(( بسم الله الرحمن الرحيم ))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..~
أسعد الله جميع أوقاتكم بالخير والمسرات .. وعطرها بآياته وذكره ..
نقلت لكم بعض العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم في بحث علمي هادف أتمنى لكم الفائدة كم استفدت ..
- العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم :
أولا : الاستعداد الشخصي والعمر المناسب :
أ ـ الاستعداد الشخصي :
تقرر الدراسات التربوية الحديثة أن ثمة صفات شخصية لها دور فعّال في عملية الإنجاز أيا كان، دراسة واستيعابا، أو حفظا واستذكارا.
وهي الصفات هي:
1ـ الرغبة desire
2ـ والتطلع expectation.
3ـ والاهتمامinterest.
وإذا اجتمعت هذه الصفات في الطالب أوجدت لديه التركيز الذي يأتي تلقائيا، ومن ثم لا يجد صعوبة كبيرة في الإنجاز.
ومن هنا يعلل علماء النفس تذكر الإنسان الأشياء التي تهمه، ونسيانه ما ليس كذلك .
وعلى ضوء هذه المنطلقات التربوية النفيسة يقوم التخطيط والتربوي أثناء وضع المناهج الدراسية الملائمة لميول الطلاب وأعمارهم واتجاهات بيئتهم.
وإذا كان المسلم في غير مجال القرآن الكريم قد تتوفر لديه كل أو بعض هذه الصفات، إلا أنه في مجال القرآن الكريم حفظا ودراسة وتلاوة وتدبرا، تتدافع في حسه الكامن هذه الصفات بصورة لا تتوفر عند غير المسلمين.
فمن من المسلمين لا يرغب أو لا يهتم بحفظ كتاب الله؟؟!
ومن منهم لا يتطلع إلى أن يكون له الإلمام اليسير فضلا عن الباع الطويل في دراسة القرآن الكريم؟! وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وهو حبل الله الممدود إلى الأرض من تمسك به فاز ونجا..
على أن منهج العبادة في الإسلام ـ ومنه حفظ القرآن ـ يقوم فوق ذلك على أساس "الإخلاص" لله وحده، وتنهار العبادة تماما إذا داخلها شيء من الرياء أو الشرك.
ولذا يجاء بالرجل يوم القيامة الذي تعلم القرآن وعلمه وقرأ القرآن، فيعرفه الله نعمه فيعرفها، فيقول له: فما عملت بها؟ فيقول: تعلمت فيك وعلّمته، وقرأت فيك القرآن. فيقول له: كذبت. ولكن تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار .
ومن هنا ينفرد المسلم الحق بعنصر "الإخلاص" لله وحده وهو أساس قبول العمل الصالح.
بيد أن حفظ القرآن الكريم أمر غير متيسر لكل أحد، فقد تكون لدى الإنسان الرغبة في ذلك، ويحفزه الاهتمام، ويدفعه التطلع إلى ما أعده الله من دار الكرامة لمن حفظ كتابه وعمل به، وفوق ذلك يتوفر لديه الإخلاص، والبعد عن الرياء..لكن عامل السن قد لا يساعده، فلنتحدث برهة عن هذا العامل الهام..
ب ـ العمر المناسب:
بادئ ذي بدء لست ممن يحصر إمكان حفظ القرآن في سن الطفولة أو الشباب أو ما بين السنة السابعة إلى الخامسة عشرة باعتبارها سن "تقبل" المعلومات والمحفوظات في يسر وسهولة..فجل الصحابة الذين اشتهروا بقراءة القرآن وإقرائه وإتقانه لم يحفظوه في طفولتهم..بل لم يسلم أكثرهم إلا وقد جاوز سن الطفولة أو المراهقة.
ومع هذا كان "إسلامهم" هو الدافع إلى الاهتمام بالقرآن وحفظه والعمل به، وبرعوا في ذلك على مثال لا نظير له..
وما من شك أن عهد الصبا عهد "الحفظ" وقديما قالت العرب: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.. والأطفال إلى سن دون المراهقة أو بعدها بقليل هم "المادة" الأساسية الأولى لحفظ القرآن الكريم ويتلخص سبب ذلك علميا في أن الأطفال يتمتعون بـالتذكر الآلي roie memory بصورة خاصة وهذا يفسر لنا قدرة الأطفال على استرجاع الأناشيد دون أي فهم للمعنى.. وعندما ينمو الطفل عقليا وتكون مادة الحفظ في مستوى إدراكه يفضل التذكر القائم على الفهم1.
يقول أبو حامد الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك..ومهما أهمل في ابتداء نشئوه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا، ذا فضول وضحك وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب" .
ويقول العلامة ابن الجوزي: " ... أما تدبير العلم فينبغي أن يحمل الصبي من حين يبلغ خمس سنين على التشاغل بالقرآن والفقه وسماع الحديث، وليحصل له المحفوظات أكثر من المسموعات لأن زمان الحفظ إلى خمس عشرة سنة، فإذا بلغ تشتت همته ... وأول ما ينبغي أن يكلف حفظ القرآن متقنا، فإنه يثبت ويختلط باللحم والدم! " .
وإذا كان الأطفال أرسخ حفظا وأسرع استجابة، فلا جرم أن الشباب أكثر استيعابا وإتقانا، والشيوخ أكثر إدراكا ووعيا للمعاني القرآنية، ويزداد هذا الإتقان كلما ازدادت العناية بالقرآن تلاوة وتكرارا.
ثانيا: حدة الذكاء وقوة الذاكرة:
كيف يحدث الحفظ؟ وكيف تخزن الألفاظ والمعاني؟ وكيف تستحضر بمجرد الرغبة في ذلك؟ ما الذكاء؟ وما الذهن؟ وهل الذكاء وحده وراء حفظ القرآن الكريم؟؟
ليس من سبيل إلى القطع بحقيقة علمية حول ماهية الذهن وكيفية خزن الحروف والمعلومات لدى الإنسان أو الحيوان، لأن ما ظهر من نظريات وهي مختلفة ومتضاربة لا ترتقي إلى مستوى اليقين ولا تصمد أمام النقد.
الذكاء وحفظ القرآن:
قالوا إن رواء الذكاء وقوة الحافظة عوامل فسيولوجية فحسب، كالغدد اللاقنوية أو الغدد الصم التي تفرز هرموناتها hormmon1 في الجسم فتزيد من نحوه الجسمي والعقلي .وقالوا: بل الذاكرة تعتمد على العوامل الفطرية الوراثية، وبالتالي يكون مجال "تحسين الذاكرة" محدودا وهذا قول لا تشهد له التجربة فكم من بليد في أعين الناس انقلب ذكيا حين غيرت بيئته، وجدد نمط حياته وفك أسره من قيد الهم ونكد الحياة..
وقالوا: بل الذكاء يرتبط ارتباطا وثيقا ببنية الجسم النحيفة، وهذا اعتقاد شائع لا صحة له .
وقالوا: للعوامل البيئية دور فعال في الإثارة الذهنية ولا سيما عند الأطفال .
ونقول: لئن صح شيء مما سبق من "عوامل إيقاد الذكاء ونمائه" في غير مجال القرآن الكريم، فليست هذه العوامل وحدها وراء حفظ الإنسان لكامل كتاب الله..
وإلا فكيف نفسر السر في حفظ الأطفال المسلمين القرآن فيما دون العاشرة أو بعدها بقليل مع أن "الغدد" التي تثري الذكاء لا تبلغ قمة نشاطها في هذا السنن؟؟ ثم ألست ترى أن عددا كبيرا من أطفال المسلمين يحفظون كامل القرآن في هذه السن المبكرة في كل بلاد الإسلام عربيها وعجميها؟ بل وتجد رجالا من الأعاجم يحفظون القرآن كاملا ومع ذلك لا يفقهون شيئا من اللغة العربية ولا يتكلمونها بتاتا ... ؟
الذي أود تقريره أن القرآن الكريم يشتمل على سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربع وثلاثين كلمة تنخرط في أكثر من ستة آلاف آية .
وهو عدد لا يتيسر لكل أحد من الأذكياء حفظه عن ظهر قلب، ولا يعني كونه معجزا في حفظ الناس له أن عسير الاستظهار بل المراد إنه لا مثيل له من الكتب السماوية أو غيرها مما يقع في ضخامة مادته اللفظية والمعنوية وقد حفظه الناس على وجه التواتر دون انقطاع من لدن نزوله وإلى أن يشاء الله.
قال الرافعي: "إننا لنعرف صبيان المكاتب ـ وقد كنا منهم ـ وما يسهل عليه القرآن وإظهاره ولا يمكنه في أنفسهم حتى يثبتوه إلا نظمه واتساق هذا النظم، ولو هم أخذوا في غيره من فنون المعارف أو مختار الكلام أو نحوه مما يرادون على حفظه، أي ذلك كان، لأعياهم وبلغ منهم إلى حد الانقطاع والتخاذل حتى لا يجمعوا منه قدرا في حجم القرآن إن جمعوه إلا وقد استنفدوا من العمر أضعاف ما يقطعونه في حفظ القرآن، على أنهم يبلغون من هذا بالعفو والأناة ولا يبلغون مثله من ذلك إلا بالعنت والجهد" .
كيف يحدث الحفظ؟
انتهت الدراسات الحديثة إلى أن الذاكرة تنطوي على ثلاثة عناصر على الأقل، وهي:
1ـ التمثلassimilation ويقاس بمقدار الكمية المحتفظ بها بعد التعليم مباشرة ويرتبط بالذكاء ارتباطا وثيقا.
2ـ والاحتفاظ retention ويقدر بالتعبير عن مقدار ما أمكن الاحتفاظ به بعد فترة محدودة، ويتأثر تأثرا كبيرا بعدد مرات استعادة المادة ذهنيا، وارتباطه بالذكاء ارتباط طفيف ويتأثر بالحالات الفسيولوجية الطارئة كالتعب وانحراف الصحة والانفعال.
3ـ والاسترجاع recall ولا بد أن يسبقه "التمثل والاحتفاظ" وصلة الاسترجاع بالذكاء واضحة .
ولقد كان لعلماء المسلمين السبق في كشف هذه العناصر الثلاثة، فهذا علي الجرجاني المتوفى سنة816هـ يقول في تعريف "الضبط" هو: إسماع الكلام كما يحق سماعه، ثم فهم معناه الذي أريده به، ثم حفظه ببذل جهوده، والثبات عليه بمذاكرته إلى حسن أدائه إلى غيره ا. هـ .
فهو يجمع بين: "السماع والفهم، والحفظ، والثبات، والأداء".
ويقول في تعريف الذهن: قوة للنفس تشمل الحواس لظاهرة والباطنة معدة لاكتساب العلوم .
ثالثا: تنظيم الوقت وتحديد الدروس:
وهو ثالث العوامل الضرورية للحفظ، وإن تنظيم الوقت وتوزيعه توزيعا حسنا على ساعات الليل والنهار من أهم عوامل الإنجاز ... واهتمام الإسلام عظيم بهذا الجانب، وإنك لتلمحه في الصلوات الخمس على مدار اليوم، وترى أعمالا فرضت على مدار الأسبوع كالجمعة وغسلها. وترى صيام ثلاثة أيام قد ندب إليه كل شهر، وصيام رمضان مكتوب كل عام ومثله الزكاة، أما الحج فعلى مدار العمر..وأما ذكر الله وشكره فعلى كل حال وفي كل حين.
ومن أهم فوائد توزيع الوقت: تجدد النشاط والهمة، ودفع الكلل والملل، والتعود على الشعائر دون رهق، والإقبال على الجد، والتقليل من اللهو، وهذا من أدق سمات المسلمين.
وفي مجال القرآن الكريم..تبرز أهمية الوقت وتوزيعه بصفة أكثر دقة أحاول تلخيصه فيما يلي:
1ـ ينبغي اختيار أنسب الأوقات لحفظ القرآن أو استذكاره، وقت يكون الإنسان فيه مرتاح البال غير مجهد عقليا..وهذا راجع إلى الأشخاص والأحوال، ومن الأوقات الملائمة فيما قبل الفجر حين تهدأ الأصوات وينيب القلب ويخشع الإنسان ويقرب من ربه، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس..وبعد العصر إثر القيلولة، وينصح الأطباء ألا يجهد الإنسان نفسه وعقله بعد الطعام مباشرة.
2ـ كذلك يراعي الطالب توزيع أوقات للحفظ وأخرى لاستذكار المحفوظ على ألا تكون متتابعة، ويرى علماء النفس أن حسن توزيع الوقت يترك أثرا بعيد المدى في ترسخ المادة، فمن يحفظ نصا ما في شهر يكون حفظه أتقن وأبقى ممن يحفظ النص نفسه في أسبوع .
3ـ عدم إجهاد النفس بكثرة المذاكرة، فمن يستمر على المذاكرة ساعة كاملة ثم يخلد إلى الراحة ليتاح للمادة الاستقرار أوفق ممن يقرأ يوما كاملا في شرود ذهني..فلا تربط نفسك بجدول أوقات جامد.
4ـ وبعد هذا يقيم المسلم توازنا حكيما بين أوقات عمله وحقوق أهله، فيعطي كل ذي حق حقه من غير سرف ولا قتر، ومع هذا فلحامل القرآن شأن آخر..أنه يعتمد على "الاستمرار والمداومة" وفي حديث ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقرأه نسيه" .
ملخص القول: على الطالب في توزيع أوقات حفظ القرآن مراعاة ما يلي:
1ـ تحري أوقات الاستقرار الذهني ليقرأ بتركيز.
2ـ الاستمرار دون انقطاع طويل.
وليتذكر أن بعمله الجليل هذا إنما يتعبد، وله مثوبة عظيمة، أنه يتلو كتاب الله ويتدارسه.
رابعا: الالتزام بنسخة واحدة من المصحف الشريف:
لأن ذلك أثبت للحفظ، وهو ما تنضبط به الذاكرة البصرية، والاستظهار يعتمد على ثلاثة ذواكر:
ـ الذاكرة السمعية، ويقوم المقرئ بدوره في التلقين، والتقويم مما ينمي هذه الذاكرة ويصقلها.
ـ الذاكرة الذهنية، وجل اعتمادها على تدبر المعاني، والنظر في القرائن، ومعرفة المتشابه ومواضعه.
ـ الذاكرة البصرية: واعتمادها إنما يكون على رسم المصحف الشريف بمعرفة مفتتح الآيات والسور في مواضعها من الصفحة، وكذا مختتمها، بحيث أن الطالب حينما يقرأ من حفظه تتراءى له الصفحات وكأنما ينظر إليها، ولهذا إذا غير الطالب نسخة المصحف الذي حفظ منه ودرج عليه لقي عناء ومشقة، فاتخذ أيها الطالب لنفسك طبعة من المصحف الشريف لا تحيد عنها.
خامسا: ضرورة التلقي عن مقريء:
من خصائص القرآن الكريم أنه يؤخذ تلقيا عمن تلقاه عن غيره .. وحتى رسول الله وهو إمام المقرئين صلوات ربي وسلاماته عليه، كان يأخذ عن جبريل عليه السلام عن الله ـ جل ذكره ـ.
قال السيوطي: ومما يدل للقراءة على الشيخ عرض النبي صلى الله عليه وسلم، القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان كل عام.
ولقد نهج الصحابة هذا المنهج، فبعد أن تلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتهر منهم بإقراء القرآن سبعة1قرأ عليهم خلق كثير.
وإلى "منهج الإقراء" يشير قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب" .
ثم إن بناء المجتمع المسلم ـ ونحن في مسيس الحاجة إليه اليوم ـ من أسسه الكبرى ووسائله الأولى وأهدافه المرتجاة "نشر القرآن" بين أفراد الأمة وتعليما وتطبيقا ودعوة..وهذا ما قامت عليه دولة الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا "يعني المدينة" مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس .
ولهذا رأى بعض السلف أنه إذا كان الإنسان يتعلم القراءة من المصحف بمفرده منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على ألفاظ القرآن .
ومن هذه المنطلقات نوجز الحديث عن المقرئ الأمثل فنقول:
فضلا عن مراعاة الاستقامة وحسن المظهر والمخبر، ونقاء السريرة في الخلوة والجلوة وسلامة النطق بالعربية الفصحى..لابد أن يكون المقرئ ملما بدقائق مهمته ومحيطا بأحوال طلابه وأخطائهم المتوقعة، ويتحرى من جمع بين الدراية والرواية فذاك أزكى وأرجى، وعلى المقرئين مراعاة أمور في عملهم المبارك، لعل أهمها:
أـ المقرئ والقراءات:
ينبغي للمقرئ الابتعاد عن القراءات الشاذة، والالتزام لمتواتر المشهور منها .
ومهما في مفهوم "السبعة الأحرف" الواردة في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرف فلم أزل استزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف" .
فالذي ينبغي أن يراعيه المقرئ هو التسهيل وعدم حشو ذهن الطالب بالقراءات قبل تمكنه من الحفظ، ولقد كان نافع بن عبد الرحمن يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك فيقفه عليها.
وبعد مرحلة إتمام الحفظ إن بدا له دراسة القراءات فيسلك ما كان عليه السلف كانوا يأخذون كل ختمة برواية مستقلة لا يجمعون رواية إلى غيرها إلا أثناء المئة الخامسة حيث ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة، واستقر عليه العمل، ولم يكونوا يسمحون به إلا من أفرد القراءات وأتقن طرقها وقرأ كل قارئ بختمة على حدة .
المقرئ ومعاملة الطلاب والأطفال خاصة:الأطفال هم الخامة والمادة الحيوية لحفظ كتاب الله، والإنسان في هذه السن يكون أسرع استجابة في التلقين والتهذيب على السجية، وليتخير من نبهاء الأطفال من يصلح للحفظ، ويراعي بالإضافة إلى تهوئة المكان وصحيته وملاءمة الوقت وألا يكون الطفل جائعا أو في حاجة ويراعي عدم القسوة والعنف البالغ عن الحد ويتجنب السخرية .
ومن أهم ما يحسن النتائج عدد الطلاب إن كان قليلا، ولقد كان الصحابي الجليل أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه فإذا غلط عريفه رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك .
ويستطيع الطفل بدء الحفظ وهو في الخامسة وذلك راجع إلى البيئة التي ينشأ فيها الطالب، ويكون معدل حفظه في السنة الواحدة على ما يقرره ذووا الخبرة ثلاثة أجزاء، ومع زيادة اجتهاد الطفل يصل إلى ثمانية أجزاء سنويا..
والأوفق عندي بالنظر إلى بيئاتنا المعاصرة وما طرأ عليها من تجدد في شتى مسالك الحياة، أن يبدأ الطفل بصفة جادة منظمة مع بداية سن الحادية عشرة، وكان زيد بن ثابت الصحابي سيد القراء بدأ حفظه حين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في هذا السن وكل ما سبق من مقومات المقرئ الأمثل يقوم على الصبر، والدأب، وسعة الصدر وطول البال وهذه الأوصاف مجتمعة تثمر أزهى الثمار ومما حفظ التاريخ من جهود السلف أن قالون "من أئمة القراء وقارئ أهل المدينة في زمانه" كان شديد الصمم، بحيث لو رفع إنسان صوته إلى غايته لم يسمع، فكان ينظر إلى شفتي القارئ فيرد عليه اللحن والخطأ!! .
وينبغي ألا يرفع الطلاب أصواتهم فيؤذي بعضهم بعضا بذلك، ومن أدب طالب العلم مراعاة الوقار والاتزان وهو يتلو كتاب الله، وفي حديث أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر، وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع على بعض في القراءة" .
سادسا: إيجاد الحوافز والمرغبات:
وهذه من العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم، وخاصة في زمن كزمننا حيث كثرت الملهيات عن ذكر الله، وتعددت أشكالها وأهدافها، وتداخلت وسائل الشر ووسائل الخير، واتجهت كثير من بلاد المسلمين إلى فرض المناهج التعليمية العلمانية التي تجعل المواد الشرعية وفي قمتها القرآن الكريم، موادا ثانوية وتسميها "دين" وكأن الدين شيء والحياة شيء آخر.
ولئن جاز هذا في بلاد الكفر والزيغ حيث ولدت العلمانية وصدرت إلينا فهو غير وارد على الإطلاق في ديار الإسلام ... لعمومية الإسلام لكل الناس، ثم لشموليته لجميع شؤون الحياة ومتطلباتها..
إن الطالب المسلم اليوم قارئ الكريم، يعاني من "جفاف" المناهج التي يدرسها، لقد جردت عن المعاني الإسلامية ـ إلا من رحم الله ـ.
وثمة مراكز أنشئت "للإبقاء" على هذا الحال في كل المراحل بدءا من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية..ولهذا ما له ن نتائج بالغة السوء إن استمر حال التعليم على ما هو عليه في أكثر بلاد المسلمين ومن هنا، وفي هذا البحث المتواضع ننادي بإيجاد الحوافز والتشجيع ... وهو أمر مهم وضروري في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا الإسلامية وسنشير إلى بعض التوصيات الخاصة بذلك في خاتمة البحث إن شاء الله.
وفوق هذا فحفظ القرآن يتطلب جهدا خاصا، وعملا متواصلا، وعزيمة صبورة لا تعرف الملل ولا النكوص!! أفليس إيجاد الحوافز ضروريا؟!
المصدر : كتاب " كيف تحفظ القرآن الكريم ؟ "
لمؤلفه : عبد الرب نواب الدين آل نواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..~
أسعد الله جميع أوقاتكم بالخير والمسرات .. وعطرها بآياته وذكره ..
نقلت لكم بعض العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم في بحث علمي هادف أتمنى لكم الفائدة كم استفدت ..
- العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم :
أولا : الاستعداد الشخصي والعمر المناسب :
أ ـ الاستعداد الشخصي :
تقرر الدراسات التربوية الحديثة أن ثمة صفات شخصية لها دور فعّال في عملية الإنجاز أيا كان، دراسة واستيعابا، أو حفظا واستذكارا.
وهي الصفات هي:
1ـ الرغبة desire
2ـ والتطلع expectation.
3ـ والاهتمامinterest.
وإذا اجتمعت هذه الصفات في الطالب أوجدت لديه التركيز الذي يأتي تلقائيا، ومن ثم لا يجد صعوبة كبيرة في الإنجاز.
ومن هنا يعلل علماء النفس تذكر الإنسان الأشياء التي تهمه، ونسيانه ما ليس كذلك .
وعلى ضوء هذه المنطلقات التربوية النفيسة يقوم التخطيط والتربوي أثناء وضع المناهج الدراسية الملائمة لميول الطلاب وأعمارهم واتجاهات بيئتهم.
وإذا كان المسلم في غير مجال القرآن الكريم قد تتوفر لديه كل أو بعض هذه الصفات، إلا أنه في مجال القرآن الكريم حفظا ودراسة وتلاوة وتدبرا، تتدافع في حسه الكامن هذه الصفات بصورة لا تتوفر عند غير المسلمين.
فمن من المسلمين لا يرغب أو لا يهتم بحفظ كتاب الله؟؟!
ومن منهم لا يتطلع إلى أن يكون له الإلمام اليسير فضلا عن الباع الطويل في دراسة القرآن الكريم؟! وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. وهو حبل الله الممدود إلى الأرض من تمسك به فاز ونجا..
على أن منهج العبادة في الإسلام ـ ومنه حفظ القرآن ـ يقوم فوق ذلك على أساس "الإخلاص" لله وحده، وتنهار العبادة تماما إذا داخلها شيء من الرياء أو الشرك.
ولذا يجاء بالرجل يوم القيامة الذي تعلم القرآن وعلمه وقرأ القرآن، فيعرفه الله نعمه فيعرفها، فيقول له: فما عملت بها؟ فيقول: تعلمت فيك وعلّمته، وقرأت فيك القرآن. فيقول له: كذبت. ولكن تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل، ثم يؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقى في النار .
ومن هنا ينفرد المسلم الحق بعنصر "الإخلاص" لله وحده وهو أساس قبول العمل الصالح.
بيد أن حفظ القرآن الكريم أمر غير متيسر لكل أحد، فقد تكون لدى الإنسان الرغبة في ذلك، ويحفزه الاهتمام، ويدفعه التطلع إلى ما أعده الله من دار الكرامة لمن حفظ كتابه وعمل به، وفوق ذلك يتوفر لديه الإخلاص، والبعد عن الرياء..لكن عامل السن قد لا يساعده، فلنتحدث برهة عن هذا العامل الهام..
ب ـ العمر المناسب:
بادئ ذي بدء لست ممن يحصر إمكان حفظ القرآن في سن الطفولة أو الشباب أو ما بين السنة السابعة إلى الخامسة عشرة باعتبارها سن "تقبل" المعلومات والمحفوظات في يسر وسهولة..فجل الصحابة الذين اشتهروا بقراءة القرآن وإقرائه وإتقانه لم يحفظوه في طفولتهم..بل لم يسلم أكثرهم إلا وقد جاوز سن الطفولة أو المراهقة.
ومع هذا كان "إسلامهم" هو الدافع إلى الاهتمام بالقرآن وحفظه والعمل به، وبرعوا في ذلك على مثال لا نظير له..
وما من شك أن عهد الصبا عهد "الحفظ" وقديما قالت العرب: التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.. والأطفال إلى سن دون المراهقة أو بعدها بقليل هم "المادة" الأساسية الأولى لحفظ القرآن الكريم ويتلخص سبب ذلك علميا في أن الأطفال يتمتعون بـالتذكر الآلي roie memory بصورة خاصة وهذا يفسر لنا قدرة الأطفال على استرجاع الأناشيد دون أي فهم للمعنى.. وعندما ينمو الطفل عقليا وتكون مادة الحفظ في مستوى إدراكه يفضل التذكر القائم على الفهم1.
يقول أبو حامد الغزالي: "الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عوّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك..ومهما أهمل في ابتداء نشئوه خرج في الأغلب رديء الأخلاق كذابا حسودا سروقا نماما لحوحا، ذا فضول وضحك وكياد ومجانة، وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب" .
ويقول العلامة ابن الجوزي: " ... أما تدبير العلم فينبغي أن يحمل الصبي من حين يبلغ خمس سنين على التشاغل بالقرآن والفقه وسماع الحديث، وليحصل له المحفوظات أكثر من المسموعات لأن زمان الحفظ إلى خمس عشرة سنة، فإذا بلغ تشتت همته ... وأول ما ينبغي أن يكلف حفظ القرآن متقنا، فإنه يثبت ويختلط باللحم والدم! " .
وإذا كان الأطفال أرسخ حفظا وأسرع استجابة، فلا جرم أن الشباب أكثر استيعابا وإتقانا، والشيوخ أكثر إدراكا ووعيا للمعاني القرآنية، ويزداد هذا الإتقان كلما ازدادت العناية بالقرآن تلاوة وتكرارا.
ثانيا: حدة الذكاء وقوة الذاكرة:
كيف يحدث الحفظ؟ وكيف تخزن الألفاظ والمعاني؟ وكيف تستحضر بمجرد الرغبة في ذلك؟ ما الذكاء؟ وما الذهن؟ وهل الذكاء وحده وراء حفظ القرآن الكريم؟؟
ليس من سبيل إلى القطع بحقيقة علمية حول ماهية الذهن وكيفية خزن الحروف والمعلومات لدى الإنسان أو الحيوان، لأن ما ظهر من نظريات وهي مختلفة ومتضاربة لا ترتقي إلى مستوى اليقين ولا تصمد أمام النقد.
الذكاء وحفظ القرآن:
قالوا إن رواء الذكاء وقوة الحافظة عوامل فسيولوجية فحسب، كالغدد اللاقنوية أو الغدد الصم التي تفرز هرموناتها hormmon1 في الجسم فتزيد من نحوه الجسمي والعقلي .وقالوا: بل الذاكرة تعتمد على العوامل الفطرية الوراثية، وبالتالي يكون مجال "تحسين الذاكرة" محدودا وهذا قول لا تشهد له التجربة فكم من بليد في أعين الناس انقلب ذكيا حين غيرت بيئته، وجدد نمط حياته وفك أسره من قيد الهم ونكد الحياة..
وقالوا: بل الذكاء يرتبط ارتباطا وثيقا ببنية الجسم النحيفة، وهذا اعتقاد شائع لا صحة له .
وقالوا: للعوامل البيئية دور فعال في الإثارة الذهنية ولا سيما عند الأطفال .
ونقول: لئن صح شيء مما سبق من "عوامل إيقاد الذكاء ونمائه" في غير مجال القرآن الكريم، فليست هذه العوامل وحدها وراء حفظ الإنسان لكامل كتاب الله..
وإلا فكيف نفسر السر في حفظ الأطفال المسلمين القرآن فيما دون العاشرة أو بعدها بقليل مع أن "الغدد" التي تثري الذكاء لا تبلغ قمة نشاطها في هذا السنن؟؟ ثم ألست ترى أن عددا كبيرا من أطفال المسلمين يحفظون كامل القرآن في هذه السن المبكرة في كل بلاد الإسلام عربيها وعجميها؟ بل وتجد رجالا من الأعاجم يحفظون القرآن كاملا ومع ذلك لا يفقهون شيئا من اللغة العربية ولا يتكلمونها بتاتا ... ؟
الذي أود تقريره أن القرآن الكريم يشتمل على سبعة وسبعين ألف كلمة وتسعمائة وأربع وثلاثين كلمة تنخرط في أكثر من ستة آلاف آية .
وهو عدد لا يتيسر لكل أحد من الأذكياء حفظه عن ظهر قلب، ولا يعني كونه معجزا في حفظ الناس له أن عسير الاستظهار بل المراد إنه لا مثيل له من الكتب السماوية أو غيرها مما يقع في ضخامة مادته اللفظية والمعنوية وقد حفظه الناس على وجه التواتر دون انقطاع من لدن نزوله وإلى أن يشاء الله.
قال الرافعي: "إننا لنعرف صبيان المكاتب ـ وقد كنا منهم ـ وما يسهل عليه القرآن وإظهاره ولا يمكنه في أنفسهم حتى يثبتوه إلا نظمه واتساق هذا النظم، ولو هم أخذوا في غيره من فنون المعارف أو مختار الكلام أو نحوه مما يرادون على حفظه، أي ذلك كان، لأعياهم وبلغ منهم إلى حد الانقطاع والتخاذل حتى لا يجمعوا منه قدرا في حجم القرآن إن جمعوه إلا وقد استنفدوا من العمر أضعاف ما يقطعونه في حفظ القرآن، على أنهم يبلغون من هذا بالعفو والأناة ولا يبلغون مثله من ذلك إلا بالعنت والجهد" .
كيف يحدث الحفظ؟
انتهت الدراسات الحديثة إلى أن الذاكرة تنطوي على ثلاثة عناصر على الأقل، وهي:
1ـ التمثلassimilation ويقاس بمقدار الكمية المحتفظ بها بعد التعليم مباشرة ويرتبط بالذكاء ارتباطا وثيقا.
2ـ والاحتفاظ retention ويقدر بالتعبير عن مقدار ما أمكن الاحتفاظ به بعد فترة محدودة، ويتأثر تأثرا كبيرا بعدد مرات استعادة المادة ذهنيا، وارتباطه بالذكاء ارتباط طفيف ويتأثر بالحالات الفسيولوجية الطارئة كالتعب وانحراف الصحة والانفعال.
3ـ والاسترجاع recall ولا بد أن يسبقه "التمثل والاحتفاظ" وصلة الاسترجاع بالذكاء واضحة .
ولقد كان لعلماء المسلمين السبق في كشف هذه العناصر الثلاثة، فهذا علي الجرجاني المتوفى سنة816هـ يقول في تعريف "الضبط" هو: إسماع الكلام كما يحق سماعه، ثم فهم معناه الذي أريده به، ثم حفظه ببذل جهوده، والثبات عليه بمذاكرته إلى حسن أدائه إلى غيره ا. هـ .
فهو يجمع بين: "السماع والفهم، والحفظ، والثبات، والأداء".
ويقول في تعريف الذهن: قوة للنفس تشمل الحواس لظاهرة والباطنة معدة لاكتساب العلوم .
ثالثا: تنظيم الوقت وتحديد الدروس:
وهو ثالث العوامل الضرورية للحفظ، وإن تنظيم الوقت وتوزيعه توزيعا حسنا على ساعات الليل والنهار من أهم عوامل الإنجاز ... واهتمام الإسلام عظيم بهذا الجانب، وإنك لتلمحه في الصلوات الخمس على مدار اليوم، وترى أعمالا فرضت على مدار الأسبوع كالجمعة وغسلها. وترى صيام ثلاثة أيام قد ندب إليه كل شهر، وصيام رمضان مكتوب كل عام ومثله الزكاة، أما الحج فعلى مدار العمر..وأما ذكر الله وشكره فعلى كل حال وفي كل حين.
ومن أهم فوائد توزيع الوقت: تجدد النشاط والهمة، ودفع الكلل والملل، والتعود على الشعائر دون رهق، والإقبال على الجد، والتقليل من اللهو، وهذا من أدق سمات المسلمين.
وفي مجال القرآن الكريم..تبرز أهمية الوقت وتوزيعه بصفة أكثر دقة أحاول تلخيصه فيما يلي:
1ـ ينبغي اختيار أنسب الأوقات لحفظ القرآن أو استذكاره، وقت يكون الإنسان فيه مرتاح البال غير مجهد عقليا..وهذا راجع إلى الأشخاص والأحوال، ومن الأوقات الملائمة فيما قبل الفجر حين تهدأ الأصوات وينيب القلب ويخشع الإنسان ويقرب من ربه، وبعد الفجر إلى طلوع الشمس..وبعد العصر إثر القيلولة، وينصح الأطباء ألا يجهد الإنسان نفسه وعقله بعد الطعام مباشرة.
2ـ كذلك يراعي الطالب توزيع أوقات للحفظ وأخرى لاستذكار المحفوظ على ألا تكون متتابعة، ويرى علماء النفس أن حسن توزيع الوقت يترك أثرا بعيد المدى في ترسخ المادة، فمن يحفظ نصا ما في شهر يكون حفظه أتقن وأبقى ممن يحفظ النص نفسه في أسبوع .
3ـ عدم إجهاد النفس بكثرة المذاكرة، فمن يستمر على المذاكرة ساعة كاملة ثم يخلد إلى الراحة ليتاح للمادة الاستقرار أوفق ممن يقرأ يوما كاملا في شرود ذهني..فلا تربط نفسك بجدول أوقات جامد.
4ـ وبعد هذا يقيم المسلم توازنا حكيما بين أوقات عمله وحقوق أهله، فيعطي كل ذي حق حقه من غير سرف ولا قتر، ومع هذا فلحامل القرآن شأن آخر..أنه يعتمد على "الاستمرار والمداومة" وفي حديث ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإذا لم يقرأه نسيه" .
ملخص القول: على الطالب في توزيع أوقات حفظ القرآن مراعاة ما يلي:
1ـ تحري أوقات الاستقرار الذهني ليقرأ بتركيز.
2ـ الاستمرار دون انقطاع طويل.
وليتذكر أن بعمله الجليل هذا إنما يتعبد، وله مثوبة عظيمة، أنه يتلو كتاب الله ويتدارسه.
رابعا: الالتزام بنسخة واحدة من المصحف الشريف:
لأن ذلك أثبت للحفظ، وهو ما تنضبط به الذاكرة البصرية، والاستظهار يعتمد على ثلاثة ذواكر:
ـ الذاكرة السمعية، ويقوم المقرئ بدوره في التلقين، والتقويم مما ينمي هذه الذاكرة ويصقلها.
ـ الذاكرة الذهنية، وجل اعتمادها على تدبر المعاني، والنظر في القرائن، ومعرفة المتشابه ومواضعه.
ـ الذاكرة البصرية: واعتمادها إنما يكون على رسم المصحف الشريف بمعرفة مفتتح الآيات والسور في مواضعها من الصفحة، وكذا مختتمها، بحيث أن الطالب حينما يقرأ من حفظه تتراءى له الصفحات وكأنما ينظر إليها، ولهذا إذا غير الطالب نسخة المصحف الذي حفظ منه ودرج عليه لقي عناء ومشقة، فاتخذ أيها الطالب لنفسك طبعة من المصحف الشريف لا تحيد عنها.
خامسا: ضرورة التلقي عن مقريء:
من خصائص القرآن الكريم أنه يؤخذ تلقيا عمن تلقاه عن غيره .. وحتى رسول الله وهو إمام المقرئين صلوات ربي وسلاماته عليه، كان يأخذ عن جبريل عليه السلام عن الله ـ جل ذكره ـ.
قال السيوطي: ومما يدل للقراءة على الشيخ عرض النبي صلى الله عليه وسلم، القرآن على جبريل عليه السلام في رمضان كل عام.
ولقد نهج الصحابة هذا المنهج، فبعد أن تلقوا القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اشتهر منهم بإقراء القرآن سبعة1قرأ عليهم خلق كثير.
وإلى "منهج الإقراء" يشير قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:"خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبي بن كعب" .
ثم إن بناء المجتمع المسلم ـ ونحن في مسيس الحاجة إليه اليوم ـ من أسسه الكبرى ووسائله الأولى وأهدافه المرتجاة "نشر القرآن" بين أفراد الأمة وتعليما وتطبيقا ودعوة..وهذا ما قامت عليه دولة الإسلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البراء بن عازب: أول من قدم علينا "يعني المدينة" مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس .
ولهذا رأى بعض السلف أنه إذا كان الإنسان يتعلم القراءة من المصحف بمفرده منع منه إذا وجد شيخا يوقفه على ألفاظ القرآن .
ومن هذه المنطلقات نوجز الحديث عن المقرئ الأمثل فنقول:
فضلا عن مراعاة الاستقامة وحسن المظهر والمخبر، ونقاء السريرة في الخلوة والجلوة وسلامة النطق بالعربية الفصحى..لابد أن يكون المقرئ ملما بدقائق مهمته ومحيطا بأحوال طلابه وأخطائهم المتوقعة، ويتحرى من جمع بين الدراية والرواية فذاك أزكى وأرجى، وعلى المقرئين مراعاة أمور في عملهم المبارك، لعل أهمها:
أـ المقرئ والقراءات:
ينبغي للمقرئ الابتعاد عن القراءات الشاذة، والالتزام لمتواتر المشهور منها .
ومهما في مفهوم "السبعة الأحرف" الواردة في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أقرأني جبريل على حرف فلم أزل استزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف" .
فالذي ينبغي أن يراعيه المقرئ هو التسهيل وعدم حشو ذهن الطالب بالقراءات قبل تمكنه من الحفظ، ولقد كان نافع بن عبد الرحمن يسهل القرآن لمن قرأ عليه إلا أن يقول له إنسان أريد قراءتك فيقفه عليها.
وبعد مرحلة إتمام الحفظ إن بدا له دراسة القراءات فيسلك ما كان عليه السلف كانوا يأخذون كل ختمة برواية مستقلة لا يجمعون رواية إلى غيرها إلا أثناء المئة الخامسة حيث ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة، واستقر عليه العمل، ولم يكونوا يسمحون به إلا من أفرد القراءات وأتقن طرقها وقرأ كل قارئ بختمة على حدة .
المقرئ ومعاملة الطلاب والأطفال خاصة:الأطفال هم الخامة والمادة الحيوية لحفظ كتاب الله، والإنسان في هذه السن يكون أسرع استجابة في التلقين والتهذيب على السجية، وليتخير من نبهاء الأطفال من يصلح للحفظ، ويراعي بالإضافة إلى تهوئة المكان وصحيته وملاءمة الوقت وألا يكون الطفل جائعا أو في حاجة ويراعي عدم القسوة والعنف البالغ عن الحد ويتجنب السخرية .
ومن أهم ما يحسن النتائج عدد الطلاب إن كان قليلا، ولقد كان الصحابي الجليل أبو الدرداء إذا صلى الغداة في جامع دمشق اجتمع الناس للقراءة عليه، فكان يجعلهم عشرة عشرة، وعلى كل عشرة عريفا ويقف هو في المحراب يرمقهم ببصره، فإذا غلط أحدهم رجع إلى عريفه فإذا غلط عريفه رجع إلى أبي الدرداء يسأله عن ذلك .
ويستطيع الطفل بدء الحفظ وهو في الخامسة وذلك راجع إلى البيئة التي ينشأ فيها الطالب، ويكون معدل حفظه في السنة الواحدة على ما يقرره ذووا الخبرة ثلاثة أجزاء، ومع زيادة اجتهاد الطفل يصل إلى ثمانية أجزاء سنويا..
والأوفق عندي بالنظر إلى بيئاتنا المعاصرة وما طرأ عليها من تجدد في شتى مسالك الحياة، أن يبدأ الطفل بصفة جادة منظمة مع بداية سن الحادية عشرة، وكان زيد بن ثابت الصحابي سيد القراء بدأ حفظه حين مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في هذا السن وكل ما سبق من مقومات المقرئ الأمثل يقوم على الصبر، والدأب، وسعة الصدر وطول البال وهذه الأوصاف مجتمعة تثمر أزهى الثمار ومما حفظ التاريخ من جهود السلف أن قالون "من أئمة القراء وقارئ أهل المدينة في زمانه" كان شديد الصمم، بحيث لو رفع إنسان صوته إلى غايته لم يسمع، فكان ينظر إلى شفتي القارئ فيرد عليه اللحن والخطأ!! .
وينبغي ألا يرفع الطلاب أصواتهم فيؤذي بعضهم بعضا بذلك، ومن أدب طالب العلم مراعاة الوقار والاتزان وهو يتلو كتاب الله، وفي حديث أبي سعيد قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر، وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع على بعض في القراءة" .
سادسا: إيجاد الحوافز والمرغبات:
وهذه من العوامل الضرورية لحفظ القرآن الكريم، وخاصة في زمن كزمننا حيث كثرت الملهيات عن ذكر الله، وتعددت أشكالها وأهدافها، وتداخلت وسائل الشر ووسائل الخير، واتجهت كثير من بلاد المسلمين إلى فرض المناهج التعليمية العلمانية التي تجعل المواد الشرعية وفي قمتها القرآن الكريم، موادا ثانوية وتسميها "دين" وكأن الدين شيء والحياة شيء آخر.
ولئن جاز هذا في بلاد الكفر والزيغ حيث ولدت العلمانية وصدرت إلينا فهو غير وارد على الإطلاق في ديار الإسلام ... لعمومية الإسلام لكل الناس، ثم لشموليته لجميع شؤون الحياة ومتطلباتها..
إن الطالب المسلم اليوم قارئ الكريم، يعاني من "جفاف" المناهج التي يدرسها، لقد جردت عن المعاني الإسلامية ـ إلا من رحم الله ـ.
وثمة مراكز أنشئت "للإبقاء" على هذا الحال في كل المراحل بدءا من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية..ولهذا ما له ن نتائج بالغة السوء إن استمر حال التعليم على ما هو عليه في أكثر بلاد المسلمين ومن هنا، وفي هذا البحث المتواضع ننادي بإيجاد الحوافز والتشجيع ... وهو أمر مهم وضروري في هذه المرحلة التي تمر بها أمتنا الإسلامية وسنشير إلى بعض التوصيات الخاصة بذلك في خاتمة البحث إن شاء الله.
وفوق هذا فحفظ القرآن يتطلب جهدا خاصا، وعملا متواصلا، وعزيمة صبورة لا تعرف الملل ولا النكوص!! أفليس إيجاد الحوافز ضروريا؟!
المصدر : كتاب " كيف تحفظ القرآن الكريم ؟ "
لمؤلفه : عبد الرب نواب الدين آل نواب