الفرق بين الجسد و الجسم في القرآن الكريم
الجسم والجسد كلمتان متقاربتان في الحروف وفي المعنى ، و المتدبر لكتاب الله يجد أن القرآن يفرق بين هاتين الكلمتين تفرقة بالغة الدقة ... فلكل منهما معنى يغاير معنى الآخر فهما ليسا مترادفين كما يرى البعض ، فالجسم يُطلقُ بحسب السياق القرآني على البدن الذي فيه حياةٌ وروحٌ وحركة. وأما الجسدُ فيطلق على التمثالِ الجامد، أو بدن الإنسان بعدَ وفاته وخروجِ روحه!
وتوضيح ذلك بالآتي :
وردت كلمة الجسم مرتين في القرآن :
قال تعالى عن ( طالوت ) مبيناً مؤهلاته ليكون ملكاً على بني إسرائيل:
{ إنَّ الله اصطفاه عليكم وزادهُ بسطةً في العلم والجسم }. [ البقرة : 247 ]
وقال تعالى عن اهتمام المنافقين بأجسامهم على حساب قلوبهم ، واهتمامهم بالصورة والشكل على حساب المعنى والمضمون : { وإذا رأيتهم تعجبك اجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشُبٌ مُّسَنَّدةٌ } [ المنافقون : 4 ]
ونلاحظ من الآيتين أنهما تتحدثان عن الأحياء، فطالوت ملك حي، والمنافقون أحياء يتكلمون .
أما كلمة { جَسَد } فقد وردت أربع مرات في القرآن.
وردت مرتين في وصف العجل ( التمثال ) الذي صنعه ( السّامِرِيّ ) من الذهب لبني إسرائيل، ودعاهم إلى عبادته، مستغلاً غَيبة موسى عليه السلام.
قال تعالى : { واتَّخذ قومُ مُوسى من بعده من حُلِيِّهِم عِجلاً جَسَداً له خوارٌ } [ الاعراف : 148 ]
وقال تعالى : { فأخرج لهم عِجلاً جَسَداً له خوارٌ فقالوا هذا إلاهكم وإلاه موسى فَنَسِىَ * ألا يرون ألا يرجع إليهم قولاً }. [ طه : 88 ]
وأُطلقت كلمة الجسد على ابن سليمان عليه السلام الذي وُلِدَ مَيتاً مشوَّهاً، قال تعالى: { ولقد فَتَنَّا سليمان وألقينا على كُرسِيِّهِ جسداً ثُم أناب } [ ص : 34 ]
فالآية تتحدث هنا عن جسد ألقي على كرسي سليمان – عليه السلام – لا روح فيه ميتا كان أو غير كامل الخلقة .
هذا وقد فصَّـل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قصة المولود الجسد الميْت ...
فقد روى البخاري عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ : لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَمْ يَقُلْ وَلَمْ تَحْمِلْ شَيْئًا إِلَّا وَاحِدًا سَاقِطًا أَحَدُ شِقَّيْهِ فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قَالَهَا لَجَاهَدُوا في سَبِيلِ اللَّهِ .
والمرة الرابعة التي وردت فيها كلمة { جسد } : في بيان أنَّ الأنبياء كانوا رجالاً أحياء، ذَوي أجسام متحركة، ولم يكونوا { أجساداً } هامدة.
قال تعالى : { وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نُّوحي إليهم فسئلوا أهل الذِّكرِ إن كُنتُم لا تَعلَمُون * وما جَعَلناهم جَسَداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين }. [ الانبياء : 7 - 8 ]
من هذا نعلم أن كلمة { جسد } في السياق القرآني وردت صفة للجماد، وللميت، ونُفِيَت عن النبيِّ الحيِّ المتحرك.
وبهذا نعرف الفرق بين الجسم والجسد في القرآن.
فالجسم يُطلقُ على البدن الذي فيه حياةٌ وروحٌ وحركة.
والجسدُ يطلقُ على التمثالِ الجامد، أو بدن الإنسان بعدَ وفاته وخروجِ روحه! [ لطائف قرآنية للدكتور صلاح الخالدي - دار القلم - بتصرف ]