(خيركم خيركم لأهله )
زوجتي أنت الأولى بخيري
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
إنّ نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو في موقف عظيم، وفي مكان شريف، وفي تجمع إسلامي عالمي، وأثناء أداء ركن الحج ومن أرض الله الحرام، أوصانا بوصية خاصة، هي الوصية بالنساء، في حجة الوداع، هناك لم ينس أمرهن، هناك لم يترك الوصية بهن، بل أوصى بالنساء؛ ليقرر للأمة أن الحفاظ على نساء المسلمين، وأن الإحسان إلى نسائك -أيها المؤمن- هو من طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هو من إنفاذك لوصيته، هو من اتباعك لهديه -صلى الله عليه وسلم-؛ فعن عمرو بن الأحوص -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرًا". وزوجتك من تلكم النساء،
وابنتك ووالدتك من تلكم النساء وأختك من تلكم النساء، فتذكر -يا أيها المسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أوصاك بهذه الزوجة المؤمنة التي في بيتك، وبتلك الابنة المسلمة وبتلكم الوالدة والأخت خيرًا، تذكّر ذلك كلما رأيتهن حولك، تذكر أنهن وصية نبيك -صلى الله عليه وسلم- لك، ألا فارْع هذه الوصية وافهمها وخذ بها وأحْيِها في حياتك يكن ذلك خيرًا لك، وتكنْ أنت من خير عباد الله.
أيها المؤمن -زوجًا ووالدًا وأخًا وجدًّا، أصغِ بقلبك لهذا الحديث، واستمع بعقلك له وردده بلسانك دائمًا، واسأل الله أن يرزقك العمل به، يقول نبيّك وحبيبك وقدوتك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"، ولا بد من وقفة تأملية علمية فاحصة لمعاني هذا الكلام النبوي ولجُمَلِه وكلماته الصادقة المباركة:
"خيركم": مَنْ خيرُنا يا رسول الله؟! مَنْ؟! ما معيار الخيرية؟! ما الميزان الذي نوزن به ليُعرف من خيرنا؟! ما الإجابة؟! إن الإجابة لن تسمعها من أبواق العلمانيين ولا من أفواه الممثلين، فهؤلاء معاييرهم فاسدة مختلة، فلا تذهب بعيدًا في الحصول على الإجابة، إنّ الإجابة هنا حولك، هنا في بيتك، هنا في أخلاقك، هنا تتلقاها من نبع النبوة والوحي الإلهي، مَنْ خَيْرُكُمْ؟!
قال نبينا -صلى الله عليه وسلم- في الإجابة والبيان: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ"، نعم، فأَعْلى الناس مرتبةً وأفضلهم منزلة هو من كان خير الناس لأهله، هو من كان معظم برّه لأهله، فإذا كنت كذلك فأنت خير الناس وأكرمهم عند الله، وفي ميزان النبوة، وإلا فأنت من شرّ الناس وأوضعهم عند الله وعند نبي الله -صلى الله عليه وسلم-.
"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ".
لماذا لأهله تحديدًا؟! لماذا جاء التعبير النبوي هكذا؟! الأهل هم زوجتك وأولادك وأقاربك، وهؤلاء الأهل هم الأحق بحسن خلقك وبخيرك وبنفعك؛ لأن الأقربين هم أوْلى بالمعروف، فالحديث يقول لك: إذا كان عندك خير فليكن أهلك هم أَوّل المنتفعين من هذا الخير؛ لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهارًا وسرًّا وعلانية، إن حزنت حزنوا معك، وإن فرحت فرحوا معك.
"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ".
فخير الناس عند الله من كان خيره وبره ونفعه لأهل بيته، ليس في دنياهم فقط، بل في دنياهم وفي دينهم على حدّ سواء.
"خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ".
ومن بين أهلك المقصودين في هذا الحديث زوجتك، نعم زوجتك، أم عيالك، ربّة بيتك، رفيقة حياتك، فمن خيرك أيها الزوج: "الإحسان" إلى زوجتك، فزوجتك هي الأَوْلى بإحسانك، فقد قال لك ربك في القرآن العظيم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19]؛ قال ابن كثير: "أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله".
فانتبه -يا أيها الزوج-، إن معاملتك لزوجتك بالحسنى، ليست منّة منك ولا تكرمًا ولا تفضلاً،
إنما هي واجب شرعي عليك، إنما هي أمر رباني، فتذكر أنّ الذي أمرك بالإحسان إلى زوجتك هو الله رب العالمين،
أمرك بذلك في كتابه العزيز، فإن استجبت وفعلت ذلك فأنت من خير الناس عند الله، وإلا فأنت معرض عن كلام ربك، غير مبالٍ بأمره، فلا بد عندها أن تكون من شر الناس.
وللموضوع بقية