما خالفوا به الشريعة في هذه الأمور. فلا يعني أن مخالفة بعض المسلمين وخروجهم عن إطار الشريعة في مثل هذه الأمور، لا يعني ذلك النقص
في الشريعة، فالشريعةكاملة، وهؤلاء الذين أساؤوا إلى أنفسهم قبل كل شيء، ثم إلى شريعة الإسلام، ثم إلى إخوانهم من المسلمين، ثم إلى من يعاملونه من غيرالمسلمين،
هؤلاء إنما أساؤوا إلى أنفسهم فقط، والعاقل لا يجعل إساءةَ العامل سوءًا في الشريعة التي ينتمي إليهاهذا العامل ولذلك فإنني أرجو من جميع المسلمين أن تكون لديهم حملة قوية في محاربة هذه الأمور التي لايقرُّهاالإسلام، من الكذب والخيانة والغش والخداع وما أشبه ذلك .