التوبه
الحمدلله غافر الذنب 0وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول
لا إله إلا هو إليه المصير0 والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن من أعظم نعم الله عز وجل أن
فتح باب التوبة وجعله فجرا تبدأ معه رحلة العودة بقلوب منكسرة
ودموع منسكبة وجباه خاضعة يقول الله عز وجل (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )
(الحجر 49)
ويقول الله عز وجل :
(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (البقرة 222)
ويقول تعالى حاثاً على التوبة والرجوع والأوبة
(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (النور 31 ) وصح عنه .
صلى الله عليه وسلم كما روى ذلك الإمام مسلم أنه قال (إن الله يبسط ُ يده بالليل ليتوبَ
مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمسَ من مغربها)
رواه مسلم 0وهذا نبي الرحمة وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول:
(( يأيها الناستوبوا إلى الله فأني أتوب في اليوم إليه مائة مرة))
وإنظري وتأملي أختي المسلمة :
في فضل الله عز وجل ، على التائبة العائدة ،
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( التائب من الذنب كمن لاذنب له )) رواه ابن ماجة0
أختي المسلمة
وكما نعلم أن رمضان فرصة عظيمة للتوبة لمن صدق مع الله ونسأل الله أن يبلغنا صوم شهر رمضان 0
ولا تكوني أيتها المفرطة ممن رغم أنفها وخسرت الفرصة العظيمة فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (رغم أنف من أدرك رمضان فلم يغفر له )
[ رواه الترمذي] ولا يأخذكي الهوى وملهيات النفس فإن الرسول صلى الله عليه وسلم
يقول (( كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا : يارسول
الله !! ومن يأبى ؟؟ قال : (( من أطاعني دخل الجنه ومن عصاني فقد أبى )) رواه البخاري .
وهذا الحديث بشارة لجميع المسلمين بالجنة . إلا صنفا منهم
لايريدون دخولها لازهدا فيها ولكن جهلا بالطريق الموصله إليها
وتراخيا وتكاسلا عن دخولها . وتفضيلا لهذه المتع الدنيويه الزائله على
تلك النعم الخالدة في الجنه .
أختي المسلمة
جدي في التوبه وسارعي إليها فليس للعبد مستراح
إلا تحت شجرة طوبى ولاللمحب قرار إلا يوم المزيد .
فسارعي إلى التوبه وهبي من الغفله وإعلمي أن خير أيامكِ
العوده إلى الله عزوجل .
فأصدقي في ذلك وليهنئكِ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
(( لله أشد فرحا بتوبةعبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض
فلاة فإنفلتت
منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فإضطجع في ظلها .
وقد أيس من راحلته . فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده . فأخذ
بخطامها . ثم قال من شدة الفرح ، اللهم أنت عبدي وأنا ربك . أخطأ
من شدة الفرح )) . رواه مسلم .
أختي المسلمة :
قال يحيى بن معاذ رضي الله عنه :
(( من أعظم الإغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو
من غير ندامه وتوقع القرب من الله بغير طاعة . وإنتظار زرع
الجنه ببذر النار . وطلب دار المطيعين بالمعاصي . وإنتظار
الجزاء بغيرعمل . والتمني على الله عزوجل .مع الإفراط ومن أحب
الجنة إنقطع عن الشهوات . ومن خاف النار إنصرف عن السيئات ))
وقال الحسن البصري :
(( إن قوما ألهتهم أماني المغفرة . حتى خرجوا من الدنيا بغير توبه
يقول أحدهم إني أحسن الظن بربي ، وكذب . لو أحسن الظن لأحسن
العمل )) .
ويقول رحمه الله : إن المؤمن قوام على نفسه لله عزوجل
وإنما خف الحساب يوم القيامه على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا
وإنما شق الحساب يوم القيامه على قوم أخذوا هذا الأمر من غير
محاسبه . إن المؤمن يفجؤه الشيئ يعجبه فيقول : والله لأشتهيك
وإنك لمن حاجتي ولكن والله مامن صلة إليك هيهات هيهات . حيل
بيني وبينك . ويفرط منه الشيئ فيرجع إلى نفسه فيقول : مأردت
إلى هذا مالي ولهذا !! والله لاأعود لهذا أبدا إن شاء الله . إن المؤمنين
قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم . إن المؤمن أسير في
الدنيا يسعى في فكاك رقبته . لايأمن شيئا حتى يلقى الله عزوجل
يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه .
أختي المسلمة :
إن جهاد النفس ، جهاد طويل وطريق محفوف
بالمكاره مذاقه مر وملمسه خشن ، فعليكِ بالسير في ركاب التائبات
حتى تحط رحالكِ في جنات عدن .
قال( حاتم الأصم ): من خلال قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر
لايأمن الشفاء :
الأول : خطر يوم الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولاأبالي .
وهؤلاء في النار ولاأبالي فلا يعلم في أي الفريقين كان .
الثاني : حين خلق في ظلمات ثلاث . فنادى الملك ، بالشقاوة والسعادة
ولايدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء .
الثالث : ذكر هول المطالع فلا يدري أيبشر برضاء الله أم بسخطه .
الرابع : يوم يصدر الناس أشتاتا فلا يدري أي الطريقين يسلك به .
(وقال الحسن) : إبن آدم ...إنك تموت وحدك وتدخل القبر وحدك .
وتبعث وحدك وتحاسب وحدك ... فينبغي لكل ذي لب وفطنه أن يحذر
عواقب المعاصي . فإنه ليس بين الآدمي وبين الله تعالى ، قرابه
ولارحم وإنما هو قائم بالقسط . حاكم بالعدل . وإن كان حلمه يسع
الذنوب . إلا أنه إذا شاء عفا . وإن شاء أخذ وأخذ باليسير.
فالحذر الحذر ...!!!
أختي المسلمه :
كلنا أصحاب ذنوب وخطايا وليس منا من هو
معصوم عن الزلل والخطأ ولكن خيرنا من تسارع إلى التوبه وتبادر
إلى العودة تحثها الخطى . وتسرع به الدمعة .ويعينها أهل الخير
رفقاء الدنيا ولآخرة فإن من واجب الأخوة في الله عدم ترك العاصي
يستمر في معصيته بل يحاط به بإخوته ويذكر وينبه ولايهمل ويترك فيضل ويشقى .
أرأيتِ لو نزل بها مرض أو شأن من أمور الدنيا كيف تقفين معها
وتعينيها ..؟؟
فلآخرة خير وأبقى . ولو تفقد كل مسلم أخاه وقريبه لصلحت الحال
وإستقامت الأمور .
( يقول إبن القيم ) : رأيت الخلق كلهم في صف محاربة .
والشياطين يرمونهم بنبل الهوى ويضربونهم بأسياف اللذة
فأما المخلطون فصرعى في أول اللقاء وأما المتقون جعلنا الله منهم
ففي جهد جهيد من المجاهدة . فلا بد مع طول الوقوف في المحاربة
من جراح . منهم يجرحون ويداوون . إلا أنهم من القتل محفوظون .
بل إن الجراحة في الوجه شين باق ٍ . فليحذر ذلك المجاهدون .
أختي المسلمة :
بادري إلى التوبه ودعي عنكِ لعل وسوف ولايغركِ
طول الأمل فإن الموت يأتي فجأة ..!! والموت يطلبكِ في كل لحظة ..!!
قال( شيخ الإسلام إبن تيميه ) : الذي يضر صاحبه هو مالم يحصل
منه توبه . فأما ماحصل منه توبه فقد يكون صاحبه بعد التوبه أفضل
منه قبل الخطيئه .
ولاتظني أختي المسلمة أن التوبه في ترك المنكرات والمعاصي
فحسب بل إحرصي على التوبه من ترك النوافل والمداومه على الخير.
فتوبي من تفريطك ِ في السنن الرواتب وتوبي عن إضاعة وقتكِ
الثمين .
وإعلمي أن المؤمن إذا فعل سيئه فإن عقوبتها تندفع بعشرة أسباب :
الأول : أن تتوبي توبه نصوحا ليتوب الله عليكِ فإن التائب
من الذنب كمن لاذنب له .
الثاني : أن تستغفري الله فيغفر الله تعالى لكِ
الثالث : أن تعملي حسنات تمحيها لقوله تعالى
(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (هود114) .
الرابع : أن تدعو لكِ أخواتكِ المؤمنات ويشفعوا لكِ حيه وميته .
الخامس : أن تهدي لكِ أخواتكِ المؤمنات من ثواب أعمالهن
ماينفعكِ الله بها
السادس : أن يشفع فيكِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
السابع : أن يبتليكِ الله في الدنيا بمصائب في نفسكِ ومالكِ
وأولادكِ وأقاربكِ ومن تحبي ونحو ذلك .
الثامن : أن يبتليكِ الله في البرزخ بالفتنه والضغطه وهي عصر
القبر فيكفر بها عنكِ
التاسع : أن يبتليكِ الله في عرصات القيامه من أهوالها بما يكفر عنكِ .
العاشر: أن يرحمكِ أرحم الراحمين .
فمن أخطأت هذه العشرة فلا تلومن إلا نفسها كما قال تعالى.
في( الحديث القدسي) : ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم
ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمدالله ومن وجد غير ذلك
فلا يلومن إلا نفسه .رواه مسلم .
وشروط التوبه أربعه :
أولا : الإقلاع عن الذنب
ثانيا : الندم على مافات.
ثالثا: العزم على أن لايعود .
رابعا: إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره
وحالنا في هذه الدنيا بين مسوف ومفرط حتى يفاجئنا الموت
على حين غفله وتأملي في حال البعض ممن تؤثر الظل على الشمس
ثم لاتؤثر الجنه على النار .
وجعلني الله وإياكم ممن إذا زل ثاب وتاب ورزقنا توبه نصوحا
قبل الموت وتقبل الله منا صلاتنا وقيامناوصيامنا وتجاوز عن تقصيرنا
وآثامنا وغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا وأخواتنا..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .